نص مسرحي: "غفوة الافتراضي"/ تأليف: حبيب ظاهر

(المنظر: غرفة، المكان مزدحم بشاشة تلفزيون كبيرة، حاسوب منضدي، حاسوب شخصي، هاتف محمول، اسلاك الاجهزة منتشرة، سماعات رأس، صور ولوحات على الجدران للأيقونات الاكثر شهرة في مواقع التواصل ومحركات البحث، ساعة حائط كبيرة رقمية، أريكة للجلوس والنوم، حامل لوحات تظهر عليه لوحة رسم كاريكاتوري، مزهرية، باقة ورد على الارض، اقلام ملونة وأوراق، كرسي متحرك، براد أطعمة، شماعة ملابس،، باب حمام زجاجي يُظهر ظل مَن بداخله،شاشةتعرض عليها محاورات مكتوبة وصور)
الشخصيات:
الافتراضي: في مقتبل العمر، تسريحة شعره مميزة، يتعثر كثيرا بأسلاك الحاسبات والشاشات، يسقط الاشياء من يديه، يقضم أظافره يضع ابهامه في فمه.
تظهر صور الشخصيات الاخرى على الشاشة، وكتابتهم للمحاورات/ الاشعارات والمكالمات مع نغمة رنين مميزة.
(الافتراضي نائم، تشير الساعة الى السابعة صباحا، يرن منبه الهاتف، ينهض، يتمطى، يضع رأسه على منضدة الحاسوب، إشعارات مع الام والاب)
أم الافتراضي: انهض بني، لديك دوام ودروس لتلاميذك، ألا تذهب اليوم للعمل،يوميا أوقظك بالإلحاح نفسه ( يفتح عينيه، يتناول جهاز الهاتف من منضدة الحاسوب)
الافتراضي: (يكتب ويتكلم) صباح الخير امي، انا مستيقظ (يضع رأسه على منضدة الحاسوب، ينام، تنخفض الاضاءة ثم تسطع بقوة)
أم الافتراضي: صباح الخير بُنَي، هيا انهض، فطورك موجود كالعادة، هل حذفتَ الفيديو الذي ظهر فيه ابن عمك؟
الافتراضي: ( تتوالى اصوات الاشعارات، يرقص على أصوات نغمات الاشعارات، يتكلم ويكتب على الهاتف، تظهر كتابته على الشاشة) صباح الخير اصدقائي الرائعون، سأتوجه للعمل بعد الافطار (تظهر علامات الاعجاب والابتسامات على الشاشة) لابد من التغريد، الورد أجمل في بلادي من سواها وحتى الشوك هناك أجمل…لا، ما هذا.(موسيقى، يتجه الى الحاسوب، يضغط زر التشغيل، تظهر شاشة الحاسوب بأيقوناتها على الشاشة، يتصفح جريدة اليكترونية، صفحة الكاريكاتير، يظهر رسم لشخص يتشكل جسده من مجموعة ايقونات مواقع التواصل) وأخيرا تمكنت من نشر أول رسم كاريكاتيري (فرحا) يبدو ان لوحتي شهدت قبولا رائعا، سأنال أجرا مجزيا من الصحيفة (رنين الهاتف للتذكير) نعم… تأخرت.
أبو الافتراضي: (تظهر صورة أبو الافتراضي على الشاشة، وتتوالى اشعاراته) هل حذفت الفيديو الذي ظهر فيه ابن عمك؟ الجميع يعول عليك، وقد وعدتُهم قائلا: ابني اهل لهذه المهمة.
الافتراضي:(يكتب ويتكلم) ما جعلني اسهر حتى الفجر هو محاولة حذف الفيديو، ولكن الفيديو نُسِخَ في مواقع كثيرة، ما ان احذفه من موقع حتى يظهر في موقع آخر،يا والدي: باتت المهمة مستحيلة.
ابو الافتراضي: انه ابن عمك، عليك فعل المستحيل لإنقاذه، وتدارك الفضيحة.
الافتراضي: فعلتُ ما بوسعي لإنقاذ ابن عمي عديم الحياء، لقد ورطَ نفسَهُ في موقف علينا جميعا دفع ضريبته (يذهب الى الحمام، يبدو ظله من الزجاج الشفاف، يستحم ويغسل اسنانه وغيرها)
أبو الافتراضي: وماذا عنك؟ ألا ترى اني وأمك ندفع ضريبة إيقاظك يوميا لتذهب الى العمل، يا ابني الى متى تبقى بدون تنظيم للوقت، لقد كنتُ أنا مثالا يحتذى به في التنظيم وحساب الوقت بدقة، لديَّ وقت للنهوض وقت للفطور، وقت للمواصلات، وقت لقراءة الجريدة، وقت العمل وقت للاستراحة وقت للقيلولة، وقت للتسوق، وقت للواجبات المنزلية، الى متى يظل وضعك فوضويا.
الافتراضي: (يبدو خيال ظله في الحمام وهو يسحب السيفون، يُسمع صوت الماء، يخرج من الحمام، يتعثر، يذهب الى الحاسوب، يأكل، ينظر الى صورة ابيه ويبتسم) يوميا ارى هذه الإشعارات العصماء، ألا تشعر بالملل من اعادتها يا والدي، تكررها كل صباح…(تظهر صورة الاب يقرأ جريدة) أما زلت تقرأ الجريدة الورقية ذاتها، لقد عفا عليها الزمن يا والدي القديم.
ابو الافتراضي: (الافتراضي يقرأ الاشعارات) انتم يا جيل هذه الايام متكاسلون، لا تحبون القراءة، أتعرف قيمة القراءة، القراءة بالورق لها طعم ورائحة، انت لا تقرأ إلا إشعارات مواقع التواصل.
الافتراضي: (يحدث نفسه) الورق له طعم ورائحة؟ اتريد أكله يا ابي.
أبو الافتراضي: لديكم فوضى في تنظيم الوقت، وفوضى في تنظيم المكان وفي تنظيم الافكار وحتى في تنظيم والمشاعر، مشاعركم مضطربة، وسلوككم …
الافتراضي: (يكتب) صباح الخير يا والدي العزيز، لك الحق بكل ما تقول، حاضر سأنظم مشاعري وافكاري، سأنظم الزمان والمكان، سأكون عند حسن ظنك يا والدي العزيز.
أبو الافتراضي: يا ولد، ألا تشعر بالملل من اعادة هذه الكلمات يوميا على مسامعي، تكرر الكلام نفسه يوميا ولا تفعل شيئا يحسن وضعك (موسيقى، يمضي وقت، حركة الافتراضي سريعة ومتقطعة بفعل استخدام جهاز الوميض الضوئي، الساعة تشير الى الثامنة)
الافتراضي: (يرتدي قميص وربطة عنق وسترة مع بقاء النصف السفلي بملابس النوم) والدي العزيز انا مضطر لإنهاء إشعاراتك، وأغادرك للعمل فقد بدأت محاضرتي (يغلق صورة والده يجلس الى الحاسوب، صوت جرس، يفتح كاميرا، تظهر صورة عدد من التلاميذ على الشاشة)
الافتراضي: (يتحدث ويضع سماعات – هيدفون- على أذنيه) صباح الخير تلامذتي الاعزاء، نبدأ محاضرة الرسم لهذا اليوم واتمنى ان تكونوا قد هيأتم مستلزمات العمل، وقبلها اريد ان نتعرف على انواع الالوان، توجد الوان مائية والوان زيتية وهذين النوعين هما الاشهر، وتوجد انواع أخرى، انتم في مرحلتكم العمرية تستخدمون الالوان المائية. كما تستطيعون الرسم بالقلم الرصاص وقلم الفحم، كما قلت لكم سابقا انها البداية الصحيحة لتعلم الرسم، والان لنبدأ عملنا، لنرسم وجه انسان، والبداية تكون من الشكل البيضوي (يرسم شكلا ويحاكيه التلاميذ بخطواته، ونقترح استخدام جهاز اضاءة الوميض/ الفلاش لتسريع حركة الافتراضي وصور التلاميذ حتى يتموا رسم لوحاتهم مع الموسيقى، تتحرك ارقام الساعة بسرعة تشير الى تقدم الوقت – التاسعة والنصف) تلامذتي الاعزاء، الان وقد انتهينا من الرسم لنستعرض لوحاتكم الجميلة، وأقدم لكم بعض الملاحظات (تظهر على الشاشة لوحة مرسومة بإحكام وجمال وكأنها نسخة مما رسمه الافتراضي) ما هذا ايها التلميذ رقم ثلاثة عشر، انك تجيد الرسم بمستواي نفسه، وربما افضل، انا سعيد وفخور بما رسمتَهُ أيها التلميذ المبدع، لقد تجاوزت مستواك كهاوٍ الى مستوى الفنان الحقيقي، اتمنى عليك نقل تجربتك الى زملائك بالإجابة عن السؤال التالي:كيف طورت امكاناتك بهذا الشكل الجميل؟ (تظهر إشعارات وصورة التلميذ13 على احدى الشاشات، ملابسه وتسريحة شعره غير مرتبة)
التلميذ13: يا معلمي عملت على نفسي بشكل واسع لغرض إعلاء امكاناتي في الرسم للحد الذي …
الافتراضي: اعتذر، سأوقف الاشعارات أيها التلميذ رقم ثلاثة عشر، لنستثمر الوقت، أعرض لوحتك الرائعة (يتناول هاتفه ويلتقط صورة مع صورة التلميذ13) سأنشرها على جميع المواقع، سيكون للوحتك مكانا مميزا في معرضنا الافتراضي القادم.
التلميذ13: معلمي، هل أكمل اجابتي عن سؤالك: كيف طورتُ امكاناتي في الرسم؟
الافتراضي: (صوت جرس انتهاء الدرس) اعتذر منك يا مبدع، انتهى درس اليوم، في مستهل درسنا القادم نقرأ اجابتك الجميلة، انت قدوة رائعة لزملائك (تعود الصورة لمجموعة التلاميذ) تلامذتي نكمل استعراض نتاجاتكم في الدرس القادم، اعملوا على تطوير انفسكم كما فعل زميلكم ذي الرقم ثلاثة عشر، الى اللقاء، درسنا القادم في الساعة الواحدة ظهرا (يغلق الصورة، يخلع السماعات عن أذنيه، تفتح صورة المدير الافتراضي تلقائيا)
إشعار المدير الافتراضي: معلم الرسم الافتراضي، تشجيعك للتلميذ ذي الرقم ثلاثة عشر كان ممتازا، انت ملتزم جدا بتوقيتات دروسك، احسنت، لك مكافئة، تستلمها نهاية الاسبوع (تختفي صورة المدير، تظهر عبارة: لا حوار مع المدير، لن يستجيب لك)
الافتراضي: (متحمسا) أشكرك سيدي المدير (ينتبه للعبارة) انه واجبي (يتناول لوحة من حامل اللوحات: رسم كاريكاتوري لجهاز هاتف نقال له يدين وقدمين يمسك بقوة رقبة شخص، كما يمسك الانسان الهاتف النقال، يفكر، يبحث على الانترنيت، يكتب:(اشهر رسوم الكاريكاتير)
(تظهر لوحة (بيتر ستينز) المنشورة عام 1993 والتي يظهر فيها كلب على كرسي وأمامه جهاز حاسوب وبجانبه كلب آخر يقول: في عالم الانترنيت، لا أحد يعرف أنك كلب)
الافتراضي: يا له من تعليق : في عالم الانترنيت لا أحد يعرف أنك كلب (يضحك) وربما لا أحد يعرف انك انسان طيب ورائع (يعود الى لوحته) ما هو التعليق المناسب لهذه اللوحة الكاريكاتورية، لم اتوصل للتعليق، منذ زمن وانا افكر بهذا (يرن الهاتف محادثة مع الحبيبة الافتراضية)
الافتراضي: أهلا حبيبتي، كيف انت؟ شوقي كبير اليك.
الحبيبة الافتراضية: لولا الشوق ما كنت اتحدث لك الآن، لم نتحدث منذ البارحة، انا أُبادر بالمكالمات اكثر منك.
الافتراضي: نعم ، معك حق. ربما يأخذني العمل والاصدقاء بعيدا عنك.
الحبيبة الافتراضية: يأخذك العمل أم اللعب الاليكتروني؟
الافتراضي: الاولوية للعمل.
الحبيبة الافتراضية: اما زلت تعمل؟
الافتراضي: انهيت توا محاضرتي مع تلامذتي الرائعين، اكتشف موهبة رائعة في أحد تلامذتي، وتوجهت الى اللوحة التي حدثتك عنها..
الحبيبة الافتراضية: انه الرسم الكاريكاتوري نفسه، اما زلت تفكر بالتعليق المناسب؟ لمَ لا ترسله لي، لأعرضه على مختلف المواقع التواصلية وأرى التعليقات، ونختار المناسب منها.
الافتراضي: فكرة سديدة، انت رائعة، سأفعل ذلك، سأنشر اللوحة (موسيقى، يفكر)
الحبيبة الافتراضية: وسأكون اول المعلقين، أرسل لي اللوحة حالا.
الافتراضي:سأرسلها لك الآن (يصور اللوحة ويرسلها)
الحبيبة الافتراضية: نعم أرسلها، وصلتني لوحتك.
الافتراضي: (يتصل بها/ مكالمة) اتركي امر اللوحة، انا سعيد بك  وأود أن نلتقي اليوم (يصغي لها) لقد مضى على علاقتنا زمن طويل، لابد من لقاء، اريد رؤيتك عن قرب، الإشعارات المكتوبة والمكالمات لا تلبي حاجة القلب (يصغي) نعم انا فنان كاريكاتوري ساخر وأتحدث عن القلب، أنا أطلب لقاءك،وهذا اليوم تحديدا، نحن بحاجة للقاء رومانسي، بأجواء هادئة (يصغي) ترفضين؟ لا وقتَ لدي لأضيعه دون لقاءك، فالعمر يركض نحو المشيب، وجذوة العواطف تخبو، وأخشى من سيادة التعقل (يصغي) نعم الساعة السادسة مناسب جدا، انه لقاءنا الاول (يظهر إشعار على احدى الشاشات) أترك لك تهيئة التفاصيل، جاءني اشعار مهم. الى لقاء.
إشعار على الشاشة:عمك في المشفى بحالة حرجة، أريدك أن تحضر حالا (الافتراضي في حيرة)
الافتراضي: (يكتب) أهلا أبن عمي، كيف مرض عمي الوحيد؟
ابن العم: (تظهر صورة أبن العم على الشاشة) ابي لم يمرض، تعلم انه الاقوى في العائلة، وعندما تحدث مشكلة يستدعى لحلها.
الافتراضي: (يكتب) نعم اعلم انه الاقوى (يحدث نفسه) كما أعلم بأنه ليس الأعقل (يكتب) نعم يستدعى لحل المشاكل.
ابن العم: فكيف الحال وان المشكلة تخص ابنه البكر اخي العزيز الارعن.
الافتراضي: (يضحك ويكتب) أبن عمي،تقصد ان سبب مرض عمي مشاهدة الفيديو الذي نشر ويظهر اخوك الارعن وهو عارٍ.
ابن العم: لا تقل عن اخي أرعن، انا فقط من يقول ذلك.
الافتراضي:(يكتب) نعم بالتأكيد لا يحق لي القول عن اخوك بأنه ارعن (يحدث نفسه) لأنك أرعن مثله (يكتب) نعم ابن عمي، لقد حاول حذف الفيديو ولم افلح، وكلفت الكثير من الاصدقاء بحذفه (يرن الهاتف، ابن العم يتصل) أهلا أبن عمي، وماذا بعد؟ (يصغي) حذفه بعض الاصدقاء بفضل كثرة التبليغات (يضحك) وبعضهم نسخ الفيديو ونسخ مكالمات اخوك الفاضحة وكتاباته، ونشرها في مواقع اخرى بدل حذفها (يضحك) هو من شَهَّرَ بنفسه عندما سمح للفتاة بابتزازه. المهم كيف حال عمي الان؟ صلني به، اريد الحديث معه، وجه كاميرا هاتفك عليه لأتحدث معه، اريد زيارته (يصغي) انها زيارة افتراضية يا ابن عمي (ابن العم ينهي المكالمة)
ابن العم: (إشعار) زيارة افتراضية ؟! اليك عني ايها الافتراضي اللعين.
الافتراضي: (مع نفسه) لمَ أذهب لزيارة عمي وهو مريض وفاقد للوعي (ساخرا) عمي القوي، ضحية ابنه الارعن (موسيقى، يعود الى لوحته) لوحتي الجميلة، ما التعليق المناسب؟ (صوت إشعارات الام والاب، بعد تذمر، يكتب) أهلا أمي
ابو الافتراضي: يا ولد… أنا أبوك، لابد من التكلم معك ورؤيتك، لابد من إنهاء وجودك الافتراضي والعودة للواقع.
الافتراضي:(يحدث نفسه) حسبته امي… أوف (يكتب) أنا سعيد بعالمي.
ابو الافتراضي: يا لعنادك.
أم الافتراضي: نريد الذهاب لزيارة عمك الراقد في المشفى.
أبو الافتراضي: عمك بحالة حرجة يا ولدي.
ام الافتراضي:لا تفعل كما فعلت مع خالك الذي بقيَّ يحتضر لأكثر من عشر أيام ولم تكلف نفسك بزيارته.
الافتراضي: حزنت لحال خالي كثيرا يا امي، ولكن زيارتي له بلا جدوى.
ابو الافتراضي: لم تتمكن من حذف الفيديو، لا تكن عاقا لأقربائك. عليك زيارة عمك الذي راح ضحية…
الافتراضي: (يجري مكالمة مع والده) راح ضحية لأفعال أبنه الارعن، ابن عمي اراد ان يبتز الفتاة ويعبث معها عبر الموقع عندما تعرى لها وفتح الكاميرا، وإذا بها أذكى منه، سجلت عريه، وأرادت ابتزازه، لم يعطها المال، قامت هي ببث الفيديو، هذا هو الامر ببساطة شديدة يا ابي (يصغي) من هم الذين ضربوا عمي؟ أهو مريض أم مضروب؟ أهل الفتاة التي ابتزت ابن عمي ضربوه (ضاحكا) ضربوا عمي القوي (يصغي) انا مشغول، لدي عمل أقوم به، اذهبوا لزيارة عمي، وحالما تصلون اليه افتحوا الكاميرا لأتمكن من زيارته (ينهي المكالمة)
ام الافتراضي وابوه: (إشعارات) زيارة افتراضية؟ زيارة افتراضية ايها الولد العاق، اذهب بعيدا عنا ايها الافتراضي.
الافتراضي: (بقعة ضوء) حقيقة أعيش أم فرضية؟ عواطفي تضمر، وعقلي يرتبك، وحدي مع كتاباتهم، تزعجني مكالماتهم، مستأنس بالوحدة والاتكاء على حبهم، ولكن ثمة شيء يخبو. (اضاءة عامة، يعود الى اللوحة) قالت حبيبتي انشرها على المواقع واطلب التعليق، لا اعتقد بصواب نشرها على مواقع التواصل لطلب التعليق، لأنها ستفقد قيمتها عندما تنشر في الجريدة الاليكترونية (يكتب على جهاز الهاتف، تظهر الكتابة على شاشة)
(اسعد الله اوقاتكم اصدقائي : عمي يرقد في المشفى، حالته حرجة)
(يتفاعل معه اصدقاءه، تتوالى الاشعارات)

• تمام العافية لعمك الطيب صديقي.
• الشفاء العاجل للعم العزيز.
• إن احتجت لمساعدة، أحضر لك حالا.
• أهو عمك الذي أكل ضربا ليلة البارحة نتيجة تعديه على …هاها
• عمك لا عقل له لأنه ذهب مدافعا عن ابنه الذي ظهر في… هاهاها.
• اتمنى له الصحة والسلامة.

الافتراضي: (يتذمر) يا للسخرية، يا لعمي المسكين (يرسم، الوقت يمضي سريعا بحسب الساعة الرقمية، صوت منبه التذكير في جهاز الهاتف النقال، الساعة الرقمية تشير الى الواحدة يجلس الى الحاسوب، صوت جرس، يفتح كاميرا، تظهر صورة التلاميذ على الشاشة، يضع سماعات على أذنيه) نبدأ درسنا الثاني لهذا اليوم وكما وعدتكم تلامذتي الاعزاء بأن نبدأ بعرض رسوماتكم، أرسلوها تباعا (تعرض رسوم التلاميذ على الشاشة، وتبدو كلها سيئة، ينزعج الافتراضي ويغضب) ما هذا، اين ذهبت دروسي معكم؟ هذه لوحات سيئة، بل لا تصح تسميتها لوحات، يبدو انكم غير مهتمين بدرس الرسم، هذا كسل (مؤثر صوتي يشبه صوت صفارة الانذار، يظهر المدير الافتراضي، يخلع السماعات عن أذنيه وينتبه الى صورة المدير )
إشعار المدير الافتراضي: انذار، لا تغضب من التلاميذ، إنذار، ما هكذا الامور تدار (تختفي صورة المدير الافتراضي، تظهر عبارة: لا حوار مع المدير، لن يستجيب لك)
الافتراضي: آسف سيدي المدير، أعتذر لكم (ينتبه للعبارة، يشعر بغضب مكتوم) أعتذر مرة أخرى (يهدأ، يعيد السماعات الى أذنيه) تلامذتي الاعزاء، اتمنى عليكم العناية برسوماتكم، وسأعمل على تنزيل مجموعة من الدروس الاضافية على قناتي في you tube لرفع ذائقتكم، لابد من دعم اهتمامكم بدروسي، كما سأتواصل معكم عبر class room، عزائي بزميلكم المبدع رقم ثلاثة عشر، وآمل منكم أن تستمعوا وتشاهدوا اجابته عن سؤالي:ايها التلميذ كيف طورتَ امكاناتك بهذا الشكل؟ (تظهر إشعارات وصورة التلميذ13علىالشاشة، أنيقا، جميلا)
التلميذ13: يا معلمي، لقد أهملت كل شيء في الفترة السابقة ، غادرت جميع دروسي وواجباتي حبا بالرسم.
الافتراضي: رائع ما عملته يا تلميذي النجيب، لكني اود تنبيهك الى ضرورة التوازن بالاهتمام في كل الدروس، واعطائها حقها من وقتك.
التلميذ13: لقد أطفأت كل علاقاتي وبقيت مقترنا بحاسوبي.
الافتراضي: أطفأتَ علاقاتك واقترنتَ بحاسوبك؟ وهل كنتَ تتعلم عن طريق مشاهدة فيديوات والاتصال بمن يعلمك؟
التلميذ13:عملتُ على برنامج الرسم بالحاسوب تمكنت من خلاله نسخ أي لوحة رسم، وقد نجحت تجربتي، بدليل اني نسختُ ما كنتَ ترسم وانت ترسم فورا.
الافتراضي: (بغضب حاد جدا) هذا يعني انك لا ترسم، انت تنسخ ما يفعله الاخرون وحسب، انت لا تملك اي حس فني، ولا تشعر بجمال العمل اليدوي ، انت لست فنانا. انت مطرود من دروسي، غادر مجموعتي، زملائك افضل منك، أنت مطرود (يغلق صورة التلميذ 13،موسيقى او مؤثر صوتي يشبه صوت صفارة الانذار، تظهر صورة المدير)
إشعار المدير الافتراضي: انتهى الدرس، انذار، ما هكذا الامور تدار، ثمة قرار يصدر بعد حين.
(الافتراضي يتذمر، يخلع ربطة العنق، يمسك بجهاز الهاتف يبدأ لعبة اليكترونية شائعة، تظهر اللعبة على شاشة التلفزيون، تظهر إشعارات الاصدقاء أثناء اللعب، يمر الوقت سريعا بحسب الساعة الاليكترونية)
الافتراضي: اللعب أجمل سواه، العب واصمت يا ولد، أصدقائي أنا معكم.
الصديق1: عدت الينا مبكرا هذا اليوم.
الصديق2: ايها اللاعب الشرس منذ زمن وانت لا تلعب بهذا الوقت.
الافتراضي:أضجرني أحد تلاميذي وأنهيت الدرس، وفي حال ضاقت الامور، لا شيء أفضل من اللعب.
الصديق 2: لا شيء أفضل من اللعب في كل الاوقات.
الصديق: أتعلم… ما زلنا متواصلين بالعب منذ ظهر أمس ولغاية الان، انه رقم قياسي نطمح أنا وصديقي الغبي لإكمال اربع وعشرون ساعة متواصلة.
الصديق2: سأفوز عليك ايها الاحمق، العبرة بالخواتيم.
الافتراضي: دعونا من مناكفتكم، وألفاظكم السمجة، العبوا بهدوء.
الصديق1: اضرب ايها المهرج الغبي.
الصديق2:الغبي أنت…اسرع… اسرع.. هيا
الافتراضي : يبدو انني لا استطيع مجاراتكم لا باللعب ولا بالشتائم
الصديق1: بل تستطيع، عليك بالتركيز أكثر أيها الابله.
الصديق2: كيف يركز باللعب وضاقت به الامور، يا صديقنا دع الرياح تجري كيفما تشاء، واندمج معنا يا صديقنا.
(يظهر إشعار وصورة ابو الافتراضي)
ابو الافتراضي: ها يا ولد … صار اللعب ليل نهار… أما مللت اللعب أنت وأصدقاءك الاغبياء العاطلين؟ هذه الالعاب تدمر عقولكم وتأكل وقتكم …
الافتراضي: (غاضبا، يجري مكالمة مع ابيه) نعم يا ابي أعلم ان اللعب بلا جدوى … ولكن ماذا عن لعبة الدومينو وغيرها التي كنتم وربما زلتم تلعبونها، لكم العابكم ولنا ألعابنا، انها الالعاب المعاصرة يا والدي … هل نلعب الدومينو أم لعبة الورق التي تقودنا الى المقامرة (يصغي) لن اخرس، لكم زمنكم يا والدي (ينهي المكالمة)
(تستقر الساعة عند السادسة، صوت منبه التذكيرات في الهاتف، ينسحب الافتراضي من اللعبة، يتحرك بارتباك، يرتب المنضدة، يضع الورد في المزهرية، يشغل موسيقى، يغير قميصه ويشد ربطة العنق)
الافتراضي:(بفرح) انه موعدي الغرامي الاول (يجلس الى المنضدة، يفتح الكاميرا لإجراء مكالمة فيديو)
الافتراضي: اين أنتِ؟ انه لقاءنا الاول، يفترض ان الشوق يجعلك سباقة للحضور توقعتك تبكرين، اتمنى ان تكون بخير (رنين بنغمة مميزة لمرات عدة، تنتهي المكالمة دون رد) اين ذهبتِ حبيبتي (يعاود الاتصال، يظهر إشعار من الحبيبة)
الحبيبة الافتراضية: مساء الخير حبيبي، اعتذر عن التأخر، كنت أجهز نفسي للدردشة.
الافتراضي: دردشة؟ انه موعدٌ غرامي افتراضي، وليس دردشة، أنه موعدنا الاول، افتحي الكاميرا حبيبتي واجلسي قبالتي، لأراك لأول مرة.
الحبيبة الافتراضية: أمصرٌ انتَ؟
الافتراضي: لقد حسمنا الاتفاق على اللقاء سابقا، لمَ نعود الى الحديث عنه الان؟ مصرٌ انا.
الحبيبة الافتراضية: ولكن عليك ان لا تتفاجأ، سأرسل لك صورتي (تظهر صورة وجه الحبيبة على الشاشة، وجهها مطلي بطبقة كثيفة من الماكياج، تضع أحمر شفاه فاقع، نظارات سوداء تغطي مساحة كبيرة من وجهها، تضع على رأسها شعر مستعار) أهلا حبيبي، جميل أن نلتقي.
الافتراضي: أجمل ما في اللقاء رؤية العيون، انزعي النظارات لأتمكن من رؤيتك.
الحبيبة الافتراضية: كلا، لن أخلع النظارة، انت تطلب المستحيل، لن افعل.
الافتراضي: ولمَ لا، اريد التطلع في عينيك.
الحبيبة الافتراضية: أنظر ما اجمل الورد على منضدتي، أنظر الى غرفتي الجميلة (توجه الكاميرا نحو الورد وعموم الغرفة) انت أيضا تضع وردا، ما اجمله.
الافتراضي: لا تغيري الموضوع، أريد رؤيتك، افتحي الكاميرا، وازيحي النظارة عن وجهك
الحبيبة الافتراضية: لا، لن أفعل، أتعلم أن اهلي ضربوا رجلا حتى فقد وعيه لأنه…(صوت إشعارات الهاتف تتوالى وتظهر على شاشة)
إشعار: توفي عمك في المشفى… أنا ابن عمك.
الافتراضي: (ينظر الاشعار، وينظر اليها) ماذا؟ ماذا؟ ضربوا رجلا ؟
الحبيبة الافتراضية: نعم أهلي ضربوه، كيف أفتح الكاميرا وازيح نظارتي عن صورتي يا هذا.
الافتراضي: (كمن يستعيد وعيه ويستجمع أفكاره) ضربوه؟هاها (يضحك، صوت إشعارات)
اشعار: توفي عمك في المشفى… والدتك الحنونة.
الافتراضي: (يصيح) والدتي… يا رمز الحنان (يضحك) يا للمفارقة، توفيَّ عمي في المشفى، وهذا موعدي الغرامي الافتراضي الاول، توفيَّ عمي حقيقة (يضحك)
الحبيبة الافتراضية: ماذا … توفيَّ عمك؟
اشعار: توفيَّ عمك في المشفى… والدك الرائع.
الافتراضي: والدي الرائع (يضحك) توفيَّ عمي، يا للصدمة (يتوجه للكاميرا مع الحبيبة)
الحبيبة الافتراضية: توفيَّ عمك؟ آسفة حبيبي.
(مؤثر صوتي يشبه صوت صفارة الانذار تظهر صورة المدير على احدى الشاشات)
المدير الافتراضي: الوضع: معلم غاضب ويؤنب ويطرد التلميذ رقم ثلاثة عشر من صفه،قرار: يا معلم الرسم الافتراضي أنت مطرود(تختفي صورة المدير، تظهر عبارة : لا حوار مع المدير، لن يستجيب لك)
الافتراضي: كيف ذلك؟ اعلم وأرى هذه العبارة المقيتة (يشير الى العبارة، ساخرا) لا حوار مع المدير، لن يستجيب لك، وكيف لا اتحاور وانا ارى انك يا سيدي المدير تقمعني من توجيه تلاميذي، اريد تعليمهم فنا حقيقيا ملموسا، يا لبؤس الفن المنسوخ، انه ليس فنا انه منسوخ وممسوخ، أهذا هو الفن الذي تتجلى فيه اروع صور الثقافة؟ يا سيدي المدير الذي لا يسمعولا يرى الاخرين …(يرن الهاتف) أهلا حبيبتي (يصغي) ماذا حدث؟ الذي حدث، ضربوا عمي، توفيَّ عمي، طُردت من عملي (صوت اشعارات، تظهر لوحة الافتراضي التي ارسلها لحبيبته، على الشاشة ومكتوب تحتها : الماسك أم الممسوك … أيهما حبيبي)
إشعار: فازت هذه اللوحة بأكثر تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي وبفترة قياسية وهي لصاحبة النظارة السوداء (تظهر صورة الحبيبة على الشاشة)
الافتراضي: ما هذا؟ (مذهولا) لوحتي، صارت لك، سرقتِ لوحتي يا حبيبتي،صححي الموقف حبيبتي ( تختفي صورة الحبيبة، يحاول الاتصال بها مرات عدة، يفشل الاتصال، تخفت الاضاءة على الافتراضي، موسيقى، تتوالى الاشعارات)
ام الافتراضي: (صورة الام مبتسمة) ولدي الغالي، صباح الخير (صورة للام وهي غاضبة) سأضربك ضربا مبرحا إن لم تستيقظ.
المدير الافتراضي:(صورة المدير مبتسما) يا معلم الرسم (صورة المدير غاضبا) انت مطرود.
ابو الافتراضي: (صورة الاب مبتسما) ابني العزيز، صباحك خير وسعادة (صورة الاب غاضبا) تم دفن عمك القوي.
الحبيبة الافتراضية: ايها الافتراضي، انت أرعن. (تسطع الاضاءة)
الافتراضي: (يرن منبه الهاتف، يرفع رأسه من المنضدة وقد اختفت المزهرية وعاد الورد الى مكانه مرميا على الارض، يفرك عينيه) أين الحبيبة الافتراضية؟ لا لست أرعن، عمي لم يمت؟ أصدقائي الافتراضيون يسخرون مني؟ ياااااهكان نوما عميقا رافقه حلم ثقيل (يذهب الى الحمام، تتوالى الاشعارات والتنبيهات)
ام الافتراضي: انهض ابني، لديك دوام ودروس لتلاميذك يوميا انا أوقظك.
الافتراضي: (بنشاط وحيوية) صباح الخير امي، ها انا مستيقظ.
ام الافتراضي:صباح الخير بُنَي، هيا انهض، فطورك موجود كالعادة.
أبو الافتراضي: انا وأمك ندفع ضريبة إيقاظك يوميا لتذهب الى العمل، يا ابني الى متى تبقى بدون تنظيم للوقت، لقد كنتُ أنا مثالا يحتذى به في التنظيم وحساب الوقت بدقة، لديَّ وقت للنهوض،وقت للفطور، وقت لقراءة الجريدة، وقت العمل، وقت للقيلولة، وقت للتسوق، وقت للواجبات المنزلية، الى متى يظل وضعك فوضويا…
الافتراضي: (ملامحه غير واضحة، اضاءة خافتة) أظلٌ أنا أم حقيقة ماثلة أمامكم، أنتم يا من تنظرون إليَّ بعيون يُعْشيها ضوئي، أشيحوا بصركم عن ظلي وحدقوا بقلبي القوي، فأنا في مقتبل العمر، خذوني معكم ولا تشيحوا بصركم عن جوهري وإلا غادرتكم حتى وإن كانت لمسار المغادرة ضريبة من عقلي، استجيبوا لي وإلا… وداعاً (موسيقى، إطفاء ثم سطوع الاضاءة) أبي أمي..(يُشاهد خيال ظل الافتراضي وهو يسحب السيفون، يسمع صوت الماء الناتج عن ذلك، يتجه الى الجمهور، تظهر صورة الافتراضي على الشاشة بصورة (سيلفي) مع كراسي القاعة الفارغة) طابت اوقاتكم (يخرج الهاتف) اريد صورة (سيلفي) معكم. (يلتقط صورة مع الجمهور، وتظهر الصورة على الشاشة)
بغداد – 2020