عرض مسرحية "المخدة" للمخرج منتظر سعدون / قراءة نقدية: صادق مرزوق
في الطريق الفاصل بين النشاط الفني ونقابة الفنانين في الديوانية، “وكنت وحدي ثم وحدي آه ياوحدي” حينما تعود ذاكرتي في التلقي لثنائية أنا / الآخر، وربما الآخر / أنا كما يبدو لي أن الأمر هكذا عند محمود درويش.. وحينما أتوقف في احدى تقاطعات الطريق الفاصل بين المكانين ليستفز الذاكرة صوتان يهمسان بأذني كما تقول الكاتبة أمل الاسدي في قصة امواج تحت الوسادة : “صوت المخدة ( الوسادة) وصوت الرأس الذي يعتلي الوسادة”.. وهذا ما تفعله بعض العروض في خلخلة نظام التلقي، وكلمة – نظام – هنا تشير الى متلقي فاعل وله قراءة نقدية فاحصة لكن مع هكذا عروض تتعكز على (الما بعديات) تضيع فاعلية النقد بسبب التشكلات الأدائية المشوشة لمؤسس العرض رغم مرجعيته ودرايته الاكاديمية، كما هو حال المخرج منتظر سعدون بعرض المخدة للمؤلف سعد هدابي..
هل يمكن لرأس المخرج ان يختفي تحت مخدة المؤلف .. وهنا سيحاول المخرج بكل ما اوتي من صور يختزنها في مخيلته وبمنجمه الجمالي ليبث تراكماته الصورية دفعة واحدة دون رؤية ولا خارطة جمالية للتعثر عين التلقي بتضاريس العرض المبعثرة، ربما يكون هذا لكي لا يبقى أسير تلك المخدة، وتختفي حينها انثيالات المخرح لتشكل امواج تحت وسادة المؤلف ..
كانت انطلاقة العرض مؤثرة في وجدان التلقي وهي تتمثل بالمقاربة بين الرأس الرخو لبطل العرض وهو يستذكر طفولته بعد ان تستفزه المخدة الصغيرة البكر ، لتنطلق منذ تلك اللحظة لثنائية (الرأس / المخدة).. المخدة الاقرب للرأس منذ الطفولة وحتى الشيخوخة فهي قرين احلام الطفولة ضياع الشباب وخوف الشيخوخة المستديم ، ومخدة الشيخوخة هي الاخرى رخوة حينما يداهم ( الزهايمر) ذاكرة العرض..التلقي.. لتكون المخدة الفعل غواية.. ومؤامرة.. للتحول من الحلم الى لغم ،حينها يختفي الرأس وتستحيل كل تلك الافكار الى امواج تقظ مضجع المخدة وتفظ بكارة الذاكرة والحلم البكر، لتتمرد على قرينها الرأس..
المخرج منتظر سعدون حاول جاهدا ان يقدم عرضا جماليا يحاصر ملفوظ النص بين التشكلات الصورية لمفردات السينوغرافيا وبين جسد الممثل نوفل الدغاري الذي اراد له ان يكون منفلتا وليس مكملا لسنوغرافيا العرض .. وتأتي هذه المحاولات لتشكل احالات مشوشة دلاليا ومقحمة صوريا ، اشارات ملونة مفادها أن الممثل مصطفى الهلالي اكثر ركوزا وانتماء لمفردات العرض، خارجا عن ذاكرتنا التي اعتادت ان ترى هذا الممثل نمطا عصي على التحول، على العكس من الممثل نوفل الدغاري الذي استفاق جسدا متحركا خارج اطار العرض، ولكن يبقى السؤال هل شكل وجود الممثل نوفل دالا مضافا لرؤية اخراجية هي بالأصل مشوشة .
كان لمخدة المؤلف سعد هدابي فعلا حضوريا مؤثرا كعادته في الكتابة وهو يمسك بالكلمة التي تداعب ذاكرة المتلقي ، وكان لمنتظر سعدون جهدا اخراجيا حاضرا ليبدو صاحب حرفة تراكمية رغم حداثته كمخرج ، ولكن الاجتهاد لم يسعفه في التملص من صاحب المخدة.