من عروض مهرجان المسرح الحر الشبابي 2020 .. مسرحية” طرق”.. وعلى الروح ان تطيع.. كما الجسد” / رسمي محاسنة
مبادرة مهمة من ادارة مهرجان المسرح الحر، بأن يكون المهرجان “شبابيا” بامتياز، سواء من الادارة” رناد ثلجي – مديرة المهرجان”و” يزن ابو سليم – المدير التنفيذي”، وكذلك اعطاء فرصة للمسرحيين الشباب ليقدموا أنفسهم ، في ظروف استثنائية، عبر منصات التواصل الاجتماعي.
المخرج” عمر الضمور” قدم على المسرح الرئيسي في المركز الثقافي الملكي، عرض” طرق” من تاليفه واخراجه، يمزج فيه ما بين الحركة والمنطوق، محمل بالرسائل، و”الشيفرات” المباشرة، وغير المباشرة، قادمة من اعماق الشخصية الرئيسية، ومعاناتها، ووقوعها في المنطقة الاصعب، مابين ان تكون” هي”، او ان تكون مايريده” الاخرون”، ويبني “الضمور”، عرضه على هذه “الثيمة”، موظفا مختلف عناصر العرض، لايصال الفكرة.
فهو ابتداء اعتمد لغة الجسد” اللغة الأكثر فهما”، فالجسد يعبر عن الذات بهذه الحركة التي تترجم احساس اللحظة، وشحنها بمزيد من المشاعر من خلال حوارات العرض القليلة، وبنى ثلاثة مستويات، تمثل عوالم الفتاة، حيث في العمق “الام –دعاء العدوان”، وهي تمثل مجتمعا متكاملا بتناقضاته، والتابوهات التي وضعها عبر تراكمات لم تتطور مع تطور الحياة، وبقيت واقفة عن تلك اللحظة التي كان المجتمع ينظر فيها للمرأة على انها عبء، وأنها مصدر قلق دائم، وبالتالي لابد من حجرها في دوائر متداخلة ” بحجة حمايتها”، ولتكون ضمن متوالية يتم قهرها، وتهميشها، دون الانتباه الى كونها انسانة، وعندها المقومات التي تجعلها فاعلة في المجتمع. وابدع “الضمور” عندما كانت تنسج “الام – المجتمع” من شعر ابنتها، حبلا يضيق ويضيق حتى يخنقها.
وهناك مستوى ” الراهن”، ومستوى” الواقع”، وهذه الحالة المشوهة، تفرز نماذج مشوهة ايضا، حيث شخصية”طاعة – سارة ياغموريان”” التي توافق على كل ما يريده وما يقوله وما يفرضه المجتمع، وايضا شخصية “الرافضة – لور مدانات”،التي تقوم بالرفض العشوائي الذي لن يؤدي الى تغيير حقيقي،ولن يكون لها تاثير في تغيير افكار ونظرة المجتمع تجاه المرأة.والشخصية الرئيسية” رندا ساري”، حائرة بين كل هذه التعقيدات التي فرضها المجتمع.
وبذكاء يوظف “الضمور” الألوان، حيث اللون الذهبي والفضي، وكل لون له شخصيته وخصوصيته وجماله وبهجته، لكن عند دمج اللونين ستكون النتيجة لونا هجينا غير اصيل وباهتا..والالون هنا لاتحمل دلالة جمالية فقط، انما دلالة فكرية، عن تلك الذات العميقة، التي تقدم نفسها على حقيقتها، تنظر في المراّة، فترى ذاتها،وهي متاّلفة مع جمالها، لكنها تتهشم امام مراّة المجتمع، اذا لم يتقبلها كما هي.
والمخرج”الضمور” هنا يحيلنا الى مسالة مهمة، وهي ان معيار القبول يكون بمدى حقيقية مانراه امامنا، فهو هنا يقدم ادانة لرفض ماهو حقيقي، لان الجمال يكمن بمقدار مانقدم انفسنا للاخرين على حقيقتنا، وعلى الجانب الاخر، فان هناك شخصيات تحاول “محاباة” المجتمع، وتقديم” رشوة” له من اجل قبوله، وذلك بالتصنع، والتزييف،والماسكات التي تقدم وجوها وجمالا زائفا وغير حقيقي.
وتلعب الإضاءة دورا مهما، بهذه الدوائر التي تمثل اسوارا عالية، تسجن روح الشخصية بها، وتقتل الرغبة بالتمرد، وتضيق اكثر واكثر على الروح، وكذلك تلك الطرق التي لاتؤدي الى منافذ النور، انما هي في بدايتها ونهايتها، مجرد” مربع اول”، لاتستطيع الشخصية التي تكمل منها الى فضاءات جديدة.
“عمر الضمور” مخرج واعد، يعرف كيفية توظيف العناصر المختلفة لخدمة الفكرة الأساسية،حيث الأداء المتناغم من الممثلات حسب دور وموقع ومكونات الشخصية والمؤثرات عليها، وكذلك الموسيقى، والاضاءة،ويدرك امكانيات الجسد، ولغته التعبيرية، والقدرة على النفاذ الى اعماق الشخصيات،ومعالجة موضوع شائك، بعيدا عن الشعارات،والحوارات الجاهزة والمعلبة.
مسرحية “طرق” من تمثيل”رندا ساري، سارة ياغموريان، دعاء العدوان، ولور مدانات”،وتأليف وإخراج” عمر الضمور”.