طاقة المكان / بقلم: الاستاذ الدكتور عبدالرضا جاسم

 معظم حياتنا قائمة على الطاقة 50%منها  لطاقة المكان وهي محل تواجدنا وتؤثر على نفسيتنا وان الارض كائن حي ومركز الطاقة وحسب علم المكان فان الانسان يمتص تلك الذبذبات ايجابية كانت اوسلبية ويتم توزيعها على جوانب حياتنا اليومية مثل:
الماء ـــــــــ يعني ـالحياة
الارض ـــ العلاقات
الطاقة ــــ الصحة
البحيرة ـــ الابداع
الجبل ـــ الحكمة
لا يمكن عزل المكان والزمان عن سلوكياتنا بكل موجوداته ولحظاته فبعض الاماكن تشعرنا بالضيق وبعضها يشعرنا بالهيبة والجلال والجمال فالمكان ثابت المتمكن منه متنقل
سيكولوجية المكان
أن لكل مكان شخصيته المتفردة، ولكل بقعة جغرافية عبقريتها الخاصة، يحدد قدرها في الأساس موقعها علي الخريطة. وفي مقابل ذلك يؤكد علماء النفس أن للمكان خصوصية نفسية متميزة ، وللمسافات الفاصلة بين الأفراد معان وجدانية متنوعة ، ولملكية المكان دلالات متعددة ، فقد تكون هذه الملكية حقيقية ( بموجب القانون الوضعي)، أو تكون اعتبارية (بموجب القانون السلوكي)
فالإنسان لا يحيا في فراغ .. هذه حقيقة يقرها الجميع ، ولكن السؤال الأهم أي قدر من الفراغ يحتاجه الإنسان حتي لا يشعر بالضيق النفسي ممن حوله ( سواء أكان ما يشغل هذا الفراغ بشر أم جمادات )؟ ، وإلي أي قدر يسمح الفرد باختراق الآخرين للحيز الجغرافي الذي يحيط به ؟. هذا الموضوع يدرسه علماء النفس تحت اسم ” الحيز الشخصي ” ، ويقصدون به في هذا السياق ” المنطقة التي تحيط بالفرد مباشرة ، والتي تتم – في إطارها – معظم ضروب تفاعله مع الآخرين ” ، وبمعني أكثر تفصيلاً المكان المحيط بالجسم والذي يستثير اقتراب شخص آخر منه استجابة وجدانية سارة أو غير سارة.
وعادة يستثير انتهاك الحيز الشخصي للفرد من قبل الآخرين ردود أفعال سلبية من قبله ، ما لم يكن لهذا الانتهاك ما يبرره ، فطبيب الأسنان ، والحلاق ، والخياط ، قد يخترقون حيز الفرد الشخصي دون أن يثير ذلك أي نفور لديه. أما الالتصاق الزائد به في المصعد الكهربائي أو وسائل المواصلات ، فهي قد تستثير لديه عديد من الاستجابات السلبية.
والسؤال الآن الذي يفرض نفسه علينا هو : إلي أي حد يحترم كل منا المكان الشخصي للآخر؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج منا إلي كثير من التأمل. فالبعض يعتبر اختراق هذا المكان نوعاً من التودد المطلوب ، والبعض يعتبر أن احترام مكان الآخرين  يضفي علي التفاعل  الاجتماعي نوعاً من الرسمية ، ويفقد العلاقة تلقائيتها. والبعض الثالث يري أن اختراق هذا المكان  ضرورة في بعض الأحيان. فكيف يراقب الوالدان أبنائهما ما لم يتعدوا علي بعض خصوصياتهم الشخصية.
أما مظاهر اختراق الخصوصية بين الغرباء ، فأمثلتها كثيرة ومتنوعة منها أن يشاركك من يجاورك الجلوس في إحدي وسائل النقل العام في قراءة الجريدة التي تقرأها ، أو الكتاب الذي تتصفحه ، وقد يصل الأمر أن يحملق البعض في أوراقك الخاصة طالما كانت مفتوحة علي نحو مقروء ، والمثير للدهشة أنهم قد يريدون معك حواراً طويلاً حول ما تقرأه.
ويتخذ بعض المذيعين من الاقتراب المبالغ فيه من المتحاورين معهم وسيلة للتودد إليهم إلا أن الأمر قد يأتي بنتائج عكسية فيؤدي هذا الاقتراب إلي إثارة انفعالات الضيف ليس بسبب الموضوع محل النقاش الدائر بينهم ولكن بسبب انتهاك المكان الشخصي للضيف علي نحو مكدر.
وإذا كان انتهاك الحيز الشخصي ( الذي يتصل بالمساحة المحيطة بالفرد ) يؤدي إلي عديد من ردود الأفعال السلبية فإن الأمر نفسه نجده في حالة انتهاك الملكية الاعتبارية للمكان ، أو ما يعرف اصطلاحاً باسم ” المكانية ” ويقصد المتخصصون بهذا المصطلح ” تعامل فرد ما ( أو جماعة ) مع منطقة جغرافية معينة باعتبارها ملكاً خاصاً به ، وبالتالي فهو يستغل المكان لأغراضه الخاصة ويدافع عنه ضد أي تعد عليه من جانب الآخرين. ويطالبهم أن يعترفوا به بهذا الحق.
وتتعدد مظاهر الملكية المكانية علي نحو كبير والأمثلة علي ذلك كثيرة منها :
1/ تكرار جلوس الطالب علي إحدي المقاعد داخل حجرة الدرس بالمدرسة أو الجامعة ، ومعاملته لهذا المقعد باعتباره ملكاً خاصاً له. فإذا ما جلس عليه غيره ادعي علي الفور أنه يخصه وإن لم يستجب المعتدي عندئذ تبدأ مظاهر الصراع بينهما والاتهامات المتبادلة.
2/والأمر نفسه تفعله بعض جماعات النشاط بالجامعة ( الأسر الطلابية ) فغالباً ما تتخذ كل جماعة مكاناً ما مقراً لها ، يتجمع فيه أعضاؤها ، ويعلنون علي جدرانه عن أنشطتهم. وبالطبع لا يسمحون لأحد بأن يتعدي علي ملكيتهم لهذا المكان.
3/ أضف إلي كل ما سبق ما يفعله الباعة المتجولون الذين يحتل كل منهم مكاناً خاصاً من الرصيف يعرضون عليه بضاعتهم ،
المكان في العلوم الاخرى
الجغرافية / اختصت بدراسة المكان وبالتحديد بالمستوى المكاني وعليه ظهر مصطلح البيئة الجغرافية اكثر من المكان الجغرافي لانه يتعلق بالموجودات المكانية
التاريخ / ترتبط لفظة المكان بالجغرافية والتاريخ معا لان الجغرافية مسكونة بالتاريخ
علم الاجتماع / هو المكان الصحي للاقامة والمعيشة الانسانية وهو امتداد للجسد ومعبر عن قاطنيه
علم النفس / المكان هو الوسيلة لتسهيل التعامل بين الناس في حياتهم اليومية
وقد ظهرت تخصصات جديدة في علم الاعصاب وفي علم النفس تعمل جنبا الى جنب مع المهندسين  المعمارين والمصممين لفهم كيف تؤثر الفضاءات المساحات من ارصفة المدينة الى المباني السكنية على حياة الناس  وعلى الطريقة التي يفكرون بها ويشعرون بالعالم من حولهم
معدلات الاضطراب والقلق لدى سكان المدن اكثر من الاضطراب والقلق لدى سكان الارياف
والبيئة العالية الكثافة تشكل ضغطا كبيرا على الدماغ  وتؤدي الى التفكك الاجتماعي والاجهاد والازدحام
الفلسفة / المكان حاوي للاشياء ولامتناهي وازلي وابدي وقديم وغير فاني
فهو ليس فضاءا فارغا ولكنه مليء بالكائنات والاشياء والاشياء جزء لايتجزء من المكان ولها دلالاتها الخاصه وانواع هذه المكان الفلسفي هي المكان التصوري والحسي والادراكي والفيزيائي
وفي فلسفة كانت مثلا قد فرق بين المكان والزمان بان الزمان يقوم على التوالي بمعنى التعاقب بين الاحداث وفقا للسببية اما المكان فيقوم على التتالي بمعنى التجاور وفقا لعلم الهندسة والمكان شكل تجربتنا الخاجية والزمان شكل تجربتنا الداخلية
والانسان عبر التاريخ يفر للمكان للتخلص من ضغط الزمن عليه سواء اللجوء للاماكن المقدسة او الفضاءات المفتوحة او المنعزلة والمنفردة
 طاقة المكان في الادب
حينما يتم التطرق للمكان يقصد به الخصوصية والاصالة لانه يعطي احساس بالمواطنة واحساس بالزمن وهو الكيان الذي لا يحدث شيء بدونه
المكان في الادب ينقسم الى ثلاثة:
اما مكان القصة وهويتها الوطنية  والتاريخية
او الطموح لدى الكاتب وما رسمه لمسار موضوعه
او ثقافة العصر ومشروع البحث عن الشخصية  المستقبلية واين تكمن
المكان هو طاقة الافكار وهو منتج لاغلب الرموز والاحالات وفيه الكثير من الحقائق وتوثيق العلاقة مع الواقع
وهو الذي يغني النتاج الادبي
والاديب عندما يتحدث عن المكان فانه يعني به  الصور الحسية المكتنزة بالدلالات ضمن نسق موحد تترادف في داخله الحقائق والموروثات
المكان في الادب ويوقظ فينا الكثير من الاماكن التي لم نعيشها من خلال تصوير الاديب لمكان موضوعه ووقوع احداثه وهو مصدر للصور والشخصيات التي بدت في لحظة من الزمن بعيدة عنا ولكن بطريقة تحفز للقارئ للمواصلة في التلقي
المكان مهم في الادب ليس في ذاته وانما بما يؤديه من وظائف يسخرها الاديب لخدمة مبتغاه
لكل نص علاماته المكانية تكون وسطا بين المبدع والقارئ
الاماكن عديدة
1/ المكان الشخصي :وهو الذي نمارس فيه سلطتنا الكاملة وقد يكون معروف للاخرين او لا وقد يكون سري او علني المهم شخصي فقط
2/ المكان عند الاخرين : وفيه كلنا نخضع لسلطة الغير ولابد ان نخضع ونعترف بسلطة الغير عليه
3/ الاماكن العامة: وهذه الاماكن تحت تصرف الدولة حصرا مثل الحدائق العامة الشوارع المؤسسات الحكومية
4/المكان اللامتناهي: وهذا المكان بطبيعته خالي من الاخرين ولا يخضع لسلطة احد وانما هو موجود اصلا قبلنا وباقية بعدنا وابدي غير زائل مثل الصحراء البحار الكواكب
وللمكان عدة اسماء مرادفة ومشتقة منه مثل
1/الامتداد : اي غير متناه وهو جزء من المكان فهو خط محدد او سطح او حجم محدود
وهو هنا في المكان مثل المدة في الزمن
2/ البيئة : مجموع الظروف والعوامل الخارجية التي نعيش فيها العوامل المكانية والزمانية (الزمكانية) الاصلية والطارئة  التي موجودة في بقعة ما فهي حاوية للمكان
3/ الحيز : المكان المحدود لا المطلق (وهو عكس الامتداد الذي يمثل السطح الخارجي للجسم)  (بينما الحيز فهو السطح الداخلي للجسم)
وهو الصلة للاجسام داخل المكان وهو فراغ ذي ثلاثة ابعاد
4/ الفضاء: جامع للمكان والزمان والمكان جزء من الفضاء الشمولي وهو الوعاء الضخم الذي يستوعب بداخله الامكنه المختلفة
5/ الفراغ: وهو اما وقت حر او فرصة للتحرر من اعباء الحياة اليومية  او هو كل شيء خارج عن النشاطات والالتزامات الاجتماعية  وقد يكون الفراغ عامل من عوامل تفكك الشخصية وانحلالها او عامل من عوامل تكاملها واشباع رغباته وانجاز لاهدافها وقد يكون الفراغ هو وجه من وجوه الاغتراب ويبدا الفراغ عندما لا تكون موجودا
والتكنلوجيا الحديثة عمقت وقت الفراغ فهي اما ان تنتبه لهذه الحالة في الاستفادة من التغير الاجتماعي وكيفية التعامل مع الزمن او انه يركسها بحيث لا تستطيع للنهوض
بينما في المجتمعات البعيدة عن التكنلوجيا لا تفرق بين وقت الفراغ ووقت العمل بسبب بساطة العيش كالبدو والفلاحين
الفراغ مهم للانتاج والابداع فهو فرصة لمراجعة الذات المبدعة والمنتجة  وفتح افاق خلاقة لحياة الانسان
واذا وضعنا تقابلية بسيطة بين الزمان والمكان يتضح الاتي
النقطة  ــ يقابلها ـــــــــ اللحظة
الامتداد ــــــــــــــ المدة
التجاور ــــــــــــ التعاقب
التتالي ـــــــــــ التوالي
السكونية ـــــــــــــ الحركة
الثبات ـــــــــ التغيير
الكينونة ــــــــ الصيرورة
وعليه عندما نصل الى الزمان دون مكان يعني (ان الماضي لم يعد) (والحاضر لا يكون ابدا ) (والمستقبل لم ياتي)
علاقة الحركة بالمكان
حلقة الوصل بين المكان والزمان هي الحركة
حركة الاجسام ضمن المكان المحدود وبالزمن المحدد تجعل هناك رابط بينهما وتنتج بفعل التامل
الحركة في المكان دلالة على الوجود
المكان هو خيارا وجوديا
نيوتن في النظرية النسبية قال ان المكان ليس مطلقا في وعينا وانما الزمن مطلق والمكان نسبي والزمان ثابت
اما اينشتاين فعارضه وقال ان الزمان والمكان نسبيان فكل انسان لديه ادراكه الخاص للزمان يشابه المكان في نسبيته
تعاملنا مع المكان يختلف من شخص لاخر رغم اتفتقنا على مكوناته
فالبدوي يدرك الصحراء بحسب معيشته فهو يختلف عن الجيولوجي وعالم النبات
وايضا يختلف الزمن في وعي من عاشه عن وعي المؤرخ الذي يسجل الاحداث في عصور لاحقة
لا يمكن قراءة المكان بمعزل عن الزمان
المكان الذي نعيش فيه ليس صامتا فكلما ارتبطت الاحداث بعلامة المكان كلما ازدادت ايماءاتها ودلالاتها
المكان هو دليلنا ومرشدنا ومحطة وقوفنا
والمكان المقترن بالصورة يبقى اطول في المكان الذي نسمع به
اغلب العمليات في الرياضيات يمكن تصورها بدون زمان ومكان فمثلا عندما نجمع واحد مع واحد يساوي اثنين دون ان نتصور خصوصية للمكان والزمان  وعدم النظر اليهما تماما
وبوجود التقنيات الحديثة  اصبحت المناظر الطبيعية والاماكن ذو طبيعية ديمقراطية فكلنا نمتلكها ونستطيع دخولها وكاننا فعلا نعيش ونتجول فيها والعمل الان ضمن التقنية الرقمية لا يحتاج للمكان مثلما نحتاجه في اماكن الحقول الزراعية واصبح التفكير بصورة عالمية وتجاوز المحلية واصبحنا نتمسك بالوجود اكثر من الهوية واصبحت حياتنا منشورة على شبكات التواصل الاجتماعي اكثر من وجودنا على الخرائط
ملاحظــــــــــــة جــــــــد هامـــــة:
كان هذا عنوان المحاضرة التي قدمت يوم الجمعة 14 أب/ اغسطس 2020 على منصة زوم وباشراف وحضور الاستاذ الدكتور حميد فاضل رئيس الجامعة المستنصرية المحترم وباشراف وحضور السيدة عميدة كلية التربية الاساسية الاستاذ الدكتورة ايمان الخفاف المحترمة وبالتعاون مع شعبة التعليم المستمر في الكلية
قدم المحور الاول من المحاضرة الاستاذ الدكتور عجاج سليم من سوريا وكان بعنوان: (طاقة المكان في المسرح)
وقدم المحور الثاني من المحاضرة الاستاذ الدكتور اياد السلامي من جامعة بابل وكان بعنوان ( طاقة المكان الاجتماعية )
وقدم المحور الثالث من المحاضرة الاستاذ الدكتورعبدالرضا جاسم من الجامعة المستنصرية وكان بعنوان (طاقة المكان في الادب وعلم النفس)
ادار الجلسة بحرفية عالية وثقافة متقدمة الاستاذ المساعد الدكتورة ندى عايد من كلية التربية الاساسية الجامعة المستنصرية
وقد شرفنا بالحضور العديد من الاساتذة من مختلف الجامعات العربية والعراقية ورؤساء اقسام الكلية واساتذة الكلية المحترمون مع حفظ الالقاب والمقامات واخص بالذكر
الاستاذ الدكتور عبدالباقي بدر عميد كلية الاداب الجامعة المستنصرية والاستاذ الدكتور علي عز الدين عميد كلية التربية الاساسية جامعة واسط والاستاذ الدكتورة سلوى احمد عميد كلية التمريض جامعة الموصل والاستاذ الدكتور عامر القيسي المحترم عميد الكلية السابق والاستاذ الدكتور محمد كريم معاون عميد كلية التربية الاساسية جامعة ميسان السابق جامعة واسط المحترم والاستاذ المساعد الدكتور عماد طعمة معاون العميد للشؤون العلمية في الكلية
وعسى ان نكون وفقنا في هذا التلاقح والتحاور العلمي والجمالي ومد جسور التعاون بين مختلف الجامعات والاختصاصات العراقية والعربية والله يحفظ الجميع ودمتم منارات للعلم والمعرفة
 

الاستاذ الدكتور عبدالرضا جاسم

الجامعة المستنصرية كلية التربية الاساسية/ العراق

 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت