«الهواء الطلق» ما بين المسرحه وقضايا المتلقي اليوميه »/ بقلم:حسام الدين مسعد

[محور مسرح الشارع والفضاءات المغايرة و الغير تقليديه بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي -الدورة الخامسة 2020 ] أنموذج
»»»»»»»»»«»««»»»»«»«
منذ ان خرج ثيثبس بعربته الي الهواء الطلق ليشخص بعض المقاطع من الاساطير الأغريقيه في الساحات والشوارع وقبل ظهور العمارة المسرحيه بل وقبل نشأة المسرحيه كشكل أدبي. والإنسان القديم لا يعرف مكان للعرض المسرحي سوي المكان المفتوح في الهواء الطلق الذي يتمثل في الشارع والحدائق العامة والساحات والاسواق حتي حين ظهر المسرح (المدرج) كانت عروضه تقدم في الهواء الطلق.
إن الخروج بالعرض المسرحي خارج المكان المخصص للعرض المسرحي (العمارة المسرحية) او بالأحري الخروج إلي فضاء مادي طارئ ومغاير وغير تقليدي يخلق غربة للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف أن هذه الغربه تحفز المتلقي من خلال وضعيته الجديده خارج العمارة المسرحيه وكيف تمنح هذا المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل قاعة مخصصه للعرض المسرحي.
فلا تختلف العروض المسرحيه التي تخرج لتقديم نصوص مسرحيه جاهزه في الهواء الطلق مع نظيرتها التي تقدم علي الخشبة الإيطاليه طالما انها قدمت علي خشبة تشبه العلبه الإيطاليه داخل حديقة او في شارع او مبني اثري او …..او …. وإتخذت مساحة الفرجة والتمثيل نفس شكليهما تقريبا في عروض العلبه الإيطاليه.
العرض المصري ” التراث السيناوي”
ولقد شاهدت عرضا لمركز شباب العريش (مصر) علي المسرح المكشوف بشارع الثقافة بمدينة شرم الشيخ ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي كان بعنوان “التراث السيناوي” قدم العرض مجموعة من الإستعراضات والرقصات البدويه علي علبة المسرح المكشوف تصميم (مصطفي الخضري) وكان النص الذي هو في الإساس ربط حواري يشغل حيزا من وقت العرض يمكن الراقصون من تغيير ملابسهم والإستعداد للرقصة التاليه ما هو إلا وصف بسيط وركيك لحالة التطرف والإرهاب التي شهدتها العريش في السنوات الماضيه. ونظرا لحالة التباعد التي فرضتها الجائحة الكرونيه جاء الأداء التمثيلي غير منضبط لقلة تدريبات الفريق الذي اغلبه من الهواة ومن طلاب الجامعه .
اما مخرج العرض احمد ناجي حسن والذي تأثر ابداعه بالظروف التي عاشتها مدينة العريش ومازالت تعيش بعض منها وهذا ما خلق لدي المتلقي شعور بأنه يشاهد عرض مسرحي جاهز تم تقديمه سابقا علي العلبه الإيطاليه ولم يطوع مخرج العرض عرضه الذي آتي به ليقدمه علي مسرح مكشوف في الهواء الطلق طبقا لما توحي به مفردات المكان اي أنه لم يمسرح الفضاء المادي الطارئ ولكنه مسرح فضاء العلبة المكشوف فكان التفاعل مع الإستعراضات التي قدمها العرض له اثره علي المتلقي الذي رغب في المتعة البصريه والإستعراضيه الناقله للتراث السيناوي، لكن قضية العرض الأساسيه وهي مناقشة قضية التطرف والإرهاب لم يستطع العرض بنصه الركيك ان يعري جوانبها بل اكتفي ان يطرحها كتراث سيناوي رغم أنها لاتزال قضية يوميه وآنيه يمكن طرحها خارج العمارة المسرحيه وفي الهواء الطلق .
لكن إذا خرجت عروض مسرحيه للهواء الطلق بنصوص جاهزه لكنها تطوعها طبقا لما توحي به مفردات المكان فأننا بصدد عرض يمسرح المكان او يستخدم المفردات البيئيه للمكان او يوظف طبيعة المكان الجغرافيه داخل العرض.
العرض المصري “اغنيه علي الممر “
وهذا ما ينطبق علي عرض (اغنيه علي الممر ) تأليف الكاتب علي سالم وإخراج (بدر الأحمدي) والذي قدمه مجموعه من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية بمصر تناولوا فيه نص علي سالم الذي تمت كتابته عام 1969 وعقب نكسة 1967 لرفع الحالة المعنويه للشعب المصري عقب هزيمة يونيو من خلال عرض ملحمة الممر.
لقد جاء الأداء التمثيلي منضبط يبرز مهارات وحرفية الممثلون المشاركون في العرض وجاءت السينوجرافيا البسيطه التي وظفت الطبيعة الجغرافيه للمكان الذي تم إختياره للعرض جيده تتسق مع الطبيعة الماديه والجغرافيه لمكان العرض الذي هو عباره عن ساحة في السوق التجاري القديم بمدينة شرم الشيخ تتوسطها شجرة عملاقه وتحيط الجبال بالمكان وهو ما خلق من هذا الفضاء حالة اشبه بالخندق الذي يعيش فيه أبطال العرض فتولد شعور أدي المتلقي أنه يعيش بذات الخندق وبين أبطال العرض.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هل إستطاع مخرج العرض ان يستلهم هذه الواقعه التاريخيه التي تم إستهلاكها وعرضها أكثر من مرة ما بين عروض مسرحيه وافلام سينمائيه ليقدم لنا عرضا ما بعد حداثي يناقش قضية يوميه او آنيه ؟ للأسف رغم تفاعل الجمهور مع العرض النوستالجي الذي قدم حالة تذكيريه لأبطال الممر لم نري ربط حداثي العرض المطروح ولم تقدم الرؤية الإخراجيه جديدا يمكننا أن نستند اليه ولا يمكننا الربط بين ما ندعوه حدث ارهابي وبين حرب تم إستنزاف عدو محدد من خلالها بغية النصر في 1973 .
لكن السؤال الذي يثور الآن هو لماذا خرج المسرح الي الأماكن المفتوحه والهواء الطلق؟
الإجابة هي ذات السبب الذي جعل ثيثبس يمثل علي عربته في الساحات والشوارع باحثا عن الضلع الثالث والمتمم للعناصر الأساسيه للعرض المسرحي آلا وهو الجمهور.
وإن كان الجمهور هو مبغي صناع اي عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحيه فإن الذهاب الي فضاء هذا الجمهور يستلزم مراعاة الخصوصية التي يفرضها المكان (حديقه-ساحه-مقهي-شارع………) وهنا يثور السؤال ماهو المكان في مسرح الشارع ؟
المكان في مسرح الشارع هو اي مكان خارج العمارة المسرحيه والذي لا يخرج عن كونه مكان بكر جري مسرحته وليس له علاقة بوظيفة العرض المسرحي أصلا اي ان المكان في مسرح الشارع له خصوصية تنبع من:
1-طابعه المعماري وإنفلاته الجغرافي
2- طابعه الإجتماعي وقضايا الناس اليوميه.
وهذه الخصوصيه خلقت غربه للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف تحفز المؤدي من خلال وضعيته الجديده خارج العمارة المسرحيه وكيف تمنح المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل العمارة المسرحيه والخصوصيه التي نقصدها والنابعة من الطبيعة الطارئه للمكان في الشارع لأن فضاء الشارع المسرحي هو فضاء طارئ تتم مسرحته أثناء العرض وتزول بعد إنتهاء العرض ويعود الشارع الي طبيعته المكانيه التي كان عليها قبل العرض.
ومن ثم وجب علينا تعريف المكان الممسرح في عروض مسرح الشارع، فالمكان الممسرح هو «ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين». وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابتة في مسرح الشارع تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية الشارع ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحه جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع.
فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحيه. مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة والمتعه وإحساس التشاركيه التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض.
إن هذه التشاركية هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائيه واحده هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعيه قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافيه والزمانيه.
إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبه التشخيصيه التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقه ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع والذي ليس وظيفته الأصليه العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي.
إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي وكيف تؤثر علي حركة الماره علي الرصيف وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفه هي رسالة دعائيه لجذب الماره ليكونوا من رواد المقهي لكن الرسالة الأصليه هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل الماره فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض.
إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين وإن يكونوا حيز العرض ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري. ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين هما منطقة الأداء ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيميه وإنسانيه.
فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي او الوهمي ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحيه وعادة ما تعرض نهارا فتنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحيه فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحده مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي وممثل مسرح الشارع.
ان العشوائية الجغرافيه تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائيه فطاقة الممثل في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافيه قد يعطيه الأنفلات في الإرتجال وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسه علي الإرتجال والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحيه بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجه عن التشكيل في المكان او الفضاء او حيز الشارع.
وهذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظريه بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق إلا بالتركيز الذي لن يتأتي إلا إذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف موضوعيه بين المساحة والأداء. ولذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق وارتباط المبدع بالمكان ذاته. فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل لبلوغ الغايات الدلاليه لعرض مسرح الشارع.
لذا فإن المكان في مسرح الشارع هو المحفز الرئيس لصناع العرض الساعين دائما لأن يبلغ فنهم الي المهمشين والغير قادرين للذهاب إلي المسرح في مكانه التقليدي الثابت داخل العمارة المسرحيه. ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة ويسر ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي تتم مناقشة قضاياه اليوميه فيه عقب دراسات ديموجرافيه وسيسيولوجيه وسيكولوجيه هي بمثابة المدخل الأول والمكون لروابط العلاقة الثنائيه التي ستنشأ بين المتلقي وممثل مسرح الشارع. لذا إن مسرحة المكان في الهواء الطلق او في الفضاءات المفتوحه تتطلب مراعاة خصوصية المكان ومناقشة قضايا المتلقي اليوميه .
العرض الليبي ” عجاف”
وبتطبيق ما سبق علي عرض «عجاف»العرض الليبي الذي قدم في محور مسرح الشارع والفضاءات المغايره والغير تقليديه بالدورة الخامسه من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي والذي هو تأليف العراقي سعد هدابي وإخراج الليبي وسيم بورويص وشارك في بطولته احمد المطردي وحاتم قرقوم وايمن المغربي ومحمود الورفالي والذي ناقش قضية يوميه للمتلقي العربي وهي قضية إغتراب المواطن العربي في وطنه مستخدما فضاء ونهر شارع الثقافة في مدينة شرم الشيخ بخلق حلقة دائريه تتيح للمتلقي تغيير وضعيته المكانيه للمشاهده حسب حريته ومعتمدا علي دراسة سيسيولوجيه وسيكولوجيه للمتلقي العربي من خلال افكار نص العراقي سعد هدابي والذي حملت افكاره القضايا اليوميه التي طرحها العرض تعرية لواقع المتلقي العربي وبحوار إرتجالي وديالكتيكي كان المنطلق الأول للزج بهذا المتلقي داخل رقعة التمثيل ليشارك صناع العرض في بلوغ الغايات الدلاليه (لعجاف).
أجاد وسيم بورويص كمخرج ومدرب تكويني في شغل هذا الفضاء المادي الطارئ وخلق حالة الديالكتيك مع المتلقي بل كان جديرا بالتميز حين عمد الي مصادفة المتلقي في إستهلال عرضه وخلق نظام جمالي عقب حالة الفوضي او الإنفجار الذي استهل به عرضه بسؤال للمتلقيين «من انتم؟» لتنشأ حالة من الحوار الجدلي بين المتلقيين وصناع العرض تكون المنطلق لمناقشة القضية اليوميه التي يطرحها العرض . كما وفق في تدريب الممثلين علي مهارات التفاعل الإجتماعي وهي الحوار مع المتلقي والإنصات وردة الفعل السريعه والتي تميز بها الممثل أيمن المغربي والممثل احمد المطردي، اما الممثل حاتم قرقوم فكان بمثابة قائد داخل العرض المسرحي يحاول سد ثغرات إضافة جماليات للعرض وتميز خريج الهندسة محمود الورفالي بأدائه الطبيعي والتلقائي رغم قصر مساحة دوره.
لكن ما نأخذه علي عرض عجاف أنه لم يستطع كسر عوائق اللغه رغم المحاولات الجاده من وسيم بورويص لإيجاد لغة بديله هي اللغة الجسديه والتي لم تتح لغير الناطقين باللغة العربيه بلوغ الغايات الدلاليه للعرض .
لقد إستطاع مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي في دورته الخامسه ومن خلال محور مسرح الشارع والفضاءات المغايره والغير تقليديه ان يقدم لنا ثلاثة انماط مختلفه لمسرحة الهواء الطلق في الفضاءات المفتوحه في تحد للجائحة الوبائيه العالميه وسعيا لإيجاد سبيل لعودة المسرح الي المسرح بعروض حيه ومباشره في الهواء الطلق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت