المعادل المسموع قراءة وتحليل في موسيقى (الحلقـة الثالثة)/ الدكتور قيس عودة قاسم الكناني
مسرحية “هوميروس في زمن العولمة”
مسرحية “هوميروس في زمن العولمة” هي من تأليف: جميل حمداوي والتي قدمها الكثير من المخرجين العراقيين إلا إننا سنسلط الضوء عليها من خلال المخرج العراقي الدكتور سيف الدين عبد الودود والتي قدمت في مهرجان بابل المسرحي عام (2008) اذ لاقت استحسان القائمين على المهرجان من خلال الرؤية الإخراجية والفنية للعرض فكانت الموسيقى احد أهم العناصر البارزة فيها وقد حصدت جائزة أفضل موسيقى تصويرية في المهرجان وكانت الموسيقى من تأليف قيس عوده الكناني.
فكرة المسرحية :
تتحدث المسرحية عن صراع الأفكار والإرادات والرغبات الشخصية، حيث تكون البداية بدخول الشاعر اليوناني الكبير هوميروس حاملا دواوينه الشعرية وهو يطرق الباب على أفلاطون، ويتنازعان حول الأفكار المتعارضة بينهما، حيث يقول هوميروس :” لقد ظلمتنا وظلمت شعراء اليونان وشعراء العالم قاطبةً، إلا أن أفلاطون يرى إن الشعراء لا يستحقون هذه المدينة الفاضلة، وهي رغبة شخصية منه لأنهم يعيشون بالأوهام الضائعة والأحلام الكاذبة ويقولون ما لا يفعلون، وان هذا العالم عالم المثل لا يدرك إلا بالفعل والتأمل ولا يصل إليه إلا الفلاسفة الحاذقون في العلم والمعرفة، أما الشعراء فلا مكان لهم في هذه الجمهورية الفاضلة، ويستمر النزاع والتصادم بالإرادات والرغبات والأفكار المتعارضة والمتعاكسة التي أثارت بالعرض الجاذبية والتشويق، إلى أن ينتصر بالنهاية الشعر ويبقى خالد اًو سامياً اذ يبقى يردد هوميروس سنعيش من اجل الشعر وحب الشعر وجنون الشعر وتنتصر الأحاسيس والمشاعر على مفاهيم هذه الجمهورية .
التحليل الموسيقي (المعادل المسموع) في العرض المسرحي:
يستهل العرض المسرحي بعد إظلام الصالة وقبل دخول الممثلين جملة موسيقية من (5) مازورات وهي من مقام (العجم) وهو من المقامات الرئيسية في الموسيقى الشرقية ويقابله في الموسيقى الغربية مقام (الميجر) الكبير ويستقر مقام العجم على درجة (دو) وهي درجة الاستقرار الطبيعية لمقام العجماما (الوزن*) _ميزان الجملة الموسيقية_ فهو من ميزان (4\4) وهو من الموازين البسيطة وغير المركّبة.
يبدأ العرض من الإظلام وهدوء المسرح وخلوهِ من أي حركة ومن أي وجود للممثلين حيث انبثقت آلة (الترومبيت) وهذه الآلة تمتاز بصوت عال ٍوقوي جدا بجملة موسيقية من (5مازورات وهي من مقام العجم) وعلى (درجة دو) حيث أراد المؤلف الموسيقي أن يسيطر على هدوء الصالة وهذا ما تحقق فعلا حين متابعتي ومشاهدتي للعرض وكذلك أراد المؤلف الموسيقي الكشف عن المواقف البطولية والحماسية المتصادمة والمتعارضة والإعلان عن صراع الأفكار والإرادات من أول جمل موسيقية إذ حاول أن يرسم شكلاً بطولي اًي علن عن وجوده من أول العرض لكي يصل بالصراع الدرامي إلى مبدأ التشويق والجاذبية، إلا إن الجملة الموسيقية لم تأتي بشكل مرتب ومنظم ولم تكن متناسقة وكانت قصيرة وغير مشبعة تماماً ولم تعطِ للمتلقي مساحة أن يرسم من خلالها انطباعاً عن الموقف الثاني الذي يبتغيه المؤلف وهو منح القوة للممثلين ومدهم بالحماس.
وبما أن العرض هو في مجمله صراع للأفكار المتناقضة بين هوميروس الذي يمثل الشعراء واعتراضهم على خروجهم قسراً من الجمهورية الفاضلة وبين أفكار أفلاطون، لأن مصادر الصراع هي متناقضات الأفكار ووجهات النظر، وهي انعكاس للصراعات الموضوعية في الواقع، فقد عمد المؤلف الموسيقي على تكرار الجملة الموسيقية بمصاحبة الإيقاع الكبير (درامز*) مع آلة (الترومبيت) النحاسية وهذا ما ساهم في انتشال موقف التأليف الموسيقي من الموقف الضعيف الأول حيث ساهم الإيقاع في تنظيم وترتيب الأشكال وتنسيقها، ومن ثم أعلن عن هذا التناقض والتعارض من أول جملة موسيقية لكي يترك انطباع للمشاهدين عن هذا الصراع وكذلك ليوفر على الممثلين الإحساس بطبيعة العرض وشخصياتهم، لأن ألآلات النحاسية تمثل القوة والروح البطولية وتساعد في فهم طبيعة الشخصية وفي ترتيب وتنظيم حركات وأفعال الممثلين وصراعاتهم كما في الشكل ادناه:
وعند بداية تشغيل إضاءة المسرح يدخل الممثلون مع الموسيقى بحركات تعبيرية راقصة على خشبة المسرح حركات تخلو من الحوارت مثل الصراع بين (هوميروس وأفلاطون) وهما يتصادمان بالرغبات والإرادات بحركاتهم وتعبيراتهم الجسدية مع الجمل الموسيقية والإيقاعية الجديدة المتناسقة بمهارة فنية ومنهجية لتكون قوة وثبات لهذه التصادمات وهي في مجملها تمثل مصدر الصراع في هذا العرض، إذ تبدأ الموسيقى بآلات وترية متمثلة بآلة (الشيلو*) وبدرجة القرار وهي من مقام (العجم) على درجة (دو) وميزان 4\4 وإيقاع فالت في أول مازورتين كما في الشكل ادناه.
جاءت هذه المؤلفة الموسيقية مع الحركات والتشكيلات الصورية للمجاميع (الجوقة) لتعلن عن بداية لصراع الإرادات والأفكار المتعارضة في العرض حيث جاءت متوافقة مع حركة وتنقلات الممثلين وإيماءاتهم إذ أعتمد المؤلف الموسيقي على الإيقاع ليرسم خطوط الحركات والرقصات وفي الإعلان عن الصراع الفكري في العرض لان الإيقاع أداة تحقق دعماً في إبراز وتصاعد الانفعالات وفي تنظيم الحركات وتنقلات الممثلين وخصوصا إذا كانت الحركات دون مصاحبة الحوار فأن الإيقاع يساعد في تنظيم وترتيب قيم الإشكال والحركات والانطباعات السمعية والبصرية وفي بناء وتصاعد الصراع الدرامي.
ثم تلتها ألآت (الاوركسترا الالكترونية) بجملة موسيقية طويلة من (12 مازورة) تتكرر في بعض المقاطع، وهي تصاحب وترافق الحركات والتشكيلات والإشارات التعبيرية الراقصة للممثلين وتصادماتهم في الإرادات والرغبات وبدون حوار لتعبر عن لغة الجسد وهذه الحركات والتشكيلات المتعاكسة والمتصادمة في مجملها كانت مصدر الصراع إذ عمد المخرج المسرحي وبمعالجة إخراجية في بداية العرض أن ينقل فكر الصراع بطريقة علاماتية سيميائية من خلال جسد الممثل وتشكيلاته، وحاول المؤلف الموسيقي في إدخال الموسيقى لغة بديلة عن الحوار تمنح القوة والجاذبية والتشويق، لذلك قدمت الموسيقى دورا واضحا في تحديد الشخصيات المتصارعة من خلال توافق أداء الممثل مع الجمل الإيقاعية والموسيقية المتناسقة والمنتظمة التي تحدد له والتي تختلف من حيث البناء والتأليف الموسيقي عن الأخرى التي ترافق الممثل الأخر المتخاصم والمتعارض معه لتكون في صراع مع الأولى، وقد أسهمت في كشف الانفعالات والتناقضات المتعارضة في هذا المشهد وتصاعده تدريجياً عبر انسجام الحركات التعبيرية للممثلين مع الموسيقى، وأسهم الإيقاع عبر تكرار الضربات القوية جدا في تنشيط أداء الممثلين وحماسهم إلا أنه كان بصوت عالٍ جداً أكثر مما يتطلبه العرض مما أثر على التركيز من قبل الجمهور على بعض حركات الممثلين وكانت هذه الإشارة سلبا للمؤلف الموسيقي في هذا المشهد.
وبعد تصاعد الصراع بين الشخصيات المتعارضة والمتعاكسة في الرغبات والعواطف والإرادات في هذا المشهد، يعود مرة أخرى إلى نقطة البداية من جديد، حيث قدمت النغمات والإيقاعات الموسيقية الجديدة والمنظمة قوة وثبات لأداء الممثلين مما ساهم في حل هذا الصراع عبر مرافقة آلة البيانو مع حركة الممثلين الهادئة والبطيئة بجملة موسيقية هادئة ومتدرجة في البطء لان آلة البيانو من ألآلات الوترية النقرية التي غالباً ما تكون في المشاهد العاطفية والرومانسية الهادئة، ثم ينتشر الممثلون وهم يسيرون ببطء ليتخذ كلّ منهم مكانا في خشبة المسرح ويعم الهدوء تماماً مع تلاشي صوت آلة البيانو. كما في الشكل أدنا:
وفي مشهد أخر من العرض يأخذ الممثلون أماكنهم وهم ملقون على خشبة المسرح ثم يبدأ المؤلف الموسيقي بجملة موسيقية من مقام (الكرد) وعلى (درجة الصول قرار) بآلة الكمان وهي من (ثمان مازورات) ساهمت في حل الصراع المتصاعد ولخلق جو من المشاعر والعواطف الهادئة في هذا المشهد وكذلك في التمهيد للمشاهد المفاجئة التي جاءت بعد هذا المشهد حيث جاءت الموسيقى بشكل منسجم مع الجو العام للمشهد وبالتالي منحت الموسيقى عبر نغماتها وإيقاعاتها الجديدة استقرار وثبات صورة العرض. انظر المدونة الموسيقية أدناه:
تنهض جميع الشخصيات من خلال الضربات الإيقاعية القوية بآلة (الدرامز) الكبير وبثمان ضربات بشكل (دم \ تك) .
ثم تبدأ معها الشخصيات بالنهوض إلا أنها جاءت بشكل غير منظم تماماً مع تلك الضربات الإيقاعية، وهذا يعزو لعدم مهارة الممثلين بشكل دقيق كونهم من طلبة المرحلة الأولى في قسم الفنون المسرحية وهذه التجربة الأولى لهم جميعاً في هذا العمل المسرحي حيث كان عليهم التمرين أكثر مع الموسيقى لكي تتناسب وتنسجم حركاتهم الجماعية مع الإيقاع الموسيقي.
اتخذت حركاتهم شكلاً تعبيرياً يوحي بالألم والاضطهاد لتخلف نمطاً علاماتياً مرمزاً يعكس صورة الصراع بشكل تعبيري مشفر من خلال الحركات والإشارات التعبيرية المتعارضة لذلك جاءت الجمل الإيقاعية لمعالجة الرتابة وبشكل منح الحركات تنظيم متناسق.
تتجابه الشخصيات في حوار وصراع فكري متعارض بالإرادات متفجر بضربات إيقاعية وجمل موسيقية مرافقة للحوار حيث نتجت شحنة انفعالية عالية زادت من حدة الأفكار المتنازعة والمتعاكسة لتخلق جواً من الجاذبية والتشويق في العرض .
يدق هوميروس، باب أفلاطون وهو حامل دواوينه الشعرية :
أفلاطون: من الطارق؟!
هوميروس: أنا ياسيدي أفلاطون!
من فضلك افتح لي بابك، إنني في حاجة إليك!
أفلاطون: (يفتح الباب ويخرج في لباسه الحريري اليوناني الدال على الثراء والترف):
من أنت لتزعجني في هذا الوقت المبكر
وتوقظني من نومي اللذيذ؟
هوميروس: أستسمحك سيدي!
إنه منتصف النهار،
وعفوا عن هذا الإزعاج غير المقصود !
جاءت الموسيقى بشكل ومضات قصيرة ومعبرة عن طبيعة الصراع في الحوارمستخدماً_اي المؤلف الموسيقي_ (درجة لا الطبيعي) بآلة الكمان بشكل (*sul ponti dello) ومرة على درجة (دو) ومرة درجة (صول) وبنفس الاسلوب والتكتيك محاولاً بناء الفراغات بين صمت الممثل والحوار اللفظي لتولد شحنة انفعالية عالية تزيد من تصاعدية الصراع عند الشخصية, انظر المدونة الموسيقية ادناه:
ولكي يدل اسم أفلاطون على السمو والرفعة والمبالغة قام المخرج بتجزئة الاسم ( هو، مي، ر، و، س) وهو متمثل بخمس شخصيات شطرها المخرج جزء اًمن المعالجة الإخراجية وذلك لبناء صراع متوازن ومتكافئ في الإرادات والأفكار، لذلك استخدم المؤلف الموسيقي جملة موسيقية على شكل ضربات إيقاعية ونغمات موسيقية منتظمة ومرتبة جديدة بآلة (الترومبيت) من مقام (العجم) وعلى درجة (دو) بشكل ضربا تترافق الجمل الموسيقية ممزوجة مع الحوار لتحقق التفاعل بين الكلمة المتمثلة بـ (هوميروس) و الجملة الموسيقية لتدل على المعاني الخبيئة للشخصية كدلالة تعبر عن دوافع الشخصية وموقفها الدرامي وتعمق الفكرة وتشحن حالات الصراع والرغبات الشخصية والفكرية الموجودة في الشخصية وكان الحوار هو:
أنا هوميروس … هو… مي … ر… و … س!!!
كما في المدونة الموسيقية :
حيث جاءت هذه الجملة المؤلفة لهذا المشهد بـــ (آلة الترومبيت) وهي جملة متصاعدة بالطبقة الصوتية من الأدنى (الغليظ) الى الصوت (الحاد) الأعلى, حاول من خلالها مؤلف الموسيقى ان يكون تأثير هذا التصاعد واضح وملموس لان آلة الترامبيت ذو صوت قوي وصارخ وهذا ما أثار دهشة المشهد الدرامي من خلال أصوات النغمات التي أطلقها الترامبيت.
ثم يتطور الحدث الدرامي ويصل الى الذروة من خلال تصاعد الموسيقى المصاحبة للمشهد الدرامي وبالتالي يتصاعد الصراع ليصل إلى صراع الوعي الفردي للجماعات المضطهدة التي تمثلت بالشعراء الذين اضطهدهم وطردهم أفلاطون من مدينته الفاضلة، وهو صراع داخلي انفعالي قائم على النزاعات والرغبات في المستوى الفكري .
فيما عمد مؤلف الموسيقى على صياغة جملة موسيقية تكون معادل مسموع في العرض المسرحي بجميع آلالات الموسيقية (اوركستر االكترونية*) وهي مجموعة من النغمات والإيقاعات الجديدة التي منحت الممثلين القوة والثبات لتنقلاتهم وحركاتهم ومرافقة الحوارات التي تتصادم فيها الأفكار والرغبات المتعارضة إلا إنها في هذا المشهد أخذت خلفية الحدث لتعبر عن بداية تصادم الأفكار لتعلن عن الصراع الدرامي.
أفلاطون: ما الأمر الذي قصدتني فيه ياشاعرنا الكبير؟
هوميروس: لقد ظلمتني يا أفلاطون، وظلمتك لشعراء اليونان وشعراء
العالم قاطبة وأغضبت الإله أبولو! إله الشعر طبعا كما تعرف،
ويعرف ذلك فلاسفة أثينا وملوك اليونان!
أفلاطون ( متعجبا): أنا…
( يضحك أفلاطون بصوته العالي)
أنا… وكيف ذلك يا صديقي؟
هوميروس: لقد طردتنا يا أفلاطون من جمهوريتك الفاضلة،
وهذا ليس عدلا في حقنا
ولا نرضى به نحن معشر الشعراء، وجمهرة المبدعين!
أفلاطون: إني أعتبر ذلك عين الصواب والحكمة،
فأين المشكلة والعيب؟
في مجمل هذا الحوار نرى إنه مبني على التناقض في الآراء ووجهات النظر بين أفكار أفلاطون واعتراض هوميروس الذي تحركه العاطفة الجنونية وهذا الصراع يشبه في تكوينه الصراع في الواقعية لدى راسين وهو صراع تحركه العاطفة التي تدحر بالجانب الأخلاقي للشخصيات التي حملت نفسها الشر فهي تحطم من حولها، وهي شخصيات قوية ولا تتراجع ولا تستسلم ولا تحبط لذلك فإن (هوميروس) يخوض صراعاً مثيراً يمنحه القوة والعزيمة والإصرار.
أما الموسيقى فكانت بشكل يشبه شكلها السابق اذ جاءت بآلة الكمان أيضاً وهي متداخلة مع الحوار ومتخذة شكلها من الشحنة الدرامية للحوار حيث أسهمت في استمرارية الانفعالات وتصاعد الصراع إلا أنها جاءت على العكس من سابقتها كونها أخذت درجات موسيقية عالية أي بفرق اوكتاف كامل درجة (لا) ودرجة (دو) ودرجة (صول) أما الصيغة العزفية فقد اختلف من حيث الأداء الفني لها إذ جاءت بطريقة (*martele ) مع المشاركة الإيقاعية في هذه المشاهد..
انظر المدونة الموسيقية ادناه :
وبعد هذا الحوار بين هوميروس وأفلاطون تنتفض شخصية (هوميروس) والشعراء ليثوروا على هذه الأفكار القاتلة لجمهورية أفلاطون الفاضلة بعد أن أخذ الصراع ذروته الأخيرة ليتفجر من خلال المحاورة بينهما:
لن نرضى بعولمة الحب، ومكننة القلب،
ولن نتاجر في العواطف والأحاسيس،
سنعيش من أجل الشعر وجنون الشعر،
وحب الشعر، لن نخون بودلير ولا إليوت،
لن نخون السياب و لانازك، ل ننتساهل في موت لوركا ونيرودا،
ولن نبيع الشعر في سوق العولمة،
لن نبيع الشعر في معارض ألغات، ولا في حانات الخمور،
( يخرج هوميروس وهو يردد مرارا وتكرارا)
سنعيش من أجل الشعر
سنعيش من أجل الحب
سنعيش من أجل الشعر
سنعيش من أجل الحب…
(يرفع دواوينه الشعرية إلى الأعلى كـأنه يظهر العناوين للجمهور) التي مثلها المخرج بالعصا والألوان المتعددة والتي غرسها في نهاية المشهد في أفلاطون.
ثم تتصاعد الموسيقى المصاحبة لهذه الحرقة الدرامية، إذ أخذت الموسيقى شحنتها الدرامية من الشحنة المشهدية وهي تتصاعد بضربات إيقاعية عالية إلى أن يقودنا هذاا لى المشهد الأخير للعرض الذي يحتوي على لوحة تشكيلية تعبيرية صامتة بين هوميروس وأفلاطون تجسدت الصراع الإرادات والرغبات المتعاكسة المثير بينهما حيث رافقت الموسيقى وسايرت هذه التشكيلات الحركية، وكان دورها بارزاً في إنضاج حركة الممثلين وتنقلاتهم وفي تنظيم وتصاعد الصراع الدرامي إذ خلقت نوعا من الانسجام بين حركة الممثلين وطبيعة الموسيقى ولونها الذي كان مستمداً من الموروث والتراث الشعبي، حيث استخدم المؤلف الموسيقي جميع آلات الاوركسترا وهذا ما دعم العرض بالمبالغة والتضخيم للصراع الدرامي إذ جاءت الموسيقى في هذا المشهد لتدخل كلغة بديلة عن الحوار تساعد في خلق الجو العام للصراع الدرامي وكذلك في ترجمة فكرة الصراع ومن ثم أسهمت في تصاعد الصراع الدرامي، حيث عمد المؤلف الموسيقي على استخدام الموروث الشعبي في هذا المشهد الختامي إذ استخدم في هذه المقطوعة والتي كانت عبارة عن (20 مازورة) تتكرر بعضها وتعاد أكثر من مرة وبأكثر من آلة موسيقية، اعتمد المؤلف الموسيقي على إيقاع (السامري*) وهو بميزان (6\8) وهو من الايقاعات الراقصة لأنه من فصيلة ايقاع الفالس الراقص.
انظر المدونة الموسيقية أدناه :
جاءت الموسيقى متناسقة ومنسجمة مع أداء الحركات من قبل الممثلين، إلا أن الإيقاع الموسيقي المستخدم في هذا المشهد لعب دورا في تنظيم الحركات والرقصات الدرامية والتشكيلات التعبيرية، مما جعل حركة الممثل (علي عبد الله) تنسجم مع إيقاع الموسيقى ومن ثم تحدد إيقاع العرض البصري بشكل متناسق ومنسجم ومنظم، وبدأ النزاع الحركي يتصاعد مع تصاعد الموسيقى، إلى أن وصل النزاع إلى الذروة وفي تحقيق النصر للحكمة على أفكار جمهورية أفلاطون الفاضلة وموت هذه الأفكار وانتصار الشعر والشعراء إذ بقي في النهاية الممثلون بشخصية (هوميروس)
يرددون…. من أجل الشعر …. وحب الشعر ..
وتتلاشى الموسيقى مع خروج الشخصيات من خشبة المسرح.
الإحــالات:
* – طبل كبير من عائلة الايقاعات وله مكانة مهمة في الاوركسترا.
*– الشيلو: آلة موسيقية وترية من عائلة الوتريات وتعد ثاني هذه العائلة من حيث ضخامة الصوت وقراره بعد آلة الكونترا باص.
*-sul ponti dello : وتعني الترجيف بالقوس قرب الغزالة- أي فرس الكمان.
* – اوركسترا الكترونية: هو احد البرامج الموسيقية يسمى( كيتار برو 5 ) وهو برنامج حاسوبي يعمل بطريقة التوزيع الموسيقي الالكتروني يتحكم فيه المشغل في تصميم الموسيقى.
*– martele تعني تقطيع القوس بقوة
–السامري : وهو لون من الوان الغناء البدوي ويعتبر امتداد لغناء الحداء،والذي ذهب وتطور في عدة مراحل الى ان وصل الى السامري وهو معروف بالسامري النكاز وهو يختلف عن اقرانه من حيث طريقة الأداء والضرب علية بالإيقاع . باسم يوسف يعقوب،المصدر السابق،ص64