المسرح البصري في خمسة عقود ( الحلقة الثانية)/ مجيد عبد الواحد النجار
2 – عقد الثلاثينات
كانت البداية مع وصول (( فرقة فاطمة رشدي – إلى البصرة يوم 8/ نيسان/ 1930 وبقيت لمدة خمسة عشر يوما، ومثّلت فيها على مسرح (بصرة سينما) و ( الحديقة الخضراء) وكانت أسعار الدخول (5 ربيات و3 ربيات وربية واحدة). وعلى مسرح الحديقة الخضراء أو كما يُسمّونها حينذاك ( كرين كاردن)* والتي كانت تقع في منطقة الساعي …. قدمت الفنانة ثلاث مسرحيات ولمدة ستة أيام حيث كانت كل مسرحية تُمثّل مرتين.
وعلى مسرح (بصرة سينما) أو (سينما البصرة)** … مثّلت فاطمة رشدي لمدة ستة أيام أيضا رواية (فاجعة فوق الهرم) ورواية (السلطان عبد الحميد) ورواية (يوليوس قيصر) حيث قامت هي بدور انطوني.
أما على مسرح الحديقة الخضراء فقد مثّلت رواية (غادة الكاميليا) ورواية (جمال باشا) ورواية (مصرع كليوباترا) ([1]) .
- يذكر لنا الفنان الرائد عزيز الكعبي*** عن موقف مر به اثناء زيارة فرقة يوسف وهبي حيث يقول : كنت صغيرا عندما زارت الفرقة البصرة، ولا أملك النقود لمشاهدة المسرحية وكنت أتحرّق شوقا لمشاهدة عملاق المسرح العربي فطلب مني صاحب البار ،أن أبيع – النامليت – وأرى المسرحية فوافقت من أجل ذلك – ([2]) .
ويقول الأستاذ عبد الحميد الرديني:
كنت طالبا في مدرسة التهذيب الابتدائية عام 1930 ، قدمت مع مجموعة من زملائي أناشيد بين الفصول- خلال حفلة تمثيلية على مسرح في محلة السيف بالبصرة، عُرضت فيها مسرحية (سلطان باشا الأطرش) وكانت تدور حول جهاد الدروز في سوريا ضد المحتلين الفرنسيين وهي من تأليف وإخراج (صالح رشدي) ([3]).
وفي بداية كانون الثاني 1931 قدمت مدرسة السيف الابتدائية مسرحيتان هما: (القلب المعذّب) من تأليف وإخراج يوسف أفندي على مسرح رويال سينما. ومسرحية (الذبّاح) من تأليف أنطوان يزبك.
وفي العام نفسه قدمت ثانوية البصرة للبنين مسرحية ( أمير الأندلس) تأليف أحمد شوقي وإخراج وديع زبال.
ويوم السبت المصادف 29/مايس/ 1931 قدمت طالبات المدرسة المركزية الثانوية للبنات مسرحية (ابن الملك المفقود) تأليف نيقولا أمين وإخراج المدرّسة إيزابيل.
وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم الاثنين 15 / حزيران / 1931 قدم طلاب مدرسة الرجاء العالي مسرحية (جينيفيا).
كما مُثلت في العام نفسه مسرحية (الشاب العصري والشيخ البصري) تأليف الشيخ محمد أمين عالي أفندي العباسي، والتي طُبعت سنة 1340 هـ – 1922م ، من قِبل المدرسة الأمريكية التبشيرية في البصرة، وكان ريعها لإنشاء مدرسة في المدينة ([4]).
أما بين عامي 1935 – 1936 يقول عبد الحميد الرديني:
شاهدت مسرحيات فرقة (رمسيس) للفنان يوسف وهبي منها مسرحيـات ( أولاد الذات ) و ( أولاد الفقراء ) و ( بنات الريف)، وقد تم عرضها في الحديقة الخضراء في المعقل. وكانت من تأليف وإخراج يوسف وهبي الذي مثّل فيها أيضا ، كما اشترك معه كل من أمينة رزق وعلوية جميل وحسن البارودي([5]) .
وقدمت ثانوية البصرة للبنات مسرحية ( البخيل ) لموليير منتصف عام 1936 ([6]).
ما بين عامي 1935 – 1940 نشطت في محلة الصبخة الكبيرة جماعات مسرحية أشرف عليها فنانون وأساتذة، وجعلوا من بيوتهم مسارحا ومن معارفهم وعوائلهم فنانين، وكانت هذه النشاطات بأربع مسارح:
المسرح الأول: أسسه الأستاذ مجيد آغا حسن في بيته بعد أن قسم البيت إلى قسمين، قسم للضيوف وهو ما جرى فيه التمثيل، وقسم للعائلة وكان قسم الضيوف يطل على نهر العشار، وهو يتسّع لخمسين كرسيا .
أما مواصفات المسرح الداخلية فقد كان عمقه أكثر من خمسة أمتار وعرضه حوالي سبعة أمتار، وقد اشتهر بين ممثلي هذا المسرح أبنته التي كانت بطلة للعديد من المسرحيات التي كان يُخرجها.
المسرح الثاني: كان في بيت المرحوم محمد زكي وقد أسسه بعد مسرح مجيد آغا حسن بقليل، ولشعبية هذا المسرح أستقطب فيه جمهرة من الفنانين الشباب، كما كانت عروضه تتسم بالوطنية … وكانت من أبرز الأعمال المسرحية التي قدمها هذا المسرح (مسرحية أبو جعفر المنصور)،و مسرحية (هارون الرشيد)، ولقلّة العناصر النسوية فقد قام بدور زبيدة زوجة هارون الرشيد (عبد الوهاب كستي) وقام بدور أبو نؤاس (عبد القادر محمد ناجي) ، أما دور هارون الرشيد فقد قام به (عبد الكريم محمود) ودور السيّاف (سركال الماس) ، كما مثل معهم ( جهاد صالح ، و غلّوم يوسف ، وسلمان داود ) وغيرهم.
المسرح الثالث: كان في بيت الأستاذ محمود سيد شكر المعروف بـ (محمود القيسي)، وامتاز هذا المسرح بخاصية ؛ هي أن الممثلين فيه من أبناء المحلّة، والذين كانوا يُقدمون فواصل غنائية ومنولوجات بين فصول المسرحيات التي يُقدمونها والتي اشتهر في أدائها (نعيم غالب ، وعبد الوهاب محمد ناجي)، أما الممثلون الآخرون فكان من بينهم ( محمود سيد شكر ، و خلف السنيد ، وستار مبروك).
المسرح الرابع : كان مخصصا لأبناء المحلة ممن لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة وكانت تضم ( توفيق البصري، عبد الواحد طه ، محمود عبد الرزاق ، هاشم بدر ، عبد الجليل حسن ، عبد اللطيف حسن ، و عيد مبروك). قدموا تمثيليات ؛ (أبو جاسم لر) و ( أبو عتيق للبيع ) و علي مجود) وموضوعاتها كانت التعرض لمظاهر الحياة الشعبية بالنقد([7]) .
لقد امتاز عقد الثلاثينات من المسرح البصري، بقدوم الفرق المسرحية والتي كان على رأسها فرقة (فاطمة رشدي ) والتي قدمت العديد من العروض المسرحية وفي مختلف المسارح، والتي تبعتها بعد ذلك فرقة، يوسف وهبي، وقدمت أيضا العديد من الاعمال المسرحية، والتي تأثربها الشباب المسرحي في البصرة لما تقدمه من اعمال مسرحية، كما امتاز هذا العقد بما قدمته المدارس التابعة لتربية محافظة البصرة من اعمال مسرحية، حيث كان الدور الأكبر لمدرسة التهذيب الابتدائية، ثم مدرسة ثانوية البصرة للبنين، وكان لمدرسة الرجاء العالي وثانوية المركزية للبنات، مشاركات في هذا العقد ايضا،حيث تعادلت المراحل الثانوية والابتدائية في تقديم العروض أبتداءً من عام 1930 الى عام 1939، كما تميز هذا العقد بظهور مسارح (البيوتات)، واقصد المسارح التي أنشأت داخل بيوت بعض أعيان البصرة، واللذين الوا على انفسهم ومن باب الدعم للمسرح البصري ان يتقاسمون بيوتهم معهم، وان يشاركوهم في العروض المسرحية.
كما امتاز هذا العقد بالإخراج البسيط بعيد عن النظريات الاخراجية التي كان يعتمدها المخرجون في الدول العالمية او العربية، بل كانت الواقعية هي الميزة الوحيدة بتقديم العروض المسرحية، وكان الإخراج عبارة عن أداء الممثل للملاحظات الموجودة بالنص كما كتبها المؤلف، كما كان هذا العقد خالي من النقد ومتابعة العروض من قبل النقاد ، لأنه بالأساس لم يوجد نقد أصلا.
الإحـــالات:
*كرين كاردن: وهي عبارة عن جزء من حديقة غازي القديمة.
**سينما البصرة : كانت تقع في محلة السيف مقابل جامع البصرة الكبير حاليا.
[1] ) ينظر: حامد البازي: ((فاطمة رشدي في البصرة)) ، جريدة المرفأ ، (البصرة) ، العدد 56، 3/ حزيران/ 1978 .
***عزيز الكعبي : فنان بصري من مواليد 1926 ، عمل كثير من الأعمال المسرحية منها (صورة الماضي , اللاجيء الفلسطيني , الغلطة الكبرى , دفعت الثمن غالي …… وغيرها وهذه من تأليفه ايضا) وكان زميلا لتوفيق البصري.((اباحث ))
[2] ) عبد الله عبد القادر: ((لقاء مع الفنان عزيز الكعبي)) ، جريدة المرفأ ، البصرة ، العدد 36، 27/ آذار/ 1977، ص11.
[3]) انظر: بنيان صالح: ((رواد المسرح في البصرة))، مجلة المسرح ، نشرة فصلية يُصدرها المركز العراقي ، (البصرة )، العدد 1، كانون الثاني /1992، ص بلا.
[4]) انظر: حميد عبد المجيد مال الله ، المصدر السابق.
[5]) انظر: بنيان صالح ، المصدر السابق.
[6]) راجع عبد الفتاح عبد الأمير ، المصدر السابق
[7]) ياسين النصير ، بقعة ضوء ، بقعة ظل: مقالات في المسرح العراقي المعاصر ، (بغداد : دار الشؤون الثقافية ، 1989)