الموسيقى في مسرح الطقوس الدينية/ الدكتور قيس عودة قاسم الكناني
ذكرت في المقدمة، ان الإنسان منذ أقدم العصور تنبه الى أهمية الموسيقى في حياته، وأدرك ذلك كهنة المعابد، فأدخلوا الموسيقى في الطقوس الدينية لزيادة تأثيرها على عواطف العامة والخاصة من الناس.
الطقس كلمة محدًثة مأخوذة عن الكلمة اليونانية Taxis التي تعني النظام والترتيب، وتستخدم للتعبير عن الشعائر والاحتفالات، وخاصة الطقوس الكنسية عند المسيحيين. والطقس هو فعل جماعي له طابع القدسية وله برنامج وصيرورة هي مجموعة من المراسيم الاحتفالية (الدينية او الاجتماعية) المتّبعة في تجمع بشري ما، وتعرف خطوطها العامة سلفاً .
والطقس كنوع من الاحتفال، كان عند ظهوره نوعاً من التقليد الاجتماعي، لكنه فقد مع الزمن مغزاه الاجتماعي المباشر، واقتصر على البعد الرمزي، كما هو الحال في احتفالات الجمعة العظيمة وخميس الأسرار عند المسيحيين .
بدأت الطقوس في الماضي على شكل احتفالات بسيطة ثم تعقدت شيئاً فشيئاً، من هذه الطقوس ما بقي على صيغته الثابتة والمتكررة، وظل لصيقاً بالعقائد، ولم يفقد طابعه القدسي، (وهذا هو الحال في طقوس عاشوراء عند الشيعة التي لم تتحول الى مسرح، رغم احتوائها على مشاهد لها طابع مسرحي)، ومنها ما زال عنده الطابع القدسي وتحول الى أشكال فرجة احتفالية فولكلورية او مسرحية، كما هو الحال في طقوس الاحتفالات الزراعية في الربيع في اوربا بشكل عام، والتي تحولت اليوم الى عروض واحتفالات فولكلورية، كما هو الحال في احتفالات عيد العنب في شهر ايلول في المانيا اليوم .
ولدت الطقوس تاريخياً مع ظهور بوادر الحياة الاجتماعية البشرية لتكرس تساؤلات المجتمعات حول الطبيعة والقوى الغيبية. ويمكن ان نقسم الطقوس البدائية التي عرفها الإنسان حسب موضوعاتها الى فئتين اساسيتين هما طقوس الموت وطقوس الحياة . غالباً ما كانت هذه الطقوس تتواجد معاً بشكل متواز في كل المجتمعات وفي نفس المناسبات احياناً، لكنها افرزت فيما بعد انواعاً متباينة ومتباعدة. فقد اعطت طقوس الموت التي كانت تسمى دراما الروح، انواعاً مسرحية منها التراجيديا، في حين أن طقوس الحياة افرزت كل اشكال الفرجة المرحة التي تتمتع بطابع من الحرية مثل الكرنفال والعروض الشعبية وكل الاشكال الكوميدية .
إن المشاركة بالطقس تتطلب معرفة برموز وقواعد (اللعبة) وقناعة بها، والا اصبح المشارك متفرجاً خارج اطار الحالة كما هو الحال في اية فرجة .
كذلك فإن المشاركة الفعلية في الطقس تؤدي في نهاية المطاف الى حالة من النشوة او الجد Transe هي تفريغ جسدي ونفسي يؤدي الى الانعتاق والتطهير، وهذا ما استثمرته (السيكودراما)- أي العلاج النفسي- في بعض أشكالها وكذلك المسرح الاحتفالي الطقسي.
المجتمعات الحديثة، ومع تطور أنماط المعيشة، انحسرت ممارسة الطقوس الجماعية أو تغيرت طبيعتها بسبب غلبة الطابع الفردي على الحياة الاجتماعية. لكن بعض الطقوس بقيت حية وحافظت على طابع القدسية وظلت تلعب دوراً اساسياً في تجمعات بشرية معينة، وعلى الأخص لدى الاقليات العرقية أو العقائدية، كما هي الحال في بعض ممارسة الحضرة الرفاعية والحضرة العيسوية واحتفالات عاشوراء والنيروز وطقوس أتباع مون في اوربا، مما أعطى للطقس وظيفة أضافية هي التأكيد على الهوية والوجود محاولة التميّز عن الإطار العام الذي توجد فيه هذه التجمعات .