"ما وراء السينوغرافيا" نظرية في ممارسة السينوغرافي/ إحسان الخالدي
قراءة في كتاب “Beyond Scenograhpy” للبريطانية راشيل هان Rachel Hann
يقول المنظّر الثقافي هومي بهابها Homi Bhabha، إن (ماوراء)، “تدّلُ على مسافةٍ مكانية، علامةُ تقدُم، وتَعِدُ بالمستقبل؛ لكن الاشارةَ إلى تجاوزِ الحاجز أو الحدود – فعلُ الذهابِ إلى ما وراء- غيرُ معروفٍ، ولا يمكنُ تمثيلُه، دونَ العودةِ إلى “الحاضر” الذي يصبحُ منفصلاً ومُزاحاً في عمليةِ التكرار”. ويرى بهابها أن مهمةَ الذهاب إلى ما وراء “ليست أفقًا جَديدًا ولا تخلفًا عن الماضي” ، بل هي “هنا وهناك، من جميع الجوانب، ذهابًا وإيابًا”.
ولتأطير الدراسة بعبارة “مارواء”؛ تسعى راشيل هان Rachel Hann أستاذةُ السينوغرافيا بجامعة Surrey في بريطانيا، إلى التعرّفِ على أسبابِ الركودِ والذبولِ في مفاهيم وممارسات السينوغرافيا، والتنقلِ بين اليقينياتِ المكتسبَة وإمكانياتِ المُمارسَة. وترى راشيل أن السينوغرافيا تحافظُ على الشعورِ بالـ”ما وراء” في تَصميمِ “المشهد المسرحي” – يتضمنُ خصائصَ الضَوءِ والصوتِ والأزياءِ والمَنظر-، وتشملُ أساليبَ متميزة للتحولِ في المزاج والجو العام، وذلك نتيجة تصور مُواجهات “العَولمية”، غير المُتَوقعَة والعَرضية، وجعلِها جديرةً بالانتباه.
تقول راشيل في تقديم الكتاب؛ “إن ما وراء السينوغرافيا حالة مسامية في المسرح المعاصر من خلال التمييز النقدي بين السينوغرافيا (بوصفها حرفة لإعداد المكان) والسينوغرافي (الذي يعمل على إعداد أحداث العَولمية “المتغيرة بلا هوادة”)”*. ويعتبر الكتاب دليل عما تفعله السينوغرافيا مع أجزاء من فن التركيب والبستنة بالإضافة إلى أماكن العمل والتسويق، ويناقش سمات السينوغرافي التي تقود إلى تعيين وتشكيل أحداث المسرحية. وتعيد الدراسة النظرَ في القواعد التقليدية للمسرح بما في ذلك التكافل الحيوي بين خشبة المسرح والمشهد المسرحي والأيديولوجية الجمالية لـ “الصورة المسرحية”، وكيف يكوّن أو يشكّل السينوغرافي أجواء خشبة المسرح (المنصة). وواحدة من استنتاجات الكتاب أنه ليس هناك ممارسة مسرحية بدون سينوغرافيا، ولا خشبة مسرح بدون سينوغرافي.
تبدأ دراسة راشيل من عبارة “نعمل على سينوغرافيا نجت من السينوغرافيا”، وهي إعادة صياغة لعبارة المصور الفوتوغرافي والمعماري الأمريكي فردريك كيسلر Frederick Kiesler (1890–1965)، “نعمل للمسرح الذي نجا من المسرح”*. وتتبع راشيل الخطى من خلال حالات عديدة للنجاح، والتجاوز، والابتعاد عن مؤسسة المسرح الصارمة في القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. وتستند في إعادة تقييم السينوغرافيا بالأساس على مقترح كيسلر “مسرح ماوراء المسرح”، وتوقعات بحوث ما بعد الدراما وتصنيفات الأداء، وتؤطر مقاربتها بالاشتغال على سمات السينوغرافي ضمن ثقافات مادية متنوعة. ويعتبر الكتاب دراسة في السينوغرافيا المفرطة أو الفائضة؛ للذهاب إلى “مارواء السينوغرافيا”.
