الجدار الخامس في المسرح / هشام زين الدين
منذ منتصف القرن العشرين بدأت جهود المنظرين والعاملين في المسرح العالمي وخصوصاً الأوروبي على تحطيم الجدار الرابع الذي كان يمنع حدوث التفاعل الفكري بين العرض والجمهور لناحية إضعاف عملية التأثير والتأثّر الواعي لأن المسرح التقليدي قام خلال قرون طويلة على مبدأ الايهام المسرحي وإن خرقت هذا المبدأ محاولات محدودة خرجت عن السائد والمألوف كالكوميديا ديلارتيه على سبيل المثال لا الحصر.
لا نهدف في هذا المقال دراسة التاريخ مجدداً وقد حفظناه جميعاً عن ظهر قلب، بل نحاول التفكير بصوت عال، من خلال طرح فكرة وجود “الجدار الخامس” في المسرح التي تستوجب التوقف عندها وبدء التفكير بكيفية هدمه والتخلص منه تماماً كما أفرزت التجارب الحداثية والطليعية في مسرح القرن العشرين أفكاراً وممارسات عملية أدت إلى هدم الجدار الرابع والخروج من زمن التقليد إلى زمن التجديد في المسرح العالمي على أيدي ميير خولد وبريخت وغروتوفسكي والكثيرين غيرهم.
مصطلح “الجدار الخامس”في المسرح مستجد ولا يوجد توصيف نظري له بعد، وقد طرأ على رأسي في خلال ندوة افتراضية بمناسبة اليوم العالمي للمسرح ضمن فعالية لملتقى القاهرة الدولي للمسرح الجامعي حيث كنا نناقش تداعيات فايروس كورونا وأثره على مستقبل المسرح في العالم، فكانت مداخلتي حول التحدي الذي سنواجهه في المستقبل والمتمثل بضرورة هدم الجدار الخامس في المسرح، وهو الجدار الالكتروني الذي هبط على المسرحيين كالقدر، والذي كان من الصعب زحزحته أو تخطيه، وهو حاضر اليوم في كل أدبياتنا وحواراتنا الافتراضية، وهو يمثل مشكلة برأيي الخاص على الرغم من كل محاولات بعض المسرحيين التكيف مع الواقع المفروض علينا نتيجة لتفشي كورونا.
إن “الجدار الخامس” الزجاجي الذي نشاهد من خلاله المسرح الافتراضي عبر شاشات التلفون الخليوي أو جهاز الكمبيوتر ، هو أخطر على عملية التلقي وعلى جماليات العرض المسرحي وعلى جدلية التأثر والتأثير الفكري والحسي في المسرح من الجدار الرابع الوهمي الذي كان يفصل بين المشاهد والممثل على الخشبة، إنه أشد خطورة لأنه يقضي على مبرر وجود المسرح في الحياة، أي الشعور الحي التفاعلي بين كائنات حية تجهد جمالياً وفكرياً وجسدياً من أجل تبادل شيفرات وعلامات وحركات وأصوات وكلمات وأحاسيس إنسانية بالدرجة الأولى كانت موجودة قبل التكنولوجيا وستبقى بعدها، هذا الجدار الخامس بمثابة رصاصة الرحمة على المسرح الحي، وكما قام طليعيو المسرح في القرن العشرين بتكسير وهدم الجدار الرابع علينا أن نتصدى بكل امكاناتنا الفكرية والجمالية والجسدية والنضالية حتى، لكي نمنع هذا الجدار من الترسخ والتشبت بخشبة المسرح كجزء أساسي منها في المستقبل.
أطلق هذه العبارة أو هذا المصطلح “الجدار الخامس” في المسرح للتنبيه من خطورته وليس بقصد ادعاء البطولات النظرية في اكتشاف مصطلحات جديدة، فهذا الجدار بات موجوداً وبات أمراً واقعاً، والوحش التكنولوجي الذي أوجده لا يرحم، وكما سعى هذا الوحش الى تحويل كل مجالات حياتنا الى ضحايا له، ونجح في ذلك بحكم الحاجة والتطور والتقدم والراحة والتسلية، ها هو يتقدم إلى عوالمنا الداخلية، إلى ممارساتنا الحميمية، والمسرح منها إن لم يكن أهمها.
لا أملك أجوبة على تساؤلاتي، ولا أعرف إذا كنا سنتمكن من الانتصار للمسرح الانساني الحي الشفاف الصادق العفوي، والابقاء عليه من دون أي حواجز، الكترونية وغيرها، ولا أستطيع التكهن بمفاجآت التطور التكنولوجي الذي يجتاحنا بذكائه الاصطناعي بسرعة هائلة، لكني كفنان مسرحي يحق لي التمسك بحقي والدفاع عنه والتصدي لكل محاولات انتزاعه مني، وأدعو كل المسرحيين إلى هذه المقاومة، وسلاحنا في هذه المعركة بسيط جداً، الخشبة والصالة والجمهور ، ورفض عرض الاعمال المسرحية على الشاشات الالكترونية، ورفض تحويلها الى فن آخر يستمد حضوره من الكاميرا والشاشة والكهرباء، لأن ذلك سيشكل بداية مرحلة الانقراض للفن المسرحي.
اللهم أشهد إني بلغت.
عن: مسرحنا