وطني جارتين/ تمارا الزبيدي

الفانتازيا : وهي عبارة عن كتابات ادبية تتحرر من قيود المنطق وتعتمد على الخيال بشكل واضح ، محاولا الكاتب بأن تكوناحداث رواياته وقصصه في عالم متخيل مختلف تماما عن العالم الواقعي، عالم يخضع لقوانين لم يتم الكشف عنها بعد ، وتكون احيانا متناقضه عن الواقع . هكذا بدت رواية ( ارض جارتين) للمؤلف عمرو عبد الحميد ، منذ البدأ بقارئتها نلاحظ وجود قوانين صارمة لهذه البلده . ( ماذا لو وجدت نفسك بارض اقصى ما يمكنك بلوغه بها هو الخمسون عاما ) هذه كانت القاعده الاولى لهذه الرواية فحين يعبر الانسان عمره الاربعين سيلاحظ بانه لم يبقى له سوى القليل ولم يحقق الكثير مما يطمح اليه ، قد يكون الكاتب بهذه القاعده محاولا ايصال فكرة معينه ترتكز في كيف للانسان ان يستغل كل لحظه في حياته لترك اثرا عظيما وراء موته وفي الوقت ذاته نلاحظ القسوة في هكذا حياة بان يتخلى الوالدين عن اطفالهم رغما عنهم . فهذه القاعده الاولى لهذه البلده. اما القاعده الثانية وهي اعدام النسليين وهم ( الابناء الغير شرعيين )  بمجرد قيامهم بجريمة واحده والاعتداء على القانون، ما نلاحظه في هذه القاعده هو اجحاف حقهم في المجتمع باعتبارهم اولاد غير شرعيين مع كونهم ليس هم من اختاروا هذا الشيء اضافة الى انهم اولاد احد شرفاء المدينه لكن بالتاكيد لا يعترف به !!!  ورغم انهم حاولوا تغير واقعهم والعمل على تطوير انفسهم ليتمكنوا من العيش مساواة مع اولاد الاشراف محاوليين خلق ثورة سياسية ضد هذا القانون محاولين قهر الجهل الذي كان يخضع له افراد جارتين النسليين لكن كانت قوانين البلده فوق كل شيء . اما القاعده الثالثه فكانت بعدم السماح لزواج نسلي من اشراف المدينه واعتبارها حق غير مشروع وغير قانوني ويعاقب على من يفعل ذالك بالتبرئ منه وطرده خارج البلده . اما القاعده الاخيره فهي امكانية استنساخ الارواح وتنقلها بين السكان وهذا الموضوع قد ياخذ بعدت دينيا في الروايه .
ملخص الرواية :
تدور أحداث الرواية في دولة خيالية اسمها جارتين، ويقول الكاتب أن أصل هذه التسمية جاءت من بلدين متجاورين يفصلهما النهر الجاف. وبعد هيجان بحر أكما الذي يحيط بالبلدين اختفت معالم الحياة وظهرت هذه الدولة بعد ذلك بسنوات من انحسار الماء، ومن ثم تم حفر آبار مياه جوفية، لتحول محل النهر الجاف كما يروي الكاتب في هذه الأحداث الخيالية.
ويشير الكاتب أن الأحداث تدور بعد أن توحد البلدين وأطلق عليهما اسم الجَارتَين من ثم يحرف هذا الإسم مع الزمن ليصبح جارتْين.
وفي الرواية ينقسم شعب جارتين هذه لطبقتين وهما: النسالى والشرفاء، وفي هذه الدولة قواعد صارمة قد تصل إلى حد الإعدام لكل من تسول له نفسه الاعتداء على القانون الملزم هناك.
وقد تم استصدار هذه القوانين وتلك القواعد الصارمة الغريبة من قبل السكان الأصليين للدولة بسبب الظلم والفساد الذي كان شائعا آنذاك.
عمل الجيل الجديد على بناء سور عظيم حول المدينة وقاموا بسن قوانين من أهمها أنه لا يعيش في جارتين من تجاوز عمره الخمسين سنة، ولا يجوز أن يتزوج النسليون من الشرفاء، ويقصد بالنسلليين هم الأولاد غير الشرعيين، وهناك إمكانية استنساخ الأرواح و تنقلها بين السكان.
ليس للرواية بطل واحد معين فمن جهة يعيش القارئ قصة حب داخل أراضي جارتين بين شخصية غفران الشريفة و شخصية نديم النسلي، و هل يستطيعون تغيير القواعد و رفع الظلم الحاصل بجارتين اتجاه النسالا أم لا، ومن جهة أخرى يعيش الطبيب فاضل مغامرة دخوله إلى مدينة جارتين وانقاذ حياة جنين من ابناء النسالى بعد ان حصد روح البطل نديم في يوم الغفران الذي يتم فيه اعدام شخص ليحصد روحه جنين لم يولد بعد
رغم ماشعرت به من استغلال للانسان بهذه الروايه وانتصار الظلم على الحب من خلال قتل غفران لحبيبها لانه نسلي لكن الكاتب حاول ايصال فكره بان لا احد يستمر طويلا سواء كان شريفا ام غير شريف المهم ما سوف يحققه بهذه السنوات التي يعيشها موضحا بان البطل قتل وبقيت ذكراه على لسان جميع اهل المدينه وهناك من الاشراف من هم اقل مستوى فكري واخلاقي فهذه هي حياة الانسان يجب ان يترك اثرا جميلا وراءه . انتهت الرواية بجزئها الاول بمحاولة غفران مساعدة النسليين للقضاء على انجاب ابناء غير شرعيين لكي يصبح النسلي شريفا يستطيع ان يعيش في البلده ويطالب بحقوقه بدلا من الذل الذي سيطر عليهم لسنوات طويله لكنها كانت قد تعرضت لضربة قاضية فقد تهدم كل ما حاولت بناءه من جديد وبقي لديها امل وحيد وهو جنين ( سبيل ) الذي بدأ به الجزء الثاني ، باعتباره حصد روحا من الاشراف من خارج الباحه وهذا كان سيغير من مصير النسالى ولا حاجة لهم بساحة جويدا من اجل حصاد ارواح النسالى . لكن في الوقت ذاته بدأ الاشراف منع كل شيء عن النسالى وبدؤوا بمعاقبتهم على اشياء هم يفعلوها في سبيل ان يعاقبوهم وعادت تمتلأ الحانات من جديد بالنساء وتضاعفت اعداد النساء النسالى المتجهه الى بيوت الرذيله التي يقتاد اليها الاشراف وعاد الشبان الى قطع الطرق والسرقة
انهار كل شيء فجأه وعاد الوادي الى ما كان عليه سابقا لكن غفران لم تستسلم لذلك وواصلت باعطاء الدروس الى القليل من الطلاب لعل النساء تعود الى رشدها مرة اخرى . وكان على رأس اهتماماتها ولادة سبيل للطفل الذي سيغير واقعهم . حتى جاء اليوم الذي تلد فيه طفلها و وفقا لقوانين جارتين يحق للام وابنها العيش في البلدة مع توفير المسكن والطعام لهم ان كان طفلها من الاشراف.  ولكن بعد مرور عام اخلفوا بوعدهم وتركوها بدون مساعده مما اضطرها الى البحث عن عمل ولكن لا احد من الاشراف يوافق على تشغيلها باعتبراها نسليه ولا يحق لها الذاهاب الى الوادي وفقا للقوانين . وبالرغم من كل الصعاب التي تعرضت لها وتعرضوا لها سكان الوادي لكن غفران لم تستسلم لهم . ومع اصرارها حاول الاشراف انهاء النسالى وابادتهم من خلال قذائف مدفعيه صنعت من اجل هذا الشيء ، لكنهم لم يكونوا يعلمون بوجود نوع اخر من النسالى كما ذكر في الرواية وهم نسالى من ارواح مفترسه بحيث قامت ثمانية من الامهات بحصد ارواحهم من النمور ، ما ان تثور ستقتل كل من سيقابلها . حتى جاءت اللحظه التي ثار بيها النسالى المفترسون على الاشراف وتعالت صرخاتهم باصوات زائرة رهيبة ، وانياب بارزة ، وسقط الكثير من الاشراف والجنود وبدأت دقات طبول الشامو تختلط باصوات الزائرين ، وبعد مرور لحظات من هذه المعركة كان عشرات الالاف من النسالى يقفون في صفوف كثيرة رجالا ونساءا واطفالا تتقدمهم النسالى ذو العضلات الضخمه وينظرون جميعا في ترقب نحو منصة خشبية مرتفعه بدت انها صنعت خصيصا من اجل ذلك اليوم . قبل ان تصعد غفران سلمها الخلفي بفستان منزوع الكتف الايسر وتتحرك بخطى ثابته الى منتصفها لتقف امامهم وتنظر نحوهم لثوان في صمت . قبل ان ترفع ذراعها الايسر بقبضة قوية مغلقة يلمع وشم كتفها مع اشعة الشمس ويتعالى زئير امامها ليصل اعنان السماء . هكذا ختم الكاتب روايته دقات الشامو التي اشارت الى العديد من الرموز التي قد يكون الكاتب تشفيرها بصورة او باخرى ، فمنذ بدأ خلق هذا الكون وهو يقوم على قانون للحياة يتمركز في قطبين احدهما ظالم والاخر مظلوم فالنسالى فقد شغلوا الجانب المظلوم في جارتين ، جانب مظلوم ضعيف يتعايش بقوة مع هذا القانون . لانهم لو تركوا ليرحلوا لن يبقى سوى الاشراف وهذا بدوره سيجعلهم ينقسمون الى ظالم ومظلوم وبذلك هم يمتلكان القوى نفسها تقريبا سيأكلون بعضهم بعضا الى ان ينهار هذا البلد لذلك بقاء النسالى هاما لبقاء واستمرار جارتين .
لقد ناقشت الرواية القوانين الظالمة في جارتين التي كانت تقوم على العنصرية والاضطهاد وانحسار القوانين بأيدي من وضعها لصالح اعمالهم وخدمتهم وهذا قد نلاحظة في العالم الحقيقي . فبالرغم من كونها رواية خيالية لكنها تعكس واقعنا بصورة واضحة فالنسليين وصراعاتهم مع الاشراف للحصول على حقوقهم كبشر ما كان الا تمثيلا للحياة الطبقية التي يعانى منها المجتمع في الوقت المعاصر . فنلاحظ الغني يفرض سيطرته على الفقير وهذا ايضا بالنسبة للقوانين الجارتينية فاذا امعنا النظر في قوانين الكثير من البلدان سنجد هناك قوانين تطبق فقط على الفقراء . كما ذكر في الرواية الثانية بأن الاشراف بامكانهم ابادة النسالى بضربة واحدة لكنهم لم يفعلوا ذلك لانهم يحتاجون اليهم في اعمالهم وفي تطبيق قوانينهم القاسية وعقدهم النفسية بهؤلاء الاشخاص . وهذا ايضا نلاحظه بصورة ملحوظة في بعض الدول وحكامهم بحيث بامكانهم التخلص منهم وبسهولة لكنهم يتركونهم لانهم لن يجدوا من يقوم باعمالهم وتستمر حكوماتهم على حساب الفقراء . اضافة الى ذلك في نهاية الجزء الثاني اتضح ان هؤلاء المهمشون قد يثورون بلحظة وينقلب كل شيء . لكن في حقيقة الامر وفي واقعنا كلما اراد الشعب ان يخرج حتى يتم اسكاته وشراءه باقل سعر وهو بدوره يصمت لكي تستمر حياته وحياة من معه . فبذلك اراد الكاتب ايصال فكرة وصورة عن هذا الصراع الطبقي ولكن بصورة غير مباشرة موضحا همجية بعض الطبقات الحاكمة واننا ان لم نثور ونزأر سببقى الحال كما هو عليه حتى نذهب واحدا تلو الاخر الى باحة جويدا لكي تؤخذ ارواحنا ويستمر الاسياد بمناصبهم .
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت