مادة المسرح هل يمكن تدريسها عن بعد بالمغرب/ عزيز ريان
سرَّعت جائحة كورونا المستجد بالاتجاه العام للاعتماد على التكنولوجيا الحديثة في الكثير من المرافق الحياتية خاصة في الاقتصاد والتجارة والخدمات. وتم اعتماد الرقمنة والذكاء الاصطناعي في كل المجالات كضروريات في الحياة المعاصرة.
المنظومة التعليمية بالمغرب وجدت نفسها مضطرة لاعتماد التعليم عن بعد، بعد الانتشار الجائحة،كإجراء حدته كل دول العالم.
وهي خطوة مفاجئة سواء للمتعلمين وأسرهم وكذا الأساتذة والأطر التربوية التي اعتبرت عملية التعليم عن بعد حل وحيد لعدم توقف الدراسة أو استكمالها. فهل أعطت العملية أكلها؟ وكيف سيكون تعليمنا بعد الجائحة؟
يشير الخبراء التربويين على أن هذه التجربة تدخل في السياق الذي من المفروض أن تعطى له أهمية كاملة وعلمية. وهي أهمية لم تكن كافية من طرف وزارة التربية والتعليم التي اتخذت خطوة هذا النوع التعليمي بشكل شجاع وجريء. فيبقى السؤال عن آليات التطبيق والمراقبة والهفوات التقنية والبيداغوجية التي تم الوقوع فيها باعتبار أنها طريقة مستجدة.
الأكيد أن السياسات التعليمية بالمغرب منذ عشرات السنين كانت سببا فيما آل إليه الوضع التعليمي الذي يشهد الكل أن نتائجه على الأقل ضعيفة،لذا لا ننتظر أن تكون نتائجه عن بعد متكاملة وخصوصا وأنه أظهر ما يمكن تسميته”الطبقية” في المجتمع وفي التعليم عن بعد.
ودون الدخول في سجال الفعالية بين التعليم العمومي والتعليم الخصوصي في هذه الطريقة المستجدة، وصعوبة الجزم في أحقية النوعين في الوصول إلى نتائج تربوية بيداغوجية متماسكة. أو سجال التفاوت الطبقي والاجتماعي ما بين القرية والمدينة وداخل المدينة نفسها بين الأحياء الراقية والأحياء المهمشة أو الفقيرة.
الأكيد أن مسيري التعليم بالبلد امتلكوا شجاعة الاعتراف بأن عملية التعليم عن بعد لم تكن ناجحة بالشكل الذي كانت تنتظره الوزارة، على أساس تمكين المنظومة التعليمية مستقبلا بمكانة جيدة. فهي عملية تعد بديلا مؤقتا بسبب الاحترازات الصحية لوقف انتشار فيروس كورونا، فتنزيلها لم يخل من اختلالات كثيرة أعاقت في كثير من الأحيان تنزيل البرنامج الكامل.
ولعل الحديث عن مادة المسرح كمادة تكميلية تدرس في القليل من المدراس الخصوصية يثير الكثير من اللغط ،نظرا للاهتمام الملحوظ بالمواد الأساسية. فهل يمكن تدريس المسرح عن بعد؟ وماذا سيستفيد المتعلم من تدريس هذه المادة التي بدأت الوزارة المختصة بالاهتمام به في الأنشطة الموازية عموما.
أثبتت التجارب قيمة المسرح داخل الفضاء المدرسي لكل الأعمار، سواء لتأثيره الفعال على شخصية المتعلم ومستواه التعليمي والفكري. ودون تكرار قيمة المسرح كمادة تعليمية تكميلية لا أحد ينكر قيمته الواضحة في مساعدة المتعلم لمجابهة ظروف الحجر الصحي والتغيرات الحركية له، وكذا سبل الخروج من الضجر والملل من المكوث في فضاء مكاني ضيق، والتمكن من التعامل مع الآثار النفسية التي خلفتها الجائحة المفاجئة.
سأتطرق لتجربتي المتواضعة من خلال تدريس مادة المسرح خلال عشر سنوات في مؤسسة تعليمية خصوصية وبالمجال القروي بإقليم شفشاون. فكغيري من الأطر التربوية فرض علي توفير مواد تعليمية للتعليم عن بعد، بشكل مفاجيء. المفاجأة عنوان أصاب كل الأطر حتى المختصة في مادة الإعلاميات. فمنظومتنا التربوية لم تكن مهيأة لخوض هذه التجربة بما تتطلبه من وسائل ومعدات وتقنيات متاحة للمتعلمين والطلبة والمدرسين والأساتذة. فكنا نعمل بشكل “اضطراري” وبالإمكانيات المتاحة لسد فراغ تربوي وتعليمي طاريء.
قبل البدء أفضل الإشارة إلى إشكالية التسمية فمادة المسرح المدرسي قد تثير بعض التقليل منها، لهذا اقترح: المسرح الطلابي ولكل المستويات التعليمة لإعطاء قيمة لها وعدم تصنيفها كمسرح غير مكتمل أو فقط تعليمي في حين يجب التعامل معه كمادة تحمل بين ما هو تربوي وما هو فني بل تمكنت من توظيفه كوسيلة لعلاج التعثر والمواكبة النفسية للكثير من الحالات. وباعتبار شمولية المسرح كأب الفنون فهو يخول للمدرس توظيف الكثير من المناهج البيداغوجية المعاصرة لتحقيق الكفايات المطلوبة. وما يسهله من اللعب الدرامي الواعي كآلية للتعليم التشاركي.
هذه الجائحة أحالتنا إلى مقولة شهيرة للباحثة التربوية الإسبانية ماريا أكاسو Maria Acaso التي صرحت :” بينما العالم يتغير، يظل مجال التعليم كما في سابق عهده ويتغير بشكل سطحي.”فهل آن وقت تغير تعليمنا كليا؟
سنركز هنا، على فئة الابتدائي باعتبارها الأكثر حاجة لمزيد من الدعم والمتابعة غير الاعدادي الذي يعرف فئات عمرية أكبر ويسهل التعامل معها بشكل عام.
وبطبيعة الحال لا يمكن التعامل مع كل الأفواج بنفس الشكل، فالمستوى الأول والثاني من الابتدائي يتحتم تبسيط كل المحتويات التعليمية. أما الثالث والرابع فالتعامل مع صنف عمري مختلف أكبر. والخامس والسادس فالفئة العمرية بهما تساعد على محتويات مختلفة. وللتدقيق يمكن اعتبار أن الحصة ستقدم إلى المستوى السادس.
بدء بالإحالة على الدروس بمادة المسرح الطلابي قبل الجائحة،والتي تكون أسبوعية لكل فوج دراسي وتقسم حصته إلى جزأين تتفاوت مدتهما الزمنية : نظري وتطبيقي. التطبيقي يتضمن معلومات يقدمه المدرس ويبحث عنها المتعلم في مجال الفنون الأدائية بشكل عام،والتطبيقي يتضمن حركات بدنية تسخينية للجسد والصوت والأداء. وتضمين الحكاية كمحور هام للوصول إلى كل مستويات المتعلمين،مع ضرورة اختيار صنف بعينه من الحكايات التي لا تحتوي على بعض التجاوزات الغير التربوية كالسرقة أو ما شابه.
وهما جزأين يمكن توظيفهما عن بعد بشكل مثمر،مع إعطاء حرية للمتعلم من توزيع وقته بين المواد الأخرى وساعات الراحة. فتكون الحصة عبارة عن تمارين نظرية وأخرى تطبيقية يسجلها المتعلم بشتى الطرق التي يفضلها أو يتوفر عليها. هنا أشير إلى تجربتي عبر تقنية المجموعات بتطبيق الواطساب، نظرا إلى سهولة توفرها لأغلب المتعلمين بالمجال القروي الذي يختلف بدوره طبقيا وفكريا. فالمتعلم يمكنه تسجيل التمارين المنجزة عبر تقنية التسجيل الصوتي أو عبر التصوير بالفيديو أو كتابتها على ورقة وتصويرها أو كتابتها مباشرة. مع التركيز على تفاعل المدرس مع بعض الحالات التي قد يقع بعض التغييرات في نمطها التعليمي بسبب عطب تقني ما بالهاتف أو بسبب نقص مادي عند الأب في قدرته توفير الصبيب الكافي من الإنترنت كل أسبوع موازاة مع المواد الأساسية. كما أن مواقع أخرى لم تكن سهلة في متناول كل متعلم كزووم أو غيره. وهي مواقع تحتاج إلى دورات تكوينية للمدرس وللمتعلم بشكل تطبيقي حتى يتمكن من الاجادة في استخدامها.
كما يجب مساعدة المتعلم في التعامل مع كل تقنية بحسب مستواه الفكري والاجتماعي بدون الضغط عليه. فتسجيلات الصغار كيفما كانت هي مجهود تحتاج التشجيع الكامل، مع إعطاء ملاحظة فنية عامة لا تطبث عزيمته. فالمتعلم فجأة وجد نفسه داخل عالم الهاتف الذكي الذي حاول الآباء والأساتذة إبعاده عنه وإظهار مخاطره. حيث هو الوسيلة الوحيدة للتواصل بالعالم ولتقريب كل المسافات وتخفيف الآثار السلبية للجائحة.
ويلاحظ أن المتعلم يتفاعل بشكل تدريجي مع التمارين الافتراضية المسرحية ويبدأ في تقديم مقترحات وإبداعات جديدة كلما كان التضييق عليه أقل وترك فسحة التنويع في مجالات التشخيص والأداء والمواضيع الحرة والآنية التي تلامس معيشه. دون أن ننسى أن الحجر الصحي بالقرية مختلف عن المدينة نظرا للاختلافات المكانية بينهما.
وليس غريبا تألق بعض المتعلمين المتعثرين داخل الحجرات بهذه التقنية يشكل انتصارا لها وبالتالي التفكير في الاستمرار فيها خصوصا لبعض الحالات التي يكون ذكاءها يتماشى مع هذه الوسيلة التعليمية التي تعتمد الهاتف والحرية الشخصية للمتعلم داخل محيطه الأسري الذي قد ينظر إليها ك”لعب”طفولي مادام تعود على التعليم العادي والواقعي.
حتى وإن اعتبر البعض أن المسرح فن تفاعلي مباشر لكنه شمولي يستطيع خلق أسلوبه الخاص الافتراضي ومساعدة الآباء والأساتذة في تفعيل التعليم عن بعد ومعالجة بعض نقائصه.
تدريس المسرح كما باقي المواد الدراسية يحتاج إلى الإنصات إلى كل الأطراف المشاركة بالعملية التعليمية للرقي بهذه المادة الهامة والتي تتميز بحب كل الأعمار لأنها تساعد على الخروج من جفاف ونمطية بعض الدروس التعليمية. مادة تحتاج لمنهجيات بيداغوجية متنوعة في كل وقت وبحسب كل سن وبحسب كل مستوى وحالة كل متعلم. فليس عبثا أن الدول المتقدمة في مجال التعليم تدرجه في مقرراتها منذ المراحل المتقدمة للمتعلمين.
المسرح لا يختلف كثيرا عما يمكن تقديمه داخل الحجرات،حتى وان اختلفت الظروف.فالمسرح المعاصر الذي وظف كل وسائل السمعي-البصري منذ ظهور ما يعرف بمسرح ما بعد الدراما،فحتى مسرح دراما التعليمي له القدرة على المواكبة بسلاسة.
وفي هذه الظروف الاستثنائية فيمكن اعتماد كفايات ومناهج خاصة تتماشى مع نفسيات المتعلمين. وبالتالي إعداد خطاطات جذاذات بالمناسبة،تقترب من تغير حالات كل متعلم بحسب ظروفه الأسرية وفكر وتعلم الوالدين.وهي وثائق يجب أن تتحلى بالانسيابية والسهولة وإمكانيات التغيير بحسب التفاعل اليومي للمتعلمين.
- تطبيق تكنولوجي: هي جذاذة أو مشروع جذاذة تعتمد فكرة تحسيس المتعلم بقيمة التعامل مع الهاتف في الحجر ومدى استعمال تطبيقات بعينها تتنوع بين المفيدة والمسلية. وتحميل تطبيقات تعليمية جديدة غير مملة. فالطفل مهما شرحنا له لن يصل إلى فهم ما يحصل بالعالم بسبب هذه الجائحة.
- تعبير فني: علاقة المسرح مع فنون أخرى منذ القدم،فلا بأس من الرسم وصناعة أعمال يدوية حرة..
- تعبير جسدي: فرصة لدعوة المتعليمن إلى ممارسة الرياضة والحركات البدنية التي تنشط الجسد للتمثيل.
- تواصل شفهي: فرصة للتعبير الشفهي بحسب مواضيع مختارةمن طرف المدرس أو المتعلم.
- تواصل كتابي: تقسم حصصه إلى: إقرأ و اكتب. لتشجيع المطالعة الحرة وقراءة النصوص القرائية والتدريب على التعبير الكتابي بشكل موازي.
- تربية أدبية: محاولة الانفتاح على أغراض أدبية كالشعر والقصة وغيرهما
- يوميات المشاعر: يمكن اعتبارها لعبة نفسية لتفريغ شحنات وتوترات الحجر الصحي. فيسجل المتعلمون يومياتهم وأحاسيسهم مع مراعاة التشجيع.
- كتابة نص مسرحي قصير: هنا يمكن اعتماد تقنية مسرحة المناهج وتحويل نصوص قرائية إلى نصوص مسرحية،وترك حرية للمتعلم كي يبدع نصوصه الشخصية وتمثيلها لاحقا.
وتبقى الحكاية برغم صبغتها المباشرة مع راوي ومستمعين فيمكن هي الأكثر تفاعلا افتراضيا وواقعيا. حيث يمكن تسجيلها صوتيا أو بالفيديو ومناقشتها واستخراج مضامينها الهامة. وتمثيل بعض مشاهدها فرديا أو بالاستعانة بأفراد الأسرة لتمثيلها وتسجيلها بالفيديو للتأريخ المؤرشف واعتباره مادة رقمية يمكن بثها بمواقع الوزارة والأكاديميات والمندوبيات لاحقا. وكذا تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية خلال الموسم وعن بعد.
“الحكاية” تأخذ الأمور العادية وتربطها بكل الوجود الانساني وتكشف أهمية الأمور المعتادة. فمن خلالها نتجاوز تجارب الحياة اليومية ونتعرف على ذواتنا التي هي أكبر من الأحداث التي تشكل وجودنا الفردي. ونستطيع عبرها التعرف وفهم دوافعنا لأننا شخصيات الحكايات… فعندما ندخل”حكاية” نجد أن”الحكاية” في داخلنا،تعرف الإنسانية كما تقول الحكاءة الفلسطينية المعروفة دنيس سعد.
ومادام المتعلم بالمجال القروي فمن المحبذ اللجوء إلى الحكاية الشعبية باعتبارها نوع أدبي يتم تناقله شفاهية عبر العصور. وبالنظر إلى مميزات الحكاية الشعبية التي تتسم بمواصفات جمالية وفنية كنوع أدبي له أصوله ووحداته.
وعلاقة الأطفال بالحكاية الشعبية منذ الطفولة المبكرة كأحد الشروط لبناء شخصية سليمة نفسيا مستقبلا لأنها تساعدهم على التأقلم مع الصعوبات الحياتية التي يواجهونها وتعطيهم المناعة الكافية لمواجهة الصعوبات في المستقبل. على المدرس جذب وإثارة فضول المتعلم،وإثراء خياله لمساعدته في تطوير إدراكه وتوضيح مشاعره. يجب أن تكون حكاية تلائم مخاوف وطموحاته،وتعطي الشرعية لمشاعره،وبنفس الوقت تعرض حلولا للمشاكل التي تشغل باله.هي حكاية تقوي ثقته بنفسه ومستقبله،وتعطيه فرصة لفهم نفسه في العالم المركب الذي يعيش فيه وعليه أن يتأقلم معه ومتغيراته وخصوصا متغير الجائحة كمثال حي. هو متعلم في حاجة للمساعدة لترتيب مشاعره وتزويده بأفكار لترتيب أموره الحياتية اليومية.هي وسيلة تشير لأفضلية التصرف الأخلاقي الايجابي،لكن ليس من خلال مفردات مجردة،إنما بواسطة أمور ملموسة ومحسوسة تدله على أهمية القيم الأخلاقية العادلة لكي يسهل عليه تبني هذه القيم. على المدرس أن يتعامل بشكل نقدي مع كل الحكايات.
كما أن تقنية الارتجال المعروفة مسرحيا تساعد على التحرر من نقص التفاعل أو بعض التخاذل اليومي للمتعلمين بالمجال القروي.
يمكن استعمال الحكاية والارتجال كتيمتين للتدريس عن بعد وتنويع أسلوبهما بشكل ذكي،للتعامل مع متغيرات المتعلم بالعالم القروي.
ختاما،لا يسعني إلا أن أضم صوتي لكل الأصوات التي تنادي بتمكين التعليم المغربي بشقيه العمومي والخصوصي من مادة المسرح الطلابي بكل مستوياته للرقي بالأجيال القادمة.فتأثير المسرح على شخصية كل كائن انساني لا يمكن إغفاله بحسب الرغبة القوية في تطوير تعليمنا وشخصية متعلمينا لاحقا.ولعل “التجربة الإماراتية” رائدة في هذا المجال وبأطر مغربية.