"تفو" نصوص كتبت بلغة عبثية، شخصيات مأزومة/ قراءة: عقيل هاشم
“تفو” مجموعة مسرحية للكاتب علي العبادي
إن من الصعب تأطير هذه النصوص في تيار معين، حيث أن الكتابة اليوم وبشكل عام تحمل سمةً أساسية – التحرر من أية قواعد أو أعراف مهما كانت، ومنها الشخصيات والحوار إلخ…بسبب ظهور متطلبات فكرية جديدة تتلائم ووجود الادب والفنون، وأن الكتابة للمسرح في هذه المرحلة لا تحمل صفات النسبية وعدم الاكتراث التي توسم بها كتابة ما بعد الحداثة. فهذه النصوص، وخلافاً للمرحلة السابقة لها، ويقصد هنا مرحلة مسرح التجريبي والتي لا تنفي وجود المعنى خاصة على مستوى التفصيل ولا تتجاهل متلقيها، على العكس تماماً إنها تطرح إشكالية التلقي على كافة المستويات. وهي من ناحية أخرى تدّعي أنها تملك منظوراً متكاملاً للعالم. إذاً هذه النصوص موجودة كنتيجة لرؤى شخصية كاتبها، تعرض قصصاً وحكايات من الواقع المعيش فعلاً، وتتمحور حول مفهوم “الأنا” دون الإنقاص من أهمية إلقاء نظرة تفحصية لكامل المحيط من حولها، خاصةً وأن هذه “الأنا” تعيش ضياعاً كبيراً في عزلتها الفردانية المتناقضة مع مجتمع مزدحم. هذه النصوص تستحضر الراهن العراقي من موضوعات وأفكار مختلفة من كل زمان ومكان. لكنّ كتابه غالباً يفضّلون التعبير من خلاله عن الأزمات النفسية للفرد التي تعكس أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية تخصّ العالم كله، من ناحية الشكل والمضمون، ونستطيع التأكيد على استمراريتها بوصفها أدباً حياً وفناً لا يتلاشى أبداً..
نصوص (تفو) للكاتب علي العبادي كتبت بوعيٍ ثقافي وفكري وقدّمت نقدها الموضوعي لتحولات حداثوية ضمن منظومة متكاملة من العناصر الفنية غير التقليدية على الإطلاق. ولذا يعتبر المسرح مختبراً للتجارب الجديدة والتي ناقشت مفاهيم الذات، الهوية، التشظّي الإنساني الحاصل بغض النظر عن الأسلوب والطريقة. وإذا ما تتبعنا أصول التيار الفكري الجارف الذي غزا المسرح والحياة الثقافية والفنية والتي عزّزت حرية التعبير وحرّضت على الإبداع، قد أطلقت العنان للفكر بالتمرّد على الكثير من القواعد والأطر الكلاسيكية المقيّدة لحياة الإنسان في ذلك الوقت. ولقد أدى التطور الاجتماعي والسياسي الناتج عن هذه التحديات وإلى إعادة النظر في النظريات الفلسفية المعنية بالوجود الإنساني والتي تمظهرت في عدد من التيارات الدينية والفلسفية قد بدأ عندما وجد الكاتب المسرحي نفسه أمام تحديات زعزعت أسس ومفاهيم القيم بالنسبة إليه. وصار مطالباً بخلق صيغ وقوالب جديدة تناسب المحتوى المتغير للأفكار التي أصبح عليها شكل العالم الجديد. وعلى الرغم من أن هذه التجارب الطليعية انتشرت والتي بدأت بالتغيير وبتكسير القوالب الجامدة وبخرق القواعد الأرسطية متجسّدةً في عدة تيارات فنية وفكرية ما زال تأثير روّادها واضخا .وكان من الملاحظ أن تلك التجارب التي ظهرت تستند على اللاوعي الإنساني أو على العقل الباطن. وهو ما جعل النصوص شبيهة بالأحلام التي يفقد فيها العقل الواعي سيطرته على الأحداث.وبهذا قدّمت هذه النصوص تهكّماً قوياً لراهن الزمن الراسخ تحت الأنظمة الدكتاتورية، معتمدةً على إبراز الأحلام والغرائز الإنسانية المكبوتة. وقد تمادت هذه النصوص على الواقع السائد بأفكار وقد طالت اللغة نفسها. فالنصوص تحيل إلى سخرية سوداء تحاكي التشاؤم الشديد في حقيقة الأمر. بالإضافة إلى أنها وصلت حد الفصام بدءاً من العناوين نفسها..
في هذه النصوص التجريبية قيد الدرس يرسم الكاتب رؤيته الفجائعية في رؤية هذه الشخوص، وهذه الأصوات، و يبيح لها الانطلاق نحو آفاق التعبير عن الأزمنة الموحشة . في هذه النصوص معاني ظاهرة وخفية، ترمز لنفسيات و ذهنيات وسلوكات هذه الشخوص القلقة .نصوص موحية تنبع من تراكم الاحباطات والانكسارات والمرارة ، خطابات من عوالم الكوابيس التي ترافقنا يوميا من المنفى والموت والبعث و الانتظار والهويات المهزوزة .خطابات والتي أراد لها كاتبها العبادي ، مشاهد انسانية لكي لاننساها وقد صاغ عوالمها عبثيا. اما على مستوى الفعل الدرامي، فقد سبقت الإشارة إلى أن الفعل الأساس هوالحدث / الخطاب، وهما المؤثر في مجرى الكتابة . في مقابل، ذلك بدت الشخصيات منحازةً إلى التهويل إلى حد الهوس، وفي ذلك يكمن الطابع المأساوي. دلالة على سوداوية العالم، وضبابية الواقع، واغتراب الذات استطاعت مسرحية “الرغاية” أن تعبر عن موضوع محلي بتقنيات كونية، منطلقها هو اللامنطق في الحدث، ورهانها اللامألوف من الخطابات وهما أسلوبان ينسجمان مع انهيار القيم، فوضى العالم الذي نحياها.إذن هذه النصوص المسرحية:
(المرحاض /مقبرة/تفو/انتروبيا)
نص (المرحاض)
علاء الدين : يجب على من يتقلد منصباً في مملكتنا أن يتمتع بقيم رثة .
(المارد فرحاً ومتفائلاً عسى ولعل أن يجد أحدى الاشتراطات تنطبق عليه)
علاء الدين : يحق لمن أثبت أنه من السفلة والشواذ والقوادين وممن لديهم خدمة جهادية في ذلك أن يتقدم للترشيح والأفضلية لذوي الخبرة الطويلة .
المارد : ( يفغر فاه لما سمع ، ثم يتحدث جانباً مع نفسه) هذه فرصة أخرى ذهبت مني … بالفعل أنا أبله ، عمر قضيته في هذا المرحاض من أين تأتيني بالخبرة ؟ علاء الدين : (يواصل قراءة ما تنص عليه المسلة شفوياً) أن لا يكون قد حكم عليه بتهمة الشرف .
المارد : ( يتذمر) هذه الفرصة الأخرى تذهب مني .
علاء الدين : يقتل كل من تثبت عليه جناية أو جنحة مخلة بالدعارة أو المساس بقيم كل هزيل شاذ داعر .
المارد : (يحبط ) تفو على هذا الحظ البائس ، لا اعرف هل أنا من دفنت في ذلك المرحاض أم حظي ؟
نص ( المقبرة)
النبي : لا يوجد مكان يتسع لجحيم أحلامكم سوى هذا المكان .
الدفان الثالث : وماذا بشأن الشعارات التي سوف تخط على اللافتات ، ماذا نكتب عليها ؟
الدفان الثاني : أجل أيها النبي ماذا نكتب ؟
النبي : أتركوها فارغة ، بيضاء .
الدفان الثاني : (يتفاجأ) ماذا ؟
النبي : أجعلوها العتبة الأولى لقلوبكم ، ولتشهد على مظلوميتكم .
الدفان الثاني : أذن لم يتبقَّ شيء ، سوى أن نباشر في الاحتجاج الآن
نص (انتروبيا)
اللوحة السادسة (الدوران في حلقة مفرغة) فضاء العرض صحراء تجري فيها مطاردة يسمع صوت طائرة تستعرض في الفضاء ثم يظهر أشخاص وهم يهمون بالفرار منبطحين على الأرض يخرجون بعدها زحفا من الجهة الأخرى ، مرة أخرى يظهر الأشخاص وهم يهمون بالفرار منبطحين على الأرض يخرجون زحفا من الجهة الأخرى ، يتصاعد صوت قصف الطائرة ، ثم يظهرون فرادى وهم يحاولون الهرب فيتساقط احدهم تلو الأخر موزعة أشلائهم في الفضاء , تنطفئ الإضاءة ثم تشتعل . ثم يعود الفضاء السابق نفسه و يعود الأشخاص الذين هربوا وهم يسيرون بشكل طبيعي كما لو أنهم لم يتعرضوا للقصف والموت .
واخيرا فان النصوص وقد كتبت باسلوب المعالجة – السخرية اللاذعة والأسلوب الساخر وقد كشفت تفاصيل من حياتنا اليومية بنسق عبثي وما يصاحب من شعور قاس ومخاضات عسيرة اظهرها كاتبها إلى الوجود بألم.