بين سايكولوجية الطفل وتأصيل القيم/ أحمد طه حاجو

قراءة تحليلية في نصوص مسرحيات الاطفال “حكايات بطعم الاحلام “

 
يُعد كتاب النصوص المسرحية “حكايات بطعم الاحلام ” لكاتبه ( عمار سيف ) والموجه للطفل على وجه الخصوص وبمختلف المراحل العمرية من ( 7 – 16 ) سنة، من الكتب الجادة التي تناقش بناء الانسان في تلك المراحل الحساسة من عمره، إذ أنّ الكاتب عمد إلى الغور في أعماق سايكولوجية الطفل، فكان العارف بخصوصياتهم ورغباتهم وتوجهاتهم، وقد يلمس ذلك القارئ عند قراءته لهذه النصوص .
كما ان الكاتب ( عمار سيف ) حاول أنْ يوجه خطابه إلى فئات متعددة وهذا يدلل بأنه يحمل رسالة تربوية متعددة الأوجه، ذات أهمية بالغة في بناء المنظومة الفكرية للطفل في مراحل نموه .
أنّ مرحلة الطفولة تكون من أشد المراحل العمرية تعلقاً بالخيال وتصوراته وإرهاصاته، لذا فقد أستثمره كاتبنا خير إستثمار في نصوصه والذي حقق من خلاله، عنصراً جاذباً لفكر الطفل ووعيه، فالمحاكاة التي تكون عبر عنصر الجماد تكون مؤثرة وفاعلة في جذب إهتمام الطفل وتركيزه، وهنا تكون عملية التوجيه التربوي على أوَجِّها وتسير في مراحل عالية وتكون محرضة لأن إثارة (الخيال) من أهم وسائل التحريض فاعلية للإنطلاق في عملية التغيير .
ضمَّ الكتاب ستة نصوص مسرحية، كان أولها مسرحية “الفتى والصورة” وهو نص تربوي إجتماعي، تمحورت فكرته على صبي كثير اللعب وأمتاز باللاّمبالاة في تعامله مع أصدقائه ولا يحترمهم، حتى أنه بقي وحيداً يتجنبه الجميع ولا يلعبون معه، وكان هناك في بيته صورة لبابانويل تمثل صوت الناصح او الضمير الذي يوجه الصبي في تصرفاته ونقده بهدف تصويبه، وعندما شعر الصبي بالضيق من إبتعاد رفاقه عنه، حاول ان يصلح نفسه وأن يحترم الآخرين، فقام بمساعدة كل من يصادفه بصورة صادقة.
أنّ هذا النص يُعد من النصوص التوجيهية لسلوك الطفل في بداية مراحل البلوغ، إذ أنه يكون كثير التذمر والرفض والأنانية نوعاً ما، وهنا تكمن أهمية ما تطرق له هذا النص في سد الفجوات التي قد يجدها الطفل فيما إذا أراد تصويب تصرفاته .
أمّا النص الثاني فكان بعنوان “الفتى الطائر” وهو نص يحاكي الفئة العمرية التي تتراوح بين عمر (10 – 12 ) سنة، فيدعو الطفل إلى تحمل المسؤولية في إتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وضرورة أنْ يكون أكثر دقة في مراقبة الواقع والأغراب على وجه الخصوص، إذ أنّ النص يُلخص حياة صبي وأربع أخوات وأبيهم (الملك)، والصبي يكون مشاكساً وكثير اللعب، لكنه يتحمل المسؤولية في إنقاذ أخواته وعائلته في الوقت المناسب، عندما يعثر مع أخته في البستان على كرة زجاجية تحتوي على العفريت المطيع لهما، ويعمل على الإستفادة منه في ردع الساحرة التي تحاول تشتيتهم وتفرقتهم من خلال زرع الفتنة بينهم .
هذا النص يدعو الطفل إلى حبِّ التعاون والإهتمام بالعائلة ويؤكد على ضرورة الحفاظ عليها بشتى الوسائل والطرق، إذ هنا يؤكد الكاتب على الجانب التنويري لفكر الأطفال ودعوتهم من خلال المسرح إلى تنمية ذكائهم واستثماره في الطريق الإيجابي، كما أنه أستخدم هنا تقنية الخيال بصورة جاذبة ومدهشة من خلال جعل الطفل بأنْ يكون طائراً بفعل قدرة العفريت، وهنا يعطي مجالاً رحباً للمخرج المسرحي في إبتكار طريقة لتحقيق ذلك في فضاء المسرح .
النص الثالث في هذا الكتاب كان بعنوان “كوميديا الأرنب والشتاء ” فهو نموذج لعملية التعاون والتفكير في المستقبل والعمل بجد من أجل إستثمار الوقت، من خلال غابة ومجموعة من الحيوانات التي تعمل بجد في جمع الطعام في فترة الصيف وتخزينه من أجل الإستفادة منه في فترة الشتاء، وقد تكون هذه الفكرة مطروقة وبكثرة في الرسوم المتحركة وغيرها من قصص الاطفال، لكن كاتبنا استثمرها عبر إضافة جانب درامي تأثيري وجاذبي للطفل، فالحوار كان سلساً ويحاكي فكر الطفل بطريقة استفزازية مراعياً فيها الجانب السايكولوجي للفئة العمرية المتمثلة بشخصية (الأرنب) المشاكس وتأصيل القيم لدية عبر حوارات شخصيات (الأرنبة) و (السنجاب) و (العصفور) الذين كانوا يحاورنه بطريقة إستفزازية تتعلق في المساس بكرامته التي هدرها من أجل الجوع وكانت نتيجة عدم إحترامه وتصديقه لكلامهم ونصائحهم في فترة الصيف عندما طلبوا منه أنْ يعمل على جمع الطعام، فيكون هنا ذلك النص حاثَّاً للأطفال على الجدية وإستغلال الوقت في عمل مفيد مرتبط في بناء مستقبلهم مثل الدراسة وغيرها من الأعمال المفيدة وترك المبالغة في اللعب في جميع الأوقات، بل عليهم : في تنظيم وقتهم .
أمّا النص الرابع الذي حمل عنوان “عندما يغني الكلب” فكان عبارة عن دراسة نفسية حاذقة من قبل الكاتب ( عمار سيف ) للطفل في أخطر مرحلة من مراحل نموه، ألا وهي مرحلة بناء الشخصية أي عمر السادس عشر، إذ الطفل في هذه المرحلة يكون كثير التقليد للآخرين، فجاء هذا النص مخاطباً له كي يكون الطفل محترماً لذاته تارةً ومقدراً لما يمتلكه من صفات تارةً اخرى، وكانت الشخصيات المختارة في هذا النص هي مجموعة حيوانات وهي ( كلب ، ديك ، قطة ، فأر ، بطة ، خروف ، كلب اسود ) وكان الكلب والذي يمثل الشخصية الرئيسية يقلد الأصوات لباقي الحيوانات، فبات سخرية للجميع حتى أتهموه بالجنون إلى أنْ نسي صوته كليّـاً ، وفي النهاية ألتقى كلباً آخر وسمع النباح فحاول تقليده وأعجب به وعاد لرشده من جديد، فالنص يناقش أهمية ما نملك من صفات وكيفية توظيفها في الطريق الصحيح، وفي نهاية النص يضيف كاتبها حواراً ( لا تفرطوا بأصواتكم مطلقاً ) في إشارة إلى الصوت الإنتخابي وضرورة الحفاظ عليه من السرقة، وهنا يوجه الكاتب رسالة تحريضية للكبار الذين قد يحضرون العرض المسرحي مع أطفالهم وحينها سيقوم الأب او الأم بتفسير معنى أنْ لا يفرطوا بأصواتهم إلى الأبناء، وعندها يعمل هذا النص على الإنتقالة والإرتقاء بفكر و وعي الطفل إلى منطقة مغايرة .
