نص مسرحي: " الجدار" / تأيف:  قيصر الوائلي

الشخصيات
ـ وطن
ـ مسافر
ـ رجلا العربة
ـ بديل وطن
ـ بديل مسافر
 
بيئة العرض المسرحي
( أماكن قد تتغذى على المجاهيل والجدل ، منها ما تكون عالماً ينتمي الى اللاوجود أو اللا انتظار في زحمة الانتظار … هناك الجدار الغريب في عمق المسرح – يتوسطه سلمُ العبور .. يحتوي الجدار على عباراتٍ شائكة تترجم بعض الحياة أو معظمها عند آخرين ، مكتوبة بشكل عشوائي ، منها : الحرب حين تجوع – تحبلُ الأمهاتُ من جديد / رسائل الحبيبات في جيوب الخنادق / الجدار الذي يعرف أسماءنا جميعاً وحبله السري الذي لفَّ رقابنا / اطمئن لن تكون وحيداً – والبحر في وجهك الناعس لن يكونَ رمادا / كان موعدنا عند الرصيف الأخير / قالوا من هنا مرّت بروية الغزال ونكهة الجمار / نحنُ في زمنٍ قد ادعى الخلاص ثوبه / صوت الناي يقترب مثلها / شارع الأماني مزدحم بالحمقى / وشموا الأعمار خرابا / مجهول مثل قطار حجري يعمل بفحم المنكسرين .
على جانبٍ آخر من المسرح يوجد كوخ من القصب والطين يتسعُ إلى  شخصين ، بابه الأمامي يقابل الجمهور ويحتوي على ثقوبٍ صغيرة لرؤية ما في الخارج ، وعلى جانبه وعاء فيه كمية من الطين ، في الجانب الآخر حبل معلق لمسافة مترين أو أكثر ، أنقاض هنا وهناك لاستخدامات حياتية بشرية .
يظهر وطن وهو يأخذ من وعاء الطين ويطلي به أحد جدران الكوخ .. ترافقه موسيقى ، يُراقص إحدى القصبات … تأخذه الرقصة إلى مواجهة الجدار فيرتعب نوعا ما ، يدنو بحذر ٍ ويقف أمام السلم محاولاً صعوده لكنه لا يستطيع )
وطن: (محبطاً) متى تسمحُ لي بالصعود .. لا أريد أن أرتقي عنوة ً .. وأعرف أنكَ لا تقبل بهذا الأمر (بصيغة السؤال مشيراً إلى الكوخ) هل تريد مني أن أُكمل وطني الصغير هذا (يمرر يده على الجدار) أعرفُ أنَّكَ لا تتكلم .. ما السرُّ فيكَ وأنتَ تكتبُ حيواتنا وتترجمها (يقفُ عند أحد العبارات ويقرأها بألم) اطمئن لن تكونَ وحيداً والبحر في وجهكَ الناعس لن يكون رمادا … كيفَ يحدثُ هذا وأنتَ تتركني وحيداً في هذا المكان الأعزل؟ ( يُقلبُ بالأنقاض ) رعناءٌ هذه الوحدة .. تسلخُ عني نكهة الصباح والمساء .. لا زمن هنا، لا رفيق إلا هذا الجدار.. لكني يجب أن أستمر، يجب أن أمضي دون كسلٍ أو إحباط  .
( يعودُ وطن لوضع الطين على جدار الكوخ .. يظهرُ مسافر من فوق الجدار يهبطُ السلم حاملاً حقيبة  ولوحة غير مكتملة .. ينبهر بالمكان ويدنو من وطن )
مسافر: ( مترددا ) مرحباً
وطن : ( ملتفتاً إليه بدهشةٍ وفرح ) أهلاً .. أهلا بك أيها الصديق المنتظر
مسافر : شكرا .. أنا مسافر
وطن : الى أين تسافر ؟!
مسافر: (ضاحكاً) : كلا .. تعبتُ من السفر والترحال .. أنا أسمي مسافر .. ولا أعرف تحديداً كيف وصلتُ إلى هنا .. ويبدو أنها رحلة أخرى … ( يضحك )
وطن: (بفرح غامر) وأنا أسمي وطن … وهذا وطني الصغير .. ( مشيراً إلى الكوخ )
مسافر : ما هذا المكان ؟
وطن: (حائراً يتمشى صوب الجمهور) انه… ؟! (يعود إليه مسرعاً) دعكَ من هذا وتعال نرتب حقيبتك
( يذهبان للحبل الممدود ويخرجان من الحقيبة بعض الأغراض – كتب ، أوراق ، بذلة ، أربطة ، ألوان وفرشاة – يعلقان بعضها ويثبتان اللوحة )
وطن : أرى أنَّكَ تحملُ لوحة ً وألواناً ولديكَ الكتب والأوراق .. هل أنت رسام .. ؟!
مسافر: ( مبتسماً ) نعم أنا فنانٌ تشكيلي
وطن : يا للروعة
مسافر : منذ متى وأنتَ هنا ؟
وطن : لا أدري تحديداً متى وطأت قدمي هذا المكان … لكني أعرفُ أني قد بذلتُ جهداً كبيراً في بناء هذا الوطن الصغير لأحتمي في داخله .
مسافر : تحتمي… ؟؟! من ماذا تحتمي ؟
وطن : سأخبركَ في الوقت المناسب … أو أنَّكَ ستعرف تلقائياً
مسافر: (يذهب باتجاه الجدار) غريبٌ هذا الجدار .. لِمَ لا نحاول تسلق هذا السلم ومغادرة هذا المكان
وطن : إنهم لا يسمحون بذلك … وقد حاولتُ مراتٍ عدة ولمْ أفلح في تسلقه
( يحاول مسافر تسلق السلم لكنه لا يفشل في ذلك )
وطن : لا تتعب نفسكَ .. يبدو أن هذا السلم مخصص للنزول فقط لا للصعود
مسافر: ( مستغرباً ) قلتَ أنَّهم لا يسمحون .. من هؤلاء الذين يرفضون ؟
وطن : قلتُ لكَ ستعرف في الوقت المناسب .. اترك الأسئلة وتعال معي لأُريكَ وطني الصغير .
( يذهبان باتجاه الكوخ )
مسافر : كيفَ استطعت بناءهُ وحدك ؟
وطن : أعرفُ أنّي لمْ أدخر جهداً في بنائه … وقد استغرقتُ فيه وقتاً طويلاً
مسافر : انه بدائيٌّ .. لكنه جميل جدا .. عندما ننظر لماضينا العتيق نشعرُ بالفخر والانتماء الحقيقي ، فهذه الأرض أنتجت الكثير واكتشفت ما قدَّمَ للبشرية الانبهار .
وطن : وها أنتَ تقولها يا مسافر
مسافر : القصبُ والطين – ذائقتان تنغرسان في لحمنا وتسيران بعمقٍ بدمائنا
( يذهب مسافر باتجاه اللوحة ويلحق به وطن .. يخلطُ مسافر بعض الألوان ويمسك الفرشاة ويبدأ بالرسم )
وطن : إنها لوحة ٌ جميلة .. لكن لا أفهمها جيداً
مسافر: ( مبتسماً ) اللوحة لمْ تكتمل بعد .. وهي تنتمي للمدرسة السريالية
وطن: (يحدق في اللوحة من عدة زوايا مستغرباً) هل ستهديني اللوحة بعد إكمالها لأعلقها في وطني الصغير ؟
مسافر : لكَ ذلك يا وطن
وطن : شكراً من القلب يا صديقي
( يرتعدُ المكان بأصواتٍ غريبة وصرخات ، يفيضُ اللون الأحمر في المسرح …. يسود الرعب كل الأرجاء … يسحبُ وطن يد مسافر بقوة ويركض به باتجاه الكوخ )
وطن: (صارخاً) أسرع يا مسافر … أدخل بسرعة قبل أن تحلُ بنا الكارثة …. ( يدخلان الكوخ )
( يخرج من رحم الجدار رجلان يدفعان عربة ً غريبة الشكل والملامح، تمثل في هيأتها العامة غموضاً وتعقيدا.. رجلا العربة يرتديان بذلتان كالتي يرتديها المرضى المجانين في المستشفياتِ الخاصة.. يقودان العربة باتجاه وسط المسرح، يقفان ويبحثان في نظراتهم عن أي شيء يتحرك.. يعودان ليقودا العربة ويخرجان من نفس مكان الدخول.. يعود المكان لطبيعته – وبعد أن شاهد وطن ومسافر هذا الحدث من أحد فتحات الكوخ، يخرجان إلى وسط المسرح وهما مرعوبان)
مسافر : منْ هؤلاء … ؟؟
وطن : ألمْ أقل بأنَّكَ ستعرف في الوقت المناسب …!
مسافر : من هؤلاء يا وطن … وعن ماذا يبحثون ؟!
وطن :(حائراً) أعتقد أنَّهم أصحابُ هذا المكان المجهول (يدور حول الكوخ) كلما جاءا دخلتُ هنا لأنأى بنفسي عنهما … أقرأ في خطواتهما شيئاً غريباً، وعيونهما تقدحُ شراراً ، ولا أستطيعُ تفسير سرَّ هذه العربة
(يركض مسافر نحو الجدار محاولاً تسلقه مرة أخرى لكنه يفشل .. يتوجه إليه وطن يمسكه ويحاول أشعاره بالأمان )
وطن : قلتُ لكَ – لا يمكنكَ الصعود وعبور الجدار
مسافر: (ينظر للعبارات المكتوبة على الجدار.. وهو يقرأ) الحربُ حين تجوع – تحبلُ الأمهاتُ من جديد
وطن: (بغضب) نعم .. هي الحربُ يا مسافر .. كلُّهم حين دخلوا الحرب خرجوا من مؤخرتها عرايا .
مسافر : ما أشبه اليوم بالأمس … يبدو أننا في أرضٍ حرام
وطن : يبدو ذلك
مسافر: ( متسائلا ) وطن … هل خضتَ حرباً ؟
وطن: (بألم) كلُّ الحروب جرت على ظهري – وتركت شظاياها في لحمي – ورسَّخت ذكرياتها المريرة في رأسي (مشيراً إلى عبارة على الجدار) انظر … رسائل الحبيبات في جيوب الخنادق … وهذا الجدار يذكرني بتلك الخنادق وجرذانها وقبحها
( موسيقى – ناي حزين )
مسافر: ( بحرقة ٍ يقرأ عبارة ) صوتُ الناي يقتربُ مثلها .
وطن : هلْ اقتربتْ منكَ أكثر ؟ ودخلتْ قلبكَ وتسمرتْ فيه ؟
مسافر : ونامتْ وكتبتْ واغتسلتْ وسرحتْ شعرها فيه (يمرر يدهُ على العبارة ويقرأ) قالوا من هنا مرّت بروية ِ الغزال ونكهةِ الجمار … وكأن هذا الجدار يقرأ ما بصدري .
وطن : نعم … يقرأُ ما بصدورنا جميعاً …. انظر ! (يشير إلى عبارة – ثم يتجه نحو الجمهور ) الجدار الذي يعرفُ أسماءنا جميعاً – وحبلهُ السري الذي لفَّ رقابنا …. نحنُ في زمنٍ قد ادعى الخلاصَ ثوبه .
مسافر : أشعر أنّي قد تورطتُ بالنزولِ إلى هذا المكان
وطن : نحنُ لا نختارُ أقدارنا يا صديقي
مسافر : لمْ تذكر لي أن لا مخرج من هذا المكان الموحش
وطن: ( بملامة ) أنا مثلك لمْ أكن أعلم بطلاسم المكان وغرابة هذا الجدار الذي يشبه بيت العنكبوت
مسافر : أنتَ من سبقني إلى هنا … وعليكَ أن تفكك هذه الأحاجي
وطن: ( بشيء من الغضب ) كلُّ الحلول مطلوبة مني وتقع على عاتقي … على وطن أن يفكك هذه الأحاجي .. على وطن أن يَجدَ مخرجاً .. وعلى وطن أن يوفرَ وطناً .
مسافر : لمْ أقصد إغضابكَ يا صديقي (يضع يده بيد وطن ويسيران بخطواتٍ خافتة باتجاه الكوخ) دعنا نُكمل وطنكَ الصغير
وطن: ( يوقفه وينظر إلى الكوخ ) لا داعي لذلك … أعتقد انه قد اكتمل ولا يحتاج إلى إضافة أخرى إلا …….
مسافر: ( مقاطعاً ) إلا من لوحتي ….. لكن بعد اكتمالها
وطن : وماذا ستفعل اللوحة وسط هذه القتامة
مسافر : لا تكنْ متشائماً … لا بدَّ من وجود حل
وطن: ( بألم وهو يقلب بالأنقاض ) تعبتُ … تعبتُ يا مسافر .. وجعي شائك – لا تشبههُ أحزانُ الدنيا … لمْ أنعم بالراحة أو الاطمئنان – رغم أن الجدار يُخبرني عكس ذلك … ( متجهاً نحو الجدار ويشير إلى عبارة – اطمئن لن تكون وحيدا …. )
مسافر : لا عليك … سنبحثُ عن مخرجٍ ما وسنجده بكل تأكيد
وطن : أتمنى ذلك يا صديقي الوحيد
( تعود أجواء الرعب وينقلبُ لون المكان إلى اللون الأحمر … وطن ومسافر يتسمران في مكانيهما دون حراك … يحاولان رفع أقدامهما أو تحريك أياديهما ولا ينجح هذا الأمر)
مسافر: ( بعناء ) ما الذي يحدث يا وطن ؟
وطن: ( بعناءٍ أيضا ) لا أدري ما الذي يحدث … علينا الاختباء – لكني كالمشلول ولا أستطيع الحراك
مسافر : وأنا قد تسمرتُ في مكاني … ولا أستطيعُ تحريكَ حتى أصابعي
وطن : حاول … حاول أن تتحرر يا مسافر
مسافر: ( وهو يصارع ) لا أستطيع … إنّي كقطعة جليد
( يدخل الرجلان من نفس مكان دخولهما السابق ، وبرفقة العربة ، يسيران نحو وسط المسرح بخطواتٍ بطيئة ، يقفان ثم ينظران الى وطن ومسافر ، والأخيران يصارعان وضع التجمد ، ينظر رجلا العربة لبعضهما ثم يلتقطان من حوض العربة لفافات كبيرة وأشرطة  يتجه أحدهم باتجاه وطن والآخر باتجاه مسافر ، ويبدآن بلفهما وهم في حالة الوقوف كما يلف العنكبوت فريسته – باستثناء منطقة الرأس )
مسافر: ( مرعوباً ) الرحمة يا الهي … لمْ يعد لدي قوة ولا سبيل للخلاص
وطن : يبدو أننا نواجه قدرنا المحتوم … كما أخبرتكَ يا مسافر – لا خيار في الأقدار
مسافر : إلى أين سيأخذاننا هذان الممسوخان
وطن : لا أعرف … لكن مهما كان الاتجاه – فها نحن نغادرُ هذا المكان – كما تمنينا
مسافر : لكن ليس مع هذين الغريبين
وطن : أنا لا أشعرُ بجسدي
مسافر : وأنا كذلك … كأنه قد تلاشى تماماً
وطن : لقد وصلنا النهاية
مسافر : نهاية ماذا يا وطن ؟
وطن : إنها آخر المحطات
مسافر : أيُّ محطاتٍ هذه التي تتكلمُ عنها ؟
وطن : نحنُ كنا في محطةٍ للموتى … وجاء وقتُ المغادرة
مسافر : هل تعني ……. هل تعني أننا في عداد الأموات ؟
وطن : بل نحنُ الموتى … وسنعبر إلى محطة أخرى من خلال هذه العربة اللعناء
مسافر : لا أرغبُ الرحيل … أريدُ أن أبقى هنا – صديقاً حميماً للجدار ولوطنكَ الصغير (صارخاً) أريدُ البقاءَ في هذه المحطة
وطن: (بألم ويأس) لا بقاء في محطات الموتى … لا بقاء في محطات الموتى (يبقى يردد هذه العبارة بينما يُكمل الرجلان عملية لفهما ثم يحملاهما إلى العربة ويغادران المكان )… دم ….
( يعود المسرح كما في بداية العرض… بديل وطن – قرب وعاء الطين – يغرفُ منه ليطلي جدار الكوخ، ويتحرك مع الموسيقى ، ويقفُ خلفه – بديل مسافر – مع حقيبته ولوحته ويتمعن بالمكان بدهشة واستغراب … يدنو من بديل وطن )
بديل مسافر : مرحباً
بديل وطن : أهلاً … أهلاً بك أيها الصديق المنتظر
بديل مسافر : شكراً لكَ على هذا الترحيب …. أنا اسمي مسافر
بديل وطن : وأنا اسمي وطن …….. وهذا وطني الصغير ( مشيراً إلى الكوخ )
بديل مسافر: ( مستغرباً ) ما هذا المكان ؟
بديل وطن: ( حائرا يمشي صوب الجمهور ) انه ………….. ؟!
( موسيقــــــى )

النهايـــــــــة

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت