النص المسرحي والولادة المستعصية (الحلقة: 18) / عبد الصاحب إبراهيم أميري
قبل الدخول في تفاصيل البحث، لابد أن نعرف القليل عن ركائز النص المسرحي، ومنه ندرك ان النص سليم الولادة، (بحث التجديد الدائم لا يعد من ضمن عدم سلامة النص، فالتجديد، أمر ضروري لادامة الحياة للنص المسرحي،) ام ان هناك عاهة، علينا استصالها، بعملية جراحية ناجحة، شان النص المسرحي، شأن الإنسان، فالانسان، اذا اجتمعت فيه كل المواصفات الحياتية بشكل منطقي وسليم،، يعد إنسانا كاملا وقادرا على خوض تجارب الحياة الا الاعتماد على عكازات وان هبوب الرياح العاتية، لا تكن سببا في خذلانه وتراجعه عن المسير ، وإلا مكانه المصحات ومحال الرعاية الاجتماعية.
تعريف النص المسرحي :
يعتبر النص المسرحي هو التصميم الدراماتيكي الذي يقرر كيفية سير العرض المسرحي وأداء الممثلين على خشبة المسرح ومن خلاله يتمكن المخرجون والمصممون تخيل الزمان والمكان وهما عنصران مهمان في اقناع الجمهور، بأنه امام نص سليم يمكن التعايش معه والشكل الذي تظهر عليه المسرحية أمام الجمهور، كما يمكن النص المسرحي الجمهور من فهم فكرة وغاية المسرحيّة. ولابد من اجتماع هذه العناصر
الحبكة: وهي البناء الفني للمسرحية، والتنظيم المتكامل لكلّ وضعيات وتحركات شخصيات وأبطال العمل المسرحي؛ فالحبكة ذلك الترابط الذي يمسك ببنية النص ويربط بين أجزائه.، أو يمكننا القول ان الحبكة هي مهارة الكاتب واسلوبه في إظهار نصه، دون أن يصدم المتفرج او يمل منه.
الشخصيات: وهم أبطال القصة التي تمثل على خشبة المسرح.، يجب أن نقرأ فيها روح الموازنه، وأن اي خلل مقصود فيها، ينتج منه صراع، أو حادث، فالشخصيات هي الوسيلة الوحيدة لإيصال فكرة العمل الي الجمهور القابع في الصالة.
المغزى: وهو الهدف الأساسي وراء كتابة النص المسرحي وخروجه إلى خشبة المسرح؛ فكل عمل مسرحي له هدف وقضية يسعى الكاتب إلى تجسيدها، فيؤمن بها المخرج ويؤديها الممثلون.
اللغة: وهي أداة الكلام التي يعبر بها؛ للوصول إلى قلب وعقل المشاهد وان سلامة اللغة يعد عنصرا مهما في سلامتها
كي نفهم الولادة المستعصية، علينا ، درك كل أركان النص ابتداء من الحبكة، وأن اي خلل في اي ركن من اركانه، يجعل الولادة مستعصية، والنص يشكو امراضا لابد من معالجتها او استصالها، ولكي تتضح لنا الصورة، نأتي للبحث تفكيكا.
الحبكة المسرحية:
اي الشكل الذي سيخرج به النص للجمهور، أو الصياغة الشكلية للنص المسرحي، المهم ان تكون الحبكة مقبولة للعقل البشري، وإلا ستكون الولادة مستعصية، وهذا ينطبق على جميع المدارس المسرحية، دون استثناء، الحبكة هي البناء، ولتقريب الصورة لذهن القارئ،. هو الثوب الذي يخيطة الخياط لك، يجب أن تلحظ فيه القياسات،. اولا،. اي ان الثوب يسع إلى جسدك، ، ومقبولية اللون، لون القماش لتناسب شخصيتك، والتالي طريقة الفصال والخياطة،. وحتى نوع الخيط المستعمل. وهل يناسب لونه القماش، والأهم من كل ذلك الثوب من وجهة نظر الناس، اي الجمهور.
إن الأثر الأدبي الذي نفهم طبيعته الرمزية المطلقة وندركها ونتلقاها، نص والنص إلى صاحب هذه المقولة بالنسبة ( رولان بارت) ليس تواجدا لمعاني وإنما هو مجاز وانتقال، لذلك لا بد أن يخضع لتفجير وتشتيت للكشف عن دلالاته المتعددة. فالنص عمل وإنتاج وممارسة. ولا يخرج النص المسرحي على ما سبق ذكره، رغم ما له من خاصيات يتفرد بها وتجعل بعض الباحثين يعتبرونه جنسا مستقلا بذاته.
كان النص المسرحي ومازال علامة حضارية يختزل رؤية فترة زمنية معينة وشريحة اجتماعية معينة. وبين كل فترة وأخرى وبين كل نمط اجتماعي وآخر من الوشائج والتواصل والتشابه والاختلاف والانفصال، ما بينها، ذلك أن كل اتجاه في الكتابة المسرحية له خصائص ليست إلا تطويرا وتعديلا وإضافة لما سبقها.
ولذلك فمسرحة النص تعني تجسيده بأمانة.