النص الخامس كان بعنوان “حلم الأمير ” وهو نص يحاكي مرحلة الأحلام للطفل وأيضاً أحلام اليقظة عند الكبار، إذ أنّ النص عمل إستثمار التاريخ وتسليط الضوء على مرحلة مهمة من الماضي عبر بحث اميرٍ عن زوجةٍ له، فيجوب المدينة عن فتاة أحلامه ذات الصفات الخاصة التي وضعها، لكن في النهاية نكتشف أنه كان حلماً ، إذ يستيقظ الفتى على صوت أمه وهي تُوقظه من أجل أنْ يلتحق بالمدرسة، وكانت إشارة تنبيهية إلى الأطفال بضرورة إحترام المواعيد والمدرسة والإبتعاد عن الأحلام برغم جمالها، فالواقع هو العنصر الملموس من الحياة، وهو الأداة التي يمكن أنْ نُحقق أحلامنا من خلالها، بشرط  دون من أية مبالغة في الأحلام إلى درجة سرقة الوقت، والتي قد تدعونا إلى رفض الواقع والإستغراق بالأحلام، كما أنّ الجانب النفسي للطفل في مراحل ما قبل سن الثامن عشرة سنة يكون كثير التأُثر في الأحلام والخيال، لذا على العروض المسرحية الموجهة له بأنْ تكون مفسرة للكثير من الأمور والظواهر التي يصادفها، وهذا ما لمسناه من هذا النص .
أمّا النص السادس والأخير فحمل عنوان “عفريت في زجاجة” حيث ناقش موضوع موهم ألا وهو ( الإيثار ) والتضحية التي ينبغي أنْ يتمّ التأكيد عليها في مراحل بناء شخصية الطفل، مع أنّ المسرحية تتكون من أربعة شخصيات، وهي (فادي، ودق، العفريت، نبأ ) فهؤلاء الشخصيات هم أخوة يعيشون في بيت بسيط ويحتوي على بستان، ويطلب الصبي ( فادي ) من أخته ( ودق ) أنْ يقوما في مساعدة والدهما في حرث أرض البستان ويعثران على زجاجة، فيقوم فادي في فتحها حتى يخرج العفريت، إذ يطلب منهما أنْ يتمنى كل منهم أمنية ليحققها لهم، وعن طريق الخطأ يقول (فادي) أتمنى أنْ تختفي أختي (نبأ) وتوضع في الزجاجة وبالفعل يقوم العفريت في وضع أخته ( نبأ ) في الزجاجة ويبقى كل من( فادي ) وأخته ( ودق ) يفكران في طريقة تخليصها  وإخراجها من الزجاجة، لكنهم يكتشفان في النهاية أنّ العفريت كان يمزح معهم وأنه فقط خيّل لهم بأنّ أخته في الزجاجة وأنها ما زالت كما هي في البيت، وأعجب بتعاونهم وكيفية تضحيتهم في الطلب منه بأن يحلان محل اختهما ودعاهما الى الاستمرار في التعاون والإيثار في ما بينهم .
أنّ مجموعة النصوص المسرحية ( حكايات بطعم الاحلام) هي عبارة عن دروس تربوية تعليمية إجتماعية، حرص على تنقية افكارها الكاتب ( عمار سيف ) بعناية ودقة مراعياً في ذلك المرحلة الزمنية والبيئية التي يعيشها الواقع العربي والعالمي الحالي في زمن العولمة، فتم تسليط الضوء على القيم الإنسانية التي بدأنا نفقدها في وقتنا الحالي، وبسبب ذلك حصل نوعٌ من الإغتراب بين الأجيال وذويهم، كما أنّ التقنية الكتابية التي تناول عبرها الكاتب مسرحياته كانت رحبة وأعطت مدى وحرية للمخرج في الإبتكار ووضع الخطة الإخراجية، كما أنه أستخدم الرمز بطريقة مبسطة مراعياً الفئة العمرية للفئة المستهدفة، بالإضافة الى طريقةِ التناول والمبالغة في إستخدام الشخصيات الخيالية في الحوارات وصنع شخصيات منها فاعلة على خشبة المسرح، مراعياً بذلك دوراً كبيراً لتلك الشخصيات على وعي وإدراك الطفل .
 
لا يتوفر وصف.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت