المسرح البصري في خمسة عقود (الحلقة الخامسة)/ مجيد عبد الواحد النجار

5-عقد الستينيات
في هذا العقد من القرن العشرين بدأت بعض المجاميع الطلابية بتكوين مجموعات مسرحية تقدّم أعمالا تمثيلية ومسرحية في الاحتفالات لكنها كانت تخلو من المستلزمات المسرحية الحديثة، وكانت اغلبها واقعية، ومواضيعها تناولت الاوضاع اجتماعية، والتاريخية، حيث كان الوضع السياسي آنذاك لم يستقر بعد، وكانت المجاميع المسرحية تتقيد في تقديم عروضها مراعاتا للوضع السياسي والاجتماعي، حتى تخرّجت الدُفعة الأولى من المسرحيين في معهد الفنون الجميلة في بغداد، فظهرت بوادر التخصص في الأعمال المسرحية، وقد تنوعت الأساليب الاخراجية في طرح المواضيع فمنهم من تقيد بالأسلوب المعمول به من قبل زملائه الذين سبقوهم في العمل قبل تخرجهم من معهد الفنون، بحجه ان ثقافة الجمهور لا زالت لا ترتقي للأساليب الاخراجية الأخرى، اما الاخرين من الخريجين فقدموا أعمالهم بجميع الأساليب الاخراجية التي درسوها في المعهد، فقد قدموا اعمالا رمزية، وتعبيرية، وتجاوز بعضهم ليقدم اعمالا سريالية . وبالرغم من بساطة الأسلوب– والمقصود هنا ليس بساطة الأسلوب نفسه بل بساطة فهم المخرج لهذا الأسلوب – والإنجاز العلمي لهذه الدُفعة إلا أنها وضعت الأسس العلمية أو الطابع الأكاديمي سواء في الإخراج أو التمثيل والديكور والآليات الأخرى([1]) .
لقد انتعش المسرح المدرسي إلى حد كبير بعد تخرّج الطلائع الأولى في معهد الفنون الجميلة (فرع التمثيل والإخراج) بدءاً بـ ( عبد المنعم شاكر الذي تخرج عام 1962 ، ثم قاسم حول، ومحمد وهيب وباقر عبد الواحد وعبد الأمير السماوي، وقصي البصري، ومحمد البياتي، وعبد الأمير عبادي السلمي، وحميد حساني ، ……) ونظرا لتعيينهم معلمين في مديرية التربية، بدأ نشاطهم محصورا في المدارس التي عُيّنوا فيها….. وقد ركّز الخريجون الأوائل هولاء في أعمالهم المسرحية على الأدب المسرحي العالمي بالدرجة الأولى وهذا ما كان يفتقده مسرح البصرة…..
وعلى اثر ذلك أزداد النشاط المسرحي في المدارس التابعة لتربية محافظة البصرة وبشكل ملحوظ ، خلال الستينات ليس بسبب الخريجين فقط … بل لكون المسؤولين في التربية يومذاك اهتموا بهذا النشاط ودعموه بكل الوسائل واعتبروا المسرح من النشاطات الا صفية، بالإضافة إلى دور جامعة البصرة … في ذلك، حيث رفدت هي الأخرى (المسرح الجامعي) بكل أسباب الدعم والاستمرارية خصوصا إذا علمنا ما للمستوى العلمي لطالب الجامعة عن طالب الثانوية ([2]) .
في عام 1961 – 1962 أستُحدث في كل مديرية من مديريات التربية في المحافظات ملاحظيه للنشاط الفني تُدير شؤون المسرح إلى جانب الفنون التشكيلية والموسيقى والخطابة، وتتألف من معلمين ومدرسين متخصصين .
وتكون هذه الملاحظية مسؤولة أمام التربية ولكنها مرتبطة فنيا وإداريا بمديرية الفنون الجميلة التابعة لوزارة التربية التي تعقد سنويا مؤتمرا لمشرفي النشاط المدرسي يقوم بتخطيط النشاط الفني ([3]) …..
وفي عام 1964 تم إعادة عرض مسرحية (عدو النور) في معهد المعلمين في البصرة ولكن هذه المرة برؤية جديدة حسب قول المؤلف ومخرج العرض عبد الغفور النعمة، وقد شارك في العرض هذه المرة ( أسعد عبد الحسين و فيصل حسن) ولنجاح العمل تم إعادة عرضه في تلفزيون بغداد …
وفي عام 1965 قُدمت مسرحية (الجثة) من تأليف وإخراج وموسيقى عبد الغفور النعمة، ديكور جبار داود العطية، ماكياج عصام سالم ونصير عودة ([4]) .
وخلال هذا العام أي 1965 نشطت الحركة المسرحية بعد ركود لسنوات وبمبادرة قيّمة (لمتصرف البصرة – المحافظ أنور الحديثي) إذ أنه شاهد عروضا مسرحية في قاعة مدرسة طلحة الكبيرة فأمر ببناء مسرح نظامي فيها وقد نفّذه السيد صالح الشاجي (أبو يوسف) صاحب (نجارة الزبير) وبكلفة مقدارها (800) دينار والمبلغ هذا يُعادل كلفة بناء دار حديثة آنذاك…..
وكان المعلم الفنان جودي يُقاسم التلاميذ أدوار المسرحيات التي تُقدّم في احتفالات مجالس الآباء والمعلمين. ومن تلك المسرحيات ( أنا السبب ، أبو الدبس ، أشعب والبخيل ، علاء الدين والمصباح السحري ، لن أضيع) وهي من تأليف وإخراج حسن العنزي  .
