نص مسرحي: "سميرة " / تأليف:سحر الشامي
شخوص المسرحية :
سميرة : امرأة متوسطة العمر
أميرة : امرأة شابة
كريم: رجل متوسط العمر
ماريا: امرأة متوسطة العمر
جندي (1)
جندي (2)
المشهد الأول:
(المكان: غرفة نوم تحوي سرير وخزانة ومرآة، تدخل سميرة ترتدي السواد, تجلس أمام المرآة وتبكي )
سميرة :آه يا زوجي، كيف أحتمل رحيلك!؟ طرقات كفك على الباب أميزها من بين الجميع، منذ الٱن حُرم علي سماعها . صوتك وأنت تترنم بحروف اسمي: سميرة، سمرمر، سميرتي .. فقدته إلى الأبد..(تقوم وتفتح الخزانة وتخرج البوم صور ثم تجلس لتتصفحه) لقد أفنيت عمرك في حروب شتى، ورغم ذلك كنت أنتظرك وأمل اللقاء في داخلي يقين لا شك فيه، فلم يخب ظني يوما بعودتك، اليوم فقط وضع القدر حدا لتلك اللهفة وأمر أن تذوي وتنطفئ إلى الأبد (تمعن النظر في احدى الصور) لا أدري في أي معركة التقطت هذه الصورة؟ (تأخذ صورة أخرى وتتمعن فيها) ولا هذه (تأخذ صورة أخرى وتتمعن فيها) ولا هذه (يتكرر الفعل عدة مرات وبسرعة) ولا هذه، ولا هذه، ولا هذه .. كل الصور تظهر فيها ببدلة الحرب، حتى ليلة زفافنا ! لا تغيير يبدو سوى خطوط الزمن التي غزت وجهك وشعرك (تبكي ثم تغلق الألبوم) يالي من منحوسة، ففي اللحظة التي كنت فيها أنتظر خبر التقاعد؛ لتمضية ما بقي من عمرك بيننا، حضر الموت بأهون سبب ليعلن أن لا ملتقى (تضع الألبوم في الخزانة وتخرج صندوقاً ، فتجلس وتفتحه) هذا الصندوق أجمل ما بقي من ذكراك، فهنا كتبت أروع رسائل العشق والهيام، منذ فترة خطبتنا, ورغم مرور أكثر من عشرون عاما عدت إلى عهدك من الكتابة, فكنت أجد كل صباح رسالة قصيرة تعبر فيها عن عشقك لي. (متضرعة) اللهم اغفر ذنوبه جميعا، واجعل مثواه الجنة (تفتح احدى الرسائل وتقرأ) حبيبتي سميرة… أنت عشقي الأزلي الذي لا ينتهي (تبكي ثم تفتح رسالة أخرى وتقرأ) حبيبتي سميرة…أنت روحي التي بين جنبي (تبكي، ثم تفتح رسالة أخرى وتقرأ) حبيبتي أميرة… أنت عشقي الأزلي الذي لا ينتهي.. (تبكي .فجأة تشعر بالصدمة وتصرخ) ماذاااا!؟ أميرة !؟ ومن تكون أميرة؟، أعتقد أن هناك خطأ ما، ربما عنى بذلك ابنتنا أميرة، نعم، فهو يفضلها على جميع أولادنا. سأفتح رسالة أخرى, فلا أعتقد أنه أخطأ مرتين (تفتح رسالة أخرى, وتقرأ وهي تبكي) حبيبتي أميرة، أنت روحي التي بين جنبي، متى أعود إلى أحضانك؟ (ترفع رأسها وتجحظ عيناها، وتزم شفتيها وتقوم بفتح جميع الرسائل وتقرأ بداية كل رسالة بصوت عال) حبيبتي سميرة.. حبيبتي سميرة … حبيبتي سميرة … حبيبتي أ أ أ أميرة، أنت الحياة, والحياة أنت (تمسك رأسها بيديها وتهرع الغرفة جيئة وذهابا) مستحيل، لا أصدق، ولكن كيف؟ ومتى؟ ومتى؟ وكيف؟ (صمت) نعم، نعم تذكرت، لقد قلَّت إجازاته في السنين الأخيرة، وكان يعتذر عن ذلك بكتابة رسالة قصيرة, ووضعها في الصندوق، فأقرأ أنا الغبية وأسامح على الفور (صمت… ثم تجحظ عيناها) الآن عرفت لماذا رسائل العشق هذه كان يكتبها لي بعد كل إجازة قصيرة؟, كان.. كان يأتي يومين أو ثلاثة ثم يرتدي بزته العسكرية مصرحاً أن معركة دموية قائمة ولابد من حضوره (صمت ثم تصرخ) أيها الخائن! لن تنال الرحمة وأنا أحترق؛ الآن، لن أغفر لك أبدا, ولن أستغفر الله عن ذنوبك مطلقا، ولتكن الجحيم مأواك (حائرة ثم تتضرع) يا إلهي لا أستطيع الانتظار حتى يأتي يوم الحساب، أتوسل إليك أن تطفئ النار التي في صدري، واجمعني به ساعة واحدة .. واحدة فقط لأحاسبه أنا بنفسي حسابا عسيراً على خيانته، وسوف لن أتنازل عن محاسبتك له بعد ذلك طبعا. (تدور حول الغرفة ثم تقف وهي ترفع ذراعيها بالتوسل) أرجوك يا إلهي، امنحني هذه الكرامة ساعة واحدة، أرجوك يا إلهي، أرجوك أشفق علي أتوسل إليك. (تختفي فجأة )
المشهد الثاني:
(المكان: سرداب شبه مظلم، يظهر كريم وهو ملتف بالكفن وممدد على صبة تراب… فجأة تظهر أميرة ترتدي ثوبا أسودا وهي ترتعد من الخوف )
أميرة: يا له من مكان مرعب، هل يعقل أني يوماً ما سأوارى الثرى هكذا ؟ لا، لا زلت شابة على هذا الفكرة المقيتة (تقترب من جثة كريم، ترفع الكفن عن جزء من رأسه, تبتسم) أها! شعر أبيض كثيف! ما أسعدني برؤيته. (تداعب خصلات شعره) حرمتني طويلا من هذا المنظر، وقمت بصبغ شعرك عدة مرات، وأنت تعلم سبب رغبتي بالزواج منك, (متأملة) فقد أحببت فيك الأب الذي فقدته قبل ولادتي. ٱه، ها أنا الآن أستمتع بمنظر شعرك الأبيض مجدداً. (تداعب شعره بأصابعها، ثم تتغير ملامح وجهها فجأة وتقف غاضبة) كيف تجرؤ على الكذب، وتخبرني أنك رجل أرمل؟ ألا تعلم أن ذلك يدعى خيانة؟
(فجأة تظهر سميرة غير مبالية لكل ما حولها ماعدا أميرة ، فتتفاجأ كل منهما بوجود الأخرى)
سميرة : من أنت؟
أميرة : قولي من أنت أولا؟
سميرة : (تشير نحو الجثة) أنا زوجة هذا الخائن المسجى هناك.
أميرة :(تشير نحو الجثة) وأنا أيضا زوجة السافل المسجى هنا .
سميرة : أميرة!؟
أميرة : سميرة!؟
سميرة : وتعرفين اسمي أيضا ؟
أميرة : أجيبيني، كيف عرفت اسمي أنا ؟
سميرة : من رسائل العشق الكاذب التي كان يبعثها زوجك السافل.
أميرة : وأنا أيضا، قرأت اسمك في احدى رسائله الملفقة، فغضبت وتوسلت الله أن أجتمع بهذا الخائن ساعة واحدة ، فاستجاب لي الرب أسرع منك. ههههههه..
سميرة : تضحكين على خيبتك، سوف أريك ما سأفعل بك أولاً (نحو الجثة) وأنت انتظرني قليلا، فلن تفلت من عقابي.
(تركض سميرة وتحاول ضرب أميرة، ولكن الأخيرة تدور حول الجثة، وتحدث مناورة بينهما ، ثم تصعد أميرة وتقفز على الجثة لعبور الجهة الأخرى وتتبعها سميرة وتفعل نفس الشيء، فتقفز وتعبر إلى الجهة الأخرى، ويتكرر الفعل عدة مرات حتى يشعران بالتعب, حينها تقوم سميرة برمي الحجارة على أميرة، فتقوم الأخيرة بنفس الشيء، ويتكرر الفعل عدة مرات،حتى تسقط حجارة لتضرب رأس الجثة, فينهض كريم، وينظر إلى المرأتين مذهولا)
كريم : من!؟ منكر ونكير!؟
سميرة :(بحزم) بل الأسوأ ، سميرة وأميرة… جئت عن خمسة وعشرون عاماً من الخيانة.
كريم : أي خيانة؟
سميرة : (مباشرة) كيف سولت نفسك الزواج بأخرى دون علمي ؟
كريم : وماذا ستفعلين لو علمت ذلك؟
سميرة :(تحرك يديها) أقطعك إربا إربا .
كريم : (يدير ظهره) وهذا ما منعني عن اعلامك بالأمر.
أميرة : (تقف أمامه) وأنا ، كيف تخفي عني أمر زوجتك، وتخبرني أنك أرمل؟
كريم : وماذا كنت ستفعلين إن علمت ذلك؟
أميرة : (بانفعال) سأسلخ جلدك كما فعلت مع الضفادع الذي طبختها لضيفك الأصفر.
كريم : (يبتلع ريقه) ولأجل ذلك لم أخبرك .
(أميرة تلطم خديها وتجوب المكان وهي تبكي بهستيريا )
كريم: (متلهفا) هل تبكين لفراقي؟
أميرة: بل أبكي على نفسي كلما تذكرت كيف كنت أقوم بسلخ تلك الضفادع المسكينة (تصرخ) أمر مقزز حقا.
سميرة: (تقترب وهي تحرك يدها ساخرة ) هل هذه التي خنتني من أجلها ؟
كريم: (ينظر إليها شزرا ) كفاك.
سميرة: هل هانت عليك خمسة وعشرون عاما، بحلوها ومرها؟ (تدور حوله) كيف سولت نفسك هذا الفعل الجارح؟ أجبني. (صمت ثم فجأة) ألم تكن جنديا أكلت الحروب عليك وشربت؟ متى قمت بهذا الفعل يا ملعون؟
كريم : (مبتسما) هل تصدقي أن الحروب هي نفسها من قذف بهذه المرأة الجميلة إلي.؟
سميرة: (تشعر بالغيرة، فتتناول حجرا وتضربه) أجب عن سؤالي وأخبرني، كيف حدث ذلك؟
كريم: في أحد الأيام وبينما كنت ضمن فصيل مسلح لتمشيط أحد الجيوب، سمعنا صوتا (متأملا) كأنه موسيقى (سميرة تنظر إليه شزراً، فيرجع إلى نفسه) أقصد صوت استغاثة، فأسرعنا نحو الصوت، واقتحمنا منزلا كبيرا، يتحصن فيه مجموعة من الأعداء… وبعد قتال توج بالنصر وجدتها مقيدة.
(يظهر كريم مرتديا بزة عسكرية ويحمل سلاحا، فيما يكون صوت أميرة يعلو مستنجدا، فيذهب ناحية الصوت, تظهر أميرة مقيدة)
أميرة: (باستغراب) من أنت أيها الشيخ الجليل؟
كريم: أنا ورفاقي جئنا لتحريرك، بعد أن شق صوتك الموسيقي طبلة أذني.
أميرة: (بتوسل) إذن، هيا أطلق يدي، فمنذ الأمس وأنا على هذه الحال.
كريم: (يقوم بفك القيود) ولماذا قيدوك؟
أميرة: فرضوا علي الزواج بثلاثة أمراء في يوم واحد! (تبكي)
كريم: (منذهلا) ماذا!؟
أميرة: أخبرتهم أني لست بهيمة وإن لي قلبا واحدا لا يمكن أن يسع لثلاثة رجال مرة واحدة. (تبكي)
كريم: وماذا كان ردهم؟
أميرة: (بحزن) الحال الذي رأيتني عليه.
سميرة: (تهمس بأذنيه) تحررها لا أن تتزوجها أيها الرؤوف العطوف.
كريم: لم أقصد الزواج بها، ولكني وجدتها تلتف حولي رغم أني مسن (يدور حول المكان متأملا) كانت تداعب شعري وتقول: يالجمال شعرك الأبيض!، يالجمال وجهك المجعد!، يالجمال لحيتك البيضاء!، يالجمال …
سميرة: (تقاطعه شامتة) يالجمال مكوثك هنا.
كريم: (بحزم) هل تتشمتين بي؟
سميرة: (تقف على مسافة من كريم..بحزم) لن أذرف دمعة واحدة لأجلك بعد الآن .
أميرة: (تقف على مسافة من كريم وتضع يديها على خصرها) وأنا أيضا، لن أبكي أبدا أبدا.
سميرة: (تتقدم خطوة) ولو كان في الشباب بقية لتزوجت.
أميرة: (تتقدم خطوة) أما أنا فلن أتوانى عن القبول بأول رجل يتقدم لخطبتي “مازلت شابة تفيضين حيوية ” هكذا أخبرتني ماما.
