نص مسرحي: " السراب" / تأليف: د. دلشاد مصطفى

الفضاء: مستويات متعددة. في كل مستوى هناك باب وخلفه غرفة ومجموعة اشياء مختلفة. توجد خلف الباب الاول ملابس عديدة.بعد الباب الثاني عدد هائل من الاحذية الرجالية. اما خلف الباب الثالث فيوجد عددا من حقائب السفر والحقائب النسائية. بينما تتراكم خلف الباب الرابع اكوام من الورق والفايلات والكتب، وهناك اكوام من الاطباق والاواني المنزلية خلف الباب الخامس، وهناک خلف الباب السادس الواقع في اعلى الوسط  توجد مرآة كبيرة.
(تجلس فتاة حزينة امام الباب السادس تبلغ من العمر (24) عاما، ويقف فتى غاضب يتراوح عمره مابين (24-26) سنة. الفتى غاضب ومتعجرف والفتاة خائفة وقلقة).
الفتى: (فجأة) لا تسألينني لأني لا أعرف الاجابة. (الفتاة تنظر اليه في حيرة وقلق) نعم أتحدث اليك انت، ليس عليك سؤالي، والذي تودين معرفته لا يخصني بشيء (صمت) ها، ماذا أردت ان تقولي؟!
الفتاة: (مستغربة) لاشيء!
الفتى: (غاضبا) كيف لاشيء؟! نظراتك مليئة بالأسئلة!
الفتاة: لاشيء!
الفتى: أتريدين أن تخيفينني؟ أتودين أن تفهمينني بأن هناك سر كبير وأنت لا تريدين الافصاح عنه، وأبقى انا غارقا حتى اذني في الشك والخوف. أليس كذلك؟!
الفتاة: كلا.
الفتى: كيف لا؟ لم لا؟
الفتاة: انا لست مثلك في انتهاز الفرص، أتركك حتى تهدأ، حينها..
الفتى: حينها ماذا؟ سوف تضعينني تحت مشرطه الاسئلة والشك وتتركيني فريسة القلق حتى يخنقني دمه؟
الفتاة: اذهب لتنام.
الفتى: (مستغربا) ها؟
الفتاة: نم قليلا حبذا لو تهدأ..اذهب..
الفتى: تحسبينني طفلا؟
الفتاة: بالتأكيد لم تكبر بعد، انک تتصرف كطفل عابث.
الفتى: طفولتي مليئة بالشك والسؤال.
الفتاة: اشش..أشش، ليس وقتە الان.. اذهب للنوم (يفتح الفتى الباب الاول، يدخل الى الغرفة ويغلق الباب، تبدأ الفتاة بالغناء، أغنية النوم التي تغنيها الامهات لأطفالهن) دللوليالولد يا ابني دللول، عدوك عليل وساكن الجول
(بعد برهة يخرج الفتى قلقا وغاضبا)
الفتى: لا أرجوك، لا تغنين تلك الاغنية، لا اتوسل الیك، عندما تغنينها أحس بانك سوف تخدعينني وتريدينني ان أغفو وانام وبعد ذلك سيحدث شيء مريب كما حدث في الماضي، أیام طفولتي العصيبة.. ارجوك.. لا لا تغنين تلك الاغنية..
الفتاة: لماذا انت هكذا ؟!
الفتى: ها.. ليس من شانك.
الفتاة: لماذا تتغير فجأة وتصبح شخصا اخر بالكاد أعرفە.
الفتي: إنك لم تعرفينني ابدا!
الفتاة: لماذا تود دائما ان تبدوا كلغز أو شك ؟ ليست بالضرورة ان يكون ذلك عنوان الرجولة.
الفتي: أتهينينني؟ (بغضب) نعم أنكتهينينني، ماذا تريدين أن تقولي؟ اظهري على حقيقتك حتـى يظهر وجهك الاخر واضحا وشاخصا.
الفتاة: انا لا ألبس قناعا.. واضحة ولا أمثل الغموض، بسيطة جدا، أمشي بخفة بملابس بيضاء شفافة واجول كنسمة باردة وهكذا!
الفتى: يكمن جزء من خوفي في ملابسك البيضاء، تريدين ان تختبئ خلف تلك الجرأة؟ اليس كذلك؟ انت أيضا جزء من الخطيئة تشبثت بعربة الخطيئة حتى أخذتك معها. إذالا، لماذا وصلنا الى هذا الحال؟
الفتاة: انا لا ادعي باني لم أسقط، سقطت الاف المرات ونهضت، سقطت ونهضت، ولكن لم استسلم ابدا لقدر مفروض علي.
الفتى: تذكرني ملابسك البيضاء بغمامة بعيدة، صباحا تدفعني للبكاء.
الفتاة:لماذا لا تترك ماضيك، ما أفعله،أو ما اقوله سوف يحيلك الي ليلة من عمرك الماضي، لماذا تحتفظ بكل تلك الذكريات والعقد في داخلك، اذهب الى ضفة النهر وتكلم، أو ابكي، افعل شيئا ما، احكي حكاية ماضيك للماء حتى يأخذها للبعيد يخلطها بالمحيطات حينها تستطيع ان تعيش في وئام وتصبح أكثر هدوء.
الفتى: أشعر بانك تظنينني مجنونا.
الفتاة: (تقاطعه) لا..لا..لا.. كلا،لماذا؟ لم أقصدذلك،هل تشعر بالتعب؟ اذهب واخلد للنوم. من الافضل ان تنام،نم، خذ قسطا من الراحة، وبعد ذلك. بعد ذلك.
الفتى: أنى خائف.
الفتاة: عندما اقوللك ما زلت طفلا، تنفعل وتغضب.. ها هو ذا، انظر الى تصرفاتك!
الفتى: ها انا ذا يا ابي.. أنك لم تحرمني من ذلك الميراث أيضا، اقضي ليلي ونهاري مع امرأة. كانها أمي تظهر في صورتها احيانا..لا..لا…لا يمكن يا ابي.ندمت..
الفتاة: ماذا بك؟ أتهذي! أنك لا تعرف ماذا تقول، لديك متسع من الوقت..اذهب لتنام قليلا
الفتى: (يغضب ويخرج برأسه من باب الغرفة ولا يفعل شيء ومن ثم يدخل الى الغرفة، يرقد ويرفع رجليه الى الجدار) يا له من سوء فهم.. اتوسل اليك ان تتركي تلك الاغنية قلبي لا يتحمل.
الفتاة: غريب امرك.. طفل مشاكس وحروك يتـذمر من تلك الاغنية التي كننا نتمنى ان تكون لنا أما حنونا تغنيها لنا بصوت جميل ونغفو على نغماتها..
الفتى: انا لا.. انا أكره تلك الاغنية…
الفتاة: لماذا؟!
الفتى : لانها…لانها..تجعلني غاضبا، منفعلا.. تحرك في داخلي احساس شخص مخدوع، تذكرني بليلة مرة من ليالي طفولتي البائسة.. ليلة مخيفة، ليلة موترجل، ليلة من الخوف، طفولتي مليئة بالذعر، مات رجل في الغرفة المجاورة، كانت امي لا تعرف ماذا تفعل، ما استطاعت فعله هو انها قالت توقف قلبه من الفرح! لم نعرف ماذا نفعل بالجثة، كان المطر يهطل بغزارة، ليلة باردة لقد بقيت لوحدي مع الجثة مذعورا مع أنى كنت لا أعرف معنى الموت حينها، منتصف الليل أخذنا الجثة الى خرابة بعيدة، تركناها هناك تحت المطر، أمست الجثة حتى الصباح تحت رحمة المطر الغزير وأنا ينهشني الخوف واصبحت فريسته المفضلة، ليلة رعناء مات الرجل مبتسما و انا لم انم من الخوف. بت أخشى الشتاء وأجوائه، بت لا أحب المطر.. لان ذعر الليالي العجاف اثمرت شيء غريب في داخلي لا اعرف ماذا اسميه. الى الان اتذكر نغمات تلك الاغنية التي ترددها امي مرات ومرات لكي أنام ولم أقدر، لذا أتوسل اليك أن تسكتي وتتركي تلك الاغنية في حالها..
الفتاة: تذمر رجل فاشل يشبه عويل ذئب جريح في ليلة شتائية داخل خرابة قرية مهجورة. لذا من الاحسن أن تسكت.لأنك تمثل المصيبة، يا أسوء خلق الله. صلب كالحجر، حاد كسكاكين مذبحة شرقية جرباء. الصمت فضيلة، أنا لا أحب حكايات الفشل.
الفتى: لماذا تعذبينني هكذا؟
الفتاة: أنا كنت فتاة خريف ذات عيون صفراء وأنت حولتني الى شجرة شاحبة ذات ضفائر ذابلة،لا يخضر في ألا الحقد، من الأفضل أن تسكت، أسكت…عليك أن تختار الصمت.
الفتى: لماذا أصمت.. أنا ضحية أم مومس وأب دائم السكر، قبل أن يصل طولي الى طول نبتة صغيرة أصبحت الدرابين مأواي الليلي. امي كانت تطردني من البيت لتبقى هي مع من تحب، أمسيت وسط أسوء رجال هذه المدينة، بت في طرقات الفساد ليال كثار. ماذا تنتظرين مني، ان أكون ملاكا.. لا، لا يمكنني ان ألبس سوى لبس الشياطين. انا أمثل الجيل الأكثر لعنة في هذا الوطن، جيل ضاع بين الخير والشر، جيل الحروب المتتالية، جيل الدمار والغصب، وتسألينني بأن أكون ملاكا؟.
الفتاة: يالها من تعيسة المرأة عندما تضطر أن تستمع الى كلمات رجل ملعون، أتريد ان تخدعني بحكايا الكذب؟! هم! لا، لقد مضى ذلك الزمن.
الفتى: (بغضب) أنتن أسوء الكائنات علی وجه البسيطة والتي لا تثق بأحد، اذا امتلكتن القوة فسوف تبيدن الجميع سوی جنسكن اللعين.
الفتاة: لا.. لا.. لا
الفتی: نعم. نعم. نعم
الفتاة: كلا..  كلا.. كلا
الفتى: اش.اش.اسكتي حتى أسكت.
الفتاة : تمام.. سوف لا أتكلم أبدا… أبدا…تمام.. الى الأبد.
(تذهب ب اتجاه الغرفة (2) تفتح الباب وتظهر أمامها مجموعة كبيرة من الأحذية، تتعجب وتقف مذهولة، يضحك الفتي بشكل هستيري، يتحول الضحك الى بكاء، يضحك ويبكي في نفس الوقت)
الفتى: منذ طفولتي لم أفهم سر كل هذه الاحذية،أبي كان دائم الثمل، لا يعرف الليل من النهار، وكان على امي ان تهبه ثمن الخمر وهو لم يسألها أبدا عن سر كل تلك الاحذية، كان مدخل بيتنا مليء بالأحذية الرجالية ولم اجرؤ أبدا ان اسأل، كنت أخاف من غضب امي علي أو ان تجيبني بشيء يجعلني اتألم ما حييت. اصبحت شخصا انطوائيا.. كنت أخجل من الخروج الى الحي وسط الاطفال، كنت أخاف ان يسألونني عن كل تلك الاحذية ولا أستطيع ان اجيبهم بشيء، الغريب في كل ذلك وقتها، لم تكن الاحذية على قياسي او قياس ابي (يدخل الى الغرفة ويحاول لبس الاحذية) لقد جربتها مرات ومرات، كنت تائها ما بين ان اضحك على نفسي أو أبكي لبؤسي.
الفتاة: اصدقائك لم يقولوا شيئا؟
الفتى: لم يواجهونني بشيء.. بعضهم ابتعدوا عنّي.. ولكن أتعلمين؟ من بين جميع أصدقاء الطفولة بقي أحدهم معي ولم يكن يبالي لأي شيء، ذلك الفتى من المدرسة الابتدائية، عرفته هناك في زمن القحط عندما كان معلمنا يعلمنا الحروف البدائية، صديقي الذي كنا ننعته بذات العيون الحمر لم يتعلم سوى ثلاثة أحرف (ح، ر، ب) حاء وراء وباء، حرب ولا شيء سواه. لقد ضيعه الزمن ولكن عندما اصبحت شابا، بدأت بالبحث عنه، بعد عناء وجدته أخيرا.أمسى عريفا في الجيش، لقد شارك في جميع الحروب الخاسرة التي خاضها البلد. كان لا يستطيع البقاء دون تلك الاحرف،أغرب شخصية صادفتها في حياتي، كان معجبا بالدكتاتور بشكل لا يوصف ويقول عنه بأنه رجل الحروب لذا احترمه جدا.
الفتاة: لقد كنت تصادق هؤلاء التعساء لذا أصبحت مليئا بالغضب والحقد.
الفتى: ماذا افعل لم اختارهم بنفسي لقد منحتني الحياة إياهم.
الفتاة :وانت من كنت تفضل؟ لحام الشارع الخلفي،أم بائع الخضروات الذي كان يضرب اطفاله بأثقال الوزن، من كنت تحبذ ؟! الحانوتي زير النساء او عالم الدين الحاد الطباع.
الفتى: ماذا تقصدين بذلك؟
الفتاة: اسمك كان مكتوبا على جبين آيا منهم؟
الفتى: الشك..الشك..الشك، كنت احيانا أقف أمام مرآة شاحبة أقارن ملامحي بملامح والدي، لم أجد شبها بيني وبينه أبدا، حينها انتابتني موجة شك عاصفة، سألت امي فقالت ببرود لا نظير لهو في عينيها نظرة من عتبْ أنك تشبه خالك، وهنا كانت المصيبة أكبر لأني لم أرى خالي أبدا، قالوا لي بأنه في سنة ما، تحت ضغط ما، هاجر ولم يعد، كانت لأمي خالة عجوز هي التي كانت تحكي لنا حكايات الهجرة والهروب. كان الشك المكتوم ينهش دواخلي، اصبحت ابحث في ملامح رجال الحي عن وجهي، في وجوه ضيوف امي حتى أجد شبيهي، لقد اودى بي ذلك الى ذروة اليأس.إنك لا تعرفين معنى ان تشكين في شرعية وجودك، ذلك الشعور بالدونية..
الفتاة: انا أيضا عانيت وأعرف معنى المعاناة، تلك الليلة التي هجرت من الوحشة لم يفتح باب بوجهي..ضائعة.. تائهة، كنت اجري في تلك الشوارع المنسية، كنت لا اعلم الى اين اذهب، لم يكن قلقي هباء، كان ينتابني هلع فظيع، نوبة حزن عميقة، ومن يومها نسيت لون الضحك، انا لم أكن مثلك وليدة ليلة حرام ولكن آه منك،إنك انتخدعتني.. انت خدعتني.. ولكن!
الفتى: لكن ماذا؟ من سمح لك ان تسمينني هكذا؟!
الفتاة : انت وحكاياتك الخرافية عن الشك.
الفتى: انا لم اقل بأن عدم شرعيتي يقين.. انه مجرد شك.شك وليس الا..
الفتاة: لا أحد يشك من لا شيء.
الفتى: بلا، انا اشك في كل شيء.
الفتاة: ولذلك وهبك تلك الصفة اللئيمة وانتقمت لشكك مني. والان انت ابن الحرام ووالد لحرام آخر. لا تجد ما ینقذك من ذلك الغد ومن تلك المسؤولية.
الفتى: لا اعلم.. انا..لم أكن في وعيي.. جنون.. أو نوع من الثمالة.. أو شهوة حيوانية جعلتني افعل ذلك.
الفتاة:لابد أنك تريد ان تبحث عن مبرر لجريمتك. لا..لاشيء ينقذك، من الممكن ان تمشي مرفوع الراس بين الناس في الشارع، وانا أبقي منحنية الراس ولكن أمامي وأمام نفسك وأمام الله ستبقى منحني الرأس الى الابد.
الفتى :هيي.. انا منذ نعومة أظافري كنت أخجل ان أرفع رأسي بسبب أم سيئة الصيت والان كيف لي ذلك..
الفتاة: يا لك من متشائم تعيس، ترمي كل الخطايا على المرأة، لماذا لا تكون لامبالاة أب ثمل، لماذا تتهم امرأة تناديها امي..
الفتى: ابي كان سياسيا عاجزا، ولكن لم يصبح هكذا من تلقاء نفسه.. السجن وظلماته، التعذيب الوحشي والالم حولوه الى ذلك اللامبالي والمهمش. وامي أقرب اصدقاء ابي.. لا.. لا.. اسكت.. من الافضل ان اسكت، الصمت،(يصبح هستيريا) سيقتلونني إذا تكلمت..سوف يقتلونني..كانت امي تقول لي هكذا دائما.. حتى مات ابي في ظهيرة خريف متأخر، رايته يسقط كالحَطَب، مات ولم يعرف احدا لماذا وكيف، سواي انا (تنظر الفتاة اليه) لقد قتله القهر، قصة کبري ونضوجي وفقدان رجولته وشرفه وغیرته كرجل، اصدقائه الذين كذبوا مع مبادئهم وايمانهم، الذين كذبوا بكل شيء.. نعم لقد قتلته الحسرة والقهر..ابي مات من القهر.. قهر مميت لذا سميته شهيدُ اليأسِ والقهر (بعد وهلة) اتعرفين القهر؟!
الفتاة: اتصوره دائما كرجل ممتلئ بائس وعبوس.
الفتى : من؟
الفتاة : القهر..اعرفه جيدا.. قبل ان اعرفك وبعد ان عرفتك..
(يبتعد الفتى ويسقط في زاوية على الارض والفتاة تقف امام الغرفة الرابعة. يبدأ الفتى بالغناء بصوت خافت)
الفتي: موطني … موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك….في رباك (يقطع الاغنية ويتوجه بكلامه للفتاة) كنتم أيضا كذلك، ام لا؟
الفتاة :كيف؟
الفتى: كنتم تنشدون الأناشيد الوطنية ملئ افواهكم، لبلاد تطالب ابناءَها بكل شيء ولا ترضى بأقل من الموت جيلاً بعد جيل، غضب علينا الوطن أياما لأننا کنا نضحک على غباء بعضا من قادته.انا كنت دائما مع المشاكسين، مع انني كنت من الطلبة المتفوقين ولكنني كنت اصادق المشاغبين وكننا نضحك من قهرنا على الوطن.
الفتاة: كما الان..بإمكانك ان تتصرف كأعظم انسان، مع هذا تفضل ان تبدوا كمهزوم حرب خاسر من الازل، لماذا؟
الفتى: ماذا افعل؟
الفتاة : حاول ان تتغير، ان تصبح انسانا اخر. اترك قالبك القديم هذا، الحياة أجمل مما تعرفها انت.
الفتى : لقد انخدع الكثيرون هكذا! انا لا أرضى بذلك، انى مليء بالذكريات المؤلمة، اتركيني.
الفتاة :تحب كثيرا ان تكون نسخة من ابيك..الاب الذي لا يعرف احدا لماذا مات؟
الفتى: لقد أصبح ابي خطرا كبيرا..قلت له مرات عديدة..ضيوف امي هم اصدقائك القدامى وكان يرد بخمول، يا ليتهم خانوني انا فقط..لقد خانوا الوطن.وفي يوم ما اخذ بيدي وذهبنا الى غرفة الكتب، قلع من بلاط الارض جزء ورأيت حفرة، قال لي هذا هو طريق المخبأ الموجود تحت هذا البيت، ياما اختبأنا هناك، إنك کنت طفلا لا تعرف شيئا عن ذلك، هناك ملفات عديدة من زمن آخر خبأتها هنا، سيأتي يوم وتنكشف تلك المصيبة النكراء للناس وحينها…
الفتاة : كفى، لا تثر تلك القضية الى هذا الحد.تأريخ ثورات الشعوب مليء بهؤلاء الأشخاص.
الفتى: تخدعين نفسك بقولك هذا.. عندما لا نجد ما نقول وعند الفشل نقارن أنفسنا بالشعوب الأخرى.. لماذا لا نعرف أحدا ساعة النصر، او لماذا لا نشبههم في كرمهم و ـشمائلهم.. في لحظات السقوط فقط نقول انظروا..تاريخ الشعوب مليء بدماء بعضهم اريقت بيد اخوانهم.. انا لا أؤمن بذلك.
الفتاة: أنك تريد ان تهرب من حقيقة جرم وتجعل من نفسك محامي حقوق الشعب! إنك لست اقل اجراما.
الفتى: لست وحدي..شعب يحمل على عاتقه خطيئة حبهم بصنع الابطال. ابطال مزيفون، تنقصهم خطوة واحدة الى الدكتاتورية.
الفتاة : هذا حديث الجهلة، يشبه مسير احصنة قافلة تمشي في الثلوج معصوب العينين لا تعرف الى اين بها ذاهبون.
الفتى: يا لبؤسنا.. فی کل الازمنة يحكموننا معصوبي الاعين. اتعرفين نحن شعب طال فينا الحِدادْ كطول اعمارنا المهدورة ولكننا نخبئ بؤسنا وراء وصفات البسالة، لست متشائما. لا.. ماضينا ملئ بالحزن، كنت سجينا هناك، في زنزانة مظلمة، سجنت بسبب والدي، كنت على يقين بان ضيوف امي يريدون ابعادي.. في ليلة ظلماء اصابني الارق، بقيت لساعات السحر أفكر في ويلات هذا الشعب وبؤسي.بدقائق قبل الفجر رأيتهم بعيني.أربع رجال، اثنان منهم كانا نحيفان والآخران كانا أكثر امتلاء، أخذوهم من غرفتهم المظلمة نحو ضوء الفجر الخافت، واوقفوهم في صف واحد، صوت الرصاص وانينهم وصلا الى أذنيّ معا، بقي في ذهني الى الان مشهد ذلك الشاب الذي كان يصرخ ملئ فمه “عمر الكلب الهائج أربعون يوما.. سيأتي يوم تعاقبون على كل ما اقترفتم من جرائم سيأتي يوم…. سوف يأتي يومكم ايها القتلة..سوف يأتي عاجلا ام اجلا… “ (يصرخ الفتى من غير إرادة ويردد تلك الكلمات، ثم يصمت فجأة) كيف لا امتلئ حزنا، ذاكرتي لا تحمل سوى تلك الصور..آه، رباه ماذا افعل؟
الفتاة : لا تتسمر امام ذلك الدعاء وتبكي. انا متأكدة بان السماء لا تستمع اليك، بينك وبين الله سقف من الخطيئة لا تنتظر الرحمة لان البراءة ليست مطرا تنهمر عليك فجأة وتزيح عن كاهلك کلخطاياك.لا..
الفتى : ماذا تريدين؟!. قتلي!..تفضلي، هات ما لديك من نصل ارماح جرائم أخرى وهذا صدري.
الفتاة : لا أشفق عليك،لأني كنت يوما احبك!
الفتى : والان؟
الفتاة : لقد نمت داخلي شجرة الحقد منذ اللحظة التي نهشت فيها لحمي كذئب جائع. لذا فأن حزني فيكَ كان أقلّ من غضبي.
الفتى : لم يكن بيدي.
الفتاة : لا تكذب!
الفتى: كان رجسا من عمل الشيطان.
الفتاة : ليس صحيحا.
الفتى : كنت ثملا.
الفتاة : لم تكن!
الفتى : كنت فاقد العقل.
الفتاة : ابدا!
الفتى : كنت حيوانا.. حيووووووووااااااااا ننننننن.
الفتاة : يجوز!
الفتى : اقتليني.
الفتاة : لا أستطيع.
الفتى : إذا ماذا تريدين؟
الفتاة : اعترف بجرمك وصحح خطأك.
الفتى : لا أستطيع… سأخرج..
الفتاة : قبل ان تقر بالحقيقة.. حرام ان تتركني..
الفتى : انا لا اطيق كل تلك المحن. صدقيني، انا، ما عُدْتُ نفسي اتركيني لأذهب.
الفتاة: حاول ان تكون انسانا.. فكر ولو لمرة واحدة بانك تخلق طفلا مثلك دائم الشك.. فكر بذلك قليلا..فاذا سمح لك ضميرك..اذهب حينها…
الفتى : (بسخرية سوداء) الضمير..لقد هجر قواميسنا منذ زمن، لماذا لم يكن لديهم ضميرا أصدقاء ابي..لقد خانوا أنفسهم ووالدي والشعب والله. امي لماذا كانت تطردني لطرقات الفجور ليالي عدة، اين كان ضميرها. هؤلاء الاطفال المشاكسين الذين اوقفوني في مساء خريفي بارد وأرسلوا لي عشرة كلاب ينهشون جسدي النحيل لماذا لم يفكروا بضميرهم، ومعلم الرياضيات ذو العين الزجاجية الذي ضربني اضعاف الرقمين الذين كنت لا اجيد جمعهما، وقلت له استاذي العزيز انا اعرف الطرح فقط..اين كان ضميره؟! لماذا انا على ان احكم ضميري.. هل انا الانسان الوحيد هنا (ينهار ويسقط امام الغرفة السادسة)
الفتاة : (تفتح الباب وتظهر مرآة كبيرة) لا تيأس انهض بهدوء وتمعن في ملامحك، تكلم مع نفسك، حبذا لو تجد عين خير يفجر في دواخلك، انهض لأخر مرة وانظر الى نفسك.
الفتى: لا اجرؤ، اخاف.. ينقع من جسدي عرق خوف رهيب، لا اجرؤ ان انظر الى نفسي..لا
الفتاة : عليك ان تجتاز ذلك الخوف وتنظر الى تلك الجريمة كن شجاعا..
الفتى : كفاك هلاكي..كل ما جرى بدا لي كشيء عادي، لم يبدوا كجرم، لأني كنت ارى ذلك المشهد يوميا..كنت اختبأ خلف الستائر وانصت، اختلس النظر وارى (يبكي) رباه، كم أكره ذكريات تلك الايام.. سوف اسكت، لا اتكلم.. سوف اغلق فمي ولا.. لا أفكر ابدا.. اعرف ذلك.. لا اريد ان اموت.. اجل..سوف اسكت..
الفتاة : (كأنها تأمره) انهض.
الفتى :(يشير بيده بانه لا يستطيع).
الفتاة : انهض ولا تكن ضعيفا.
الفتى : لا أستطيع.
الفتاة : لا تجبرني بان احلفك.
الفتى : بماذا تحلفينني؟! بضريح اب لا اجرؤ ان الفظ اسمه..بعين أم لا أجد أحد يدلني اليها..بماذا تحلفينني؟ بالمطر او ثلوج الجبال.بأرض الوطن.. او البحر.. بدماء الشهداء الذي راح هدرا، او بدموع الثكالى الاتي يبعن الخضار من اجل ان يطعمن احفادهن، ابناء الشهداء..بماذا تحلفينني، هل بقي لنا شيء مقدس.. لا يا عزيزتي.. لقد دنسوا كل شيء..كل شيء..وعلينا، نحن، أن نحرس روض الشهداء، نسقيها بندى أجسادنا ويبقوا هم أسيادنا الازلیین یا لها من مصيبة.
الفتاة : لا تكن..
الفتى : (يقاطعها) اسكتي..صمتا..اشششش اسمع خطوات شخص غريب قربنا..اسسسس.
الفتاة : انا لا اسمع شيئا
الفتى :يصل لأذاني شيء يشبه دبيب خطوات امي (تتحرك الفتاة ويغضب الفتى) أششش.
الفتاة : عجيب امرك.. لا افهم منك شيئا.. في كل مرة تتحدث بشكل مختلف.
الفتى : لا يحق لي ان تكون لي مشاعر.. ان اغضب..اکون هادئا.. أحزن وافرح (بعد وهلة قصيرة) اتعلمين؟! انا الان اشتاق الى امي..الى سيرها الطاووسي بحذائها ذو الكعب العالي عندما كانت تملأ المدخل برائحة الانوثة عصرا. كانت امرأة فائقة الجمال، لهذا انتكس ابي، اشتاق الى امي..لأني متأكد بانها امي بقدر شكيب ابوة والدي نعم متيقن من انها امي.. انها امي بكل تأكيد.
الفتاة : لا تدخل في حكاية اخرى تنسيك الان.. سوف تشيخ امام تلك الايام حكاياتها.. انهض الان بهدوء وانظر..كن جريئا.. وانظر..هيا..
(ينهض الفتى ببطيء ويتأمل وجهه في المرآة، وبعد وهلة صمت، يبصق في وجهه، يكرر ذلك عدة مرات)
الفتى : ملامح رجولتي القذرة تهينني.. أحس بان بعد وهلة كما كان في زمن والدي.. سياتي رجل غريب ويدخل غرفة النوم وسأطرد انا خارجا.. كنت حينها طفلا ملعونا وخائفا لم اجرؤ ان انطق بشيء..وحينما بدأت أنضج ارسلوني الى الجحيم.
الفتاة : يأسك يدفعك بان تبقى في ماضيك.إنك لا تفكر في الان او الغد ابدا
الفتى : من اين أفكر بالغد، أبناء الزانيات ليس لهم غد..
الفتاة : لا تقل ذلك
الفتى : لماذا لا اقل ذلك.. ليس لي اسم اخر..
الفتاة : ربما لم تكن تفعل ذلك هباء
الفتى : لا يحتاج العيش الى هكذا مبررات.. الموت يكون أجمل وأشرف أحيانا..
الفتاة : ليس بالضرورة..
الفتى : انت أيضا.
الفتاة : انا ماذا؟
الفتى : تتكلمين بنفس الايمان الخداع.. كذب لا توجد بينكن صالحة.
الفتاة : نحن ضحايا.
الفتى : من يقول ذلك؟!
الفتاة : نحن.. عدد منكم.. الكتب، الجرائد والمجلات.. الندوات.. الاجتماعات، المؤتمرات.. كلام الاذاعات والتلفزيونات.
(يضحك الفتى بصوت عال..حتى يسقط على الارض ويسكت فجأة)
الفتى : كلام فاض، انهم لا يؤمنون بما يقولون..اتتذكرين ذلك الرجل حالق الشوارب الذي كان يكذب باسم حقوق الانسان والمرأة وما الى ذلك..ذلك الخنزير السمين كان أحد ضيوف امي، في يوم ما لم اقبل ان اخرج، لقد غرس انيابه الكريهة في صدر امي امام عيني.. غضبت وحاولت ضربه، سبقني وضربني صفعة قوية على وجهي ادمعت عيني من قوتها.. لقد اصم اذني لفترة، كنت لا اسمع شيئا، ركضت وهربت من الالم..لم اجرؤ على العودة الى الحي حتى حل الظلام.. كلام..مجرد كلام فاض.. اكاذيب دجال سمين..
الفتاة : اترى..انكم أنتم اصحاب الاكاذيب الكبرى..
الفتى : أشفق عليك عندما تريدين ان تصدقي كذبة واضحة للملا.اتتذكرين تلك السيدة الفاضلة التي كانت تجلس بجواره. كنت تمدحينها وتقولين لها يسلم فاك عندما كانت تتفوه بكلامها الانيق.. لقد سجنت ابنتها المراهقة في غرفتها لسنوات لأنها كانت تتبادل الرسائل والنظرات مع جارهم المراهق.تلك البطلة التي كنت تسمينها قدوة النساء الاحرار..كانت كل حياتها تكره من تكون أجمل منها.. إذا سبقتها احداهن بخطوة ترسلها الى الجحيم او تكسرها وتشوه سمعتها كأضعف الايمان.
الفتاة : إنك لا تثق بأحد.
الفتى : لا لا.. فقدت ايماني بكل شيء.
الفتاة : (تفز) اسمع دبيبا.. يبدوا ان هناك شخص ما قد دخل البيت في غفلتنا.
الفتى : انا لا اسمع شيئا.
الفتاة : انت اصم الصفعات وحكايات الطفولة. كيف لا.. انا اسمع خطوات شخص ما..
الفتى: (يجول يمينا ويسارا) هيييي.. من انت؟ تعال الى هنا، نحن هنا، عن ماذا تبحث؟ نحن هنا.. اذا اتيت لتبحث عن ملفات القبو.. فهذا محض خيال..هيييي.. من انت؟ إذا انت روح ابي اللائبة تكلمي.. اريد ان اخبرك بما جرى بعد رحيلك..ابي إذا انت الذي اتى تعال الى هنا..الان نحن في زمن اخر، لقد أسروا البعبع في حفرة ضجرة، اصدقائك العبوس كذّبت نصف اساطيرهم..ابتلوا اخرين ابرياء وصعدوا بعضا اخر الى القمة. لقد سرقوا سماءَ الناس يا ابي لم يبقى لنا سماء ننظر اليها ونرفع أيدينا للتوسل اليه..رباه هب لنا من لدنك سماء اخرى تكون لنا وحدنا دونهم… ابى اريد ان استشريك في امر ما..سأهدم هذا البيت وأجعل من مكانه ساحة..لا ليس لك، إنك لست بحاجة الى روضة شهيد أو حديقة باسمك.. اقصد موقفا للسيارات.. اصدقائك، عشاق امي لديهم العديد من السيارات لا يعرفون ان يضعونها.. حتى السطوح امتلأت..ابي سأغطي مكان القبو، حتى لا تظهر حتى ورقة من الماضي إني خائف يا ابي..خوف يشبه ما عانيته في طفولتي او أكبر من ذلك. اخاف ان يسمونني خائنا ويقتلونني باسم الوطن. ولا يجرؤ احدا ان يسال عنّي. ابي يقتلني الخوف ويخرسني احيانا..لماذا لا تأتي لإنقاذي، إذا انت روح ابي المقهور فلتاتي لإنقاذي (یرتجف الفتي ويسقط)
 (تضطرب الفتاة وتبدو في حيرة من امرها.. تذهب الى الداخل وتأتي ملئ يديها بماء وتبلل وجه الفتی وتضع يديها على عينيه حتى يهدأ)
الفتى : (بعد قليل من الراحة يبدأ الحديث بهدوء) اخاف دائما ان يأخذوني الى القتال من جديد..اخاف من ان أقتُل أو أُقتَل.في ليلة ما کنت اغازل وجه القمر صحوت من غفلتي وكان قائدنا يصرخ في اذني.. اقتله.. اقتله..لاحظت بأصبعي يرجف على الزناد، قلت له لا استطيع..انه هو ذلك الفتى الذي رايته مساء أمس جالسا قرب المعقل المعادي يغني اغنية حزينة..كان لا يبالي باننا في حالة حرب، كان منخرطا في خياله لا يفكر بانه سوف تأتيك فجأة رصاصة وتدخل صندوق رأسك وتمزق كل نوتات الاغنية اربا اربا، سيدي لا أستطيع قتله، انا أيضا اعشق الأغاني الحزينة لنفس المطرب، يذكرنا بان اليل ساكن بهمومنا..اذواقنا تتشابه، يبدو انه شبيهي كيف لي ان اقتله، انه يعزف المزمار، يبدوا انه كان راعيا لقرية مهجورة..لا يا سيدي لن اقتله…لا ارفض باسم الوطن..لا اريد ان اقتله..يبدوا لي باني اعرفه..من الممكن ان يكون أحد اقربائي الذين لم اراهم في حياتي..كيف اقتل من يتكلم لغتي..لا لن افعل..اه كم کنت أحب بزوغ الفجر من الافاق البعيدة، كنت احسب ان الله ينظر الي من هناك من نافذة الفجر الغريبة.. يا الله كم مضيت في طرقات الضلال ولم افق، رباه ما دفعتني الى شيء والا تحول الى ما يكون في صالحي، رباه انجدني انا التائه فيما بين شتاتي في بلادي واختيار الغربة.. رباه.. انجدني…رباه لا تدفعني لفعل شيء لا تريده..لا الن اقتله يا سيدي. اقتلني ان شئت. انا لا…(يرتجف تمسك به الفتاة)
الفتاة : (تغني) اليل.والعالم يغطيه السكون…اسمع صوت نغمات جميلة.
الفتى : أحب ان انام لوهلة.بقدر كل ليالي برد الازقة المبللة القارس لم يسمح لي ان ارتاح.وهلة او اكثر…اريد ان انام..
الفتاة : اسكت..حتى أكمل لك الاغنية..صمتا..اليل..والعالم يغطيه السكون…اسمع صوت نغمات جميلة..
الفتى: اريد ان اعرف اخبار ذلك الفتى..لقد هرب تلك الليلة بشق الانفس..ولم اراه بعد ذلك..لقد اجبرونا ان نقاتل بعضنا من اجل فرحة البعض، حرب من اجل فهم معنى اللاشئ.. أصبحنا اعداء بعضنا وبعد ذلك يجبروننا على ان نكون اخوة.يا لها من مهزلة تلك التي نسميها الحياة.
الفتاة : اسكت..أسس.. اسكت..حتى أكمل الاغنية..
الفتى : (يقاطعها) لا تكملي.قفي هنا وتأملي هذه الحياة التعيسة..كانت لنا ايام ننخدع بأحرف الكتب (يذهب الى غرفة الكتب، يفتح الباب وتظهر مجاميع الكتب) كننا نعيش في بلد كانت الكتب تفوح منها رائحة الحرية ممنوعة..الاغاني الثورية..القبلة.. المشي..الصرخة..البصق..اللحية..التحدث..قول الآلاء ممنوعة..انظري اننا اتينا بكل الصحف المتربة معنا الى زمن اخر..وا اسفاه انه زمن لا ينفع فيه شيء..لقد ولى ذلك الزمان.. الثقافة عار الان..اذ يسالونك..زوجك..عشيقك..ابنك..اخاك..اختك ماذا يفعل؟إذا قلت..انه منهمك على القراءة..يسخرون منك..يضحكون على جنونك.يطاردونك في الازقة.ويقولون يا له من تعيس مشغول بالكتب، مُسْتَغْرق في الورق والقلم لعله يموت جوعا..
الفتاة : لماذا لا تترك كل ذلك..أنسي ذلك الماضي الجريح..
الفتى : كيف لي ان انساه وقد اتينا بصوره معنا لتجميل اليوم..كيف لي ان انسي واليوم صورة مماثلة للامس ولكن بلون اخر..
الفتاة:  بلا جدوى، كل ذلك الصراخ والانين بلا جدوى.
الفتاة : اعرف جيدا.ولكن ماذا عساي ان افعل غير ذلك..اذهب واكتب الشعارات على الجدران كما كنت افعل في السابق..حتى يأتي الغد…كفى..اتركيني..حتى لا اهان اكثر.
الفتاة : انا الان اريد ان اجالس اغنية هادئة لكي أنسي هموم الدنيا.
الفتى : افعلي انت ذلك..اما انا متعب كوطن محتل فلا أستريح.
الفتاة : تشبه الابطال الاسطوريين القدماء.الذين كانوا يتصورون بان من المستحيل ان يصل الناس الى ضفاف الطمأنينة دون بطولاتهم..اخرج من هذا الخيال..لا يمكنك تغير كل القوانين والنظم.
الفتى : سوف ابيد كل القبح والنجاسة.
الفتاة : كيف؟
الفتي : اغرس اشجار الجمال..سوف ازين حديقة الانتظار هذه بورود الجمال.
الفتاة : من اين لك؟
الفتى : انا على يقين بانه لازال هناك اناس تعيش في دواخلهم بساتين من عشق الجمال وهم لا يدركون..هناك اناس يهتمون بالبساطة والبراة ولكنهم وحيدون.سأجمعهم جميعا ونبدأ مظاهرة كبيرة من اجل معاني الامل والجمال..لإزالة دعائم التشاؤم المقيتة.
الفتاة : إنك تحلم.
الفتى : لما لا؟! أفضل من الجلوس امام شجرة الياس التي لا تثمر ابدا. اتحرمينني حتى من حق الحلم؟
الفتاة : لا، ولكن انا خائفة.
الفتى : تبدين كطفلة. حتى الاطفال يحلمون!
الفتاة : لا لأنيلا اصدق نفسي..خائفة.
الفتى : دون سبب؟!
الفتاة: كلا،تفوح رائحة مساء من الايام الخوالي..ايام كان الخوف صديقي الازلي..زمن كان الخوف هوية كل لحظاته.
الفتى: لقد قلت قبل قليل لنترك الماضي.لا تخافي لقد آن أن ينصرفوا لم يبقى فينا شيء ثمين ولم يأخذوه لا تهتمي بما يقولون فحسبي، وحسبك ان نكون معا، للأبد.تعالي لنزيل تلك الجدران ونبدأ مشروعنا الجديد.
الفتاة : ماذا نفعل بكل تلك الذكريات؟
الفتى : سوف احتفظ بهم في صندوق أقدم منهم وأسلمهم لموجات نهر مجنون.
الفتاة : ماذا عن ابيك والملفات؟
الفتى : اشششش.. لا تتفوهي بشيء عن ذلك..اسكتي (يجن ويغلق جميع الابواب) اسكتي..سوف امحوهم من ذاكرتي قبل كل شيء كأنني لم اراهم من قبل.
الفتاة : وهم..تشغل نفسك بخيال محض.. تعرف جيدا بانك لم تكن كذلك..
الفتى : لا، اريد ان أنسى،لأني اريد ان اعيش في سلام دون كل ذلك الذعر والقلق..سوف امحو كل ذلك من ذاكرتي وأنسى لكي أحظى بالشجاعة سأفعل ولو طال انتظاري للأبد.. كفى تفكيرا بذلك.. كفى.لنذهب (الفتى يبدا بلملمه بعض الاشياء)
الفتاة :الى أين؟
الفتى : نهرب..نترك هذا المكان..على الاقل سنأخذ ذرة من الكرامة معناإذا بقيت! (يذهب ويأتي بعلامة (P) اشارة موقف السيارات، يغرسها في المكان)
الفتاة : كيف تفعل ذلك وضميرك؟!
الفتى: (كأنه يقرأ سورة الفاتحة) مات.
(تأتي ظلمة ببطء)

(النهايــــــــــة)

 
*** د. دلشاد مصطفى رحیم/  نهاية شتاء 2006
 
لا يتوفر وصف.
 

سيرة ذاتية مختصرة

د. دلشاد مصطفى رحیم

 
1971 ولد في مدينة السليمانية \اقيلم كردستان -العراق.
1992  بكالوریوس فنون مسرحیة كلیة الفنون الجمیلة جامعة بغداد
2002  دبلوم دورة البث الاعلامى المعھد الامریكى للاتصالات واشنطن الولایات المتحدة
2002  دبلوم دورة التاھیل الدبلوماسى الزائر الدولى معھد میریدیان ¨وزارة الخارجیة واشنطن الولایات المتحدة.
2009  ماجستیر صناعة الفلم السینمائى جامعة ویلز بریطانیا.
2015  دكتوراه الاعلام التطبیقى سینما ( الابادة الجماعیة الكورد) جامعة سالفورد بریطانیا.
ـ  رئیس قسم الفنون السینمائیة كیلة الفنون الجمیلة جامعة السلیمانیة 2016 ـ 2020
ـ أستاذ مساعد في كلية الفنون الجميلة جامعة السليمانية- العراق.
عمل في المؤسسات الإعلامية من 1992
– تالیف 30 نص مسرحى و عرض منھا25علی مسارح اقلیم کردستان-العراق و ایران ، سوريا،المانیا، السوید،النروج .
– کتابة العديد من المقالات و الدراسات حول الثقافة و الفنون نشرت في الصحافة الکردیة  والعربیة  والدوريات الجامعية،کتابة اعمدة فنية لسنوات في جرائد اقلیم كردستان.
– المشاركة في العديد من المهرجانات و المؤتمرات في العراق، سوريا، لبنان،المانيا،السويد،  ايران و بريطانيا.
– تراس العديد من لجان التحكيم في المهرجانات المسرحية والسينمائية، داخل وخارج العراق.
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت