الحوار لغة النص المسرحي(الحلقة: 12) / عبد الصاحب إبراهيم أميري
تمهيــــــــد :
قبل الدخول للبحث لابد من القول ان الادب المسرحي من الاداب التي يصعب على المتلقي العادي فهمها وإدراكه وان قراء المسرحية يجب ان يمتلكواخياليا خصبا طريا يسهل عملية القراءة وتحليل النص وفك رموزه وشانها يختلف كثيرا عن شان القصة والقصيدة
محاور البحث
* المؤلف والحوار اللامكتوب
* تعامل المخرج مع الحوار اللامكتوب
* الممثل و ادراك واسع لوصول حرارة النص الي جسد وعقل المتلقي بما فيه المكتوب واللامكتوب
****دور الحوار اللامكتوب في النص المسرحي
إنّ اللغة في المسرحیة هي کالعزف علی الگیتار والکاتب المسرحي الجید هو العازف الماهر الذي یعرف کیف یتعامل مع آلته ویعشق هذا التعامل وبالنهایة یعرف أصول العزف وفنونه ویتأمل الأصوات التي تخرجها الآلة وکأنها مولوده البکر . قد یسأل
سائل : ما فائدة الحدیث عن الحوار اللامکتوب الذي لا ینطق به الممثل ولا یسمعه المتفرج ، فهو لا ینطق ولا یکتب ؟
الجواب : إنَّ أهمیة الحوار اللامکتوب الذي لا یدوّن قدتکون أکثر أهمیة من الحوار المکتوب ، فهو الحوار ( اللامکتوب ) الذي یبعث الحرارة في المکتوب : وهو الذي یکسر أبواب ( الخجل ، الحیرة ، التساؤلات القلق ، الصراحة ، الصدق الکذب … الخ ) .
إنَّ أهمیة الحوار اللامکتوب تزداد عندما یعرف الکاتب کیف یتعامل مع لغته وکیف ینتخب الکلمات من بین عشرات الکلمات المترادفة لیحصل علی العرض الذي من أجله کتب مسرحیته ، وإن مسیرة الکاتب لا تنتهي عند إهتمامه بالحوار اللامکتوب وطريقة كتابة كل كلمة وان صح القول كل طلسم والكتابة الصحيحة هي من طرق توصيل الامكتوب وجعله مفهوما ان الكاتب الجيد هو الذي يعرف كيف يجعل طلاسم نصه بين يدي القارئ ايضا كي يسهل قراءة النص وفك طلاسمه ويجعله سهلا للهضم.
وتعد كتابة النص المسرحي الجيد من اصعب الكتابات الأدبية واذا ما وضع الكاتب اقدامه على ارض صلبة وتمكن من حرفته ما علی المخرج الا أن یبین ملامحها والممثل أن یؤديها والا فشلت مساعي الکاتب
لا بد من التنوية ان الحوار الامكتوب لا يعد من تأليف الكاتب فقط بل للمخرج والممثل مساعي بها وهذه المساعي الخاصة بالمخرج والممثل تنقص وتزيد نسبتها بحسب قوة وضعف النص أعتقد إن الأمر یحتاج الی توضیح بسیط ( ولتوضیح ذلک أبدء مع نفسک. ايها المتلقي ) وأنت في البیت أو في الإدارة أو المحلة أو الشارع أو السوق وبحاجة الی قرض من صدیق أو تطالب صدیقا بالمال الذي اقترضه منک علی أن یسدده خلال مدة محددة وإنتهت المدة ولم یسدد القرض ، نأخذ الحالة الأخیرة والتي قد تکون حدثت لأکثرنا أنظر بتمعن وتذکر نفسک جیداً وأستعرض کل الحالات التي أصابتک بالتفصیل منذ البدایة :
کیف تطالب هذا الصدیق بالمال ( وأنت تخجل منه ) ؟
– ومن ثم یأتي دور کسر طوق الخجل بالتمثیل ….
وتبدء اللغة :
ذهابک إلیه في بیته أو المحل لغرض زیارته ، ویدور الحدیث حول أمور البیع والشراء وأرتفاع أثمان السوق والتضخم ، عسی أن یتذکر المبلغ ، ومن ثم محاولتک إنتخاب الکلمات من بین عشرات الکلمات ،فتطرد البعض وتؤکد علی البعض الآخر وعندما تخرج من فمک کلمة من الکلمات اللامکتوبة ، تبدء الأعتذار وکأنک أرتکبت خطأ لانها نطقت وسمعها صدیقک وأصبحت من الحوار المکتوب عفویاً وحسابها علیک ، علماً بأن هناک عشرات الجمل والکلمات التي تخرج وتجرح صدیقک بقیت في الکلمات اللامکتوبة والملفوفة بالکلمات المکتوبة یسمعها بشکل أو بآخر أو إنها لم تخرج أصلاً إذ بقیت في الرقبة ، وها نحن نتمنی کما تمنی الإمام علي علیه السلام أن تکون لنا رقبة کرقبة البعیر کي نسیطر علی الجمل والکلمات وهي تسلک طریقاً طویلاً ، لذا فنحن نسمع أحیاناً من الآخرین هذه العبارات :
– ماذا تقصد ؟
– ماذا تنوي ؟
– أنا لا أفهم من یکون ؟
وعشرات الأسئلة الأخری.
فالحق معه فهو لم یفهم لان الکلمات لم تخرج کما هي بل ظهرت مغلفة وملفوفة بغطاء سمیک من الکلمات اللامکتوبة ونفس الشيء ینطبق علی الحوار في المسرحیة ، فالحوار بالحقیقة هو الواقع نقل بعدسة مصور ذکي الی الخشبة لینطقه الممثل ویتفاعل معه. إنَّ وراء کل حوار مکتوب حوار غیر مکتوب ،والحوار اللامکتوب قد یأتي قبل الحوار المکتوب وقد یأتي بعده أو قد یکون ممهد للحوار المکتوب ، أو إنک تطالب بالحوار علی لسان الطرف الآخر تمهد في اللامکتوب .
لا شک إن الأمر یحتاج الی مثال ، ونحن لا نجد هذا المثال في أغلب المسرحیات المطبوعة ( فالحوار اللامکتوب لا یکتب وهذا واضح والتسمیة تدل علی ذلک ) الا إننا لو أخذنا بعض مسرحیات الکاتب الأمریکي ( ارثرمیللر) حیث إنه الکاتب الوحید ( حسب ما أعتقد ) الذي یکتب الحوار اللامکتوب ، یکتبه بحروف علی أن لا ینطقه الممثل ، بل یعرف کیف یدخل في جلد الشخصیة الباطني ویعرف خلجات الشخصیة التي ترید الدخول في جلدها
الإنه وحسب المتعارف علیه لدی أغلب الکتاب کما ذکرنا علی عدم کتابة الحوار الغیر مسموع الا إنه محسوس أحیاناً والحوار اللامکتوب إذا کتب ستکون له عدة منافع ، منها فهم المخرج للعمل فهما جیداً وفهم الشخصیة للدور، الا إنها مع ذلک ستفید المخرج والممثل بتفسیر الکاتب للعمل ، لذا سیظهر العمل وکأنه مؤلفه هو مخرجه وممثله ، والحوار اللامکتوب إذا کتب یکون التفسیر الأول للمخرج.
الملاحظ علی أعمال بعض الکتاب الشباب حیث إنهم غالباً لا یفهمون الحوار اللامکتوب فهما جیداً ویفهمون النص کما هو دون أن یحاولوا أن یدرسوا ویبحثوا ما وراء هذه الکلمات لذا یأتي الأخراج سطحیاً والشخصیة غیر مدروسة وقلقة ، والکاتب المسرحي الشاب شأنه شأن المخرج الشاب فهو الآخر یقع في الخطأ ، فهو من خلال اللاشعور یکتب حواره الذي یجب أن لا یکتب ، فینخلط الحوار المکتوب بالحوار اللامکتوب فتظهر عشرات الأمراض في النص المسرحي للکاتب الشاب ، ومن تلک الأمراض الشعاریة والمباشرة ، فهو عندما کسر حاجز المکتوب واللامکتوب ظهرت الکلمات والجمل دون أن تمر بالمصفی ( المنخل ) فهو کسر هنا کل الحواجز ( الخجل – التمثیل – المماطلة .. الخ ) فظهرت الکلمات علی حقیقتها دون تهذیب .،،
قد نجد أمامنا فردا متحمساً یصرخ في وجوهنا ویقول :
ـ ألم یعلمنا الرسل قول الحقیقة ؟
ـ لماذا نماطل أو نمثل أو نخجل … ؟
ـ لماذا لا نقول الحقیقة کما هي ؟
أنا معک في کل ما تقول ، وقول الحقیقة یحتاج لبعض المقدمات وهذه المقدمات هي التي أطلقنا علیها أسم ( الخجل ، التمثیل ، المماطلة ….الخ ) لو تدبرت القرآن الکریم وأمعنت النظر في آیاته الشریفة ودرست السیر التاریخي لتحریم الخمرة التي کان العرب قد أعتادوا علیها في الجاهلیة ، إنها لم تحرم دفعة واحدة ، فلو حرمت دفعة واحدة في حینها فلربما أضطربت أحوال العرب في ذلک الوقت أضطراباً شدیداً وهم الذین أعتادوا شربها کما یشربون الماء لذا جاءت في المرحلة الأولی (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ومن ثم حرمت تدریجیاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
السؤال الذي یطرح نفسه الآن هو : کیف نتعامل مع الحوار کي لا نقع في عشرات الأمراض التي تشکو منها أکثر مسرحیات الشباب والتي تموت مع موت کاتبها أو قد تعیش بضعة أعوام فقط ومن ثم تموت فیما بعد ؟
للإجابة علی هذا السؤال نقول : بعد أن تجتمع کل عوامل النص الجید یأتي الدور للحوار الذي نحن بصدده الآن ، وهو في الحقیقة العامل الوحید الظاهر من أرکان المسرحیة … ضع نفسک مکان الشخصیة وأدرس کل الکلمات والجمل التي ترید أن تقولها ، وأدرس منطقیة الحوار وردود فعل الطرف المقابل لک ، ودراسة الطریق الذي یجب أن یسلکه الحوار حتی یصل الی نقطة النهایة .
هل بالأمکان أن تقول کل ماعندک للوهلة الأولی ( أذکر آیات تحریم الخمر وعرب الجاهلیة ) ..؟
ادرس الحوار من جدید ولاحظ : هل إنَّ الحوار الذي أردت عرضه یحتاج الی مقدمات، وهل هذه المقدمات یجب أن تکون في الحوار المکتوب أم الحوار اللامکتوب ؟
الحقیقة إن الخمر حرمت في الآیة الأولی ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سکاری ) فالشخص المؤمن بالله سوف لا یشرب الخمرة بعد نزول هذه الآیة الشریفة ، فالحوار اللامکتوب کان في الحقیقة (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
قبل الختام نود أن نضیف هنا شیئاً وهو :
عند غضب الشخصیة وتصاعد الحدث تسقط کل القیم (المماطلة ، التمثیل ، الخجل ) وخاصة عندما تفقد الشخصیة حدود السیطرة علی نفسها حسب الرسم البیاني للشخصیة والأحداث ، یذوب الحوار اللامکتوب في المکتوب ذوباناً طبیعیاً ولا یحسب من اللامکتوب فیها – ینطق به الممثل بکل صراحة الا إنه تبقی مع ذلک بعض الکلمات والجمل في سلة الحوار اللامکتوب وبطبیعة الحال نستنتج إن الحوار اللامکتوب وبعد أن تمر علیه مراحل الزمن ویجد وقته المناسب قد یدخل في مجال الحوار المکتوب ، الا إنه مع ذلک سیکون للحوار المکتوب الجدید والناتج من اللامکتوب الجدید . والعملیة تشبه عملیات بناء الخلایا ، کلما ماتت خلیة ظهرت خلیة أخری تحل مکانها
خلاصة القول :
إن الحوار المکتوب هو الحوار الذي ینطقة الممثل لیسمعه المتفرج الجالس في الصالة ، والحوار اللامکتوب هو الحوار الذي یسهل أمر وصول الحوار المکتوب الی المتفرج وهو الذي یسهل أمر فهم المخرج والممثل للعمل المسرحي وبالنهایة هو الذي یرسم التعابیر الدقیقة علی وجه الممثل والذي يكتبة الكاتب في مؤلفه المطبوع كطلاسم.
عبد الصاحب ابراهيم أميري