النص المسرحي…الزمان والمكان في النص المسرحي (الحلقة: 16) / عبد الصاحب إبراهيم أميري
تمهيـــــــــد
الدم هو شريان الحياة، ولو الدم لنقطع جريان الحياة واتعدمت، و جسد الإنسان لا يستذوق اي دم كان، الا الدم الذي يعد من فصيلته. والا حلت الفاجعة. وانتهى أمره، في حين ينفع دمه لشخص من فصيلته، وحال المسرحية بمكوناتها، الحبكة، الصراع، الشخصيات المكان والزمان، اذا اجتمعت بسلام تستطيع أن تعمل الثورة في قلب وعقل المتفرج، والا لن تستسيغها،، ومكانها سلة المهملات، اذا لم نقل البالوعة.
المقدمــــــة:
وحديثنا اليوم سينصب على ركن مهم من أركان المسرحية، الا وهي الزمان،لقد تعلمنا منذ أن ابصرنا لكل شيء، مقياس، ولكل حدث او واقعة زمان، ومكان معينين و واقع المسرحية، حدث، وهذا الحدث يطلب تحديدا للمتلقي ليسافر بذهنه الي تلك الأجواء يشارك في الاحداث، الزمن، شانه، شان المكان، واعتدنا عند كتابة نصوصنا، المسرحية ان نحدد الزمان والمكان المسرحية، كي يتمكن من السفر بسلام، تعين زمان ومكان المسرحية، فمن خلال هاذين المصطلحين، يتم الدفق والحياة، وفيه فصول ومحاور.
محاور البحث:
1/ الزمان والمكان للعرض المسرحي
2/ الزمان والمكان وتاريخ الحدث
3/ الهروب من واقع الحال، والهروب الإمكان اللازمان
الزمان والمكان للعرض المسرحي:
قبل الغور في تفاصيل الزمان والمكان، يجب أن نفهم ، لكل شيء، زمن معين، وهذا الزمن، هو الذي يسمح له بالبقاء، وإذا كنا لانعير للزمن معيارا، لتدهورت شان الطبيعية، فالانسان له عمر محدد بين الاقل والاعلي،، كذلك المسرحية المعروضة على الخشبة، لها مدة محدودة. فنحن لا يمكننا أن نجبر المشاهد. ليجلس ساعات طوال ليشاهد عرضا مسرحيا
الزمان للمسرحيّة:
هو الوقت المُحدّد لعرض المسرحيّة والذي لا يجب تجاوزه، حيث إنّ العدد الأقصى لعدد فصول المسرحيّة خمسة فصول ليتناسب مع قدرة الجمهور لمُشاهدة مسرحيّة لمدّة تُقدّر بثلاث ساعات وهي أطول مدة لعرض مسرحي ، وهذا الجانب لا يجب إهمال تفاصيله أبداً.
الجانب المكانيّ للمسرحيّة:
هي المساحة التي يقوم المُمثّلون بالأداء عليها، فهي منصّة المسرح التي يجب أن تكون الأحداث والمشاهد مُتناسبة مع مساحتها، فلا يتمّ فيها مثلاً مشهد لحريق، أو حرب بين جيوش، ففي مِثل هذه المشاهد يتمّ الاستعاضة عنها بمؤثّرات صوتيّة. الا اننا نشاهد دخول التقنيات الحديثة في العرض المسرحي كالشريط السينمائي، وما شابة ، ومع حفظ المكان، والزمان الكاتب المسرحي، يجب أن يمارس جمع الشخصيات في مكان واحد و تفعيل الصراع، دون الإساءة الي فنية العرض المسرحي، بمعنى اخر نقيده بالمكان، ونطلب منه إبداعاً، شانه يختلف عن شان الشاعر والقاص، وهذا هو عنوان الإبداع، وليس معنى ذلك أن العروض تنتهي في الغرف المغلقة والمغلفة،
فالمسرحي الكبير، يوحين اونيل، ينقلنا في مسرحية الرائعة،”القرد الكثيف الشعر”، إلى أعماق السفينة تنورها الحارق، ورجال اقوياء، يجبرون السفينة بشق طريقها في مياه البحار، يأخذنا الي حديقة الحيوانات، و و و، المهم ان تكون هندسة الأحداث صحيحة، ودراسة قابلية المسرح الذي تقدم فيه عرضك، وخفة الديكور لتجعل الفعل قابلا للظهور.
إن الحديث عن الزمان والمكان للحديث عن مستويات الزمان يجعل البعض يعتقد أن المقصود هو الزمن الذي يستغرقه العمل على خشبة المسرح ، أو الفترة التاريخية أو الزمنية التي يعود إليها العمل ، غير أن ما نقصده بمستويات الزمان شيء آخر ونعنى به تقسيم الأحداث المسرحية زمنياً على عدة مستويات لنوضح إلي أي مدي كان لهذه التقسيمه دور واضح في الوصول إلي النتيجة.
إن الزمن من ” المكونات الرئيسية للنص وللعرض المسرحيين. وهو يحمل الطبيعة المركبة نفسها للمكان المسرحي من حيث إنه يتجلي علي عدة مستويات،لا بل إن إدراك الزمن مرتبط بإدراك أبعاد الفضاء المسرحي الذي يدور به الحدث؛ ففي الزمن هناك الامتداد الزمني المقتطع من الواقع، أي من الزمن المعيش، ويسمي زمن العرض ويقابله في حالة النص المسرحي زمن القراءة، وهناك الزمن الذي يرسمه الحدث المتخيل المعروض علي الخشبة، ويسمي زمن الحدث، يمكن تقصي زمن الحدث في النص العرض، لكن العلامات الدالة عليه في كل منهما تكون ذات طبيعة مختلفة “.
أما عن مستويات المكان فيقصد بها “الموضع الذي تجري فيه وقائع الحدث المتخيل،وهو ما تحدده الإرشادات الإخراجية في بداية المسرحية، وفي بداية المشاهد والفصول، أو يستشف من الحوار، ويسمي مكان الحدث. يصور مكاناً مادياً علي الخشبة بعلامات تدرك بالحواس وتنتمي إلي نظم مختلفة تتكون من عناصر الديكور، وأجساد الممثلين وحركتهم علي الخشبة والإضاءة والمؤثرات السمعية” .
ويلعب المكان الذي تجرى فيه الأحداث دوراً كبيراً فى سلوك وأفعال الشخصيات طوال أحداث المسرحية، هذا إلى جانب أن المكان يلعب أيضاً دوراً مهماً في تحديد الأجواء التى تدور فيها أحداث المسرحية.
يحدد المؤلف منذ بداية المسرحية ومن خلال الإرشادات التي تتضمنها فصول المسرحية ومشاهدها طبيعة المكان طوال أحداث الفصول الثلاثة، إلا أنه مع ذلك لم يزد فى شرح تفصيلات تتعلق بهذا المكان أو ذاك ولكنه يكتفى فى معظم الأحوال بسطر واحد مثل قوله ” غرفة مطلية الجدران باللون الأصفر ” أما باقى التفاصيل فيتركها للمخرج، لا نريد الدخول في تفاصيل أخرى كي لانتعب ذهن القارئ، وللحديث مجال.
الزمان والمكان وتاريخ الحدث:
اذا كان هم الكاتب لحدثه نقلنا لعالمة الذي من أجله خط مسرحية، دراسة تلك الفترة الزمنية والتدقيق في اجزائها الصغيره والكبيرة. ملابسها، الاكسسوارات، اسلوب الحديث والتعارف ، لتكون صفة شخصياته، اسلوب كلامهم، وطريق عملهم، شانه هو شان الرسام، اذ يرسم لوحة ليقنع بها الناظر وإلا ينكشف زيفه ولا مكان للوحة الا سلة المهملات، مع انه بذل جهدا كبيرا في رسمها وترك الصفات الرئيسة دون تحقيق اواختلطت بصفات أخرى من عالم آخر وهذا سر موت لوحته.
نفهم مما ان المكان في النص المسرحي هو أحد مكوناته ومن أساسياته التي لا يقوم إلا بوجودها إلى جانب عنصري الزمان والشخصيات والحبكة متصلة مع بعضها في سياق درامي فني وجمالي وفكري ودلالي لتكون بالتالي الشكل النهائي للعمل الأدبي المسرحي .ويختلف المكان في النص المسرحي عنه في العرض في ان بعض مفردات المكان في العرض تكون حاضرة بشكل أو بآخر في سينوغرافيا العرض و حسب الرؤية الإخراجية ومنهج المخرج الإخراجي رمزيا أو تعبيريا أوغيره مما يتيح للمتلقي فرصه بناء المعاني وحل الشفيرات التي يبثها العرض ..
أما في النص فإنها اعقد بكثير، إذ ان كل عملية البناء التصوري والتخيلي للمكان /الفضاء المكاني سوف تقع على عاتق المتلقي من خلال بضع إشارات يجود بها المؤلف ليرسم خارطة الفضاء المكاني الذي سوف تلتقي به الشخصيات ،وهنا لا يكون للمكان إلا وظيفته الإنشائية كما يعبر هنري ميتران.
أما العلاقة بين المكان وباقي عناصر النص سوف يكملها المتلقي/ القارئ .وهو هنا القارئ الناقد الذي يتمكن من ربط دلالات النص وكشف الجسور والعلاقات في ما بينها وخاصة تلك العلاقة التفاعلية في ما يتعلق ما بين المكان والشخصية الرئيسية ،
- الهروب من واقع الحال، والهروب الإمكان اللازمان
إن كتاب مسرح اللامعقول، كان لابد من قول مقولتهم. إلا أن، ظروفَ الاضطهاد الحاكمة لم تسمح لهم بذلك، فاتخذوا اللامعقول، رداء ومدرسة لعرضهم ، فاختفي المكان والزمان فذهبنا في اللازمان، كي لا يكون هناك أي اتهام ويعد الروائي والمسرحي والشاعر الأيرلندي الكبير صموئيل بيكت 6 هو أحد أبرز الأدباء العالميين وأشهر الكتّاب المسرحيين الطليعىيين في القرن العشرين. فقد عاش حياة مفعمة بالمجد ونال شهرة واسعة طبَّقت الآفاقَ. ويعود الفضل في هذه الشهرة بالأساس إلى انخراطه في الكتابة ضمن ما يعرف بمسرح اللامعقول أو مسرح العبث بما هو مسرح اللاّمكان واللاّزمان وغياب الأحداث. وقد تبدّى ذلك بصورة جليّة منذ كتابته سنة 1948 لمسرحيّته الشهيرة التي نال بها جائزة نوبل للآداب وعنوانها “في انتظار غودو التي كانت باكورة إنتاجاته في مجال المسرح العبثي-. وهي مسرحيّة تخوض بعمق في قضيّة الإنتظار الذي قد يطول دون أن يحلّ.
عبد الصاحب ابراهيم أميري