وهنا لابد من الإشارة، ان تحميل الحبكة بما لا تطيق تجعل الولادة عسيرة ومستعصية، وحالها حال المرأة الحامل التي تفرط بالمقوليات والفيتامينات، ستكون ولادتها عسيرة، لذا كن حذرا معها واجعل الأحداث، هي التي تنتخب الطريق للبناء. إن الجمال، ليس بالافراط، بل انتخابات القياسات، والمكيال بدقة متناهية.
العملية، تعتمد على الموهبة في بناء الحبكة، لشد المتفرج للعرض. والا سيهرب من قاعة العرض، لكثرة التوابل وخلال هذا التطور الذي شهده المسرح ظل النص المسرحي مدار الحركة وبؤرة التجديد. إذ لا يخفى على أحد دور النص في العملية الإبداعية المسرحية المتكاملة .
اعتمدت مدرسة ستانسلافسكي على تحليل الجوانب النفسية لكل شخصية. وقد تواصل هذا التحليل مع مخرجي المدارس الحديثة، لما له من انعكاس إيجابي على العمل المسرحي، لان المخرج سينقل ما توصل إليه من تحاليل وما فككه من رموز إلى الممثل الذي يبدأ اكتشافه للشخصية منذ أول ملامسة للنص. وكأن المخرج قد عثر على مفتاح الشخصية وهو يسلمه إلى الممثل الذي سيفتح عالم الشخصية ويسبر أغوارها. و خلاصة المطاف، أن الإفراط في صناعة النص جعل النص ” مرهقا بمضمونه مثقلا بالشعارات الإيديولوجية يرزح تحت وطأة البلاغة الزمان والمكان في النص المسرحي
الزمان والمكان في المسرحية:
حسب ما اعتقد هو الإطار الذي يجمع كل جزئيات النص ليكون نصا قابلا للدرك، الزمان والمكان هو هوية العرض المسرحي وشخصية النص، وهو رداء الشخصية، فكل زمان ومكان رداء خاص، وهذا امر يعرفه الصغير والكبير ولا يحتاج إلى تعريف ، ارسم زمنك للمسرحية ، بدقة وابحر في ذلك الزمن ،. ستجد العوالم الغريبة، ومن خلالها ابني أحداثك، ابني شخصياتك. وحدد لغة الحوار ، كذلك تحدد قطع الاكسسوار في الديكور، كما تحدد ،. طريقك التعامل مع تلك القطع المكان والزمان، ستحدد اللغة، الفكر، المذاق وحتى طرق الحديث واللهجة، وترك الأمور للزمان والمكان في قيادة النص المسرحي،. ولا تحمله ازمانا لا تدخل في قالب زمنك ومكانك الحافظ على حدود الزمان والمكان بدقة ، أمر لابد منه. لتكون الولادة سليمة اللغة في النص المسرحي
اللغة في النص المسرحي:
هي عزف على الكيتار لمد النص المسرحي بالحيوية والنشاط، اللغة هي شريان النص ومنه يستمد النص أنفاسه، اللغة هي روح النص، وكلما كانت قريبة من الشخصية، كلما كان العمل حيا قريبا من لغة الحياة اليومية، ولكنها تحتوي أحيانا على مواصفات لا نجدها في الخطاب اليومي لأن الكاتب يضع في اعتباره دائما الناحية الجمالية التي لا نفكر فيها كثيرا في الخطاب العادي.
والنص المسرحي هو إبداع من نوع خاص لذلك لا بد من احترام قواعد هذا الإبداع ولا يكون ذلك بالتزام قواعد الكتابة الأدبية وإنما بالبحث في سبل الاقتراب من التلقائية والعفوية وحيوية الخطاب. فالحوار المبالغ في صناعته لا يستسيغه المتلقي ولا تقبله ذائقة الجمهور، ويرزح العرض تحت وطأة ثقل الخطاب وتتسع مسافة التبليغ عوض أن تتقلص. وتكون بالتالي ولادة مستعصية ، يصعب قبولها من المتفرج ويتطلب ذلك من الكاتب السيطرة على الشخصيات جميعا ومعرفتهم والتي تتحول بدورها إلى أبواق لأفكار مؤلفها، أو تتحول هي نفسها إلى أفكار تتحرك. يجب على الكاتب أن يراعي خاصية كل شخصية والظروف المحيطة بها. فتكون الجملة المنطوقة، جملة الشخصية وليست جملة الكاتب.، وهنا يتجلى إبداع الكاتب، وهذه المسافة بين الذات الكاتبة والشخصية يحاول كل مؤلف نص أن يحترمها. ولكن لا يستطيع كاتب النص أن ينفي ذاته عن نصه تماما. لذلك يتدخل بعض المخرجين بالحذف أو بالزيادة عند تطبيق النص على خشبة المسرح. إلا أن ذلك لا يروق أحيانا الكاتب الذي يرى أنه حمّل النص صورا بيانية جهد في تنسيقها، أو جعل الحوار بسيطا ليتماشى مع الوضعية المقترحة. وقد فعل ذلك بوعي منه وتفكير.
عبد الصاحب ابراهيم أميري