وفي يوم الأحد 24/11/1968 قُدمت مسرحية (الصفقة) على مسرح مدرسة طلحة الابتدائية في الزبير…وقد حضر العرض السيد ناصر الحديثي متصرف لواء البصرة، والدكتور صادق الخياط رئيس جامعة البصرة، والأستاذ طه السامرائي مدير تربية البصرة، وجمع من أبناء البصرة والقضاء، وقد شارك في إحياء الحفل نخبة من الشباب الفني الصاعد…. منهم ( حسن زبون ، طالب جبار ، منذر يعقوب الفرج … جودي خميس ، عبد الرضا الزيدي ، عدنان المطير، عبد المحسن عبد الواحد ، وليد الحمداني ) وقد أخرجها طالب جبار وهي من تأليف عبد الرزاق سعود المانع ([5]) .
لقد عرفت المدارس الابتدائية والثانوية المسرح منذ حركة فتح المدارس في العشرينات، وكان المعلمون يولونه اهتماما وعناية كبيرة بصفته وسيلة تربوية للنشء الجديد، فكانت لجان الخطابة في المدارس التي يُشرف عليها معلّمو اللغة العربية تقوم بمهمة تقديم المسرحيات وكانت وزارة التربية تترك الباب مفتوحا لكل مدرسة للمبادرة ([6]) .
كما شهدت المرحلة ظهور بدايات (النقد الصحفي) و ( العرض النقدي) وترصين الثقافة المتخصصة لتوافر المصادر الزهيدة الثمن سواء من النصوص العالمية والعربية أو المطبوعة المترجمة والمؤلفة والخاصة بالمناهج والمدارس… وظهور نواة للتلقي ([7]) …..
إن عودة الدفعة الأولى من خريجي معهد وأكاديمية الفنون الجميلة من بغداد شكّلت بداية علمية ونقلة نوعية لحركة المسرح في البصرة تمثّلت في انتقائية النصوص وظهور سمات وطرائق منهجية في أساليب الإخراج والأداء والتمثيل والسينوغرافيا وتأسيس فرق مسرحية … حيث خاض الأكاديميون صراعا فنيا مع التقليدي السائد المُهيمن لعقود طويلة.
كما عمل البعض من الخريجين على إعادة انتاج الاعمال المسرحية التي شاركوا فيها في معهد الفنون الجميلة اثناء فترة دراستهم، او إعادة انتاج اعمال شاهدوها تعرض على مسارح المعهد او مسارح بغداد.
كما وجدوا الأرضية مهيئة لهم في اخراج أعمالهم المسرحية كونهم يحملون أفكارا اكاديمية لم يعرفها من زملائهم السابقين الذين كانت اغلب أعمالهم اعمال شعبية، لذا فسح لهم الاخرين ممن لم يدرسوا المسرح الاكاديمي المجال لإخراج اعمالهم المسرحية، وكانوا سعداء في العمل معهم كونهم يتعلمون أصول التمثيل الصحيحة على ايدي زملائهم الذين يعدونهم أساتذة محترفين، لذلك قدم هؤلاء الاساتذة المحترفين في بدية ما قدموا من اعمال مسرحية كانت اغلبها عالمية وعربية وعراقية، ولكن هذه المرة باللغة العربية وليس اللغة الشعبية, طبعا هذا لا يعني ان المسرح البصري ومنذ تأسيسه لم يقدم اعمال مسرحية عالمية او عربية ، ولكن هذه المرة اختلف الامر مع العارفين بأسرار المسرح.
 
الإحــالات:
[1] (ينظر: محمد سعيد الربيعي , ((المسرح البصري : رحلة طويلة بالإبداع))، جريدة الصباح ، ملحق فنون، (بغداد)، العدد 1050، الأحد 25/شباط/2007.
[2](ينظر : راجع: عبد الفتاح عبد الأمير مرتضى، واقع الحركة المسرحية في البصرة، رسالة ماجستير غير منشورة ، إشراف: أستاذ فن ، أسعد عبد الرزاق جعفر ، (جامعة بغداد : كلية الفنون الجميلة , قسم الفنون المسرحية , 1989 ) .
[3](راجع: علي مزاحم عباس ، النشاط المسرحي في العراق موسم 79 – 80 ، (بغداد: المؤسسة العامة للسينما والمسرح، مركز الدراسات والبحوث، 1981).
[4](يُنظر: عبد الغفور النعمة , ((من الذاكرة المسرحية)) ، مجلة مسرح ، نشرة فصلية يُصدرها المركز العراقي للمسرح ، (البصرة) ، العدد الأول ، كانون الثاني / 1992.
[5](ينظر : ينظر: حسن العنزي , (( من ذاكرة المسرح البصري )) ، جريدة المنارة ، (البصرة) ، العدد 403 ، 1-2/ آب / 2007،حسن العنزي .
[6](راجع : حميد عبد المجيد مال الله ، (( محطات مسرحية)) ، جريدة المنارة ، (البصرة) ، العدد333، 18-19 / تشرين الثاني / 2006.
[7](راجع : راجع: علي مزاحم عباس ، النشاط المسرحي في العراق موسم 79 – 80 ، (بغداد: المؤسسة العامة للسينما والمسرح، مركز الدراسات والبحوث، 1981) ص بلا .
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت