المسرح البصري في خمسة عقود ( الحلقة الأولى)/ مجيد عبد الواحد النجار
1- البدايات:
المسرح ظاهرة ثقافية وفكرية، وأداة فعّالة لتغيير المجتمع عن طريق طرح المشاكل والثيمات الاجتماعية والمفاهيم السائدة وتقديمها بشكل يُساعد على إعطاء حلول لها على خشبة المسرح، عن طريق ترجمة شخصيات ومواقف النص التي ابتدعها المؤلف من خلال أداء الممثلين وحركاتهم بمساعدة المخرج.
بناء على ذلك لا يُمكننا النظر إلى المسرح خارج إطار المجتمع وبمعزل عن الظروف التي تُحيط به والتي تؤدّي في النهاية إلى طبع بصماته العميقة على الواقع المسرحي.
إن المسرح في البصرة ومنذ بداياته في القرن العشرين .. ارتبط .. بحركة المسرح العراقي في البدايات … في الكنائس والمعابد كحاضنة للدراما الدينية والأخلاقية والاجتماعية الخيرية ومدارسها الخاصة .. وكان لها جمعية يحضرها الطلاب لاستماع المحاضرات والنشاطات الفنية والمسرحية ، وتمثيل الروايات كرواية ( في سبيل الوطن ) ورواية ( المغتر على ولده) ورواية ( آستر) ، وكانت الرواية الأخيرة قد مُثّلت في الأعوام (1924و1925و1926) وجمعت ريعا بلغ أربعة آلاف روبية، وقد حضر لمشاهدة هذه الرواية وجهاء المدينة .. اليهود والمسلمين والمسيحيين…
كان الذين يُمارسون الفن بالبصرة شباب ورجال لا يملكون مؤهلات التمثيل وعلمه غير الصوت القوي والجرأة والرغبة، وكان الرجال يؤدون أدوار النساء بعد تخطيط (كذا) الوجه ووضع ضفائر من الشعر المُستعار .. وكانوا يختارون من ذوي الوجوه الوسيمة والأصوات الليّنة…. .)([1])
وهذه البدايات ((شكّلت بدايات الفرق الزائرة ليوسف وهبي وفاطمة رشدي ومحمود شكوكو، مُضافا لتلك الأنشطة عروض داخل بيوت الشناشيل في محلة (الصبخة الصغيرة ) على ضفاف نهر العشار))([2]).
وفي عام 1922 عُرضت مسرحية ( الشاب العصري والشيخ البصري) تأليف محمد أمين علي باشا أعيان عباس([3]).
وفي عام 1925 قدّمت مدرسة التهذيب الابتدائية ( الخليل بن أحمد الفراهيدي حاليا) مسرحية (طارق بن زياد).
أما في عام 1926 فقد قدّمت مدرسة الراهبات الكلدان مسرحية (الصدق والوفاء) تأليف محمد العبد الله، وفي نفس العام قدّم عبد القادر السياب مسرحية فرنسية مترجمة هي (جزاء الشهامة ) على مسرح رويال سينما .. وكان من أبرز ممثليها: عبد القادر السياب ومحسن علي وصادق عطا وأمين ناصر …..
وفي مساء يومي الأربعاء والخميس المصادف 24و25 تشرين الثاني 1926 قدّمت الجالية البريطانية في البصرة مسرحية (الاستفهام The Quieres).
ومساء نيسان 1927 قدّمت كشّافة مدرسة التفيض البغدادية أثناء زيارتها للبصرة ثلاث عروض مسرحية.
وبتاريخ 17 تشرين الثاني 1927 قدمت مدرسة المحمودية في قضاء أبي الخصيب مسرحية (لولا المحامي) تأليف سعيد تقي الدين.
وفي 26 مايس 1928 أقامت مدرسة البنات الأمريكية في البصرة إحتفالا .. قدمت خلاله مسرحية (قطر الندى).
وبتاريخ 12 كانون الثاني 1929 قدمت مدرسة السيف الابتدائية في البصرة مسرحية (غفران الأمير) تأليف حنا رحماني ؛كما قدمت المدرسة نفسها مسرحية (دموع وأحلام) .. ومسرحية (المملكة الوطنية) من إخراج عبد الحكيم جاسم مدير المدرسة .. كما قدمت إحدى المجموعات مسرحية ( عنترة) لأحمد شوقي عام 1929([4]).
وفي ليلة الأحد 14/1/1929 قدّمت مدرسة السيف الابتدائية مسرحية ((غفران الأمير))[5].
ما تقدم يؤشر لنا البداية الحقيقية للمسرح في البصرة ، وهي عام 1922 ، لكون العرض المسرحي كان بصريا خالصا، من مؤلف ومخرج وممثلين، علما ان البريطانيين قد قدموا عرضا مسرحيا عام 1918 ، لكنني لا اعتبره البداية، بسبب ان العرض كان عرضا خاصا للترفيه عن الجنود البريطانيين الذين كانوا يحتلون العراق آنذاك، رغم حضور اعيان ومسؤولين من البصرة، واعتبر كذلك ان البداية انطلقت عن طريق الشيخ محمد امين باشا مؤلف ومخرج العرض – ولم اعثر على تفاصيل كاملة او إشارات الى كيف كتب هذا الرجل النص المسرحي، هل هو بتأثير نصوص مسرحية قراءها؟ ام بتأثير شخص او شخوص طلبوا منه ذلك؟ ام من مشاهداته لبعض العروض التي لا اعرف اين كانت ومتى شاهدها؟ ام هل اقتبس النص من نص او نصوص مسرحية أخرى؟ المهم سأحاول البحث عن هذا الموضوع من اجل الإجابة على جميع الأسئلة قدر الإمكان – والشيء الاخر في هذه الفترة نكتشف ان الانطلاقة الحقيقية أيضا من حيث المكان كانت من المدراس الابتدائية تحديدا حيث كانت (مدرسة التهذيب ، ومدرسة الراهبات ، ومدرسة التفيض ، ومدرسة المحمودية ،ومدرسة السيف ، والمدرسة الامريكية ) على راس المدراس التي كانت تقوم بفعاليات العروض المسرحية في المناسبات الدينية والوطنية ، اما بعد ذلك كيف استمر المسرح؟ ومن هم الذين كانوا يتحملون وزره من تأليف وإخراج وتمثيل؟ سأجيب عن هذه التساؤلات في بحث اخر ان شاء الله.
الإحـــالات:
(1) : حميد مجيد مال الله ، (( بانوراما مسرحية )) ، جريدة الصباح / ملحق فنون، بغداد ، العدد 1050 ، الأحد 25/ شباط / 2007.
[2]): محمد عبد الزهرة الزبيدي ،((الناقد حميد عبد المجيد مال الله تاريخا آفلا من البصرة)) ، جريدة الزمان الدولية ،(لندن ) , العدد 3946 , 19/3/2008 .
[3] : محمد أمين باشا أعيان : ولد يوم الخميس 18 صفر 1295 هـ 1878 م في بيت والده في محلة الصفاة في البصرة القديمة ، وتلقى تعليمه في البيت أولا على يد مدرس للعلوم الدينية والعربية ثم أكمل تعليمه داخل المدارس العثمانية في البصرة وبعدها ثقف نفسه بكثرة القراءة ومتابعته .. توفي في البصرة يوم 10 ذو الحجة 1346 هـ 1928 م.
[4] : راجع: عبد الفتاح عبد الأمير مرتضى، واقع الحركة المسرحية في البصرة، رسالة ماجستير غير منشورة ، إشراف: أستاذ فن ، أسعد عبد الرزاق جعفر ، (جامعة بغداد : كلية الفنون الجميلة , قسم الفنون المسرحية , 1989 ).
[5] : يُنظر: المؤلف مجهول ، ((مسرحية غفران الأمير هي أقدم مسرحية مُثلت في البصرة)) ، جريدة المرفأ ، العدد 48 ، 11/شباط/1977، ص الأخيرة.
مجيد عبد الواحد النجار