تؤكد راشيل أن عنوان الدراسة قد تأثر باستخدام هانز ثييس ليمان Hans-Thies Lehmann لـ”ما بعد” في اطروحته “مسرح ما بعد الدراما”، إذ تُدل صفة “ما بعد الدراما” إلى مسرح يستشعر أنه مُلزمٌ بالاشتغال “ما وراء” الدراما، في وقت تشير فيه “بعد” إلى سلطة النموذج الدرامي في المسرح. مع ذلك ، لا تهدف الدراسة إلى الخروج عن مصطلح “سينوغرافيا”. وبإنها ليست حجة أو برهان لأفكار ما بعد السينوغرافيا بحد ذاتها، لكن ينصب الاهتمام بالنتائج الحاسمة التي يستلزمها التحقيق في “ما وراء”. ومن خلال رصد الباحثة للعديد من التجارب الخاصة، توجز بأن ممارسات السينوغرافيا المعاصرة قد تجاوزت المعايير اليقينية القديمة الراسخة في رسم المشهد المسرحي وتصميم الديكور. وأن السينوغرافيا تعزل تراكم المواد والأساليب التقنية من خلال تسجيل التحولات “العَولمية” الجارية في عالمنا اليوم، والتناغم الناتج عن اشتغال “العَولمية” بوصفها قوة توليد توجّه لحظات الفعل والتفكير والتجربة الحياتية. وتقدم السينوغرافيا هذه العوالم الإدراكية المتعددة بوصفها “مَشاهِد” مؤقتة وزائلة، حيث “تصبح المَشاهِد عوالم منفردة ترتبط بعاطفة ما وتتميّز بايقاع معين. وتتطلب تلك المَشاهِد نوعا من الاهتمام والتفكير من خلال المادة أو ما يشغل الفضاء فضلا عن الاتفاقات التي تمنحها حياة خاصة”. بالتالي فالمَشهَد باعتباره متفرد – يثير، يسلط الضوء، ويكشف عن – أنظمة العالم، النقاط المتساوية على نحو واضح عند الحدود بين الدول، الحالات المختلفة، الانتباه لجغرافيات خشبة المسرح، أو فرضية مسرح الجريمة. في هذا الصدد، فإن سمات السينوغرافي تسجل طرق “العَولمية” الجارية من خلال تدخل أفعال متفردة ومتميزة في “إعداد المكان”، إذ يتضمن الإعداد مقاربة الإدراك باستخدام حواس اللمس والحس العميق للتكوين وحركة الجسد بالإضافة إلى متطلبات المعرفة.
يهدف “إعداد المكان” إلى تعيين اهتمامات السينوغرافيا الفكرية والعملية على أنها مكملة لقاموس التصميم المسرحي الراسخ سواء كان تصميم الخشبة أم الميزانسين، ويعتبر “إعداد المكان” وسيطًا لرسم شكل المكان. أما السينوغرافيا بوصفها تركيب مؤقت وزائل، من الناحية اللغوية أقرب إلى مفاهيم “خشبة المسرح” و”الديكور”. وتوفر المتغيرات والاختلافات المتجددة سينوغرافيا يمكن من خلالها بناء جسور فكرية مع تخصصات أكاديمية أخرى ماوراء المسرح. وإن دراسة السينوغرافيا في أوائل القرن الحادي والعشرين – سواء كانت إجرائية (عملية)، تخصصية (أكاديمية)، لسانية (لغوية)، أو جغرافية (مكانية)-، تسعى دائما لبحث ممارسة، متورطة دائمًا، من خلال تجاوز الحدود. وقد جعلت المقاربة المعاصرة السينوغرافيا سمة من سمات المسرح، إذ تتضح مركزية السينوغرافيا في العرض المسرحي من خلال إعادة قراءة علاقة التكافل أو التعايش الوثيق بين “خشبة المسرح، المشهد المسرحي” (المنصة/المنظر).
إن كلمة (سكينا skēnē) اليونانية، والتي تعني خيمة أو كوخ، كانت فعلًا لـ”إعداد المكان”، قبل أي رسم أو نقش على السطح. وكان توظيف الـ skēnē قد غيّر المسرح ومكان الرؤية من حيث التصور والفهم والخبرة. يقول الناقد الأمريكي مارفن كارلسون في كتاب (أماكن العرض: سيميائية العمارة المسرحية – 1989)، إن “الـ skēnē، بيت الجلد، إضافة إلى خدمته العملية، قدّم علامة ملموسة عن عالم الممثل “الآخر” الخفي، مكان الظهور والاختفاء،عالم الأحداث التي لم تُشاهد لكن لها تأثير في عالم المسرح المرئي”. فمجرد إدخال هيكل مؤقت إلى الأوركستر Orchestra، مكان الرقص؛ قد غيّر على نحو جذري أحوال المسرح المادية والمفاهيمية منذ ذلك الوقت. يقول كارلسون إن الـ skēnēقد أعطت مصداقية مادية ورمزية لعوالم “خارج المسرح”. ويؤكد هذا التدخل للـ”سكينا”، أن السينوغرافيا تسجل مواجهات العَولمية المدركة حسيا والتي تم تفسيرها على نطاق واسع.
يمكن القول إن “المسرح” كمفهوم متفرد، بدأ مع فكرة البروسينيوم (مقدمة خشبة المسرح)، (انشاء منصة، أمام المشهد). وبعد قرون من الزمن، أصبح مفهوم المسرح منفصلًا عن المَشهَد ليشكل أساس المنظور المسرحي في عصر النهضة، وقد سعى الممارسون آنذاك إلى عزل المسرح عن العالم والمشهد عن المتفرجين. مع ذلك، ترى راشيل “أن المسارح والمَشاهد تكافلية في التصور والأداء – حيث كل المسارح هي مَشاهد أيضًا”. وتؤكد أن قراءة واضحة في أصل بعض اللغات الأوروبية كالفرنسية والنرويجية، نلاحظ أنها تُترجم مصطلح الـ skēnē بوصفه “مسرح”. بينما يسميها كارلسون “بيت الجلد”، إذ أن إعداد مكان الأوركسترا وإعادت تشكيله من شأنه أن يُسطِحَ الفرق المفاهيمي بين مكانٍ للرقص مع سمات الإعداد للـ skēnē ، وتعبر راشيل عن هذا الاختلاف اللغوي بمصطلح “مسرح – مشهد” أو “منصة – مشهد”.
تواجه راشيل إرثًا لغويا فريدًا ظهر من سكينوغرافي skenographi لكنها بدلا من ذلك تناقش كيف أن التباين اللغوي مشروط بثقافات مسرحية مميزة في إعداد المكان، مثل، Skenographia،scénographie ،escenografia ، szenografie. وتؤكد راشيل أنها أدركت الاختلافات اللغوية والأعراف المرتبطة بها من خلال التطبيق الواعي لكلمة سينوغرافيا الإنكليزية والتي تنتهي بالحرف”y” Scenography. وبعيدًا عن سياسات استخدام المصطلح، فالهدف العام هو رسم خريطة بشأن سمات الإعداد للـ skēnē، وتكافلها مع المسرح والتي أصبحت أساسية في جميع مفاهيم المسرح.
على العكس من الدليل حول مركزية السينوغرافيا في صناعة المسرح المعاصر، تقول راشيل إن السينوغرافيا في حالة من عدم اليقين والتي تم تضخيمها من خلال توسيع الاختصاص العملي في العقود القليلة الماضية. وتضيف أن تطبيق السينوغرافيا إلى ما وراء الأعراف المؤسسية للمسرح قد جعل المصطلح مشحونًا سياسيًا وأدى ذلك إلى استبداله بـ “تصميم الأداء/ العرض” المسرحي. تقول راشيل إن مصطلح السينوغرافيا حذف من الدليل الفرعي في مدرسة براغ بمعناه التقليدي، فيما أصبح تبني المصطلح باهتًا في المسارح المحترفة الناطقة بالإنكليزية، بل غالبًا ما يتم تجاهل فكرة السينوغرافيا من قبل المسرح الناطق بالإنكليزية مع اتهامات بالادعاء الأكاديمي. وذلك بسبب استخدام السينوغرافيا بوصفها دليلا على تكافؤ الأهمية الإبداعية والمفاهيمية للـ”المصمم” مع المخرج والممثل ومصمم الرقصات والدراماتوج وغيرهم. مع ذلك، ترى راشيل أن السينوغرافيا عنصر تكويني في صناعة المسرح وبالتالي فإنها تقع ضمن عمل المخرج والممثل ومصمم الرقصات والدراماتوج. وتدعو إلى الاعتراف بأن السينوغرافيا استراتيجية شاملة لصناعة المسرح. وعند تقديم مثال أو دراسة حالة، تعمل راشيل على تطبيق نمط من أنماط الوصف التفصيلي المكثف بدلاً من صور أو إيقونات في وصف التجربة. وتسرد مواجهتها البحثية مع السينوغرافيا أو ثقافة السينوغرافي بصيغة المتكلم. وتسعى إلى التقاط الإحساس بالتعددية في “إعداد المكان” والذي ينطوي عليه الفعل الجسدي من الأقنعة إلى الأزياء، ومن الضوء إلى الصوت، ومن الهندسة المعمارية إلى الأجسام. وترتبط كل هذه المحفزات من خلال فعل السينوغرافيا، ويعمل كل محفز بوصفه جزءا من مواجهة أوسع في إعداد المكان، مع الممثل والمتفرج على حد سواء. وقد تتجاوز السينوغرافيا الدور المحدد للسينوغرافي ضمن السياق التعاوني في صناعة المسرح.
إن اشتغال مصطلح ما وراء السينوغرافيا بوصفه نقدا لـ”السينوغرافيا الموسعة والمفرطة” يأخذ بالاعتبار أفكار أو ممارسات السينوغرافي التي تتجاوز الأيديولوجيات والمعتقدات التقليدية في المسارح الرسمية على الرغم من العلاقات متعددة التخصصات التي تم تصورها بأنها جزء من الروح الواسعة والمميزة للمجتمع أو ثقافة العصر. وترى راشيل أن الروح الواسعة تعكس سياسة تسعى إلى تفكيك ممارسة السينوغرافيا بعيدًا عن المسرح سواء من حيث ترتيب الحيز المكاني لحديقة عامة أو جودة التصميم الداخلي للمنصة، وتؤكد أن دليل تصميم الأداء ينبع من موقف مماثل أيضا. (وتقصد هنا تصميم العرض المسرحي برمته).
يوفر مفهوم الأداء (بدون تحديد) إطارًا لتجاوز التسلسل الهرمي المهني (لدعم المخرج أو النص المسرحي) إلى جانب شحنة سالبة مضادة للمسرحية (التقليدية أو غير الأصيلة). وكعمل من أعمال الانفصال والتجاوز؛ يعزز الاختصاص المساحة الواسعة للسينوغرافيا، ويدعو أولئك الذين يتجاوزون أدوار التصميم التقليدية إلى نقد ومناقشة السينوغرافيا. ويتيح هذا النهج أيضًا، للذين هم ضمن الأدوار التقليدية تخطي حِرفٍ محددة تستخدم التصميم. في ضوء هذا التوسع النقدي، يمكن القول إن هذا الحقل الواسع قد جعل السينوغرافيا ممارسة مادية شاملة لا حدود لها في نطاقها ونواياها وامكانية التطور في المستقبل. ويمكن للسينوغرافيا أن تكون في كل مكان. مع ذلك، يدعم وضع ما بعد التخصصات فكرة الاستفادة من النقد المضاد للسينوغرافيا في تخصصات أخرى، وتوجهات نقدية راسخة حول المسرحانية والأدائية.
تركز راشيل على القدرة النقدية للسينوغرافي “الامكانيات” بوصفها سمة يمكن فرزها من خلال الفرق بين مصطلحين “سينوغرافيا scenography” و”سينوغرافي scenographic”. ومن المحتمل أن تكون سمة السينوغرافي واحدة من القوى الدافعة وراء حالة السينوغرافيا المفرطة أو الفائضة. وأن مقترح “السينوغرافيا الموسعة” قد تأسس على افتراض أن سمة السينوغرافي تتجاوز التقاليد الفنية والمهنية للمسارح الرسمية، إذ غالبًا ما يتم تصنيف السينوغرافيا والسينوغرافي على أنهما إضافة وتوضيح بدلاً من كونهما مبنى وشكلا تكوينيا ونقديا في آن واحد. وتتوافق دعوة راشيل للأخذ بعين الاعتبار أثر سمات السينوغرافي النقدية مع رأي مؤرخة الفن الألمانية دوروثيا فون هانتلمان Dorothea von Hantelmann بشأن الإفراط في استخدام مصطلح “أداء” في الثقافات الفنية. في الواقع، تفرز فون هانتلمان هذه العلاقة مباشرة، وتقول في كتاب (كيف تفعل الأشياء مع الفن؟):
“اليوم ، يُعتقد على نطاق واسع أن “performative” (الأداء الفني أو الدرامي) يمكن فهمه على أنه يماثل “performance” (الأداء بمعنى العرض أو الانجاز). بهذا المعنى الخاطئ، أصبح شعار “وجود الشيء في كل مكان” من ظواهر الفن المعاصر والتي تُظهر، بالمعنى الواسع أيضا، تقاربًا في أشكال المنصة والمسرحانية والميزانسين.”
إن التقارب الذي تصفه فون هانتلمان – بين المنصة والمسرحانية والميزانسين-، موجه نحو كيفية استحضار الممارسات الفنية لسمات السينوغرافي في المسرح، وكيفية تطبيق الميزانسين بشكل نموذجي بالإشارة إلى صفات العمل سواء “شبيهة بالمنصة” أو “شبيهة بالديكور” في ثقافات فنية متنوعة. بينما تركز راشيل على الميزانسين بوصفه نظاما متميزا للتفسير والترجمة، ويؤطر الإعداد الظرفي للسينوغرافيا.
أما عالمة السينوغرافيا التشيكية (ثيا بريجيك) Brejzek Thea، تبحث في كتابها (من الشبكة الاجتماعية إلى التدخل الحضري: حول سينوغرافيات الحشود الخاطفة والأسراب الحضرية – 2010)، توسع سمات السينوغرافي إلى ما وراء التقاليد المسرحية، “لا يظهر السينوغرافي بوصفه منظم مكان النص السردي، بل مؤلف مواقف مبنية وعاملا للتفاعل والتواصل”. وتتبنى راشيل تركيز بريجيك على “المواقف المبنية” للتفكير في استحضار فن معين أو ممارسات اجتماعية تنسجم مع أفعال المنصة الظرفية. وعلى نحو حاسم، ترى راشيل أن سمات السينوغرافي تشمل جميع العوامل البشرية وغير البشرية التي تجعل المكان حيوياً وزاخراً بالأحداث، وأن مفهوم “السينوغرافي” يجمع أساليب الملابس وجغرافيا المنصة والضوء والصوت في إعداد المكان والتقاط الاتجاهات المتعددة والمسامية التي تجعل المكان يقظاً وحيوياً. علاوة على ذلك، فإن مصطلح “سينوغرافي scenographic” يختلف اختلافًا جوهريًا عن “سينوغرافيا scenography”، مع الإشارة ضمنيًا إلى أن موضوعاً أو حدثًا يمكن أن ينقل سمة سينوغرافي دون اعتبار بالضرورة لـ “سينوغرافيا”. هذا الاحتلاف المفاهيمي يقارب العلاقة بين “performative” (الأداء الفني أو الدرامي) و”performance” (الأداء بمعنى العرض أو الانجاز)، والمسرح theatre والمسرحانية theatricality، والرقص choreographic وتصميم الرقص choreography. في ضوء هذه الفوارق البينية؛ تتعامل راشيل مع سمة سينوغرافي على أنه مُعد أو موجّه، وسينوغرافيا بوصفها حرفة. وتحاول أن ترسم خريطة لتطبيق هذه المفاهيم ذات الصلة على سيناريوهات فنية واجتماعية تتجاوز مفاهيم المسرح المؤسساتية أو الرسمية. وتتبنى راشيل سينوغرافيات متعددة ومتأصلة وتتحمل المواجهة مع السينوغرافي. وبناء على ذلك، تنتج سمات السينوغرافي عن مجموعة من المحفزات الموجهة التي تتجاوز الأنطولوجيات الصارمة للتجريبية وصعوبة الفصل الدقيق بين الحِرَف المسرحية.
استخدم داروين ريد باين Darwin Reid Payne مصطلح “السينوغرافي” في الفقرة الافتتاحية من كتابه “سينوغرافيكس الكمبيوتر” (1994): “بينما الكلمة الأولى من العنوان – الكمبيوتر- موجودة في كل مكان في عالم اليوم، فإن الثانية -السينوغرافي- غير موجودة في أي قاموس حتى الآن”. ويستمر باين في ملاحظة ما يلي: “لم يجد السينوغرافي مكانًا بعد … مع ذلك، لا يمكنني التفكير بكلمةٍ أفضل – صُنعت أم لا – لوصف موضوع الكتاب. ويبدو أن السينوغرافيكس هي وصفٌ مناسب لأنواع الرسومات التي يصنعها مصممو السينوغرافيا.” وبينما اعتمد Reid Payne على “رسومات الكمبيوتر”، تجاوزت راشيل إلى ماوراء أساليب عرض المنظور، وركزت على تفعيل مفاهيم أوسع في إعداد المكان من خلال أفعال المنصة الظرفية. وتجنبت مصطلحات مثل scenographically أو scenographical ، بينما ناقشت المصطلحات التي تنطلق من سمات السينوغرافي scenographic وتوجهاته بدلاً من حِرفة السينوغرافيا scenography.
تظل تصورات راشيل حول إعداد المكان ذات أهمية بالنسبة لفكرتها بشأن إمكانيات السينوغرافي، لذلك تقدم مفهوما بوصفه عدسة يمكن من خلاله نقد تقنيات المنصة الخاصة والتاريخية ضمن تخصصات نقدية متعددة. وفي هذا الصدد ، تقترح راشيل أن تحتل إمكانيات السينوغرافي منطقة نقدية مماثلة للأداء الفني أو المسرحية في نظرية الأداء، وتوفر رؤية متجددة بشأن استحضار الثقافات المادية لأساليب السينوغرافي بشكل عام. وبينما إمكانيات السينوغرافي النقدية هي التي تتحرك عبر كتاب راشيل، إلا أن هناك قلقًا أساسيًا من توسع السينوغرافيا إلى ماوراء المسرح، وقد تصبح خصوصيات السينوغرافيا، المشروطة بالتقاليد المسرحية الراسخة، محجوبة أو مفقودة.
من المثير للاهتمام، أن علماء السينوغرافيا التشيكيين كانوا على دراية بالقضايا الممكنة التي طرحها النهج الشامل عند تطبيقه خارج المسرح المؤسسي / الرسمي. وتوضح مؤرخة السينوغرافيا باربرا بيودوفا بأن منظِّر المسرح رزينا فاكوفا (1901–1982) كانت قد حذّرت من أن السينوغرافيا قد تكافح للاحتفاظ بتميّزها ضمن سياق واسع متعدد التخصصات:
“على الرغم من أن فاكوفا تعتبر المكونات المرئية للإنتاج المسرحي نوعًا من الفن البصري، إلا أنها تلفت الانتباه بقوة إلى خصوصيتها (المكونات المرئية)، والتي تكمن في خدمة المسرحانية المتداولة وما تثيره من إحساس بالزمانية.”
يشارك مؤرخ المسرح والسينوغرافي كريستوفر بوغ (Christopher Baugh) هذا القلق، إذ يناقش الافتقار إلى ممارسة مركزية، مثل العوامل الشرطية للمسرح، وقد يستلزم أن تفقد السينوغرافيا سماتها الخاصة قبل أن يتم حساب هذه السمات بشكل مناسب داخل الدوائر الأكاديمية. وبالتركيز على أساليب السينوغرافيا على أنها “من المسرح” ، فأن هذا يوفر وسيلة لتوضيح “خصوصية” السينوغرافيا، وتوظيف مصطلح بيودوفا. مع ذلك، فإن هذا الموقف لا يأخذ بالحسبان المواقف التي قد تستخدم، أو يبدو أنها تستخدم، هذه الأساليب التي تتجاوز السياقات المؤسسية للمسرح. وهكذا فإن تصورات راشيل عن السينوغرافي تفصل أساليب السينوغرافيا في إعداد المكان والتي تشكل الممارسات الفنية والاجتماعية الأخرى ماوراء المسارح المؤسسية.
=====================================
* تشير عبارة “إعداد المكان” إلى أسلوب تركيب المكان باستخدام مواد وتقنيات معينة من أجل غاية جمالية قد لا تنطوي على موقف فلسفي أو رؤية فنية، بينما عبارة “إعداد الأحداث” تشير إلى تبني موقف وتقديم رؤية في سياق جمالي متفرد وخلاق. بعبارة أخرى، سمات السينوغرافي تشتمل على دراية واعية بالميزانسين والتكوين والصورة المسرحية. ذلك يشير، بما لايقبل الشك، إلى أن السينوغرافي يشارك المخرج العملية الفنية والرؤية الفكرية والجمالية في العرض المسرحي.
* وردت جملة “نعمل للمسرح الذي نجا من المسرح” في بيان بعنوان “المسرح ميت”؛ كان كيسلر قد تلاه في”المعرض الدولي للمسرح” نيويورك، 1926. وقد نُشر البيان في عدد خاص عن معرض The Little Review. وتذكر راشيل هان أن بيان كيسلر كان نقطة انطلاق لدراسة (مارواء السنوغرافيا).