سميرة: (تتقدم خطوة) وقد قمت بقص شعري وها أنا أندم الآن بشدة.
أميرة: (تتقدم خطوة) لن أدفن خصلات شعري معك، بل سوف أبقيها لزوجي المستقبلي.
سميرة: (تتقدم خطوة) سأغير اسم ابنتي أميرة، فهو حتما سيذكرني بخيانتك.
أميرة: (تتقدم خطوة) سأغير اسم ابنتي سميرة، وسأطلق عليها اسما يلاءم عصرها.
كريم: (يشعر بالصدمة ثم يخطو حزينا وهو يلف الكفن حوله بكلتا يديه متوسلا) هكذا تنسى كل منكما كم ضحيت لأجلها؟
سميرة وأميرة: (بصوت واحد) نعم.
كريم: هكذا تسقط كفة الميزان التي حملت الخير لكل منكما سنينا عديدة؟
سميرة وأميرة: (بصوت واحد) نعم.
كريم: (نحو سميرة) خمسة وعشرون عاما يا سميرة ؟
سميرة: (تدير ظهرها) شكرا كورونا حيث جعلت لها حداً لا مدداً.
كريم: (نحو أميرة) ثلاث سنوات يا أميرة؟
أميرة: (تدير ظهرها وبدها على أذنها) ماذا؟ ماذا سمعت؟ ثلاث ساعات؟
كريم: (يتجه نحو سميرة ويقف أمامها مستعطفا نحو سميرة) استحلفك بابنتنا أميرة أن تغفري لي.
سميرة: (تدير ظهرها ) هيهات ثم هيهات .
كريم: (يتجه نحو أميرة ويقف أمامها مستعطفا) أستحلفك بابنتنا سميرة أن تغفري لي.
أميرة : (تدير ظهرها) لن ثم لن يكون.
(يشعر كريم بالحزن ويعود ليجلس على صبة التراب، تتقدم سميرة ببطئ وتدور حول الزوج)
سميرة: لقد علمت بهذا الأمر الساعة، فتبدل حزني إلى غضب ودموعي الى شرر وأنيني إلى حقد, لم أصدق وأنا أقرأ نفس كلمات العشق التي كتبت لي تكتب لامرأة أخرى. كيف سمح لك ضميرك بعمل كهذا، وأنا التي كنت أظن أني رفيقة دربك، وأم أولادك الذين شقيت من أجل تربيتهم ونشأتهم حتى صاروا شبابا متعلمين ومتفوقين، يشار إليهم بالبنان.هل هانت عليك كل تلك التضحيات لأفاجأ بعدها أنك متزوج من طفلة كهذه؟ (تشير إليها باحتقار)
أميرة: (بحنق) أنا طفلة أيتها العجوز؟.
سميرة: (بغضب) أنا عجوز أيتها البلهاء الحمقاء؟
أميرة: أنا بلهاء حمقاء أيتها العجوز الشمطاء ؟
سميرة: أنا عجوز شمطاء يا غبية؟
أميرة: أنا غبية أيتها المجعدة المعقدة؟
سميرة: أنا مجعدة معقدة يا مستغلة الرجال, يا حادة السجال؟
أميرة: أنا!؟ يا مستبدة بأقوالك يا متسلطة بأفعالك.
سميرة: (بغضب) أنا!؟ يا من ليس لك أمان، طويلة اللسان وقليلة الاحسان.
أميرة: كيف عرفت أني قليلة احسان؟
سميرة: من بشرة يديك الناعمتين كأنهما نسيج من حرير.
أميرة: (تبعد يديها) فقأ الله عينيك (تتردد قليلا ثم تتقدم ببطئ يلفها الحزن) تظنين أن هاتين اليدين الحريريتين هما دليل على سعادة مزمنة؟ سأقول لك كلا، أنت واهمة، فقد حفرت هاتان اليدان في الصخر, وأنا أتجرع مرارة السبي بكل ألوانه، كنت مسلوبة الإرادة, والقرار ليس لي إلا ضرب هاتين اليدين بالجدران أسفا على نفسي، حتى تورمتا وانتفختا، كانتا تصرحان بٱلامي المكبوتة كل ليلة. (تبكي ثم تقترب من كريم) حتى حضر هذا الشيخ (يبتسم كريم) فأنقذني من ذلك المستنقع، فعدت كما أنا (تدور حول نفسها مرحة ثم تقف فجأة)
سميرة🙁 تتنهد ساخرة ) ها أنت تحررت أفضل تحرير.
أميرة: هذا ليس كل شيء، فهاتان اليدان مرتا بأبشع تجربة.
سميرة: أي تجربة ؟
أميرة: (تشير نحو كريم) إنها تجربة بشعة وكان سببها هذا الشيخ نفسه (كريم يطنب بشدة) نعم، حدث ذلك عندما جاء يوما، وأحضر معه ضيفا من بلاد الصين، ثم صمم على أن يتناول العشاء في بيتنا، فوافق الرجل ولكنه طلب زوج ضفادع محشوة بالجنادب! فكنت أقوم بهذا العمل وأنا أبكي، و أبكي، و أبكي (تبكي) أي امرأة تحتمل كل هذا!؟ (تبكي)
سميرة: (تقترب نحو الزوج) سوف لن أبكي عليك بعد اليوم وسأخلع عني ثوب الحداد كلما سنحت لي الفرصة.
(فجأة تظهر ماريا تدور حول المكان وتتفحصه حتى ترى كريم )
ماريا: (مندهشة) كريموفيتش! هل أنت متزوج!؟
الزوج: (مع نفسه) ويلي، ماذا أقول؟ (نحو ماريا) هل تظنين ذلك؟
ماريا: (بحماس) “عار عليك إن فعلت عظيم”
(سميرة وأميرة تدوران حول ماريا ويتأملان مظهرها الغريب)
أميرة : (بإستغراب) ولكن من تكون هذه ؟
سميرة : (بسخرية) أي حرب رمت بهذه المخلوقة إليك !؟
الزوج : (مترددا) إنها أسيرة حرب
سميرة : (تصرخ) أيتها حرب ؟
الزوج : (ينأى بنفسه) حرب أهلية ؟
سميرة : وماذا يهمني إن كانت أهلية أم كونية، سمّها لي؟
الزوج :(يغطي رأسه بالكفن) حرب البوسنة والهرسك !
سميرة وأميرة: (بصوت واحد) ماذا !؟
أميرة : (تتقدم وهي تفكر، ثم تجحظ عيناها تصرخ) حدثت هذه الحرب قبل ولادتي بعشر سنين .. (صمت ثم تصرخ) هذا يعني أنك متزوج بها منذ أكثر من ثلاثون عاما!
سميرة : (تصرخ) ماذا!!؟ (تدور حول نفسها وهي تضرب رأسها بيديها،ثم تسقط مغشيا عليها، يهرع إليها الجميع محاولين إيفاقها)
الزوج : (يصرخ) أفيقي يا سميرة .
أميرة : مسكينة كانت تظن أنها الزوجة الأولى هههههه ..هههههه.. هههههه…
(فجأة تختفي أميرة ، كريم ينظر حوله باحثا عنها . تستفيق سميرة وتنظر نحوه)
سميرة : (بوهن) وهل خلفت لك أولادا ؟
الزوج : هوووو، وأصبحوا الٱن ٱباءاً .
(يغشى على سميرة مرة أخرى، ويحاول إيفاقها، فتستفيق)
سميرة : (تقف) سوف لن أغفر لك أبدا .
الزوج : (يتوجه نحو ماريا ويتأمل وجهها وهي تبتسم وتتمايل) وجدتها وحيدة، مشردة، بلا مأوى، فقد مات جميع أفراد أسرتها بسبب تلك الحرب، وإستولى الجنود على بيتها ..
(يظهر الزوج ببزته العسكرية ، وتظهر ماريا أمامه ، بملابس رثة وهي محاطة بجنديين )
الزوج : (بغضب) إلى أين تأخذان زوجتي؟
جندي (1) : (مستغربا) هل حقا أنها زوجتك ؟
كريم : اسألها إن كنت لا تصدق .
جندي (2) : هل حقا ما يقول هذا الرجل؟
ماريا : (مترددة قليلا) أعتقد إنه صادق !
جندي (1) : تعتقدين !؟
الزوج : (متلافيا الأمر) إن كان لا بد من غنيمة فخذاني أسيراً بدلا عنها .
(يتشاور الجنديان فيما بينهما)
جندي (1) : ليكن .
(يطلق الجنديان سراح ماريا ويقيدان كريم ويسيران به إلى الخارج)
كريم : لم أمكت طويلا في الأسر وسرعان ما أطلقوا سراحي، فرجعت إليها ووجدتها بحالة رثة.لم تسمح غيرتي بتركها وحيدة، ثم إن جمالها الأخاذ أطاح بعقلي مرة واحدة .
سميرة :(تشير إليه بإصبعها) ثق إن هذا هو السبب الوحيد .
كريم : أرجوك يا سميرة إغفري لي ذنبي، ليغفر الله لي، فأنا، فأنا أشعر أن كل الحروب التي خضتها طوال حياتي لن تشفع لي أمام الألم الذي سببته لكم جميعا .
سميرة : (تصرخ) إستغفر الله من هذا الطلب حالاً .
كريم : ألا يكفي أني أحمل وزر أميرة إلى يوم الحساب .
سميرة :(تتلفت) وأين أميرة؟
(تفتش سميرة عن أميرة وتدور في أرجاء السرداب باحثة عنها)
كريم : لقد عادت إلى عالمها ولم تغفر لي .. يالي من رجل شقي. سوف أقضي في جهنم ..
ماريا : (تهرع إلى الزوج وتقف أمامه بحزم) كريموفيتش، هل أنت متزوج ؟
(يلعبان لعبة ضرب الكفين بالكفين)
كريم : (مبتسما) إن قلت كلا، ماذا ستقولين؟
ماريا : بخ بخ لك !
كريم : وإن قلت نعم . ماذا ستقولين؟
ماريا :(بحزم) تباً تباً لك !
(يتوقفان عن اللعب وتضربه بشدة)
كريم : (مستعطفا) سامحيني يا ماريا، وأزيلي عن كاهلي ثقل العذاب القادم .
ماريا : وماذا أقول؟
كريم : استغفري الله عن ذنبي. قوليها ليلا ونهارا ومراراً وتكراراً …
ماريا :(متضرعة) أستغفر الله عن ذنبي، أستغفر الله عن ذنبي، أستغفر الله…
كريم : (مقاطعا) بل عن ذنبي أنا، كريموفيتش زوجك! (يقوم بتعليم ماريا كيف ترفع يديها بالدعاء) نعم هكذا، والٱن سأعد من واحد إلى ثلاثة: واحد ،إثنان ،..
(تختفي ماريا فجأة . كريم وسميرة يجولان بأنظارهما باحثان عنها)
الزوج :(نحو سميرة) يا لي من بائس، أنظري لقد رحلتا دون أن تغفرا لي. (يقترب من سميرة متردداً) تخيلي، نعم تخيلي كيف سأواجه الرب بكل هذه الذنوب ؟ ألا يكفي أني ولدت وفي فمي ملعقة من بارود ! فضاع شبابي بين رحا معارك ليس لها نهاية. حتى أمسيت كهلا لا نفع يرجى منه، فوضعوا نهاية لي كما يضع الفارس نهاية لفرسه إن أعتلت .
سميرة : (مشفقة) يكفي ، لقد قطعت نياط قلبي .
كريم : (مع نفسه) طيبة قلبك هي أكثر شيء جعلني أنجذب لغيرك (نحو سميرة) هل ستسامحيني يا سميرة؟
سميرة: (تجوب المكان جيئة وذهابا مشفقة) لا .. (تختفي)
المشهد الثالث:
(المكان / كما في المشهد الأول. تظهر سميرة وهي تخفي وجهها براحتي كفيها)
سميرة: عليك، لا عليك يا زوجي، سأسامحك واستغفر الله لجميع ذنوبك..(تفتح عينيها وتتفاجأ بوجودها داخل غرفتها، فتجول بنظراتها في جميع أرجاء الغرفة، ثم تجلس على ركبتيها) اللهم إغفر لزوجي ذنبه .
(تقوم سميرة وتجلس على الكرسي أمام المرٱة وتفتح المذياع)
صوت المذيع : هذا وقد أصيبت زوجتان بوباء كوفيد -19 إحداهما تدعى أميرة والأخرى ماريا بعد زيارة قبر زوجهما، ويذكر أنهما الٱن في الحجر الصحي لتلقي العلاج ..
سميرة : (بارتياح) بخ بخ لي من إمرأة محظوظة .
صوت المذيع : فيما أكدت الفحوصات التي أجريت على الزوجة الثالثة؛ وتدعى لميس وهي فلسطينية الأصل، أنها سالبة !
سميرة : (تلطم خديها) ياويلي ، ياويلي، ياويلي …
(تترنح سميرة من هول الصدمة وتسقط مغشيا عليها. موسيقى)
النهايــــــــة