المعادل المسموع (الحلقة الرابعة)/ الدكتور قيس عودة قاسم الكناني
للتأليف الموسيقي في مسرحية “في أعالي الحب”
مسرحية في أعالي الحب:
مسرحية في أعالي الحب للكاتب فلاح شاكر ومن إخراج فاضل خليل عرضت في بغداد على مسرح الرشيد عام 1998 وكان العرض وحسب رأي النقاد من ابرز العروض التي ظهرت في تلك الفترة اذ كانت فكرة العرض تتحدث عن صراع المشاعر والعواطف والرغبات بين الحب والحرب والقدر, بين الواقع والفنتازيا .
ملخص المسرحية:
تبدأ المسرحية من لحظة شعور الجني القابع في القمقم بالرغبة في التحرر من القيد، وهي نقطة انطلاق تجعل الجني يعبر عن معطى إنساني (رفض القيد والرغبة في التحرر من القمقم) لذلك نراه يقرر وهو في قمقمه قتل أول إنسان يخرجه منه لأنه جعله ينتظر طويلاً، وتبدأ اللعبة حين يكون محرر الجني امرأة تبحث عن طيف حبيبها الذي قتل في الحرب، يخرج____ الجني من قمقمه عبر مصادفة تجعل من (المرأة) تمس قمقم الجني فيخرج متحرراً من سجنه ساعياً لتنفيذ وعده بقتل محرره، لكن الجني حين يجد أن سيده امرأة يتردد بالقيام بأي فعل، ليعلن رضوخه للسيد الجديد، لذلك يفضل الاندماج في لعبة السيد والعبد من جديد مع هذه المرأة، إلا أنها ترفض أي طلب وتقول له لا احتاج شيئاً، إلا أن الجني يلح عليها : عليكِ أن تطلبي مني شيئاً لكي أؤدي واجبي وأكون جنياً حقيقياً، فتطلب منه أن يوقف(هذه الحرب المجنونة) ثم يجد الجني نفسه أمام مأزق كبير حين يشعر أن قدراته غير كافية بالحد أو بالقدر الذي يجعل منه جنياً مميزاً، بدلالة انه لا يستطيع تنفيذ طلب سيدهُ الجديد، من هنا يبدأ التحول في شخصية الجني وطبيعة هذا السيد ونواياه لتخلق تناقضاً في وجهات النظر واختلاف الرأي وقوة الإرادة إذ تصدمه مرة أخرى حين تطلب إليه أن يحقق لها لقاءً مع حبيبها، فيطلب منها أن تحدد له أي حبيب تريد اللقاء به فهم كما يقول الجني ثلاثة، الأول مع ابن الجيران زمن المراهقة الحب الأول، حيث يتقمص شخصية أبن الجيران ليتحول المشهد إلى صراع بين الزمن الماضي والحاضر يخلق من خلاله تنقلات بالمشاعر والعواطف والرغبات الحالمة، المرأة تستغرق في اللعبة لأنها تعيد إليها شيئاً من ماضيها الضائع، ثم يستحضر فيه شخصية (فيصل) الحبيب الغائب/الميت، ووسط هذا التجاور تنشأ حالة التصادم النفسي داخل شخصية المرأة لذلك نرى المرأة عندما تستفيق من حلم اللقاء مع فيصل وتعود إلى واقعها لتحس بالغياب والانتظار الذي يمزق أيامها، تطلب من الجني أن يأخذها إلى الجبهة تشهد حالة موت فيصل ثم تكشف المرأة اللعبة حينما تطلب إليه أن لا يموت ثانيةً، حيث يكشف الجني عن شخصيته وتعلم المرأة أن ما كان يجري بينها وبين الحبيب هو افتعال من مزج خيال الجني مما يجعل المرأة تشعر بالخيبة والخذلان، فتأمر الجني بالعودة إلى قمقمه وكأنها تريد أن تعود إلى عالم العزلة ثانيةً لكنها تستدرك وتطلب إليه إلا يذهب لأنها حسب قولها تحتاج إلى (خدعة) فهي ترى أن هذه الحياة لا يمكن أن تعاش دون وهم جميل يعذبنا، لكن المرأة تكشف عن حبها للجني، إلا إن الجني يرفض ذلك كونه جني لا يملك قلباً، تكتشف المرأة نقطة ضعف الجني وهي قلبه لذلك تبدأ المرأة بقيادة زمام المبادرة لتحفز انفعالات الجني وإراداته العاطفية، تدخل المرأة في القمقم وتحاول أن تلعب معه لعبة تحيله باتجاه توفير جو خاص له للبوح بحبه لها ثم تطلب إليه أن يخبرها بما حل بأحبائها الثلاثة، فتطلب أن يصف لها كيف واجه حبيبها الثالث موته، وسرعان ما يتقمص الجني دور حبيبها الشهيد، وهو ما يجعل مستوى التقارب بينهما يكبر ومرةً أخرى تتماهى شخصية الجني مع شخصية الحبيب الذي تعتقد المرأة انه هو، ولأن الجني يضعف أمامها فانه يطلب إلى سيده سليمان الحكيم أن يحوله إلى إنسان يعيش الجني بذلك صراعاً مع مشاعره وعواطفه ورغباته الشخصية، لكن رد سليمان لا يأتيه أبداً، حيث أراد الجني أن يخرج المرأة من حزنها ومأساتها، لكننا نجده في نهاية المسرحية يقع في المأساة ذاتها حينما يضطره حبه للمرأة أن يتخلى عن جنسه، ولان طبيعة تخليه عن جنسه تفرض عليه الاحتراق فانه يفضل أن يكون إنساناً محباً شهيداً محترقاً على أن يكون مجرد جني يقبع في قمقم مظلم بانتظار سيد جديد يعيد إليه حرية جزئية ليلبي له ما يريد .
الرؤية الإخراجية لمسرحية في أعالي الحب:
انطلقت الرؤية الإخراجية للعرض من إعادة إنتاج النص على مستوى تشكلات مظاهره الخارجية التي تتمثل تجريبية الواقع فتحولت تلك التشكلات والانفعالات الخارجية إلى علاقات اقتران ما بين الشكل والمضمون من خلال حضور الأسلوب الصياغي الذي حول تلك الاقترانات إلى هارمونية موسيقية قائمة على ثنائيات مثل الحضور- الغياب، الواقع – الحلم، الإنس- الجن، الموت-الولادة، الحرب – الحب، العزلة – العالم داخل القمقم – خارج القمقم، الأمل – اليأس، الطمأنينة – الخيبة، أن تلك الثنائيات عززت ديناميكية الموقف نحو التحولات السياقية للحدث والانقلابات الذروية التي أكسبت المشهد دفق الحيوية لتصعد به فوق مستوى مدونة النص، لتعكس البعد الداخلي لوحدة الإنفعالات الدرامية المتعاكسة والمتعارضة بين (المرأة والجني) فتكوّن الرؤيا الإخراجية حالة اللعب حين يتحول المكان في إنشاءات تستند إلى مدونة النص عبر ما يقذفه من ثنائيات فحين تحضر ثنائية الحب – الحرب يتأسس المكان من علاقة متوترة متعارضة ما بين طرفي الثنائية، فحيناً يكون بيتاً يحضر إليه (فيصل) الذي يتجسده الجني، وحيناً