الباحثة المسرحية العمانية (د. كاملة الوليد زاهر الهنائي) تصدر كتابا مسرحيا حديثا حول:" مسرح الطفل في عُمان"/ بشرى عمور
شمل الكتاب على مقدمة لكاتبته والتي جاءت كالتالي:
” ارتبطت الفنون بالإنسان منذ القدم، فكثيرة هي الآثار والدراسات والأبحاث التي تشير إلى علاقة الإنسان البدائي والمجتمعات البدائية بالفنون المختلفة، فعبر الإنسان بالفنون المختلفة، كالرسم والمحاكاة والرقص والموسيقى، أو عبر غيرها من الأشكال الفنية الأخرى عن نفسه، وكانت أهمية الفنون في حياة الإنسان لا تقتصر فقط على القيمة والمتعة الجمالية التي تحققها رغم أهمية هذه القيمة، ولكن للأسف قد ينظر البعض في وقتنا الحالي للفنون على أنها مجرد ترف يستمتع به الإنسان، ولكن ارتبطت أهمية هذه الفنون منذ القدم وإلى الآن بمهام وظيفية يحتاج الإنسان إليها، تمثلت في قيمتها الاجتماعية وما تمثله من أهمية في زيادة الروابط الاجتماعية والإنسانية بين أفراد المجتمع، وتقديم فهم أعمق للعلاقات الإنسانية، وللقضايا الاجتماعية، وقيمتها المادية والاقتصادية؛ حيث تم توظيف هذه الفنون لإعانة الإنسان على البقاء في صراعه الدائم مع الحياة، وصنع الإنسان قطعًا فنية وظفها في حياته واستخدمها، ومثل بعضها مصدر دخل مادي للإنسان، كما سلط فن المسرح الضوء على قضايا هامة ذات طابع اقتصادي، ولفت أنظار أفراد المجتمع والمسئولين إليها وزاد الوعي بالواقع الاقتصادي، إضافة إلى القيمة والأهمية النفسية والترويحية للفنون في حياة الإنسان؛ حيث ساهمت في تحسين الحالة النفسية والمزاجية للإنسان، وعلاج كثير من المشاكل النفسية، وكان للقيمة التعليمية للفنون دور في تثقيف الأفراد وتحفيزهم على التأمل والتفكير وطرح الأسئلة في قالب فني ممتع ومشوق.
الفنون ترتبط بالإنسان منذ طفولته، مرورًا بمراحل حياته المختلفة، ووصولًا إلى شيخوخته، فالعالم الذي يخلو من الفنون هو عالم باهت وشاحب، وعالم الطفولة هو عالم صاخب ومفعم بالحياة، وإضافة الفنون إلى حياة الأطفال يعني إضافة حياة ونور وثقافة ومتعة جمالية، فأهمية الفنون بمختلف أنواعها في حياة الأطفال تطرق إليها الباحثون والدارسون وشرحوا أهمية كل نوع من الفنون في حياة الأطفال.
الطفل بطبيعته كائن فضولي، شغوف بالتعلم والاستطلاع والمعرفة، ولديه استعداد فطري للتعلم، فبمجرد أن يبدأ هذا الطفل بالحركة من خلال الحبو أو الزحف ثم المشي، نجده يحاول أن يستخدم حواسه الخمس في محاولة للتعرف على العالم من حوله، فمثلًا يأخذ أي شيء يجده على الأرض، فينظر إليه ويلمسه بأصابعه ويقلبه، ثم من الممكن أن يضعه في فمه ليتذوقه، فمهما حاول الآباء والأمهات في المنازل، أو المربون في حضانات ورياض الأطفال، وضع الحواجز والأبواب لتقييد حركة الطفل حفاظًا على سلامته وصحته، تجد هذا الطفل يندفع بكل براءة وعفوية لاستكشاف العالم من حوله. كذلك بعد أن يبدأ الأطفال في الكلام وتتطور مهاراتهم اللغوية، نجدهم يطرحون الكثير من الأسئلة على من حولهم من آباء ومربين ومعلمين، وبعض أسئلة الأطفال تكون أسئلة ذكية وعميقة، حتى أن الكبار يتفاجؤون بها ويندهشون حول كيف خطرت هذه الأسئلة على أذهان الأطفال، وأحيانًا يعجزون عن الإجابة عليها. الفنون-بما فيها مسرح الطفل- هي إحدى الوسائل التي تساعد الأطفال في رحلة تعلمهم واستكشافهم للعالم من حولهم، فكل فن من الفنون له خصائصه وأهميته في تعريف الأطفال على العالم من حولهم، والإجابة على تساؤلاتهم.
الأطفال مبدعون، كلٌّ بطريقته وأسلوبه، وقد تتفاوت مستويات الإبداع لدى كل طفل، حسب استعداده، وعمره ومراحل نموه، وحسب البيئة الحاضنة لهذا الطفل ومستويات التحفيز له، وعلى الكبار ممن يقومون برعاية الأطفال وتربيتهم، أن يؤمنوا بالطاقات الإبداعية الكامنة لدى الأطفال، وأن يوفروا قدر المستطاع بيئة محفزة في المنزل والمدرسة والحي للتعبير عن إبداعهم وأفكارهم وتصوراتهم بطرق فنية مختلفة، وتوفير الأدوات التي تعينهم على ذلك. فللأسف كما أن هناك بيئات محفزة للإبداع والمبدعين من الأطفال، هناك بيئات مثبطة وغير محفزة.
لقد شكل المسرح عبر الأزمنة معطفًا استثنائيًّا تلجأ إليه المدينة في أمسياتها؛ طلبًا للدفء، دفء الفنون؛ إذ يقف الإنسان ليعبر عن الإنسان، يدفعه للضحك أو البكاء، وفي الحالتين يمنحه المزيد من الصبر للمقاومة، وللفهم، ولارتداء المزيد من المعاطف (نفسيًّا ومعنويًّا) ليستطيع أن يمشي بثبات على أرض تهتز بما تموج به من أحداث وتحولات كبرى.
وحينما نتحدث عن المسرح فإننا نعني بقدرته على مدِّنا بما يلزم من أسباب تحفزنا للحياة، والطاقة الإيجابية الفاعلة، في زمن نتنازل فيه عن الأدوار الحضارية التي يمكن للآداب والفنون أن تقوم بها، خاصة تجاه مرحلة التأسيس التربوي، وما يستطيعه هذا الفن ليتحمله من أعباء نشعر بثقلها، في غيابه عن حقول حياتنا، فلا نجد المسرح القادر على أن يضم أطفالنا إلى مقاعده، فيقوم بدوره الحضاري في تثقيفهم وإيصال العديد من الرسائل التعليمية والتربوية والتثقيفية، بما لا يستطيع أن تمنحها لهم أجهزة الحواسيب والأجهزة اللوحية وغيرها من الملهيات، وصولًا إلى عالم “البلاي ستيشن” الذي خطف أوقات أطفالنا وشبابنا إلى أن الوقت مجرد “لعبة” ومواجهة، في عالم افتراضي، بينما العالم الواقعي صادم بما يكفي أن يصيبهم بالانطواء والخجل وعدم القدرة على التحاور معه، لأن التقنية علمتهم الصمت، والتعامل معها بحوار مبطن، يفتقد الكلمات!
وحينما نتحدث عن المسرح وارتباط الطفل به وبفنونه المختلفة التي يجمعها تحت مظلته “الفنون المسرحية”، نجد أن الأطفال ومنذ مراحلهم العمرية المبكرة يلعبون ألعابًا ذات طابع درامي ومسرحي، ألعابًا فيها محاكاة، وتقليد، وحوارات، وحركة، وأصوات وانفعالات، وقد تكون هذه الألعاب فردية يلعبها الطفل منفردًا، أو مشتركة، أو جماعية مع طفل آخر أو مجموعة أطفال، فمن خلال هذه الألعاب يعبر الطفل عن نفسه، ويكتشف العالم من حوله، ويطور علاقاته الاجتماعية. فنجد مثلًا الطفلة تحاول من خلال اللعب أن تقلد أمها التي تقوم بمهامها اليومية من رعاية الأطفال والاعتناء بهم، والمهام المنزلية الأخرى وكذلك مهنة الأم إذا كانت الأم تعمل في مهنة معينة، فتمسك الطفلة بدميتها، وتتحدث إليها وتحركها، وتعتني بها في محاولة لتقليد مهام الأم، وأحيانًا تمسك الطفلة بدميتين وتدير حوارًا بينهما أو تلعب مع طفلة أخرى، وهكذا، كما نرى طفلًا يلعب ألعابًا فيها مستوى عالٍ من الخيال، فنراه يبتدع شخصيات في ذهنه، قد يكونون لاعبي كرة قدم أو جنودًا، ويحرك أصابعه في تقليد لحركة تلك الشخصيات، ونسمع حوارات ونبرات صوتية تمثل أكثر من شخصية، وهذا قد يؤكد ما يقوله الباحثون من أن “المسرح كامن فينا”، حتى منذ الطفولة.
وسأتحدث لاحقًا في فصل من فصول الكتاب بشيء من التفصيل عن أهمية الفنون، ومسرح الطفل تحديدًا في حياة الأطفال، ولكن أود الإشارة هنا إلى ما تحقق في كثير من دول العالم من طفرة ونقلة حضارية نوعية من الاهتمام بالأطفال وثقافتهم وفنونهم وأدبهم منذ بداية القرن العشرين، فيكفي مثلًا أن أتوقف عند قراءتي لكتاب الدكتور أحمد صقر (مسرح الأطفال)، والذي تطرق لذكر تجربة ألمانيا مع مسرح الطفل بعد الحرب العالمية؛ حيث سعت الدولة بكل مؤسساتها وأفرادها إلى الاهتمام بإمتاع الأطفال وتسليتهم وبث روح الفرح لديهم سعيًا إلى إزالة الذكريات المؤلمة للحرب من نفوس الأطفال؛إيمانًا بأهمية مسرح الطفل والدور الهام الذي يمكن أن يلعبه في التنوير والتسلية والإمتاع والعلاج النفسي، ويكفي أن أقرأ في نفس الكتاب أن روسيا –الاتحاد السوفيتي سابقًا- أنشأت مكاتب من أجل مسارح الطفل وأعياد الأطفال، فوجد مسرح موسكو للأطفال في عام 1921م، والمسرح المركزي للأطفال في عام 1936م، وفي أمريكا وجد أول مسرح للأطفال في نيويورك عام 1903م مع بداية القرن العشرين، وهو مسرح يتبع الاتحاد التعليمي، كما لعبت المؤسسات الاجتماعية في البلاد دورًا مهمًّا في الاهتمام بمسرح الطفل لإيمانهم العميق بأهميته، يكفي لأقرأ هذه المعلومات في هذا الكتاب وغيرها الكثير من الكتب والأبحاث التي وثقت الاهتمام بمسارح الأطفال حول العالم منذ القرن العشرين لأطرح سؤالًا كبيرًا على نفسي: أين نحن من كل هذا؟! أما آن الأوان ونحن في القرن الحادي والعشرين أن نعترف بثقافة الطفل وفنونه وبأهمية مسرح الطفل؟!
سأحاول في هذا الكتاب أن أجد إجابة على بعض من أسئلتي وأسئلة الباحثين والمهتمين بمسرح الطفل في العالم العربي بشكل عام، وفي سلطنة عمان بشكل خاص، فعبر فصول هذا الكتاب حاولت (البحث) عن “مسرح الطفل في سلطنة عمان”، لم أجد صعوبة في الإجابة عن سؤال المسرح بقدر ما هي غياب المراجع التي يمكنها أن تقدم إجابات عن وجوده، ودوره، وفعالياته، في غياب أية مؤسسة، رسمية أو خاصة، تشرف عليه أو تتبنَّاه.. أو يتبعها على الأقل، ولو من باب “الدعاية الرسمية” في أنه أخذ حقه من الاهتمام والرعاية، حتى وإن لم يأخذ شيئًا منها.
معلومات قليلة، ومصادر نادرة، وغير ذلك مما يؤكد بأننا لم نبدأ بعد بتأسيس مسرح للطفل، أو الأخذ بيده ليكون حاضنة ثقافية حقيقية، ونحن في عام 2020؛ حيث إن الحديث عن ذلك أصبح في عرف الحضارة الإنسانية غارقًا في القدم.. لكن هذا لا يعني أن المحاولة عليها أن تتوقف، بل أن نتحدى أكثر، فدور التأسيس واجب، ولعل هذا الكتاب يشكل جهدًا أوليًّا لما يأتي بعده من جهود للبناء عليه والمضي في أشواط أوسع، للتعريف بمسرح الطفل في السلطنة.
حاولت أن أتتبع تاريخ نشأته، وأيضًا التحديات التي واجهت هذا المسرح خلال العقود الخمسة الماضية، بما يدفع للمراجعة أكثر، والتحرك نحو العناية به، ووضعه ضمن قاطرتنا الثقافية، ونحن نسير إلى رؤية عُمان المستقبلية 2040 بكل الطموحات والتطلعات التي نأملها لعُمان، بلدًا وشعبًا، في مسار نهضة متجددة.
جاء الفصل الأول بعنوان (مسرح الطفل: المصطلح والمفهوم)، ففي هذا الفصل تناولت مصطلح (مسرح الطفل(، والإشكالات المرتبطة بهذا المصطلح منذ ظهوره، وبداية استخدامه في كل من العالم الغربي، وعالمنا العربي، وكيف وُظِّف أو استُخدم، ومن ثم سأتوقف عند تعريفات مسرح الطفل في العالمين الغربي والعربي بشكل عام، وفي سلطنة عمان بشكل خاص؛ حيث يركز هذا الكتاب على مسرح الطفل في سلطنة عُمان. وانقسم هذا الفصل لثلاثة مباحث هي:
المبحث الأول حول مصطلح ومفهوممسرح الطفل، والمبحث الثاني عن تعريف مسرح الطفل، والمبحث الثالث عن تعريف مسرح الطفل في سلطنة عُمان.
أما الفصل الثاني بعنوان (أهمية الفنون والمسرح في حياة الأطفال)، وفيه تم التطرق لأهمية الفن في حياة الأطفال؛ لذا تناول الكثير من الباحثين والدارسين الفنون وأهميته بأنواع الفنون المختلفة كالموسيقى والرسم والمسرح وغيرها. وهناك نقاش كبير حول مستويات هذه الأهمية بين الفنون المختلفة، بما فيها المسرح، فكان لا بد من تضمين هذا الكتاب بعض المفاهيم حول الفنون وأهميتها في حياة الأطفال، إلى أن نصل إلى أهمية المسرح بشكل عام، وأهمية مسرح الطفل في سلطنة عمان بشكل خاص.
وانقسم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول عن أهمية الفنون في حياة الأطفال، والمبحث الثاني حول أهمية المسرح كأحد الأشكال الفنية في حياة الأطفال، والمبحث الثالث عن أهمية مسرح الطفل في سلطنة عمان.
وجاء الفصل الثالث (تاريخ مسرح الطفل في سلطنة عُمان)، مشتملًا على تمهيد ركز على ما قبل ظهور مسرح الطفل (قبل عام 1970(، والمبحث الأول عن تاريخ مسرح الطفل من عام 1970 إلى 1990م، والمبحث الثاني حول تاريخ مسرح الطفل من عام 1991 إلى 2020م، والمبحث الثالث عن مهرجانات مسرح الطفل العُماني التي نظمتها الفرق المسرحية الأهلية منذ عام 2007م.
أما الفصل الرابع والأخير (تجارب المشتغلين في مسرح الطفل بسلطنة عمان) سيكون تركيزنا فيه حول عناصر إنتاج العملية المسرحية لمسرح الطفل، والمشتغلين عليها من الوسط الفني المسرحي العماني، والتجارب العملية، ونماذج من بعض الأسماء وليس حصرًا لها؛ للتدليل على أدوارها ومساهماتها في تقديم عروض مسرح الطفل.
وجاءت مباحث هذا الفصل كالتالي: المبحث الأول: الكتابة لمسرح الطفل العُماني، والمبحث الثاني: تجارب التمثيل في مسرح الطفل العُماني، والمبحث الثالث: تجارب الإخراج المسرحي في مسرح الطفل العُماني، والمبحث الرابع: تجارب المشتغلين في العناصر الفنية والجمالية في مسرح الطفل العُماني.
إن الحديث عن التوثيق التاريخي لمسرح الطفل في سلطنة عمان هو أحد الفصول المهمة التي تتطلب جهدًا مضنيًا كان لابد من الاشتغال عليه، والتأسيس له، لفهم أعمق للتحولات الثقافية التي حدثت في الفترات الزمنية المختلفة لواقع ووضع الطفل العُماني الثقافي.
هناك العديد من الصعوبات التي واجهتني لتأليف هذا الكتاب، بداية من عدم توفر المصادر والكتب التي توثق لمسرح الطفل في سلطنة عُمان، واعتمادي على تجميع هذا التاريخ المتناثر لمسرح الطفل العماني من لسان المسرحيين والمشتغلين والإدارات التي أشرفت على المسرح العماني بشكل عام في فترات مختلفة في عدة جهات حكومية، وبالتالي كانت المقابلات الشخصية هي مادة مصدرية في هذا الكتاب والتي قمت بإجراء بعضها في أعوام 2006 و2008 و2020م كما سيرد ذلك في التوثيق.
الشكر موصول لكل من مد يد العون والمساعدة لهذه المادة الكتابية المسرحية لتصل في هيئتها الحالية ككتاب وأن تكون هذه الدراسة سدت فراغ هذا الموضوع بحثًا وتوثيقًا بجانب التحليل للمراحل التاريخية التي مر بها مسرح الطفل العُماني، وأن تكون البداية لدراسات متنوعة أخرى عن مسرح الطفل العُماني.
كان لديَّ كباحثة في المسرح وأكاديمية اهتمام بمسرح الطفل منذ سنوات، فكان دومًا موضوعًا لاهتماماتي البحثية، وفكرت منذ أن كنت طالبة في مرحلة الماجستير بأن يكون بحثي حول مسرح الطفل في سلطنة عمان، لكني أذكر أني ترددت كثيرًا ثم تراجعت، وكتبت حول صورة المرأة في المسرح العماني، وذلك لأني عندما كنت أقرأ وأبحث حول مسرح الطفل وجدته علمًا عميقًا ومتشعبًا، فإضافةً إلى علم المسرح، فهو مرتبط بعلم التربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وأجلت طموحي البحثي هذا إلى مرحلة الدكتوراة؛ حيث اطلعت أكثر على نصوص وعروض مسرح الطفل، فكانت أطروحة الدكتوراة حول مسرح الطفل في سلطنة عمان، وتتبعت في بحثي تاريخ مسرح الطفل حتى عام 2007م فقط، وكان سؤال البحث الرئيس حول كيف نطور مسرح الطفل وننهض به في عُمان كشكل ثقافي وفني هام، لكن أسئلة البحث حول مسرح الطفل لم تنتهِ عند مرحلة الدكتوراة، فقدمت عددًا من الأبحاث حول مسرح الطفل، وقمت أيضًا بتدريس مقرر (مسرح الطفل) كمقرر اختياري متاح لكل طلبة جامعة السلطان قابوس من مختلف الكليات، يطرحه قسم الفنون المسرحية بالجامعة للإسهام في نشر ثقافة مسرح الطفل وأهمية هذا المسرح للأطفال بين طلبة الجامعة، وكم كنت أسعد كأستاذ للمقرر عندما أسمع من بعض الطلبة يقولون لي لقد تغيرت فكرتنا تمامًا عن المسرح بشكل عام، وعن مسرح الطفل بشكل خاص، وبتنا نؤمن بأهميته! فكرة هذا الكتاب وتجميع المادة العلمية له بدأت قبل خمس سنوات، وعليه، لا يسعني إلا أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير لإدارة جامعة السلطان قابوس وكلية الآداب والعلوم الاجتماعية التي منحتني سنة التفرغ العلمي لإتمام هذا الكتاب ليظهر بالصورة النهائية. كما أشكر جميع الكتاب والمسرحيين والمشتغلين بمسرح الطفل العُماني الذين أجريت معهم مقابلات شخصية كان لها دور كبير بمدي بالمادة المصدرية والتوثيق التاريخي الذي أقدره وأثمنه لإنجاز هذا الكتاب، والشكر كذلك لدعم ومساهمة مكتبة (دار اللبان للنشر والتوزيع) وعلى رأسها الأستاذ محمد بن سيف الرحبي على جهودهم الكبيرة التي سهلت النشر لهذا الكتاب، فجزاهم الله عني خير الجزاء.. داعية الله العلي القدير أن يتقبل مني هذا الكتاب وجهده لخدمة الباحثين وأطفال عُمان الذين يستحقون منا الكثير.
د. كاملة الوليد زاهر الهنائي/ مسقط 2020م”
اما محتويات الكتاب فهي سطرت في الفهرس على النحو آدناه:
الإهداء | الصفحة 1 |
المقدمة | |
تمهيد: وضع الطفل الثقافي في سلطنة عُمان | |
الفصل الأول: مسرح الطفل: المصطلح والمفهوم | |
المبحث الأول: مصطلح ومفهوم(مسرح الطفل) | |
المبحث الثاني: تعريف (مسرح الطفل) | |
المبحث الثالث: تعريف (مسرح الطفل) في سلطنة عُمان | |
الفصل الثاني: أهمية الفنون والمسرح في حياة الأطفال | |
المبحث الأول: أهمية الفنون في حياة الأطفال | |
المبحث الثاني: أهمية المسرح كأحد الأشكال الفنية في حياة الأطفال | |
المبحث الثالث: أهمية مسرح الطفل في سلطنة عمان | |
الفصل الثالث: تاريخ مسرح الطفل في سلطنة عُمان | |
تمهيد: ما قبل ظهور مسرح الطفل (قبل عام 1970( | |
المبحث الأول: تاريخ مسرح الطفل من عام (1970 إلى 1990م) | |
المبحث الثاني: تاريخ مسرح الطفل من عام (1991 إلى 2020م) | |
المبحث الثالث: مهرجانات مسرح الطفل العُماني التي نظمتها الفرق المسرحية الأهلية | |
الفصل الرابع: تجارب المشتغلين في مسرح الطفل بسلطنة عمان | |
المبحث الأول: الكتابة لمسرح الطفل العُماني | |
المبحث الثاني: تجارب التمثيل في مسرح الطفل العُماني | |
المبحث الثالث: تجارب الإخراج المسرحي في مسرح الطفل العُماني | |
المبحث الرابع: تجارب المشتغلين في العناصر الفنية والجمالية في مسرح الطفل | |
قائمة المصادر والمراجع |
**************
تمهيد: وضع الطفل الثقافي في سلطنة عُمان
يعتبر فهم وضع الطفل الثقافي بهذا التمهيد جزءًا من فهم أوسع لأحد أبرز الفروع الثقافية التي تُقدم للطفل في سلطنة عُمان ألا وهو مسرح الطفل. لذا وجب بداية أن نستعرض المصطلحات في عنوان هذا التمهيد منها: كلمة (الطفل) وهي تأتي بلفظ واحد للمذكر والمؤنث. كما ورد ذكرها في القرآن الكريم في أربعة مواضع، اثنتان منها تشيران إلى المرحلة المبكرة من مراحل نمو الطفل، كما جاء في قوله تعالى: “هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقه ثم يخرجكم طفلًا”[1]. والإشارة الثانية في قوله تعالى: (ونقر في الأرحام من نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلًا ثم لتبلغوا أشدكم)[2]، وهناك إشارة واحدة للمرحلة المتوسطة من عمر الطفل، ذكرها الله تعالى (أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)[3]، والإشارة الرابعة التي وردت في القرآن الكريم أشارت إلى مرحلة الطفولة المتأخرة (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم)[4].
كما وردت لفظة (الطفل) في ثنايا أمهات كتب التراث الشعري واللغوي، وإن اختلف المسمى من طفل إلى صبي، أو من ولد إلى غلام، فالطفل يحتل مكانة كبيرة في التراث العربي، وله منزلته الرفيعة عند العرب، واعتزازهم الفائق به. والأدب العربي حافل بألوف الشواهد والأمثلة من المنظوم والمنثور، وانتهاء بالمأثور عند العامة من أقوال وأمثال وقصص وروايات[5].
ولعل مما سبق ذكره فيما ورد في القرآن الكريم من الإشارة إلى لفظة (الطفل) ومراحل الطفولة المختلفة، ومما ورد في المعاجم اللغوية من تفصيل للأصول اللغوية للفظة (طفل)، ومكانة الطفل في التراث العربي والمؤلفات الكثيرة التي ذُكر فيها مفردة الطفل، بحثت عن لفظة الطفل في سلطنة عمان، فوجدت تعريفًا للطفل في قانون الطفل العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014م)، وهو “كل إنسان لم يكمل الثامنة عشرة من العمر بالتقويم الميلادي”[6]. وبهذا التعريف والتحديد العمري للطفل؛ كان هذا الكتاب حول المسرح كشكل ثقافي وفني موجه للطفل.
يشكل الأطفال في سلطنة عمان ثقلًا سكانيًّا؛ حيث أشار التعداد السكاني لسلطنة عمان في عام 2003م إلى أن نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغت 40.6% من نسبة إجمالي السكان في السلطنة[7]، وأفادت النشرة المستندة إلى بيانات منتصف عام 2018م للهرم السكاني للعمانيين حسب النوع والفئات لعام 2018 أن “فئتا الشباب والأطفال الأقل من 29 سنة تمثل الشريحة الأكبر لدى العمانيين مشكلين ثلثي السكان العمانيين (بنسبة 64%)، وتمثل فئة الأطفال الأقل من خمس سنوات أكبر الفئات حيث بلغت وحدها 15%، وفي التعداد السكاني لعام 2010م بلغت نسبة الأطفال 35.2% [8]، وهي نسبة كبيرة وشريحة عريضة ومهمة من شرائح سكان السلطنة.
لقد حظيت هذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع العُماني بعناية من قبل الحكومة العمانية منذ بداية النهضة العمانية في عام 1970، حين أمر جلالة السلطان قابوس بن سعيد-رحمه الله- بأن تكون تنمية الموارد والطاقات البشرية من أولى اهتمامات الحكومة العُمانية. لقد نشرت بحثًا في عام 2011م بعنوان (نحو توحيد الجهود الرسمية في مجال ثقافة الطفل (مسرح الطفل نموذجًا)[9]، وفي هذا البحث تطرقت لدور كل المؤسسات أو الجهات الرسمية المعنية بثقافة الطفل ومسرحه في سلطنة عُمان، وبحثت في الجهود التي بذلتها وقدمتها هذه المؤسسات الرسمية للنهوض بثقافة الطفل العماني، ومدى مساهمتها في تقديم ودعم الأنشطة الثقافية الخاصة بالطفل بما فيها الأنشطة المسرحية، ومن ضمن هذه الوزارات: وزارة التربية والتعليم، وزارة الثقافة والرياضة والشباب (وزارة التراث والثقافة سابقًا)، وزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الإعلام، إضافةً إلى محافظة مسقط ممثلة ببلدية مسقط ومهرجانها السنوي (مهرجان مسقط)، ومحافظة ظفار ممثلة ببلدية ظفار ومهرجانها (صلالة السياحي). من خلال نتائج البحث وجدت أن هناك عددًا من المؤسسات الرسمية التي كان لها إسهامات في تنظيم ودعم بعض الأنشطة والفعاليات والمهرجانات المتعلقة بثقافة الطفل ومسرحه، ولكن اللافت للنظر أنه إلى الآن لا توجد جهة رسمية محددة تعنى بثقافة الأطفال في سلطنة عُمان حتى تكون المظلة التي تتوحد تحتها كل الجهود المقدمة لتنمية ثقافة الطفل ومسرحه، فأحيانًا تنسق هذه الجهات الرسمية فيما بينها عندما تقدم فعاليات ثقافية للأطفال، ولكن يغيب هذا التنسيق في أحيان كثيرة.
فقد تم إنشاء وزارة الشؤون الاجتماعية في عام 1972م لتخدم العديد من فئات المجتمع التي هي بحاجة إلى الرعاية الاجتماعية بمن فيهم الأطفال. وفي عام 1985م، تأسست الجمعية الوطنية لرعاية الطفل بموجب مرسوم سلطاني. ولقد توسعت اختصاصات ومجالات عمل الوزارة المعنية بالشؤون الاجتماعية خلال السنوات منذ إنشائها، وتعددت مسمياتها بما يعكس متطلبات كل مرحلة من مراحل النهضة الحديثة في عُمان، وفي عام 2001م أصبح مسمى الوزارة وفق المرسوم السلطاني رقم 108/2001 “وزارة التنمية الاجتماعية”، وتعمل الوزارة على توفير الرعاية والحماية الاجتماعية لشرائح هامة في المجتمع العماني، إضافة إلى مهام أخرى هامة تقوم بها الوزارة، وضمت هذه الوزارة دائرة “شؤون الطفل” والتي تضم قسمين هما: قسم برامج الطفولة، وقسم الرعاية البديلة. وقد سعت وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة بدائرة الحماية الأسرية إلى توفير الحماية لكل طفل على أرض السلطنة لضمان سلامته ورعايته والحفاظ على حقوقه التي كفلها له القانون، وفي سبيل ذلك، تم إطلاق مشروع خط حماية الطفل (1100) يوم 11 يناير 2017 بهدف تلقي بلاغات عـــن حالات العنف والإساءة والإهمال للأطفال، ووضعت الوزارة خطط عمل واضحة مــن أجل النهوض بهذه الخدمة تماشيًا مع مواد قانون الطفل، والالتزام باتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (54/96)[10].
ورغم أن الوزارة معنية أساسًا بتقديم الرعاية الاجتماعية للأطفال، بمن فيهم الأطفال من ذوي الإعاقة، إلا أنها أسهمت في دعم وتنظيم بعض الفعاليات والأنشطة الثقافية للطفل، بما فيها مسرح الطفل؛ حيث تم تقديم بعض العروض المسرحية للأطفال بدعم من الوزارة.
أنشئت وزارة التراث والثقافة في عام 1976م (تسمى حاليًا وزارة الثقافة والرياضة والشباب وفقًا لمرسوم سلطاني صدر في عام 2020)، وضمت هذه الوزارة “المديرية العامة للآداب”، و”المديرية العامة للفنون”. ولكن على الرغم من أن الوزارة هي الجهة الرسمية المسئولة عن قطاع الثقافة والمسرح العماني، إلا أنها معنية بالإشراف على مسارح الشباب والفرق المسرحية الأهلية فقط وغير معنية بمسرح الطفل، ولا يوجد قسم خاص بمسرح الطفل فيها على الرغم من وجود مسرح الطفل كأحد الأشكال المسرحية الموجودة في السلطنة. والآن في عام 2020م، ومع تغير مسمى الوزارة إلى مسماها الجديد، من المؤمل أن يحدث تغيير في هيكلها التنظيمي، وأتمنى أن تضم دائرة أو قسمًا يُعنى بثقافة الطفل، وفنونه ومسرحه.
وقد أسهمت الوزارة بإنشاء (متحف الطفل) في عام 1990م، والذي يقع في العاصمة مسقط. يهدف متحف الطفل إلى تثقيف الطفل من جميع المراحل العمرية في مجال العلوم والتكنولوجيا،بالإضافة إلى عرض الاختراعات الحديثة، ويختص هذا المتحف بتثقيف الطفل في الجانب العلمي فقط،ولا يُعنى بالجانب الأدبي والفني والمسرحي.
كما أن وزارة التربية والتعليم لعبت دورًا هامًّا في دعم أنشطة الأطفال الثقافية والمسرح المدرسي على وجه الخصوص، إلا أن غالبية هذه الأنشطة الثقافية والمسرحية موجهة لأطفال المدارس فقط واقتصرت عليهم؛ حيث إنها تعتبر جزءًا من أنشطة المدرسة التربوية وتمارس داخل حدود المدارس للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ست سنوات وما فوق، في حين أن الأنشطة الثقافية والمسرحية الموجهة للطفل في سن ما قبل المدرسة هي قليلة جدًّا. في الوقت الحاضر غالبية المدارس العُمانية تنظم بعض الأنشطة والعروض المسرحية داخل المدارس خلال العام الدراسي، كذلك أسست وزارة التربية والتعليم مهرجانًا سنويًّا خاصًّا للمسرح المدرسي بالسلطنة بهدف تشجيع طلبة المدارس العُمانية ليكونوا مبدعين في المجال المسرحي، وللكشف عن المواهب الطلابية المسرحية في مجالات الكتابة المسرحية والتمثيل، وغيرها من الفنون المسرحية من خلال خلق روح المنافسة بين المدارس المشاركة من مناطق السلطنة المختلفة. وتمت إقامة أول مهرجان للمسرح المدرسي في سلطنة عمان عام 2002، إضافةً إلى العروض المسرحية المقدمة من قبل طلاب المدارس، تضمن المهرجان فعاليات وأنشطة أخرى، مثل إقامة المعارض للأنشطة التربوية والثقافية المختلفة. وأقيم مهرجان المسرح المدرسي العُماني الثاني في السنة الدراسية 2003/2004، إضافة إلى مشاركة السلطنة في مهرجان المسرح المدرسي الخليجي.
وعلى الرغم من أهمية المسرح المدرسي باعتباره جزءًا رئيسيًّا من المسرح العماني بشكل عام، لا يزال هناك الكثير من العقبات التي تواجه المسرح المدرسي في سلطنة عمان، على سبيل المثال: ليس هناك حصص مدرسية ضمن الجدول الدراسي مخصصة للأنشطة المسرحية لأن المسرح لا يُدرس كمقرر للطلبة ضمن المنهج الدراسي في المدارس العُمانية. كذلك المعلمون المشرفون على النشاط المسرحي داخل المدارس، هم من غير المتخصصين في المسرح. إضافةً إلى ذلك يعاني المسرح المدرسي من شح الإمكانيات، كخشبات المسارح المجهزة بالتقنيات والأجهزة المسرحية المطلوبة لإقامة عروض مسرحية متكاملة.
وعن دور وزارة الإعلام، وتحديدًا الإذاعة والتلفزيون العُماني، (تم إنشاء الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بموجب المرسوم السلطاني السامي رقم (2010/108) الصادر في 19 أكتوبر 2010م، والذي أصبحت الهيئة بموجبه تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، ولكن ألغيت هذه الهيئة بموجب مرسوم سلطاني جديد صدر في عام 2020م، حيث تشرف وزارة الإعلام حاليًا ووفق هذا المرسوم، على الإذاعة والتلفزيون العماني والمطبوعات والنشر في سلطنة عمان، (كما كان الوضع قبل إنشاء الهيئة)، حيث بدأت أول إذاعة عُمانية بثها في عام 1970م، وكانت توجد في وزارة الإعلام قنوات إذاعية حكومية تبث برامجها وتديرها المديرية العامة للإذاعة العمانية التابعة للوزارة، وفي هذه المديرية يوجد قسم (برامج الأسرة والطفل). قام هذا القسم بتقديم العديد من البرامج والمسابقات للأطفال. بدأ التلفزيون العُماني البث في عام 1974م، وحاليًا توجد أربع قنوات للتلفزيون العُماني، إحداها قناة ثقافية، وعلى الرغم من أن التليفزيون يقدم برامج موجهة للطفل، إلا أنه لا يوجد في التلفزيون قسم لبرامج الأسرة والطفل، ولا نعلم حتى وقت كتابة هذا الكتاب إن كان سيُخصص قسم لبرامج الطفل ضمن الهيكلة التنظيمية الجديدة لوزارة الإعلام في عام 2020. وتوصلت نتائج البحث إلى أنه فيما يخص مسرح الطفل العُماني والعروض المسرحية المقدمة للأطفال والفعاليات المسرحية الأخرى، فالمعلومات المقدمة عنها قليلة جدًّا، سواء في التلفزيون أو الإذاعة العمانية. بشكل عام هناك ضعف في مستوى التغطية المرئية الإعلامية للعروض المسرحية المقدمة للأطفال في السلطنة، حيث لا تبث إلا فيما ندر. فأحيانًا يقدم التلفزيون والإذاعة أخبارًا مختصرة عن الفعاليات المسرحية، ولكن نادرًا ما يبث التلفزيون العماني عروضًا مسرحية متكاملة للأطفال، رغم وجود قناة عُمان الثقافية، وقناة عُمان مباشر، إضافة إلى القناة العامة. في المقابل نجدُ الصحف العُمانية، الحكومية منها والخاصة، تقوم بتغطية مناسبة لحجم ونوع الفعاليات الثقافية المقدمة للأطفال بشكل عام، بما فيها الفعاليات المسرحية المقدمة للطفل، كالعروض المسرحية وغيرها. فقد قامت الصحف العُمانية مثل جريدة عُمان التي تشرف عليها وزارة الإعلام، بالإضافة إلى الصحف التي تتبع القطاع الخاص كجريدتي الوطن والشبيبة، بتغطية فعاليات مهرجان مسرح الطفل العماني الأول الذي أقيم في عام 2007، والمهرجانات المسرحية الأخرى التي نُظمت لاحقًا في السنوات الأخيرة، وكانت هذه الصحف حاضرة ومتابعة، في حين أن المهرجان تم تجاهله تمامًا من قبل قنوات التلفزيون العُماني، على الرغم من أهمية هذا المهرجان؛ كونه مهرجان مسرح الطفل العماني الأول، وعلى الرغم من أن قنوات تلفزيونية من خارج السلطنة أتت خصيصًا لتغطية فعاليات هذا المهرجان وقدمت تقارير حوله.
ومن المؤسسات الرسمية الأخرى الداعمة (بلدية مسقط، وبلدية ظفار) حيث كان لها إسهامٌ في دعم الفعاليات والعروض المسرحية المقدمة للأطفال في سلطنة عمان من خلال المهرجانات التي تقيمها هذه البلديات كمهرجاني مسقط، وصلالة اللذين يقدمان العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية بما فيها أنشطة ثقافية ومسرحية موجهة للطفل. ونظم مهرجان صلالة السياحي الأول في عام 1996م، ونظم مهرجان مسقط الأول عام 1998م.
ولقد قطعت سلطنة عُمان شوطًا مهمًّا في مجال رعاية الطفل، فمن الملاحظ أن هناك اهتمامًا رسميًّا كبيرًا وواضحًا بالطفل العُماني، خصوصًا فيما يتعلق بالمجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والقانونية، ولكن للأسف نلاحظ أن الاهتمام الرسمي بثقافة الطفل العُماني لا يزال ضعيفًا ومتواضعًا؛ حيث يأتي الاهتمام بثقافة الطفل في مرتبة ثانوية، في حين أن الأولوية للمجالات الصحية والاجتماعية والتعليمية الخاصة بالطفل، على الرغم من أن هناك مواد مهمة في قانون (الطفل العُماني)الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014م) متعلقة بحقوق الطفل الثقافية؛ إذ تُعد الثقافة –وفقًا للقانون- بمختلف مجالاتها، بما فيها المسرح، حقًّا من حقوق الأطفال الأساسية كما هو حقهم في الرعاية الاجتماعية والصحية وغيرها. كما أكدت المادتان (12 و13) من قانون الطفل العُماني على حق الطفل في التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو الفعل أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها، وكذلك حق الطفل في المعرفة واستخدام وسائل الابتكار والإبداع والمشاركة في البرامج الترفيهية والثقافية والفنية والعلمية. وفي الحقوق الثقافية (المواد 39-42) تكفل الدولة بكل السبل المتاحة إشباع حاجات الطفل الثقافية في شتى مجالاتها من أدب وفنون ومعرفة وتراث إنساني وتقدم علمي حديث وربطها بقيم المجتمع، وفي سبيل ذلك تتولى إنشاء المكتبات والأندية الخاصة بالطفل[11].
كما دعت اللائحــة التنفـيذيــة لقانــون الطفــل العُماني المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة بما يجب أن يراعى فـي المصنفات السمعية والمرئية والمقروءة -سواء كانت مادية أو معنوية-التي تُعرض أو تقدم للطفل، فكانت الاشتراطات كالآتي:
“انتقـــاء مــا يتــلاءم مـــع شخصيـــة الطفـــل وقدراته العقلية ويتوافــق مــع الشريعــة الإسلامية، والقيم الإنسانية العليا. تنمية وتعزيز الجانب الثقافـي، وقيم الإبداع فـي مرحلة الطفولة. اعتزاز الطفل بهويته الثقافـية العمانية، وتعزيز انتمائه لها. وأكدت اللائحة على أن تلتزم المكتبات والأندية والمراكز الثقافـية عند عرض أو بيع الكتب أو المطبوعات للأطفال بالضوابط الآتية:
-ألا تخاطب الغرائز الدنيا للأطفال أو تزين لهم السلوكيات المخالفة للشريعة الإسلامية والقيم الإنسانية العليا، أو أن يكون من شأنها تشجيعهم على الانحراف.
– عدم تعريض الطفل للسمعيات أو المرئيات التي ترسخ الطائفـية، ونبذ الآخر، والتعصب لرأي معين أو فئة أو مذهب أو طائفة.
– ألا تتضمن تمييزًا على أساس الجنس أو اللغة أو اللون أو الديانة أو الجنسية.
– ألا تتضمن تمجيدًا لأصحاب الشهرة فـي عالم الجريمة.
– ألا تتضمن التشجيع على العنف أو الجريمة.
وشددت اللائحة على ضرورة الحصـــول على موافقـــة وزارة الإعــــلام قبــل عـــرض الأفــلام المخصصـــة للأطفــــال، وذلك بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وعادات وتقاليد المجتمع العُماني، وتلتزم دور السينما بالتصنيف المحدد للفـيلم، وذلك من خلال وضع لوحات إعلانية يحدد فـيها بشكل واضح السن المسموح بها لمشاهدة الفـيلم..[12] فهذه الاشتراطات الفنية والضوابط مهمة من وجهة نظر المشرع العُماني لحماية وحفظ الجانب النفسي والعقلي والاجتماعي بما يتوافق مع شخصيـــة الطفـــل وقدراته التي وهبها الله له، واستلهامًا من قيم الشريعــة الإسلامية السمحة، والقيم الإنسانية النبيلة[13].
وعلى الرغم من الإنجازات الثقافية المهمة التي تحققت في عمان، إلا أن الوضع الثقافي للأطفال بشكل عام يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود من قبل المؤسسات الرسمية المعنية بالطفولة في السلطنة، إضافةً إلى دور مؤسسات المجتمع المدني والأفراد. فلا يزال هناك نقص كبير في الفعاليات والأنشطة الثقافية المقدمة للطفل بما فيها الفعاليات المسرحية، وخاصة الأنشطة المقدمة للأطفال في المراحل العمرية المبكرة، ومرحلة ما قبل المدرسة. الأدب الموجه للطفل العماني وكذلك مسرح الطفل، وجميع الأشكال الثقافية والفنية الموجهة للطفل لا تزال تحتاج إلى اهتمام رسمي أكبر من قبل جهات حكومية، فكثير مما يُقدم للطفل العماني من فعاليات ثقافية ومسرحية كان بجهود من أدباء ومسرحيين، وأعضاء الفرق المسرحية الأهلية، ومثقفين وأكاديميين مهتمين بأدب الطفل ومسرحه، وبمبادرات فردية وجماعية من قبل أفراد في المجتمع. فهناك حاجة لوضع استراتيجية ثقافية للنهوض بقطاع ثقافة الطفل. كما ينقصنا المتخصصون والخبراء في المجالات الثقافية الخاصة بالطفل، كالأدباء والكتاب الذين يكتبون للطفل، والمسرحيين، والفنيين، والموسيقيين وغيرهم. وفي المكتبات العامة لا توجد أقسام خاصة للأطفال، كما أنه توجد مكتبة عامة خاصة واحدة للأطفال في العاصمة مسقط، وهناك خطة لإنشاء مكتبات للأطفال في محافظات السلطنة المختلفة، لكنها لم ترَ النور حتى صدور هذا الكتاب.
الإحـــالات
[1] – الآية (67) سورة غافر.
[2] – الآية (5) سورة الحج.
[3] – الآية (31) سورة النور.
[4] – الآية (59) سورة النور.
[5] – نظرة إلى الطفل في التراث العربي، ص9.
[6] – قانون الطفل العماني، تم الاطلاع عليه في 10/8/2019م.
[7] – Ministry of National Economy. 2004. Final results of the census 2003. Muscat: Ministry of National Economy
[8]– ارتفاع تعداد سكان السلطنة 978 ألف نسمة بين 2012 و2018، تم الاطلاع عليه في 11/2/2020م .
[9]– نحو توحيد الجهود الرسمية في مجال ثقافة الطفل (مسرح الطفل نموذجًا)، د. كاملة الهنائي، مجلة فكر وفن، القاهرة، 2011م.
[10]– 330 بلاغ إساءة للأطفال بالسلطنة تعامل معها خط حماية الطفل، تم الاطلاع عليه في 12/2/2020م.
[11]– قانون الطفل العماني: عرض ونقد، تم الاطلاع عليه في 12/2/2020م.
[12] – لائحة جديدة تنظم حياة الطفل بالسلطنة، تم الاطلاع عليه في 3/5/3020م.
[13] – قانون الطفل العماني، تم الاطلاع عليه في 10/8/2019م
(د. كاملة الوليد زاهر الهنائي)
الوظيفة الحالية: أستاذ مساعد. تخصص النقد والدراما. قسم الفنون المسرحية. كلية الآداب والعلوم الاجتماعية. جامعة السلطان قابوس.
- عملت كرئيس لقسم الفنون المسرحية، كلية الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة السلطان قابوس، في عام 2018م.
- عملت كرئيس لبرنامج الفنون المسرحية بكلية المجتمع في دولة قطر في العام الأكاديمي (2016 – 2017م).
- عملت في جامعة السلطان قابوس منذ عام 1999 وحتى الآن. حيث عملت كمعيدة في قسم الفنون المسرحية بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بعد التخرج من القسم نفسه في عام 1999م.
المؤهلات العلمية:
- دكتوراه في المسرح، تخصص (مسرح الطفل). جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا. (Queensland University of Technology) أستراليا. (فبراير 2011م).
- ماجستير في الفنون المسرحية. تخصص (الكتابة المسرحية). جامعة إكستر (University of Exeter)المملكة المتحدة، (أكتوبر 2002م).
- بكالوريوس في الآداب. الفنون المسرحية، تخصص (النقد والدراما). جامعة السلطان قابوس، سلطنة عُمان، (أكتوبر 1999م).
خبرات التدريس:
- قامت – ولا زالت- بتدريس العديد من المقررات لطلبة جامعة السلطان قابوس بقسم الفنون المسرحية، وتدريس مقررات لطلبة التخصص الفرعي بقسم الفنون المسرحية في الكتابة المسرحية، إضافةً إلى تدريس مقررات اختيارية لطلبة الجامعة بشكل عام منذ عام 2002م، من بينها: