مسرحية "مخدة" أنثروبولوجيا صورية بكاميرا سيلفي/ أزهر الوصي
الفكرة المستوحاة من المعرض التشكيلي للفنان احمد البحراني، جالت تلك الفكرة طويلاً في اروقة التشكيل واللون حتى حضورها سردياً عند مخيال الكاتب سعد هدابي الذي وضع نص العرض، لتعلن عن ولادتها حين اعترضها المخرج منتظر سعدون. متقداً برؤيته التي وظفها عبر كاميرا اختزنت الاحداث واعاد انتاجها بعدسة مفسرة سرعان ما يعتليها الصفو مشيراً بذلك الى ان الحياة شكل من اشكال الموت المؤجل، كاشفاً عن سَكَرات الحياة وبقرب، من زاوية كاميرته الرؤيوية التي وضعها بخاصية (السيلفي) مبتعدا عن التقاط الحياة بتجلياتها الساكنة
الخالق ام القرين الظل ام المجاز….. ثنائيات افترضها مخرج العرض ليضعنا امام تساؤلات شفرها فكرياً واباح لكودنا المعرفي يضع ما يشاء من (باسوّرد) ولعدة محاولات دون ان يتعطب شيء، لن يسدل الستار امام نافذة التلقي واضعاً امامنا قاموس العرض كي نسقط رؤانا تتغلغل بعيداً عن سلطة النص تارة بمفهوم الإستشارة ، واخرى بداع الرسائل المبتعثة ومدى استفزازها وانعكاسها بداخل ذوات المتفرجين الذين طوقهم آسى الخطاب المسرحي ليكونوا ضمن دائرة العرض.
روح البطل الحاضرة مذ اول ارتقاء لقوس الكمان شكلتها تونات وسلالم موسيقية اولجها (مجاز البطل) الممثل نوفل خالد الذي ابهرنا ادائياً متنقلاً بمناطق العرض برشاقة وايقاع جسدي فذ امسك به ديباجة العرض عبر فضاءه الذي تجلى امامنا أوركسترا درامية، الجميع فيها ناطق (آلة الكمان، الجسد، بيئته الادائية) معلناً عن نحت شخصية من خلال تكوين موسيقي توزع ما بين مقطوعات غربية ثم تنتقل لأقصى الشرق في دلالة على الولادة الاولى للسلالة البشرية وتناسلها عبر الازمنة، ثمة وسائد افترشت وسط المسرح خبأت بداخلها البطل كانت توحي على انها رحم، من هذا الفضاء النغمي نشهد ولادة البطل وسط تقنية اخراجية اسس لها مخرج العرض حين تدلت اسطوانة مدججة بالأشرطة من اعلى المسرح
اشارة لعجلة الزمن بكل ما ستحمله الرحلة الحياتية من مشهديه يندى لها جبين الكون، المعادلة المأساوية التي لازالت كل ذات انسانية تبحث عن اجابة لها، معادلة ابتعاثنا للحياة عراة وتلاشينا مع العدم عراة! ولان الموسيقى اختزلت المخاض وعسره ظهر البطل مرتدياً سخط وخواء الحياة مخترقاً شرنقتها محاولاً وطأها بتفرد دون وجود أخر يقتاده او يفكر محله او يسطو على وحدته تفاجئ بوجوده وهيمنته وادرك ان حرية الولادة كذبة. ان تولد حراً اسقطها مخرج العرض حين وظف (المجاز) (نوفل خالد) وجعله يمسك خيوط شخصية البطل ( مصطفى الهلالي)
منذ النفس الاول حتى العدم.
(اني شسمه الماعرف اسمه) حوار اباح لسطوة التلقي ان تستكشف صوت الضمير المتسائل عن( المُحيا) وبلاغة الاسم بعد ما كان يتمتم بلغة غير مفهومة وكأنها تشير لعدميتنا، لغة مُغتالة قبل ولادتها، الممثل(مصطفى الهلالي) بهدوء غير معتاد لم نلمسه في عروضه السابقة متحررا من سطوة الصراخ والانفعالات المبكرة، اداء متزن اختزل لنا حياة معظمنا مبتعثاً من الوسائد من الحلم من الكوابيس من غفوة اليقظة وصحوة الحلم، الوسائد التي تمثلت بسرياليتها وهي تأخذنا نحو مصائرنا التي ماتت دون ادنى تمرحلات لموتها الحي، وتُعيدنا بفنتازيا خايلت ادميتنا وجعلت منا منشطرين اتجاه ألبوم متأكل. ثلاث وسائد كمراحل العمر الفانية التي بدأ بها صوت الضمير متسائلاً (طفولتك.. صباك.. شبابك) رابط وثيق ماسك به مخرج العرض خطابه الرؤيوي بمعادلة ما بين المرئي والمنطوق
ذات الوسائد الثلاث اشبعها المخرج صورياً، ولدت رحم وتمظهرت مادية لمخلوق ثم مُعلقات بأستار الحياة، ظهورها خلف ( الفريمة البيضاء)وهي تتمثل كأنها الديانات الثلاث استنطقها المخرج ليكشف لنا انها رسائل كُتبت بماء وصلت يابسة نجمة اطفأت قناديل الحقيقة، صليب لم يتعدى سوى انه عتبة قتل، هلال تلاشى منذ ولادته. ومن ثم عودتها من حيث أتت.
(الصفا والمروة تبدأ من جسر الجمهورية وتنتهي عند جسر السنك)
في كينونة هذه الاشارات اللغوية النابعة من الموروث الديني حاول مخرج العرض ان يفرغها من مدلولها المقدس ويحيلها لقداسة تلك العلامتين (جسر الجمهورية و جسر السنك) اللذان اصبحا قبلة لمن يود التعمد بماء الحرية في اشارة لما قدمته دماء الاحرار من قداسة لمفهوم الانتماء. منذ الوسادة البكر (مخدة الطفولة) التي اذنت لناقوس حيفنا ان يبدأ وتبدأ معه جولات مشحونة لا يمكن ترويضها في ظل هيمنة سلطوية تشابكت سطوتها ما بين غُلوّ الذات في تمثلاتها بصراعنا الداخلي، وبين ازلية النزاع مع الطبيعة وصولا لأزمتنا المستعصية مع وغد النفوذ الذي تجلى بمشهد المنضدة حين اعتلاها الممثل نوفل خالد متمثلاً (بالسلطة) متخذاً من الاشرطة اسواط تجلد وتقمع وتخرس كل صوت اراد فضح شرعيتها القادمة من شتى بقاع العهر.