يكون جبهة حرب وخندق الرصاص والموت، وحيناً يكون منعطف البيت المستل من ثنائية الماضي – الحاضر الذي تقابل فيه المرأة في (المشهد الواصف) مراهقةً ابن الجيران، ورسالتها الغرامية الأولى وغرفة أسرار المراهقة وشباك مراقبة ابن الجيران، وحيناً يكون مكان لقاء ما لا يأتي من يبقى انتظاره فعل لا جدوى وهي تحيك أزمان الانتظار من نسيج اللاجدوى، حيث يمثل الجني فعل الانتقال والتعارض والتحول في المكان على المستوى الحسي فهو من يأخذ المرأة من البيت إلى الجبهة، حيث عالج المخرج التحولات المكانية والرغبات والتنقلات المتناقضة بين الواقع والخيال من خلال حتمية التحول الزماني، فكان الحراك عبر زمن المرأة ما بين ماضيها وحاضرها واستشراق مستقبلها يرتبط بحتمية التحول المكاني، وان التحول لا يرتبط بتحول الأفعال والإرادات النفسية، بل ببديهية اللعب المسرحي وفعل الخيال الخلاق الذي يحفز القوة والثبات في هذه التحولات، ينبني المكان في ثنائية الداخل والخارج من خلال كتلة القمقم الهائلة في وسط المسرح التي تتمدد لتجسد تحول تلك الثنائية داخل القمقم – خارج القمقم إلى علاقة متوترة في صراع تتكسر معها تلك الثنائية التضادية نحو علاقة أحادية، تتحد من عزلة داخل القمقم قسرية مختومة بختم سليمان الحكيم يعانيها الجني، وعزلة خارج القمقم، عزلة الخيبة مختومة بختم الحرب ولا جدوى الانتظار، تعنيها المرأة .
التحليل الموسيقي :
يبدأ العرض بمشهد مظلم سوى بعض الأصوات الموسيقية المبهمة التي أراد من خلالها المؤلف الموسيقي أن يعكس طبيعة العرض راسماً من خلالها الانفعالات النفسية التي أسقطها الواقع وتجسدت بدور المرأة المنعزلة والمنطوية على نفسها حيث انطلق المؤلف الموسيقي من هذه البداية بجملة موسيقية منتظمة ومرتبة بشكل منهجي حيث جاءت بصورة غير مستقرة وبأصوات مبهمة، وفي بعض الأحيان تمتزج الأصوات في غير توافق(نشاز) ويبدو هذا النشاز مقصود من المؤلف الموسيقي ليعكس حالة المرأة ورغباتها الشخصية المتناقضة، تستمر هذه الأصوات في صعود ونزول (كروماتيك) في آلة (العود) مع حركة الممثلة بين فضاء المسرح وهي في صراع مع نفسها التي يعتريها الخوف.
وعند ظهور الجني يدور الحوار بينهما حتى يصل الى التصادم في الإرادات ووجهات النظر بينهما ثم يذكرها بذكرياتها مع حبيبها الأول، يخلق هذا الحوار صراعاً لدى المرأة التي عانت ما عانت فتتنفس عبير سنواتها وذكرياتها الجميلة مع ابن الجيران الحب الأول وتسرح في خيالها :
الجني: أنا أبن الجيران
المرأة: أنت ؟
الجني: أو ليس هكذا يسير؟
المرأة : (سارحة في خيالها ) كان هذا أولهم،
كنت ساذجة، مأخوذة بالحياة
أتنفس الأحلام أشعر بأني أعيش إلى الأبد دونما شيخوخة.
التقطتني نظراته المتكررة،
المترجية المتدفقة بالرغبات المحبوبة عنوة
الجني: وفي ظهيرة كانت من الحر كأن الشمس سكنت الأرض،
برز لك وأنت عائدة من المدرسة
المرأة: هل تعرف؟
الجني: أولست جنيا ؟
المرأة: رباه، لا أستطيع تخيل شكله كاملا
الجني: كان يرتجف للحد الذي ثمة معجزة لبقاء سرواله في مكانه
المرأة: في وقتها لم يبدو مضحكا
الجني: لأنك لم تكوني أقل منه ارتباكا
المرأة : صوته بالأرتعاشات صوته،
هل تعرف كيف كان ؟
( يبدأ الجني بتقليد أبن الجيران، تبدأ بالتأكيد كلعبة و تبقى هكذا بالنسبة الى الجني، إلا أن المرأة تستغرق بالذكرى فتدخل بالدور تماما و كأنها حقيقة تحدث الآن )
الجني : بارتباك شديد .. مير … مر.. مرحبا
( المرأة بارتباك تنظر إلية صامته )
الجني : ( بارتباك متزايد) أنا ولد … أقصد أبن جيرانكم
المرأة : أعر .. أعرفك
الجني: ما عندي أخت حتى تصير صديقتك
المرأة: لا … لا أفهم
الجني: أنا صديقتك .. أقصد كان من الممكن أن تقول بك لو كانت …
المرأة: ماذا … ماذا تقول لي ؟
الجني: أنا … أنا .. آه لو كان لدي أخت
المرأة: اعتبرني … اعتبرني أختك
الجني: لا … أقصد ( يصمت، يبقى مرتعشا بعض الوقت، يتبادلان النظرات )
المرأة : أنا ذاهبة
الجني: لا … لا تذهبي .. أنا … عندي رسالة لكِ
المرأة : رسالة ؟
الجني: لم أنم كل الليل وأنا أكتب
المرأة: لا … أنا لا آخذ الرسائل من أحد
(تهم بالذهاب)
الجني: (يصرخ) لا تذهبي أنا أحبك.
يحيلها هذا الحوار إلى ذكرياتها الجميلة فتشعر بالرغبة للعودة لهذا الزمن الجميل، ومن خلال هذا يظهر الصراع وهو يشبه في تكوينه صراع الواقعية عند (ابسن)الذي يأخذ شكله من المشاكل الاجتماعية متجاهلاً القوى الغيبية ودائما ما يخلق ظروف إفتراضية لها غاياتها فالمرأة تستعير زمناً افتراضياً لسنوات شبابها لتخلق من هذا الافتراض صراعاً بين رغباتها وبين واقعها المر وهذه الرغبات الشخصية للمرأة تخلق صراعاً يركز على معاناتها الداخلية، ونزاعاتها الخارجية، ومشاعرها، وأحاسيسها، من ظروف الواقع كالحرب مثلاً، هادفاً من خلالها الإيقاظ للإرادة الفكرية والنفسية، إلا أن الجني عندما يقوم بأداء شخصية حبيبها ويندمج في الدور يعيش هو الأخر في صراع مع نفسه بين كونه (جنياً) وكونه شخصية(حبيبها) لأنه اظهر لغة أخرى لمفهوم الصراع وهو صراع مع ذاته وهذه اللغة ظهرت شكل الصراع من خلال الازدواجية بين دوره كجني ورغبته في الحب فينقل مشاعره وأحاسيسه وعواطفه.
جاءت الموسيقى وعبر رؤية المؤلف الموسيقي من شحنة المشهد حيث ركز على استخدام مقام (الصبا) وعلى درجة (صول) وبشكل أشبه بالارتجال لأنه لم يتقيد في عدد المازورات بل كانت تساير المشهد وتتكرر معه بمجموعة من النغمات الجديدة المتناسقة بمهارة وحرفية، حيث جاءت حزينة وشجية من خلال اختيار اللون الصوتي للآلة الموسيقية لأن اختيار آلة الكمان الوترية هو عامل محفز لإبراز الانفعالات العواطف والرغبات الشخصية في هذا المشهد لان الآلات الوترية تسهم في دعم صراع المشاعر والأحاسيس والعواطف والحزن, انظر المدونة الموسيقية أدناه.
وفي مشهد آخر وحين تستذكر المرأة الجني عن ذكرياتها العاطفية التي فقدتها نتيجة لتقلب الأحوال المتعارضة والمتعاكسة لهذا السيدة:
المرأة : كم نبدو مضحكين في أوهام حبنا الأول،
مضحكين و نحن نزيل سقار الحب الأول (تضحك) نرتعش عندما نتذكره،
نضطرب عند لقياه، ليس من هدف سوى الحب نفسه،
ولا يهم حتى الشريك من يكون.
فيجيبها الجني:
من يكون.؟؟
تصمت المرأة وتتأمل في نفسها لتعيش في لحظات تتعارض إراداتها ورغباتها، حتى تبدأ بصراع مع نفسها إذ لا يتدخل أي شخص في أسباب إظهار الصراع بل يظهر نتيجة لتراكم الماضي الذي لا تتمكن المرأة من الفرار منه، لذلك يبقى هذا الصراع صراعاً نفسياً كما في واقعية تيشخوف.
حيث جاءت الموسيقى بجملة قصيرة من مقام (الحجاز) ومن ميزان (2\4) وبطريقة الارتجال (التقاسيم الإرتجالية) لتمهد بدورها إلى بداية تعارض الإرادات للمرأة وعلى درجة(صول) وهي طبقة عادةً ما تستخدم للرجال إذ كان على المؤلف الموسيقي أن يبدأ بدرجة (ري) التي غالباً ما تصاحب طبقات النساء لتكون أكثر ملائمة وانسجاماً وتناسقاً للشخصية, أنظر المدونة الموسيقية أدناه .
ومن خلال هذه الجملة الموسيقية تتمكن شخصية المرأة من الدخول بالشخصية باستسهال تام لان الموسيقى ساهمت في خلق الجو المناسب لاستعادة المرأة ذكرياتها وماضيها التي كانت تتحدث عنها وتتذكرها حيث نقلت الموسيقى عبر نغماتها الموسيقية المتهادية الجو الدرامي الى ذكريات ماضية، ويستمر الحوار مع أنغام الموسيقى حيث تمنح الموسيقى الحوار قوة ووضوح:
المرأة : لا أدري ..
لا أظن أن ثمة رجلا أو شيئا يستطيع الآن أن يجعلني أرتعش أو أرتبك …
لقد جفت الروح
الجني: كثيرا ما نظن في قمة أزماتنا أن هذه هي نهايتنا،
ولكن للزمن أبدا بدايات جديدة،
يلتئم الوقت أو الجرح فنعود ثانيةَ إلى الصباح .
المرأة : يا للوصفات الجاهزة الجميلة،
في أزمان أخرى ربما …
لكن ليس في زمننا .
جاءت الموسيقى المؤلفة لهذا المشهد منسجمة ومتناسقة مع الشخصيات وهي ممهدة لبداية ظهور الانفعالات والرغبات المتعاكسة والمتناقضة عند المرأة إذ تقابلت الموسيقى مع الحوار وشكل هذا التقابل شحنة انفعالية للمرأة زادت من حالتها التي بدت تتصاعد بالصراع مع تصاعد الانفعالات والمشاعر المتعارضة بينها وبين ماضيها.
وفي مشهد آخر حيث المرأة والجني الذي يستحضر شخصية فيصل من خلال نفسه، أخذ دور الحبيب الذي أخذته الحرب، والمرأة مأخوذة بذكرياتها الجني يتقدم اتجاهها مع تغيير بسيط يلائم ما تعرفه هي عن فيصل،إذ تعيش الدور بحقيقته الواقعية ولكن بوهم !
يدور الصراع في هذا المشهد نتيجة لتراكم الماضي وذكرياته وهو صراع قائم على نزاعات النفس البشرية التي تمثلت بالمرأة نتيجة الألم والعنف الذي عاشته المرأة في حياتها لتعبر عن صورة الصراع لهذا الواقع، حيث بدأ المخرج مركزاً ومن خلال دور الجني في (فيصل) على موضوع وقضية المرأة فهي المركز الحيوي لهذه الموضوعة والقضية مستغلاً ظروفها ورغباتها النفسية وعلاقاتها الأخرى حيث تم التأكيد على الجانب الانفعالي للشخصية لإبراز الانفعالات والرغبات.
