الجنس بين المقدس والمدنس في رواية (لو لم اعشقها) / م. م. زينب نوري هاشم لعيوس.

يمثل السيد حافظ مرحلة مغايره  في الكتابة فمنذ  بداية  سبعينيات  القرن الماضي وهو يسعي للتفرد  بكل قوته  في شتي  كتاباته  سواء للمسرح  أو الرواية  أو الشعر  أو القصة، فهو يكتب من زاوية  مغايره  بعقل مراوغ  دوما يشاكس  الداخل  والخارج  بمستوي  عميق  بل بمستويات  عده ، ما بين الكائن  والممكن  ما بين الحلم  وتشخيص  الحلم، سارت  كلماته  تتوالي وتتوالد  منها جملا خاصة وافكار وهي تعد ماركة مسجله  باسمه.
اذا يمثل العنوان لدى السيد حافظ مدينة أخرى بكامل جلالها  وسط الغرابة والغموض فهو لديه  القدرة علي  استنبات  العنوان من عمق  العمل  ومن أبعد الافاق  المتوقعة  والغير متوقعة، كما في رواية (لو لم اعشقها) فالعنوان مستنبت من عمق الرواية والتي تدور إحداثها حول الجنس والحب والعلاقات الغير شرعية بين الرجل والمرأة.
وتعتبر لعبة الجنس لديه لعبة مختلفة فلا هو بالعادي المألوف ولا هو بالفج البارز، إنما يمثل الجنس النابع من القلب إلى العقل ثم تأتي مرحلة الجسد في الدرجة الثالثة، فهو يتلمس الغير مألوف من المألوف ويستنطق الغير عادي من العادي عن طريق فكره التجريبي القديم المتجدد دوماً.
 
إذا يمثل الفعل الجنسي وموضوعة الحب المحور الاثير للرواية و يثير من خلال الشخصيات ما هو مسكوت عنه في العلاقة الشائكة والمعقدة ما بين الرجل والمرأة، اذا تتجلى طبيعة تلك العلاقة من خلال نمطين رئيسين هما :
1-علاقة حب+جنس في إطار العلاقة المشروعة (الزواج).. المتمثلة في علاقة فتحي وتهاني كما جاء في الرواية إذا دار الحوار بين فتحي رضوان وزوجته تهاني وهو يبين لها حبه لها ومده تعلقه بها بالمقابل مده شغفه بحب النساء الأخريات..
“فتحي :انا احبك يا تهاني ولكن قلبي يفيض حباً يكفي نساء كثراً، ولكني حتى الان لم أفهم سر الخيانة في العشق وأؤكد على أن عشقك فوق الطبيعية بلا نزاع”
2-علاقة حب +جنس في إطار علاقة غير مشروعة وتتدخل في قالب الخيانة وتتجسد في علاقة فتحي وسهر، فتحي وحياة، مارينا وكاظم.
فمثلاً علاقة فتحي رضوان بحياة، اذ دار الحوار بينهما على نحو الاتي
“حياة:انت متزوج تعشق امرأة متزوجة وتغازل امرأة أخرى ثالثة.
فتحي رضوان :من هي الثالثة.
حياة:انا ”
اما في مونولوج سهر مثلاً تعرض ما وصلت اليه  من العلاقات غير المشروعة فتقول:”ماذا جرى يا بنت سالم؟ هل جننتِ؟ ماذا ترغبين ام تكوني مثل الأجانب؟ ان تريدي كل رجال العالم تحت قدميك وليس في الجبل والإمارات بل في كل بلاد العالم…. الحرام يهزمنا ويجرنا الى وتد غير ذي زرع او الجسد الذي يسيطر برغباته على الروح”
وحوار كاظم مع ليزا :
“كاظم :الخمر محرم.
ليزا: أعلم أن الخمر حرام عند المسلمين.
كاظم :نعم.
ليزا: كيف تعمل علاقة معي ولا تخاف الله وتخاف الله من كأس خمر؟.
كاظم : يا ليزا نحن نعيش ازدواجية وأحياناً ثلاثة اقنعة، لا تحاسبني يكفي ان الله سيحاسبني ولا اعرف ماذا سأقول له يوم الحساب.
ليزا :قل له انك تحب ليزا وتركت العالم من أجلها.
كاظم :نعم سأقول. ”
اذ ان الحوار يبين ان كاظم يرفض شرب الخمر لأنه محرم ومدنس من قبل المعتقدات والأوامر الدينية، بينما  يمارس الجنس والذي يعتبر محرم أيضا في معتقد الدين،اذن المقدس والمدنس كتحريم الإباحية والجنس نسبي إلى الجمهور والى زمانه فالقالب السوي للممارسة بين فرد من جنس واخر يكون مقبولاً عند البعض ومحظوراً عند الآخرين، اذ يتبلور الهدف الأساسي والغاية من جدلية المقدس والمدنس على وفق المنظور الاجتماعي ومستوى الافراد والجماعة سواء كان ذلك المقدس دينياً ام اجتماعياً او اي رمز من الرموز التي تتجلى في منظومة المقدس والمدنس.
ويتضح أيضاً من خلال الحوارات السابقة أن الجنس نشاط محرم تحيطه الشبهات من كل جانب، ويمثل عنصر مهم من عناصر المؤثرة في الحياة الإنسانية والتي تندرج في دائرة التحريم (التابو) الثلاثي لجدلية المقدس والمدنس الدين والسلطة والجنس، اذ يعد من غير الممكن الحديث عن إباحة العلاقات بين الرجل والمرأة ولا يجب الحديث عن التحريم، فالحظر في الأمور الجنسية هو فرض ورقابة اجتماعية تدرج ضمن المدنس لكن السيد حافظ في طرحه يسعى إلى خوض في اعماق تلك العلاقة ويجعل بطلاته (حياة، سهر، ليزا) يمارسن حريتهن المطلقة وفق متطلباتهن الجسدية والفكرية، وإذا كانت حرية غير مشروعة، وهي تبحث عن اللذة كمنظومة مادية بعيداً عن مفهوم الديني فأصبحت اللذة لديها مفهومها مقدساً واي تفكير ينتزع تلك القداسة من مادته يعد تفكيراً ظلامياً وخارجا عن روح العصر.
ويظهر ذلك في حوار حياة مع فتحي
“حياة: هذا الزمن النساء لا تكتفي برجل واحد ولا الرجال يكتف بامرأة واحدة.
فتحي :هذا فوضى مشاعر وقيم.
حياة :سمها ما شئت يا فتحي رضوان لكنه الواقع رجل للحب ورجل للزواج ورجل للصداقة البريئة ورجل للجنس.
حياة :هل العشق سوء ؟.
فتحي :نعم العشق سوء.
حياة: لكننا نسعى به لأن العشق اختراق الروح ورغبة الجسد والجسد حرام…. ”
ويلاحظ من خلال العرض ان النص يمارس حريته التي فقدها في المجتمع، ومواجهة ما هو مسكوت عنه في مجتمعنا وكسر التابو المفروض عليها والتحرر من حيائها وخوفها، فتندس بعض ما قدس في نظر المجتمع والسلطة الذكورية المجتمعية بالمقابل المحافظة على بعض المقدسات التي اعلت من شأنها وحافظت عليها كحرمة الخمر وغيرها من الأمور التي تم طرحها مقدم ضمنيا في خطاب الجنس،ويعتبر الجنس وكما قال فرويد هو نقطة ضعف البشر وبأنه المحرك الأساسي للكون.
“فتحي :هل اللقاء مع حياة خطيئة؟ كيف سقطت ضعيفاً أمام شهوتي؟ هل المرأة الجميلة شهوة؟ وهل الشهوة جريمة؟ وهل الجنس جريمة؟ وهل الزنا جريمة؟ كل من حولي علامات استفهام ما معنى الخطيئة؟ وما هي الجريمة؟…”
وكذلك يطرح السيد حافظ مسائلاته  التأريخية  في شأن امكان  صياغة  خطاب المرأة  المنتج  في مجتمع والذي يعبر عنه عن طريق شبكة معقدة من العلاقات، ينتج فيها الكلام كخطاب  ينطوي  علي الهيمنة والأخطار معاً وبالتالي فهو إنتاج مراقب  ومنتقي  ومعاد توزيعه  عبر نماذج مكرره  من الحياة وما يوازيها  من الرواية بمكر وتمكن ومرونة، خاصة عندما يلتقط المؤلف المرأة كخيط  ينسج  عبره النسيج  الكامل لإطاره  الدرامي وما بين الحدوث  المحتمل  والاخفاء  والمادية  الثقيلة  المرعبة.
اذ تدور الحكاية  الأم (الحب والجنس) وخلفها  سيل من الحكايات الفرعية (السلطة والسياسية والوطن ووضع المثقف في الوطن العربي…)، عبر شرعية مفقودة  وغير شرعية مقصودة، وذلك عبر تلاقي  الاضداد واقتحام  المرأة  كفعل  حضاري، وتمثل النساء  وسط القهر والتهميش وتهكم  من خطاب المرأة  الجسدي عندما يتم تصديره  لمواجهه  السلطة الذكورية.
لكن مع السيد حافظ نحن أمام قوة الصمت ذاته صمت ابلغ  من كل كلام ولفرط  تعلق المؤلف بقضايا  المرأة أكثر من عمل لديه عنوانه  باسم المرأة، فالمؤلف  لديه ولع  باقتحام  العوالم  الخفية للمرأة عبر خلخله  المألوف  وغير المألوف  في بساطة  ويسر عبر موضوعاته التي تحاكي وتعالج مشاكل المرأة في العصر الحديث، كتدنيس جسدها ذاك الجسد أمانة الله لدى الإنسان وجعله مصدر اثارة وأيقونة لجذب الإعلانات والحصول على الشهرة والمنصب وتحول العلاقة الجنسية المقدسة التي هي مصدر استمرار البشرية الى فعل فوضوي عاري مجرد من المشاعر والحب والمودة.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت