إبراهيم الحسيني : المسرح لعنة.. وهذه تفاصيل أعمالي الفائزة بالمهرجان القومي
بعد فوزه بجائزتي التأليف والنقد بمهرجان المسرح القومي..
حصل الكاتب والناقد المسرحي إبراهيم الحسيني على جائزة أفضل مؤلف مسرحي عن نص “ظل الحكايات”، وكذلك أفضل دراسة نقدية عن دراسة “المسرح داخل الكنائس المصرية”، وذلك في الدورة 13 من المهرجان القومي للمسرح المصري الذي انتهت فعالياته مؤخرًا.
صاحب “الغواية، حديقة الغرباء، أيام إخناتون، وشم العصافير، جنة الحشاشين ،حكاية سعيد الوزان ، مقام الشيخ الغريب”، للحديث عن أعماله الفائزة، ومشاريعه الأدبية القادمة.
وإلى نص الحوار…
بداية، ما هو شعورك عندما تم إبلاغك بالفوز بجائزتين في الدورة الثالثة عشرة للمهرجان القومي للمسرح المصري 2020 ؟
ـ الجائزة في حد ذاتها تعني عدة أشياء معا، بداية من الفرحة وتهاني الأصدقاء، إلى كونها اعتراف أدبي بأن لديك ما تستطيع تقديمه للناس عبر الفن الذي تقدم إسهامك فيه، وهو المسرح ، وهي في الأول والأخير رزق قدره الله لك، لكن الحكمة الدائمة التي أتبعها في موضوع الجوائز أنها إذا أتت فرحنا بها لبعض الوقت وإذا لم تأت لم نحزن عليها، بل سيكون هناك دافع أكبر لتطوير قدراتك .
وطوال 25 عامًا لم أكتب ولم أنشغل بكتابة فن آخر غير المسرح، أخلصت له جدا لدرجة أن الحياة كلها بالنسبة لي أعيد تعريفها من خلال المسرح، فأنا أرى نفسي من خلاله، ويتم تعريفي من خلاله، وهناك عمل دائم من أجل قطع مراحل في تطوير الذات.
وتبقى جائزة المهرجان القومي للمسرح المصري لها تفردها الخاص كونها آتيه من الدولة المصرية ومن خلال أكبر مهرجان مسرحي داخلها.
وما تفاصيل النص المسرحي الفائز “ظل الحكايات”؟
ـ جائزة التأليف كانت عن نص مسرحي بعنوان “ظل الحكايات” وهو نص كتبته منذ ثلاثة أعوام واختاره المخرج الفنان عادل بركات لتنفيذه في مسرح الغد التابع للبيت الفني للمسرح، وخرج العرض للنور وظل يقدم برعاية المخرج سامح مجاهد مدير فرقة الغد لمدة موسمين كاملين .
و “ظل الحكايات”، مسرحية مكتوبة بالفصحي ، ولا تحكي حواديت للتسلية، ولا تتبع الشكل الدرامي التقليدي الذي تتصاعد فيه الأحداث للأمام، وإنما يتم فيها محاولة كشف الوجه الآخر للإنسان من عبر أحلامه وكوابيسه، إنه رحلة حياة إنسانية نتعرف عليها من خلال كابوس أحدهم والذي لا يستطيع الاستيقاظ منه، الأشياء والأحداث كلها تعرض علينا كوحدات درامية بتقنية تتابع الصور داخل الحلم، من حيث التقديم والتأخير، الإيجاز، التكرار، وكذا محاولات من يحلم للخروج من الكابوس، فالعرض إجمالا رؤية للحياة ومحاولة للتعرف عليها وفهمها من خلال وقوع أحدهم داخل كابوس لا يستطيع الخروج منه .
والجائزة الثانية كانت في الدراسات النقدية، ماهو موضوعها؟
ـ حصلت علي جائزة أفضل دراسة نقدية عن دراسة “المسرح الكنسي في مصر” وهي دراسه تكشف خطاب المسرح الكنسي وتوجهاته داخل الكنيسة، وقد ظللت لأكثر من عام وأنا أجهز لها واستغرق الأمر مني الذهاب للكنائس أكثر من مرات عديدة لمشاهدة العروض المسرحية التي تقدم بها، بالإضافة إلي جهود بعض الأصدقاء من مخرجي ومؤلفي المسرح الكنسي الذين أمدوني بسيديهات عروضهم ونصوصهم المسرحية الكنسية، وطوال مدة بحثي لم أجد دراسات حقيقية عن المسرح الكنسي قدمت من قبل، فقط توجد بعض المقالات الخفيفة والتي تستند على الإنطباعات أكثر من الحقائق الموثقة، لذا آليت علي نفسي بذل الكثير من الجهد والمقابلات الشخصية حتي أصل للحقيقة، وبعد توافر العديد من المعلومات وقراءة ما يزيد عن ثلاثين نصا مسرحيا كنسيا، ومثلهم من العروض المسرحية التي قدمت ضمن خدمة المسرح داخل الكنيسة خرجت بدراسة قوامها 70 ورقة يمكن لها أن تكون نواة للمزيد من الدراسات حول هذا النوع المسرحي الجاد وحول قضاياه الإشكالية .
هل هناك نتائج لها خصوصيتها ودهشتها الخاصة خرجت بها من الدراسة حول المسرح الكنسي في مصر ؟
ـ في الحقيقة نعم، المسرح الكنسي يقدم كل عام عشرات ومن الممكن مئات العروض المسرحية لكننا خارج الكنيسة كنقاد ومؤلفين وممارسين للنوع المسرحي لا نسمع عنها وكانت تشكل لنا لغزا كبيرا، اليوم اتضحت بعض المعلومات يمكن البناء عليها للتعرف أكثر علي طبيعة الأمور والقضايا التي يشتمل عليها المسرح الكنسي، فالمسرح داخل الكنيسة يقدم لشعب الكنيسة، ويقدم كخدمة تعليمية وتنويرية الهدف منها التقرب لله بالعمل الصالح، وتشمل خدمة المسرح تقديم عروض دينية تستلهم سير القديسين والشهداء، وعروض أخري دنيوية لكن تتجه في بعض أفكارها، وفي بعض منها لأفكار الخلاص والتنوير والتعاليم الدينية، إنه عالم شائك وجميل وممتع.
وربما فوز الدراسة عن المسرح الكنسي ليست تقديرا لي وحدي أو شهادة لي وحدي بل أن هذا الفوز هو تقدير أيضا لحركة المسرح الكنسي التي تتم في صمت كخلية نحل طوال العام لتنتج مئات العروض المسرحية في كل كنائس مصر.
في ظل هذه الظروف وانتشار وباء الكورونا كيف تري حال المسرح المصري وكيف تري مسرحك أنت بشكل خاص وهل تأثر بالكورونا ؟
ـ كلنا تأثرنا وتأثرت أعمالنا بالكورونا، ومنا من استلهم هذا الوضع بكتابته داخل عمل مسرحي له، ومنا من لم يهتم، وبالنسبة لي فهذا الوباء القاتل مزعج ومقلق ومعطل في آن واحد، فحالة الإرتباك النفسي والخوف الذي يحاوطك من كل جانب ويجعلك في حالة تشكك دائم في كل من حولك، لابد وأن هذا الشعور قاتل أيضا ومعطل عن الإنجاز، فلمن تكتب اليوم، وما مصير ما ستكتبه إذا كان الأفق ضبابيا، فالأنشطة تتوقف، والحجر في المنازل طال الجميع، ومزاج الكتابة معتل، وعداد المرضي والموتي كل يوم كفيل بإثارة توتر دائم.
وحال المسرح المصري في ظل هذه الظروف غير جيد فهو يعاني معاناة شديدة ، وستستمر معاناته لفترة ، وفكرة التوقف التام عن الأنشطة مرعبة جدًا.
هل استطعت الكتابة وتقديم نصوص مسرحية جديدة في ظل هذه الظروف التي حكيت عنها ؟
ـ في العام الماضي 2020 برغم احباطاته الكثيرة إلا أنني استطعت كتابة بعض المسرحيات القصيرة، والتي دفعت بها للنشر، وصدرت بالفعل عن دار نشر عماد قطري ومؤسسة يسطرون للنشر والتوزيع، وضمت مجموعة المسرحيات الصادرة في كتاب “قضية إسكات الببغاوات” مسرحيات: قضية إسكات الببغاوات، تجربة العدالة الفاسدة، حكايات الشتاء، مونودراما الرجل والكلب، لكنني لم أتطرق لمعالجة موضوع كوفيد 19 في أي تجربة مسرحية، لكن الأحداث المتتالية منحتني فكرة للكتابة عن موضوع الهجرة غير الشرعية، وهو موضوع حدوثه يمثل غرابة بالنسبة لي ، ففي ظل موجة الكورونا في شهور أبريل، مايو، يونيو، يوليو،… رأيت علي شريط الأخبار خبرا غريبا عن غرق حوالي 30 مهاجر غير شرعي داخل مركب مطاطي متجهة إلي إيطاليا، وإيطاليا كانت في تلك الفترة تعاني أشد المعاناة من الفيروس القاتل ويموت بها العشرات كل يوم، فمن هؤلاء الناس الذين يتركون بلادهم ليذهبوا لمقابلة هذا الفيروس القاتل في أوروبا.
هذا التفكير قادني لكتابة نص مسرحية ” تغريبة آدم الليلكي”، ذلك النص الذي فاز بجائزة المجلس الأعلي للثقافة 2020، والنص إجمالا لا يتحدث عن فيروس كورونا وتبعاته لكن تم استلهامه من مجموعة الأحداث التي تمت أثناء تزايد انتشار هذا الفيروس في العالم كله.
عن ماذا تبحث داخل مسرحياتك التي تكتبها، وهل هناك أفكار معينه تتكرر في كتاباتك..؟
ـ في معظم مسرحياتي لا أحكي حواديت كوميدية مسلية تهدف لإنتزاع الضحكات ولا تحظي بامتداد خطي تقليدي للأحداث، لكنها تبحث عن الإنسان وتضعه في بؤرة الضوء منها وتحاول عرض أسئلة من مثل: كيف يكون هذا الإنسان حرا، سعيدا ، متفكرا، فقضية الإنسان وتحرره من ميراث الأفكار المتراكمة والمقيدة لحركته وبحثه عن عدالة ما مفتقدة ، وكذلك الإحتجاج علي الثبات والموت ، كلها أفكار أبحث عنها ، وقد يتردد صداها أكثر من مرة هنا في هذا النص أو هناك في نص آخر.
وإذا كان لكل كاتب هدف من أعماله ما هو هدف الكتابة لديك؟
ـ هدفي كهدف الكثير من الكتاب الذين يبحثون عن بث وعي مضاف في أعمالهم الأدبية يوجهونه لقراءهم، وعي مغاير للسائد والمكرر حينما يتعلق الأمر بالمضامين، وجمالية شكلية إذا كان الأمر يتعلق بشكل كتابة النص، إذ يجب على كاتب أن يعمل علي بلورة بصمته الخاصة في الكتابة بحيث تستفيد من كل ما حولها من المعارف لكنها في نهاية الأمر تبقي وهي لا تشبه إلا نفسها.
معظم كتاب المسرح اتجهوا للكتابة التليفزيونية .. لماذا لم تفعل ذلك ؟
ـ لا أعرف علي وجه التحديد لماذا لم أفعل ذلك ، فأنا لم أسعي في اتجاه الكتابة الدرامية للتليفزيون وإن كنت أفكر فيها وتشكل هاجسا قويا لدي ، لكنني كلما فكرت بها وقررت ترك المسرح أجد في ذهني تبذغ فكرة ما تحتاج لمعالجتها داخل نص مسرحي ، لذا أترك كل شيء وأتفرغ لكتابتها ، وهكذا تستمر المحاولات بالتفكير للتحول لكتابة الدراما التليفزيونية وتستمر معها المحاولات المضادة مني لأسري داخل كتابة النصوص المسرحية ، وطوال الوقت أقع داخل تلك المنطقة الرمادية لرغبة الخروج من أسر كتابة المسرح ، والرغبة المضادة بالخوف من ذلك الأمر ، ربما هي لعنة المسرح وقدرته الخيالية علي الإستحواذ علي عقولنا وتسييرنا في مسارات محددة، فالمسرح طاقة تنويرية متوهجة، يحمل في داخله الوعي أينما وجد ويفجره في حضور الناس.
ولمن تهدي فوزك بالجوائز المسرحية الكثيرة التي حصدتها داخل مصر وخارجها ؟
ـ لكل كتاب المسرح القابضين علي الجمر في كل أنحاء ومحافظات مصر، فمعظمهم لديه ما يمكن أن يقدمه وما يمكن له أن يؤهله للفوز، ودوما نجد أن أكبر المسابقات العربية لكتابة المسرح أكثر المشتركين فيها من كتاب المسرح المصري.
ولكن يبقى الإهداء الدائم لزوجتي الإعلامية نشوي عثمان، فهي دوما المنتقدة الأولي لكتاباتي، وتقييمها دائما ما يوضع في الإعتبار.
وما هي مشاريعك الكتابية القادمة التي تطمح لتنفيذها في عام 2021؟
ـ لدي مجموعة من الأفكار أحاول العمل عليها، بعضها بدأت فيه بالفعل ولم أكمله، والبعض الآخر مازال مجرد فكرة من جمل صغيرة، وليس لدي خطة زمنية محددة لإنجاز عمل معين، أنا أبدأ بالبحث والكتابة وأستمر حتي ينتهي العمل الذي أكتبه أيا كان المدة التي يستغرقها حتي أرى أنني راض عنه، أفكر أيضا في عدة مشاريع أخري تتعلق بالنشر وبإصدار مجلة ثقافية نعمل عليها الآن منذ عدة شهور.
عن: “مصر العربية”