عن حسن عطية/ عبيدو باشا

لم أجد حسن عطية جبانا. خياره: لا غدر لأحد، ما دام يمارس النقد بالكثير من التناسق مع النفس. الكفاءة كفاءة والخبرة خبرة. إلا أن الشغل على النقد في مجتمعات مسلمة أمورها للمنظومات السائدة، منظومات دينية واجتماعية واقتيادية، عملية مستحيلة. حيث ناس المسرح عشائر، في معظمهم، حيث ناس المسرح جزء من المنظومة البيروقراطية في التسلسل الهرمي للبيروقراطية. لم يفشل الرجل في التعامل مع المنظومة، حين وجد هوامشه الخاصة، عبر من خلالها إلى حياته الخاصة. حتى وجد نفسه شخصية محسوبة، شخصية دربت نفسها على وظائفها، بعيدا من التحكم بها، ما وفر له إمكانيات التقدم. أدركت، بعيدا من التحقيقات، أن حسن عطية حقق منصبه وسط جماهيره لا في المكاتب، إذ رحت أعلن لا توافقي مع إجراءات تشغيل حضوره في النقد وفي مساحات أخرى شغلها الرجل، أمام بعض معارفه وتلاميذه، من حيد أشغالهم عن التأثيرات الاعتباطية والمسيسة. ثلاثة من محبيه أجابوا، بالتأكيد على شغله مهامه بعيدا من الابتلاءات السائدة بالعالم العربي. مروى مهدي عبيدو، زهرة المنصور، بشرى عمور. ثلاث سيدات، أصحاب آثار تعلقت بي حتى تتبعتها، لا عبر الإجراءات المفروضة بين الأصدقاء ولا القواعد، عبر الاستجابات التلقائية وتشكيلات البيئات الاجتماعية والثقافية الطيبة. تصدت الصديقات الثلاث لتصنيف الرجل الهادئ. لم أجد فيه رجلا هادئا ولا صاحب شخصية ذات ناتج يشبه شخصيته. حين وجدوه مؤسس كيان، وجدوه مؤسس طريقة وأسلوب. لم أخرج من التقصيات إلا على كلام الصديقات المحبات، من جمعتهن علاقات أكاديمية وشخصية بصاحب الشخصية ذات السمة الواحدة على ما تبدو لي. حين إنحازت السيدات الثلاث إلى الرجل في الكلام المتكرر، تخصص الرجل عندي بالتوافق، بعد أن وجدت أن هدوء الرجل هدوء مريب. وأن أصدقاءه لا يتبدلون، أن أصدقاءه أصدقاء داتا جاهزة. ثم، لم يلبث حضوره أن تمأسس أمامي على امتداد يقوم على معطيات روحية واجتماعية ووظيفية أثمرت بعض الأسماء المقيدة على قيد الحياة بكفاءة خارج حروب المسرح وداخل حروب المسرح. بعدها، ارتقى الرجل بنموذجه، من عبثية النظرة إليه، إلى قراءة حضوره في بناه الفوقية وبناه التحتية. بنى شرعية شرعت حضور المسرح في منأى عن القراءات الاحتكارية لبعض الأسماء. قراءات ذات طابع عربي وهوى غربي. ما أتاح له أن يتقدم ويستمر على هوادج النقد بوعي حدوده ومتطلباته وتحولاته، وعلى إدارة بعض مطورات الثقافة في بعض المهرجانات المسرحية. هكذا، ارتبط حضوره بشكل عضوي، بالنقد بشكل مباشر ومن خلال ممارسة النقد بإدارة مؤسسات مسرحية، لم يجدها سليمة إلا حين حول بها من خلال تصفيتها من الحضورات السامة والثقافات السامة. أظهرت التحقيقات أنه على حق، ولو أنني وجدت لا على حق في ممارسته أحد أنواع النقد دون غيره: النقد التطبيقي. وهو نقد جار للنقد المدرج في خانات الواقعية الاشتراكية. كشف مستور البنى المسرحية على هذه الطريقة، كشف لا يجذب الأنظار إلى استثمار النقد برحابة النقد لا بحفاظه على قواعده وقوانينه المكررة. نقد لا ليبرالي، يقوم على اقتصاده الجمالي، لا اقتصاد المسرح الجمالي. للمسرح حقوق يغيبها النقد في أحيان.

حسن عطية، لم يسيطر على نقده إلا من خلال السيطرة على النقد بمنهج النقد الجاهز. مادة تقوم على قوانين جاهزة لا يعيش. عاش مع الدكتور عطية مع ذلك، ما توجب تسجيل الأمر في صالحه كإنجاز. إنجاز من امتلك رقم هويته في سجلات النقد المسرحي، ومكان إقامته في النقد، وعناوين المراسلة الخاصة. حفظ مستندات تجربة الدكتور حسن عطية، توقف أمام الشخص المعني لا أمام آخر. رجل عصامي صنع حضوره بنفسه لا بأيدي الآخرين ولا بإلزام المسئولين ولا عبر هيكلة التلقائيات. وفر الرجل الرجل ظروفه، وضع تطبيق أنظمة امتثال، إلا أنه ربح عمليات تحسين الحضور النقدي، بحيث سيذكر على الدوام كأحد المصادر الثابتة له. لم يترك الرجل عقارا فارغا برحيله. على العكس، ترك مريدين ومحبين وطلابا، لا يزالون يحفزون الآخرين على هدى ما ترك. حسن عطية اليوم بالتخفي، إلا أنه سيبقى قيمة مضافة على ظاهر، على ظواهر الحياة المسرحية في مصر المحروسة وعواصم العالم العربي.
عن: ” مسرحنا” / العدد 682 صدر بتاريخ 24سبتمبر2020
 

عبيدو باشا – لبنان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت