الصفعة في النص المسرحي (الحلقة: 20) / عبد الصاحب إبراهيم أميري

تمهيـــــــــد:
قبل التطرق الي التأليف المسرحى كعنصر من عناصر العرض المسرحى نجد أن ذلك العنصر فى حقيقة الأمر مركب إذ يتكون من عناصر أخرى تلك العناصر تتراكب مع بعضها من أجل إنتاج عنصر التأليف المسرحى المتًمثل فى إنتاج النص المسرحى وخروجه إلى حيز الوجود. كما أن ذلك العنصر يتصل فى بادئ الأمر بكاتبه الذى يجب أن يكون له صفات خاصة حتى يطلق عليه مؤلف مسرحى وليس مؤلف فى المطلق.
فعند الحديث عن المؤلف المسرحى ودوره فى صياغة العملية الفنية المتمثلة فى العرض المسرحى نجد أنه لابد أن يتوافر فيه مجموعة من السمات حتى يكون لديه القدرة على كتابة نص مسرحى إذ أنه فى البداية لابد وأن يكون مُلم بحرفيات الكتابة المسرحية وإلى جانب ذلك قدرته على التعبير عن المضمون الذى يريد توصيله من خلال نصه المسرحى كما أنه لابد أن يوازن بين الشكل والمضمون للنص دون أن يطغى أحدهما على الأخر لكى يخرجا فى كلٍ متناغم..
المدخـــــل:
بعد أن يتم اختيار الموضوع ويحسم نهائيا، وتتضح معالم الشخصيات، التي فرضت نفسها على العمل ، والزائدة منها طردت، وانتخب الصالح منها، وحددت وظائف ومهام كل شخصية في العمل، وقضى الكاتب أيام الحمل والمخاض واوشك العمل المسرحي على الولادة. بقى على الكاتب ان يعرف، كيف يضغط على الزر ليعلن بداية المسرحية، ويستمتع لبكاء المولود الأشقر المحبوب، بعد إنتظار كان قد سلب النوم من جفينه خلال أيام الحمل والمخاض وهنا لابد من الإشارة إلى أن التأليف المسرحى واختيار موضوعاته معايير عامة ثابتة تتصل بتمكن المؤلف من أدوات الحرفة الكتابية وخبراته ودراساته ; ولكن هناك معيار متغير قائم على كيفية توظيف الثوابت السابقة فى التعبير عن الفكرة التى يريد إثارتها لأن الفنان لا يوجد فى المطلق ولكن هناك مؤثرات ثقافية وبيئية وأيديولوجية إلى جانب روح العصر الذى يعيش فيه.
إذ تؤثر كل تلك العوامل فى كيفية تمثيل عناصر التكثيف والبلورة وتدفق السياق فى عفوية وحيوية تساعد كل القائمين على العرض المسرحى فى الإنطلاق والإبداع بقدر طاقاتهم.
كما أنه هناك فرق بين الحياة الواقعية والأحداث المقدمة على خشبة المسرح فعلى المؤلف أن يعى ذلك الاختلاف ويكون قادر على تناوله من خلال وعيه لنوعية الزمن المسرحى الذى يختلف عن الزمن الواقعى إذ أنه يجب أن يكون مُلم بأبعاد الزمن ومستوياته المسرحية وكذلك قادراً على بلورة وتكثيف أحداثه حتى تأتى مسرحيته بالشُحنة الفنية والفكرية المنشودة فى حدود زمن معين لا يقيدها; بل تنطلق فيه بكل أبعادها ودلالاتها إلى عقل المشاهد ووجدانه ولا يتأتى الإحساس بالوحدة العضوية إلا من خلال توليد الأحداث من بعضها البعض والتى يُصبح سلوك الشخصيات فيها منطقياً وحتمياً . كما يٌحتم على الكاتب المسرحى أيضاً أن يكون واعياً ومتمكناً من كل الأساليب والحيل الدرامية التى تمنحه القدرة فى السيطرة على مشاعر المشاهد وأفكاره بقدر الإمكان فلابد أن يكون قادراً على شحن اللغة المستخدمة بالحيوية وطاقات تعبيرية لا تتأتى لها فى الحياة اليومية  رغم أنها نفس اللغة “.

الصفعــــــة:
المسرح تعامل حي وملموس مبنى على التفاهم الكامل بين المتفرج والممثل، الممثل يجسد للحدث المسرحي ويدخل في الشخصية ليجعل الفعل الدرامية وكأنه حقيقة، المتفرج في الجانب الثاني ينشد اليه وتفاعل معه وكأنه من أصل الحدث، ان كان الفعل مؤثرا ينسى المتفرج نفسه وكأنه لم يأتي لمشاهدة عملا مسرحيا،
حينما نريد أن نكتب علينا أن نضع نصب أعيننا المتفرج ومدى تا ثير الفعل الدرامية عليه، وإذا ما أردنا أن نعرف المتفرج ينبغي لنا أن نعود إلى الوراء قليلا، نتذكر طريقة سرد جداتنا للقصص بلسان طيب وجميل، لقد كن يسحروننا وينقلنا إلى عالم آخر، نتفاعل مع الأحداث، نتاثز بها، لا نشعر بما يدور حولنا، اي كنا ندخل في صلب الحكاية، نطلب من الجدة الطيبة حكاية جديدة مباشرة. بعد انتهاء الحكاية الأولى، لو فكرنا قليلا،. ما الذي فعلته الجدة بالحكاية، حتى جذبتنا ذلك الجذب الساحر، إن تفاعلنا مع الحكاية كتفاعل الجسم الحديدي مع المغناطيس، والمعناطيس في المسرح، هو عنصر الشد والجذب، لا يأتي إلا بعد توجيه الصفعة الأولى، وكل صفعة تحتاج الي رد فعل من قبل الي الشخص المصفوع ، ورود الفعل تختلف، باختلاف الصافع، فالصفعة تدهلنا وتثبت أقدامنا وتجعلنا في حيرة من الأمر، وهي ان أتت فجأة ودون سابق إنذار من اقرب الأشخاص إلينا ، ستجعلنا في حيرة ولا نعرف كيف نتصرف للوهلة الأولى، ونبقى عن الأسباب للوهلة الثانية ولا نترك الأمر يمر بسهوله، نظل نتأمل الحديث و ندرس الأسباب حتى نفهم كل الأمور والأسباب التي أدت الي الصفعة، فلولا الصفعة لما بقينا نفكر طيلة هذه المدة و الصفعة لا يمكن تحديدها بالموقف فقط قد تكون بالفكرة اي الثيمة، فالثيمة هنا تعنى الفكرة أو القضية أو المشكلة التى يقوم المؤلف بطرحها من خلال النص المسرحى الذى يقدمه ويقوم عليها العمل بأكمله فالفكرة هى اللبنة الأولى والأساسية فى بناء أى نص درامى عامة.
لذا فاختيار الفكرة من أهم وأول عناصر كتابة النص المسرحى وذلك لأنه لو لم يكن هناك قضية ما تشغل المؤلف يحاول طرحها من خلال النص المسرحى لما كان هناك نص مسرحى فالفكرة محور إرتكاز أى نص مسرحى. ولا بد أن تكون تلك الفكرة واضحة ومحددة الأبعاد لدى المؤلف لكى يستطيع التعبير عنها من خلال الشخوص المسرحية التى يٌحملها الرسالة التى يود توجيهها إلى الجمهور بشكل غير مباشر من خلال قالب درامى يعتمد على بناء فنى محدد.
وأياً كان نوع الفكرة لابد وأن يكون مؤلف النص مُلم بجميع جوانبها وأبعادها وتفريعاتها كى يستطيع الجمهور إستيعاب ما يٌحمله المؤلف للنص المسرحى من خطاب موجه للجمهور يعبر عن رؤيته تجاه الموضوع أو الفكرة المُثارة فى النص المسرحى.  كما أن الحبكة ستكون بلا شك عاملا من عوامل الصفعة، والحبكة هي بمثابة البناء القصصي للنَّصِّ المسرحي ولأي نص أدبي آخر، والحَبكة هي الخيط الذي لا نراه، ولكنّه يقوم بشدّ كامل مكوّنات العمل المسرحي ويحفظ ترابطها، ويُجنّب المشاهد الشعور بانفصال الأحداث عن بعضها أو تراخيها، أو انفصال الوقائع عن بعضها، فجميعها مُتّصلة ومؤدِّية إلى بعضها في إطار شيّق .
المقصود بالصفعة هي محاولة المؤلف لخلق حالة الفضول عند المتفرج لمتابعة العرض المسرحي، أو إدخاله كقاضي وسط النزاع او اللعب باحاسيسي ومشاعره، ولهذا اللعب حدوده الخاصة والاستكون النتيجة عكسية، إذا زادت درجة ونسبة اللعب بالمشاعر والأحاسيس، زمن الصفعة. هي الدقائق الأولى من بدء العمل، ويمكن للمتفرج ان ينتظر الي نهاية الفصل الأخير.
خلاصة القول إن الصفعة هي إحدى مقومات العمل المسرحي الجيد،. تضاف إلى المقومات الأخرى.
 

عبد الصاحب إبراهيم أميري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت