بمصر: الدورة الأولى لمؤتمر كاتبات ومخرجات المسرح المصري/ نسرين نور
مؤتمر كاتبات ومخرجات المسرح المصري في دورته الأولى التي حملت اسم الناقدة الكبيرة (د. نهاد صليحة) ونظمته الدكتورة “دينا أمين” وأقيم في الجامعة الأميركيه في مصر في الخامس من مارس 2021 وضمت مبدعات مصريات لهن باع طويل في العمل المسرحي المستقل رغم العقبات والتحديات ومن مختلف الأجيال : المخرجات : عبير علي ، عفت يحي ، عبير لطفي ، كما انضمت عبر تطبيق زووم الكاتبة والمخرجة نورا أمين، الكاتبة الكبيرة سلوى بكر ، الكاتبة والناقدة رشا عبد المنعم ، الدكتورة نسمة يوسف أدريس ، الكاتبة والمخرجة نسرين نور .
حين دعيت من الدكتورة دينا أمين للمشاركة في المؤتمر ،طلب مني الحديث عن تجربتي وعن نبذه صغيره عن ما نعانيه بوصفنا كاتبات ومخرجات وعن مشكلاتنا التي وعدت سيادة الوزيرة إيناس عبد الدايم بالاستماع لها وإيجاد حلول لها إن أمكن .
بالطبع تحمست كثيرا وسعدت فمن منا لا يريد أن تتاح له فرصه الاستماع إلى مشكلاته وما يعانيه فما بالك إن كان المستمع هو من يتولى رأس المسؤلية .
في البداية ، هل ما أعانيه هو بسبب كوني أنثى !! أم أن مشكلاتي هي مشكلات أي مبدع شاب ؟!!! وللإجابة على هذا السؤال تأملوا معي القصة التالية :
قصة واقعية
حين عملت على ملف (مبادرة المؤلف المصري) التي تمت منذ بضع شهور على مسرح بيرم التونسي وتضمنت عشر عروض مسرحية ،ست منها المخرج هو المؤلف ولم يستعن بنص مؤلف أو معد ، ولما سألنا المخرجين عن السبب تنوعت الإيجابات لنكتشف أن معظمهم مؤلف بالأساس !! وأن شيطان الإلهام يزوره من حين لآخر، وأنه اتجه للإخراج من باب تزجيه الوقت ليس إلا .، أو أدعى عدم وجود نصوص مسرحية جيدة منشورة، وطبعا هذا غير صحيح فإما أن السيد المخرج غير مطلع أو غير مهتم بمتابعة جديد الإصدارات المتخصصه ، والحق أن معظم من رأيت في حياتي من مخرجين كان النادر الشحيح منهم هو المبادر بإخراج نص لم يشاهده من قبل.
أن يضطلع مخرج بنص لم يره قبلا، هذا شئ في ندرة بيضة الديك ، لذا نلاحظ ظاهرة تكرار نصوص بعينها لمؤلفين بعينهم على رأسهم (توفيق الحكيم وسعد الله ونوس ومحفوظ عبد الرحمن ، نجيب سرور )
من الواضح أن معظم المخرجين لا ينفعل بنص إلا حين يراه على المسرح وقد فكت طلاسمه وعرض برؤية خاصة ، فأي نص هو عمل أدبي ينتمي لجنس المسرح إلى أن يأتي مخرج وينفذه بالفعل على الخشبة حينها فقط ينحل اللغز ويفك طلسم، وتتم الإجابة على السؤال الهام (كيف ينفذ ذلك على المسرح)
كذلك لا يمكن أن يتحمس مخرج لإخراج نص لسيدة إلا في النادر ومن الأفضل لو كان يعرفها شخصيا أو إنها فازت بالعديد من الجوائز أو إنها ستطلع بإنتاج العرض أو أن مدير احدى الفرق رشح نصها_ هي بالذات _لمخرج متلهف على دوره في الإخراج .
فهناك طرق ثلاث معروفة للمؤلف والمخرج الشاب :
إما أن يحمل نصه بنفسه ويدور على مديري مسارح الدولة مسرح مسرح . أو أن يقدم نصه كمشروع كامل يضطلع بإخراجه وهذا ايضا يتوقف على عدة عوامل أغلبها شخصية . وإما أن له سوابق في إخراج عروض في الجامعة مثلا وقد حققت نجاح ما وكان (الفيدباك) جيد .
وأنا أتحدث هنا عن الإخراج في البيت الفني للمسرح (بيت الخبرة) فمن هم مثلي دراستهم مسرح فإن المسرح عندهم تعدى مرحلة الشغف والهواية إلى الدراسة الأكاديمية المتخصصة والتي تمكنهم من استخدام أدواتهم وكذلك هي مهنتهم الوحيدة فأي منهم لا يحمل شهادة أخرى تخول له العمل في ميدان آخر ويتخذ من المسرح الهواية والشغف فقط . فغياب الدعم المادي هنا لا يمثل رفاهية وإنما عائق حقيقي .
في كتابها (غرفة تخص المرء وحده) تقول فيرجينا وولف لكي يكتب المرء الأدب يجب أن يتمتع بغرفة تخصه وحده وبعض المال . ولولا أن لي دخلا خاصا يكفيني لكان الاستمرار في الكتابة رفاهية تحتاج لصبر وإصرار الأقدمين للاستمرار فيها .، خاصة أني انتمي لجيل جاء (بعد ما استكفوا) فمثلا كاتبنا الكبير (خيري شلبي) من أكثر الكتاب الذين تناولوا فترة صعوده وما بها من مآسي وعثرات بصدق وأريحية يحدثنا مرارا عن الإذاعة المصرية (ووحدة الصرف الفوري ) لكم هو جميل هذا الاسم لتتأمله معي، يوحي بأنك ستقبض ثمن جهدك وعملك حالا . ليس هناك من هو أكثر إلهاما من كاتب وقع عقدا وأخذ عربون.
كان الله في عوننا فلقد حرمنا من هذه الوحدة ومن صرفها الفوري ومن أماكن كثيرة كانت مفتوحة في مصر ومتعطشة لكتاب موهوبين ، أغلقت الأن تلك المنافذ الواحد تلو الآخر وفتحت بدلا عنها إذاعات خاصة ، تحتاج لعلاقات خاصة ، كذلك تحتاج لمحتوى خاص (كوميدي) أما إن كان لديك مشروع وتريد العمل عليه ولم يعجب النجم ومن ثم لم يعجب المعلن (فأركن على جنب) أو أمشي تبعا لمتطلبات السوق حتى يتكون اسمك .
ولذا ننشاد السيدة الوزيرة أن أولا :
أن يضع كل مدير مسرح مجموعة الشروط والمعايير التي على أساسها يتم اختيار الأعمال المسرحية ، وتتضمن تلك الشروط ميعاد فتح باب التقدم وميعاد إغلاقه ويتم ذلك بقدر عال من الشفافية والوضوح .
كذلك هناك نمط من الإنتاج منخفض التكلفة تم استحداثه تحت مسمى (مسرح أونلاين) هذا النمط من الإنتاج منخفض التكلفة يتيح فرص أكبر للمبدعين فالميزانيه التي ينتج بها عملا واحدا انتج بها عشرة أعمال وليكن في المرة المقبلة لشباب المخرجين مثلا، ويتم عرضه على المسرح وليس أونلاين فقط.
حين يتحسرون باستمرار _ولقد ورثنا داء تمجيد الموتى من الفراعنة_ على كتابنا الكبار المبدعين الذين فارقوا الحياة أقول باستمرار أن مصر ولادة ولدينا دائما وفرة في المواهب وغنى في العنصر البشري رغم الفقر والمرض ورداءة التعليم وفساد المناخ العام ولكن ذلك المناخ العام هو أصعب تلك العناصر لأنه لا يساعد أبدا على ظهور مبدع حقيقي يعمل على مشروعه بإخلاص ويعكس صورة لمشكلات وقضايا مجتمعه لكن يسمح بظهور نوع آخر، عارف مصلحته ماشي باتجاه الريح وحسب التوجه العام والأدلة على ذلك كثيرة ومنها أن هؤلاء الكتاب الكبار ظلوا لفترة قبل مماتهم لايستطيعون هم انفسهم العمل بمتطلبات السوق الجديدة .