مسرح الطفل السعودي/ سحر الشامي

الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن إنموذجا
إن خوض غمار النقد التحليلي لم يكن ضمن برنامجي الأدبي رغم عشقي الكبير لقراءة النقود البناءة وسبر غور هذا الميدان الواسع بأفكاره ومدارسه على مر الزمان، ولكن الصدفة أحيانا تلعب دورا كبيرا في تطور الكاتب وتخرج مكنوناته التي كان يعتبرها نوعا من المجازفة التي هو بغنى عنها خوفا من التعثر. فقد طلب مني يوما الدكتور أحمد الشريف وهو باحث مختص في إعلام مسرح الطفل أن اقوم بدراسة تحليلية عن ثلاث وثلاثون نصا مسرحيا في مجال أدب الطفل السعودي لما إلتمسه من قناعة في أسلوب كتابتي في تحليل النصوص والسرعة التي جذبته كثيرا لخوض هذا المشروع؛ بعد أن طلب مني تحليل نصوصي الخاصة ، فما كان مني إلا أن أجد فرصة سانحة لإختبار هذا الميدان وقمت بتوفيق من الله بتحليل نصوص الدكتور عبد الله آل عبد المحسن والأستاذ عباس الحايك والدكتور سامي الجمعان والدكتورة ملحة عبدالله والدكتور مصطفى العلي وغيرهم من المختصين في مجال مسرح الطفل لا مجال لحصرهم.
رائد مسرح الطفل في منطقة الخليج والوطن العربي
ولد الدكتور عبد الله حسن آل عبد المحسن في جزيرة تاروت في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية عام 1953، حصل على شهادة البكالوريوس من كلية التربية جامعة الملك سعود في الرياض عام 1969 ونال شهادة الدكتوراه في الإدارة التربوية عام 2004. من النصوص البارزة للكاتب الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن في مجال مسرح الطفل هي مسرحية (الوحش) 1991 وقد كان لي شرف تحليل هذا النص في كتاب (مختارات من المسرح السعودي) الذي صدر عن دار الوفاء في جزءه الأول عام 2019 تحت إشراف الدكتور أحمد الشريف، وإليكم ماكتبته عن هذا النص:
الوحش
وهي مسرحية تتحدث عن قرية صغيرة ينعم أهلها بالخير والطمأنينة مدة طويلة، وفي أحد الأيام ينتهي كل ذلك عندما يأتي “خرفان” وهو المعروف بالمجنون وينبأ عن وجود وحش يهدد بدخول القرية ويسرق خيراتها، ومن الطبيعي أن الجميع لا يثق بكلام “خرفان” ويهزئون به حتى يسمعون صوت “الوحش” ويشاهدوه وهو يدخل القرية ومعه أتباعه وهم “أجلح” و”أملح” و”دحدوح” فيعيثون فيها الخراب ويسرقون المؤن من الدكاكين والبيوت ثم يخرجون، ويأتي دور “مقبل” الرجل ذا الهيبة والوقار الذي يظهر فجأة في القرية بعد كل خراب ! ويفهم أهلها أن الخلاص من “الوحش” أمر صعب جداً ، وقد يؤدي إلى القضاء عليهم جميعا لما يملكه “الوحش” من قدرة كبيرة وقوة هائلة، ثم يسير “مقبل” بين حطام القرية ويشاهد “حميد” الطفل الصغير ويرثى لحاله ويأخذه معه إلى مغارته وهناك يأمر أتباعه أن يطعموه ويسلوه ويحققوا له مايطلبه، ويتفاجأ “حميد” بوجود “خرفان” أسيرا في نفس المغارة، ثم يشعر بالصدمة الكبرى عندما يسمع حديثا يدور بين “مقبل” وأتباعه يفهم منه أن “مقبل” هو نفسه “الوحش” الذي أغار على قريته! فيصمم على الخلاص منه ويغتنم فرصة خروجه مع “أجلح” و”املح” للإغارة على قرية أخرى وهي قرية “طبطبة” فيقوم بضرب “دحدوح” وهو نائم ثم يفك قيد “خرفان” ليقوم الاخير بمساعدته للقضاء على “مقبل” و “أجلح” و”املح” بعد عودتهم وضربهم جميعا وتقييدهم، ومن ثم أرسل “خرفان” إلى أهل القرية ليستدعيهم ويروا بأنفسهم أن من وثقوا به تماما هو نفسه “الوحش” الذي سرق مؤنهم، ثم يأتي دور “مقبل” ليبرر عمله ما هو إلا عقوبة على ما اقترفه بحقه أهل القرية عندما كان طفلا صغيرا يبعدون أولادهم عن مصاحبته بسبب محاولة سرقة. وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة عندما طلب “أبو صالح” من “مقبل” ان لا يعود لعمله الشرير مرة أخرى، ويعيش “مقبل” بينهم بلا كراهية او عدوانية.
فكرة المسرحية عن الفئة الباغية التي تعتدي على غيرها وتسلب الحقوق وتدمر البنى وتلحق الضرر بالبلاد والعباد، وقد تكون هذه الفئة من نفس المكان الذي تنحدر منه كما نلاحظ في هذا النص، ف “مقبل” يغير على أهله وقومه بقناع الشر. وينوي لهم الخراب. وفي هذا إشارة لعدم منح الثقة العالية للأشخاص بسبب مظهرهم الخارجي أو أسلوب الوقار والهيبة الذي قد يتصنعه البعض لتحقيق غايات أخرى. كما يشير النص إلى وصمة العار التي ترافق صاحبها وتؤدي به ساقطا في نظر نفسه فيحقد على المجتمع وقد يكون أداة تدمير له .
كتبت المسرحية بمزج طريف بين اللغة العربية الفصحى مع القليل من اللهجة السعودية مما أضاف لها نكهة مميزة تمتع القارئ او المشاهد على السواء،ولا ننسى الطابع الكوميدي الهادف الذي تجسدت به اغلب الشخصيات ومنذ بداية المسرحية.
تحليل الشخصيات
تعتبر شخصية “مقبل” هي الشخصية المحورية وهي شخصية نصفها خير ونصفها شر. فالخير يتجسد بحبه للحياة والجماعة والصداقة وهو ما حرم منه صغيرا عندما أبعد الاهالي أطفالهم من اللعب معه بسبب ما إقترفه من ذنب عندما سرق شيئا بسيطا، مما جعله يرد هذا الفعل بفعل أشد تأثيرا وأكبر خطرا، وذلك بأن يتقنَّع بقناع الوحش ويغير على قريته وهذا جانب الشر الذي تبين من شخصيته في المسرحية، كما يتجسد جانب الخير مرة أخرى في رعايته الطفل “حميد” بعد أخذه معه إلى المغارة، ويتجسد جانب الخير كذلك في طلبه السماح من أهل القرية مما يعني أنه أيضا يبادلهم نفس الشعور بعدما ابعدوا أطفالهم عنه وهو صغير وتركوه وحيدا. وتأتي شخصية “حميد” وهي شخصية البطل المساند ومعه “خرفان” ليقوما بإنقاذ القرية من الوحش “مقبل”. أما شخصية “أبو صالح” فهي شخصية ثانوية وتتصف بالحكمة والصبر والنصح لأهل القرية. ويقوم كل من “أجلح” و”أملح” و “دحدوح” بدور الخادم المطيع الذي لا رأي له سوى طاعة سيده في كل ما يأمر حتى لو كان كله شر، وهي شخصيات كوميدية تقريبا، قد تكون هزلية كما قام “دحدوح” بدور الحصان ليسلي الطفل “حميد”. وهناك شخصية “الشاب” ابن الرجل العجوز الذي ينتفض لقريته ويشد السواعد للدفاع عنها .
كما هناك شخصيات ثانوية أخرى تقوم بأدوار بسيطة مثل “أبو خليل” و”محمود البحار” و “صاحب المقهى” ووالد الشاب وغيرهم ممن لهم دور فاعل وإن كان قصيرا مثل “الرجل المسن” الذي رغم عجزه يصر على الذهاب مع الشباب لقتال الوحش، و”الرجل” الذي احتج على كلمة “وحش” بقوله : “أعتقد أن قصة الوحش مفتعلة.. لا يوجد في قريتنا وحش وإنما هناك مجرم.. قاطع طريق.. يريد أن ينشر الرعب والخوف فينا.. فلو وقفنا صفا واحدا فلن يتغلب علينا.. “
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏ابو فراس آل عبدالمحسن‏‏، ‏‏‏‏وقوف‏، ‏‏بدلة‏، ‏لحية‏‏‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏‏
د. عبدالله حسن آل عبد المحسن
أهم أعماله
للدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن نصوص عديدة في مجال مسرح الطفل وهي كالتالي :
حرام حرام 1970
ملك الغابة 1971
عاقبة الطمع 1972
حكايات جدتي 1973
الفأر في الشنوكة 1974
الكريكشون 1975
مال البخيل يأكله العيار 1976
الغواص 1977
من تدخل في ما لايعنيه لقي مالا يرضيه 1978
سبع صنايع والبخت ضايع 1979
الشراك 1980
المعلم 1981
الطالب الكسول 1982
غيري جنى 1983
الثعلب المكار 1984
السعادة 1985
جزاء الأمانة 1986
الكراز 1987
الكنز 1988
ارنوب في خطر 1989
المغامر 1990
الوحش 1991
علي بابا 1992
إلى الفضاء 1993
كما كتب أربعين نصا مسرحيا للكبار وله تسعة عشر كتابا في مجال البحوث أربعة منها باللغة الإنجليزية، كما لديه أربعة عشر مخطوطة جاهزة للطبع، وفي واحدة منها تحمل عنوان (المسرح النفسي العلاجي) وفيه يعالج الباحث مشكلة كبيرة تخص فئة معينة من الأطفال (..ويعد من أهم الوسائل العلاجية لإدماج الأطفال المنطوين على أنفسهم أو المعقدين نفسيا داخل جماعات تمثيلية لتحريرهم من العقد المترسبة في لاشعورهم وتطهيرهم نفسيا عن طريق التنفيس واخراجهم من العزلة والوحدة والاغتراب الذاتي والمكانية المشاركة والتعاون ويتطلب العلاج بالسيكودراما ثلاث خطوات رئيسية هامة وهي التهيئة والاعداد ثم مرحلة الأداء وأخيرا مرحلة الحوار)
حرص الكاتب في نصوصه المسرحية على تفعيل الاهداف الأسرية والوطنية وحب العمل الجماعي ونبذ الفردية وزرع الأخلاق الحميدة، كما أكد في بعض نصوصه على الكثير من القضايا التي تهم الأمة العربية ومنها القضية الفلسطينية.. كل ذلك في أسلوب رشيق كوميدي مسل خال من الملل، قريب من التشويق لإثارة المتلقي الصغير، وبهذا إستحق الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن لقب رائد المسرح السعودي بحق.
في مجال الجوائز
نال الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن جائزة دولة قطر لأدب الطفل عام ٢٠٠٨، كما حصل على الكثير من الجوائز في مهرجانات عدة ونال الشهادات التقديرية والتكريمات من دول عربية وعالمية عديدة.
نال إعجاب الكثير من الشخصيات العربية وكتبوا عنه، ومنهم وفيق السامرائي من العراق عندما كان مسؤولا عن المسرح في إدارة التعليم في المنطقة الشرقية، والدكتور سميح شعلان عميد كلية الفنون بالقاهرة، والدكتور محمد خضر من السعودية، والأستاذ الحراث بوعلاقي من المغرب…والأستاذ عبدالعظيم شلي من السعودية والأستاذ محمد المصلي من السعودية، والدكتور نادر القنة الفلسطيني المقيم في الكويت.
كتبت هذه المقالة على عجل وقد اكون مابلغت الوصف في أعمال الدكتور عبدالله حسن آل عبد المحسن القيمة فالتمس منه العذر؛ أطال الله في عمره، ليسقي مسرح الطفل أطيابا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت