تجربة "مسرح/نت" للفنان المغربي عبد الفتاح عشيق/ بقلم: نزهة حيكون
ملخص الورقة التي قدمتها الكاتبة والباحثة المسرحية المغربية (د. نزهة حيكون) حول تجربة الفنان الشاب عبد الفتاح عشيق (مسرحنت)، يوم الأحد 29 نونبر 2020 ضمن فعاليات الدورة 16 للندوة الدولية لمهرجان طنجة للفنون المشهدية (27 ـ 30 نونبر 2020 بطنجة) والتي كانت تحت شعار: “فرجات الشارع والأمكنة الأخرى”.
**********************
لا شك أن الإبداع ارتبط بالأحداث الكبرى التي عرفها الإنسان على مدار تاريخه، ولا مجال لإخفاء ما عانته البشرية ومازالت تعانيه جراء وباء (كوفيد19) الناتج عن الإصابة بفيروس (كرونا)، مأساة عالمية لم توقف عجلة الاقتصاد فحسب، بل أربكت حسابات إنسان الألفية الثالثة، و َسخرَت من كل تمثلاته لبداية العقد الثالث في القرن الجديد، أصبح الإنسان هذا الكائن الضعيف يظهر من خلال قناع طبي، وتنبعث منه روائح المعقمات، و ُيجْبَر على الابتعاد قدر الإمكان عن أقرانه. دول عظمى ركعت لسلطة الوباء، ودول لم تجد باليد حيله غير توديع أمواتها، وانتظار المزيد، لقد عاشت النفس البشرية أكثر حالاتها ضعفا، لكنها حالة تطلبت مزيدا من العمق والشفافية، لذلك لن نبالغ إذا قلنا بأن الفن والإبداع عامة هو الأقدر على النفاذ إلى جوهر هذا الوضع العصيب. ولأن العالم في حصار فالإبداع أيضا حُوصر، وأُغلقت قاعات العرض، ولم يجد المبدع غير مسطحات العالم الافتراضي ليعرض ما جادت به قريحته في ظل هذه الأزمة.
تملك المسطحات الرقمية في حياتنا قوة تجعل منها مكانا موازيا لأمكنة العيش نفسها. وسواء تعلق الأمر بما هو شخصي، أو عملي مهني، أو حتى ثقافي فني، فالعالم الافتراضي يبسط سطوته على كل الأصعدة. لقد بحث الإنسان دائما عن حائط يعرض فيه كل ما يتعلق بحياته، وذلك منذ كان يرسم على جدران الكهوف، والصخور. نُشير في هذا الصدد إلى الفنون البصرية التي اتخذت من مسطحات الأنترنيت مكانا للعرض، وهي أعمال تنتمي لأجناس كالمسرح، والفيديو، وغيرها.. وهي وإن كانت نتيجة حتمية للغزو الرقمي، فهي أيضا تطور طبيعي للفنون التي تبحث عن مجال يسمح لها أن تحظى بقاعدة كبرى للتلقي. ينصب البحث في هذه الورقة على عروض الفايس بوك واليوتوب، وغيرها من مسطحات النت المختلفة، والمفتوحة على الجمهور الواسع، هي عروض تسلط الضوء على قضايا إنسانية بعينها من قبيل الحريات الفردية، والهويات الثقافية المختلفة، كما قد تعلي من شأن قيم جمالية وفنية ما.
يعتبر مبدعوا هذه الأنواع الفنية جمهور المواقع جمهورا المواقع جمهورا كبيرا، لا يحده الزمان والمكان، فهو يتلقى الأثر الفني في أي زمان أو مكان يختاره هو عبر لوحته الالكترونية أو هاتفه أو حاسوبه الشخصي، وردود أفعاله هي أيقونات وتعاليق يتلقاها الفنان في حينه. بل لا بد من التركيز على ما لهذا النوع من الوسائط من صبغة احتجاجية تمردية تتخطي سلطة الزجر التي يتعرض لها الفنان في عالمه الواقعي. ينضاف إلى هذا كله المجانية أو رخص تكلفة الإنتاج. قد لا يستلزم عرض عمل فني ذات التكلفة الباهظة في الواقع، وبالتالي تتكافأ فُرص العرض بين الفنانين وخاصة منهم الهواة والشباب.
تختص الدراسة بالأساس بالأعمال التي قُدمت من البداية للعرض الرقمي فقط، وللتحديد أكثر سنحاول أن نلقي نظرة على العروض التي عرفتها قنوات اليوتوب، وصفحات الفايس بوك خلال زمن الوباء الأخير (كرونا)، وبالضبط تجربة الفنان المغربي الشاب (عبد الفتاح عشيق) مسرحنتوهي تجربة العرض الرقمي المباشر خلال هذه الجائحة عروضا رقمية لن أسميها عروضا مسرحية إلا بعد أن نتطرق لها بالوصف والقراءة الفاحصة، وإن كان الانطباع الأول أو الحكم الجاهز الذي قد يطفو على السطح، هو كونها أعمال فيديو بسيطة، هي ردة فعل فنان على ما يحدث، وقد يرى البعض أنها لا ترقى للدراسة والتفحص النقدي، ولا يتعدى أثرها زمن الحجر الصحي، أو على أبعد حد فترة اعلان حالة الطوارئ في البلد.العروض العينة هي: – طابو – قلق – البطبوط الحافي – كولوار. تجعلنا هذه العروض الرقمية مباشرة في مواجهة الوضع القائم، وضع الوباء الذي أجبرنا على مجموعة من التصرفات، ومنهاوضع الكمامة، ومحو ملامح وجوهنا التي اختفت كل معالم الحياة فيها خلف قطعة الثوب تلك، وضاعت معها الحاجات والرغبات الشخصية، وتوحد نمط العيش. الانعزال والتباعد بفقدان القدرة على الوجود إلى جانب بعضنا البعض.
ركزت العروض الأربعة على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزملفئة عريضة من المجتمع، الأمر الذي نتج عنه اضطراب نفسي، وحالات من الترقب قد تصل الهديان المحموم.بالعودة السريعة إلى مسار الفنان (عبد الفتاح عشيق) تفهم أن هذه موضوعات أثيرة لديه، وهي التي شكلت خريطة أعماله، سواء أعمال القاعة، أو الشارع. ولأنه كان حريصا على طرق الأبواب المغلقة، فهو لم يتورع في هذا الظرف الكوني الخاص جدا، أن يستمر في طرقه لأبواب الممنوع، والمُحرم، والمسكوت عنه، يبقى أن ما قد يميز هذه الأعمال التي نحن بصددها هو تقنيات عرضها، وآليات تقديم محتواها ومناقشته على مواقع التواصل الاجتماعي.عوالم عروض (مسرح/نت) فارغة إلا من ديكور بسيط، واكسسوارات قليلة: (كمامة –قنينة رضاعة –رغيف خبز –نقود معدنية –حقيبة ظهر..)،وسائل بسيطة لتقديم هذه العروض، وسائل تبدأ من جهاز هاتفه الذكي، وأدواته المنزلية من كراسي وطاولات ومصابيح ضوء عادية، أما الشخصيات فتعيش واقع الاضطراب النفسي، والهلع الاجتماعي، هي خائفة، وقلقة، و مرتبكة، منبوذة، مطرودة من استقرار مزعوم. راهن (مسرح/نت) على المباشرة سواء في عرض العمل بتقنية (live)، أو في تلقي ردود الأفعال عبر مناقشة فورية تتلو العرض في حينه.
يسعى المبدعون النازحون إلى المسطحات الرقمية إلى خلق لغة جديدة يتحدثون من خلالها مع مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وهم شرائح تتباين مرجعياتها بشكل قد يستعصي عن الحصر، والتحديد المُطلق.نجح (عبد الفتاح عشيق) في الوصول إلى مبتغاه بنسبة ليست بالهينة، وخلق نوعا من التلقي العميق لهذه الأعمال، ففي زمن الوباء، وفي موسم ثقافي مرتبك، لم يكن امام الفنانين إلا العالم الرقمي الذي احتضن إبداعاتهم.