رؤیة الممثل….للشخصیة والنص المسرحي (الحلقة: 17) / عبد الصاحب إبراهيم أميري
تمهيـــــــد:
لتحكيم العمل، يتطلب منا أن تكون لنا رؤيا واضحة للعمل المسرحي، وابرر أركان العمل المسرحي، الممثل، فهو بلا أدنى من ينقل حرارة النص الي جسد المتفرج بالصالة، كلما كانت عملية النقل الحراري، سليمة، كلما كانت العلاقة بين المشاهد والمنصة
*****
أعتدنا في حیاتنا الیومیة ، علی إنتخاب الأشیاء وفق رؤیا خاصة ،کشراء الحاجات الضروریة للمنزل ، وللمکتب وتتعقد حالة الإختیار وتکون صعبة عندما نقدم علی الزواج مثلاً :
(یضع الزوج أوصافاً خاصة لزوجته المستقبلیة ، کذلک تفعل الزوجة عندما تنتخب. زوجها )، والممثل عندما ینتخب دوره ِ، حاله لا یختلف کثیراً عن حال الزوج الذي ینتخب زوجة له ، فهو یجب أن یعایش هذه الشخصیة ، ویفهمها بحذافیرها بکل حذافیرها الصغیرة والکبیرة ،( کحال الزوج والزوجة ) کي لا یختلف معها ، ویسلک درباً مغایراً لدربها ،والا حصل الفصام وأنهارت الشخصیة ، (وأنهار الزواج ) وفشل الممثل في إداء دوره ،وفشل العمل باكمله
هذا التزاوج والفهم للشخصیة مهم جداً ، کي یتمکن الممثل من إداء الدور علی أحسن وجه ،
لذا علیه البحث في سطور الحوار عن کل شيءِ عن الشخصیة ، وما حول الشخصیة ، یقرأ الحوار المکتوب واللامکتوب ، ویقرأ ما خلف الحوار ، ویفسر الکلمة ومعانیها ، والنقطة وعلامات الإستفهام والسؤالِ ، والصمت والسکوت ،ویحلل الإرشادات الکاتب المسرحي ولا یترک أي صغیرة وکبیرة ، یسأل هذا وذاک عن الشخصیة ، کمن یسأل عن شخصیة حقیقیة ، موجودة وإنها لیست في نصٍ مکتوب ، یسأله عن رأیهِ فیها ، مع إنه له رأیٌ في الشخصیة ، ویسأل عن کل ما یقال عنها ، أخلاقها وتصرفاتها ، وکیف هي صورتها في أفکار من یعایشها ، فهو علیه أن یعرف حتی طریقة تعاملها مع الجزئیات ، وکیف تفکر ، وکیف تری الأشیاء والألوان ، وأي الألوان هي أحبُّ إلیها من غیرها ، فکل هذه الأشیاء لیست أموراً سهلة ، وإنَّ معرفتها الدقیقة ،هي التي تخلق الإبداع .
نحن تعلمنا منذ أیامنا الأولی إنَّ الأجزاء الصغیرة هي التي تکون سبباً في جمالیة وهضم الأشیاء الکبیرة .وخیر مثال هنا هو : الطعام ، فعندما تجهز أمهاتنا طعاماً معیناً ،وتختار رزاً جیداً ولحمةً من أحسن اللحوم نجد إنَّ الطعام ، لا لذةَ فیه من دون الملح والتوابل ، فالملح والتوابل هي التي تجعل من الطعام طعاماً شهیاً ، وإنَّ عدم وجودهما سیکون الطعام غیر مستسیغاً ولا لذیذاً ، ولیس قابلاً للأکل، فالملح والتوابل هي الأجزاء الصغیرة .والتي لا تشکل قیمة مادیةً للشيء مقیاساً بقیمة الرز واللحم ، بل إنَّ الملح والتوابل هي التي تجعلهُ مستسیغاً .
فالکاتب المسرحي الجید ، هو ذلک المبدع الذي یجعل من أنفاسهِ حیاةً لما خطتهُ أناملهِ بعد رسمهِ کل صغیرة وکبیرة في الشخصیة المرسومة، ومن هؤلاء الکتاب ، الکاتب المسرحي ( ولیام شکسبیر) فأغلب شخصیاتهِ ،حیَّة ،مرسومة بعبقریة خاصة ، (مکبث ،هاملت ، عطیل) یتنافس الممثلون فیما بینهم لتمثیل هذه الشخصیات، الحیَّة، الصادقة في أفعالها وتصرفاتها،
لابد من مثال یساعدنا علی توضیح الأمر .ولنأخذ مسرحیة عطیل للکاتب ( ولیام شکسبیر) الی جانب مسرحیة ( المخرج) للکاتب ( توفیق الحکیم ) والتي أعتمدت علی ما حصل للمخرج ، بعد أخراج مسرحية عطيل، لشكسبير
عجینة العرض المسرحي *******
یعمل فریق الإنتاج جاهداً علی تقدیم عرضٍ مسرحيٍ متکاملٍ ، وعجینة لذیذة ، والذي یکون الممثل مندوبها السامي ، أو بالأحری یکون الممثل عجینة العرض المسرحي.
فالکاتب المسرحي، یتعامل مع شخصیاته بحذرٍ کامل ،ویرسمهم بدقة متناهیة ، کي لا یقع في الخطأ الذي یؤدي الی إنهیار البناء الدرامي علی رأسهِ ، فیسلط الأضواء علی کل صغیرة وکبیرة ، کل هذا للوصول الی الکمال الفني ، وتقدیم همهِ الذي دفعهُ الی کتابة النص المسرحي ، مستعملاً کل الوسائل الممکنة الی الإیحاء بالنص ، ومنها الإرشادات المسرحیة الخاصة بالممثل والمخرج وحتی الفنیین . من دیکور وماکیاج و أکسسوار وهندسة صوتیة … الخ .
کما یهتم المؤلف بالحوار اللامکتوب من خلال المکتوب، لیکون النص کاملاً من کل النواحي الفنیة ، ویسلمهُ للمخرج ویراقب الأحداث من بعید أو قریب ، لتکون الولادة سلیمة ومتکاملة وهمهُ المسرحي یصل الی المتلقي بسلامة کاملة ،
فالمخرج بدورهِ ، یجمع طاقمه ِالکبیر من فنيّ الدیکور والملابس والإکسسوار والموسیقی والماکیاج والصوت والمؤثرات الصوتیة والتصویریة ، والحرکات الموزونة ، ومساعدیه ، لیقدم عرضاً ملیئاً بالحیویة والنشاط لجمهور المتلقي، مسلماً زمام أموره الی الممثل ، أو مجموعة الممثلین الذین یشکلون مع طاقمهِ الفني عجینة العرض .وهمَّ المخرج هو نفس هم الکاتب ، فهما لا یختلفان کثیراً في الهم ( الهدف من المسرحیة ) الا إنَّ المسؤولیة الکبری ، تقع علی عاتق المخرج بصفته صاحب العرض المسرحي ، وإنهُ لیس بقادرٍ علی إحتلال مقاعد الطاقم الفني بأجمعهِ ، الا إنه قادر علی السیطرة علی عجینة العرض المسرحي بتدابیرهِ الصحیحة ، وأفکارهِ السلیمة ، وکي تکون العجینة سالمة ومفیدة ومؤثرة ، یجب أن تدرس الکمیات والأحجام والأکیال والمساحات، دراسةً کاملة، وفاعلة، والأهداف منها واضحة، وتبحث في الهم الرئیسي الذي من أجلهِ جائت الولادة الشرعیةِ للنص ، لو عدنا لنص ( عطیل ) لـ(ولیام شکسبیر)، لرأینا إنَّ هم الکاتب المسرحي کانت ( الغیرة ) ، فکان (عطیل ) القائد الخمسیني الأسمر یغیر کثیراً علی ( دیدمونه ) البنت العشرینیة البیضاء الجمیلة ، فعندما أحس بخیانتها کما أشیر إلیه ، أشتدت غیرته فقتل ( دیدمونه)
فأجمع المخرج ، طاقماً کبیراً من الفنیین لیقدم غیرة ( عطیل ) وقتل ( دیدمونه ) بخلیط لا یتجزأ ، بعجینة سلیمة ،وهي أشبه بعجینة الکیک الذیذة ، التي إذ فقدت إحدی مکوناتها ، فقدت طعمها وحلاوتها ، أو حتی إذا زادت إحدی مکوناتها ،أصبح تناولها أمراً غیر ممکنناً ، وشأن العرض المسرحي ، شأن الکیک .
وهنا لابد من الإشارة ، الی إنَّ الممثل عجینة العرض المسرحي ، یجب أن یتفاعل ،تفاعلاً صحیحاً ومنطقیاً ، مع کافة الأشیاء المحیطة بالعرض ، ویعرف کیف یتعامل معها ومتی وبأي شکل . کالدیکور وقطع الإکسسوار والملابس التي یرتدیها ، والماکیاج وحتی الموسیقی التصویریة التي یتحرک علی أثرها .وهنا لابد من القول ، قد یکون الممثل الجید منقذاً للنص الذي یکاد یسقط ، بحسابات المخرج الخاطئة ، فیلعب الممثل دوراً کبیراً في إسعاف النص ، وأصلاح ثغراتهِ بالتنسیق مع المخرج، وهذا لم یتم الا إذا کان متمکناً من حرفتهِ وحرفة المسرح ..
وختاماً یبقی المخرج، هو صاحب عجینة العرض المسرحي
عبد الصاحب ابراهيم أميري