فيصل: أننا في الحرب
المرأة : ماذا يعني هذا
فيصل: رصاصة صادقة في مصيرها تسير باستقامة لكي تنهي القلب
المرأة : وماذا يعني هذا ؟
فيصل: أعطيني شهيقك لكي أطيل مسافة الرصاصة وأبعد القلب
المرأة : قلبي
فيصل: لا مجاملة في الحرب،
الموت واضح، لماذا نخادع الحياة ونكابر،
أنا كالرصاصة مستقيم
أريد أن أخترق قلبك بنبضي لكي نخترق الحب نسيانا للموت
المرأة : لكني لم أعرفك بما يكفي
فيصل: في الحرب جرذانا نلتصق ببعضنا
الحماية هي الحب …
بعد حرب او وقت يتبخر الحب
أو ينغلق فتتكاثر محبتنا بطول عمرنا
المرأة : أنك لا تعطيني فرصة للتفكير فكيف …
فيصل: عميان تحت أزيز الرصاص نختار خندقنا،
امرأة في طريق قافلة جنود ماضين للحرب…
تؤشر لهم بعلامة النصر، تصبح حبيبة كل القافلة،
كانت الموسيقى في هذا المشهد الواصف لحال الحب الضائع عند المرأة والذي أيقضه الجني فيها، فراحت تتذكر أيام الخوالي وسنوات الحب حيث اندمجت مع الجني حتى وصل بها الأمر أن تقع في حبه لتعيش في رغبات وعواطف رومانسية متصادمة بين الواقع والخيال، لذلك جاءت الموسيقى من مقام (الحجاز كار*) بالة العود المنفردة وإيقاع بطيء جداً واستمرت مع الحوار دون أن تؤثر على ألفاظ الممثلين حيث رسمت الموسيقى شكلاً متداخلاً متناسقاً ومنتظماً مع الحدث من خلال تنظيم المؤلف الموسيقي مجموعة من النغمات الموسيقية الجديدة المنتظمة لهذا المقام، وحاول أن يمنح من خلالها تلك العواطف والمشاعر والرغبات بالقوة التي كانت تعتري المرأة، ليعبر من خلالها عن ذكريات ماضية، كما لعبت الموسيقى دوراً في بناء الأجواء الرومانسية والعاطفية التي أسهمت في تطوير شكل الصراع الدرامي في شخصية المرأة والجني على حد سواء.
انظر المدونة الموسيقية أدناه .
وفي مشهد الختام حينما تتصاعد المشاعر والعواطف والرغبات الشخصية بين المرأة والجني ويبلغ المشهد الدرامي ذروته في الأداء المتماسك والمتناسق والمنسجم:
المرأة : ليس ثمه حكمه لا تؤدي إلى الحب
الجني : و احتراقي ؟
المرأة : أو ليس موتاً للقلب حين تغادر
الجني : روحي فوق يدي وعليَّ أن أختار
المرأة : الموت أقرب ألي من يدي وأخترتكِ
الجني : سيكون موتي قريباً لو فعلت
المرأة : لكنه سيكون مليئا، دقيقته سنوات
الجني: أنـا
المرأة : أنت ماذا ؟
الجني : أنا أحبك و ليأت الحرق بعدها
يعاني الجني من أزمات نفسية بينه وبين نفسه حيث اظهر لغة أخرى عبر صراعه مع ذاته ومن خلاله خلق شكل الصراع في هذا المشهد الصراع المتحرر من القيد ومن جنسه وبحث عن شكل جديد للتحرر رغم ما سيحل به، حيث يتخذ موقفٍ ما ناكراً سلطة التقيد والعبودية الكبرى، راسما طريقاً لقلبه ومشاعره وإنسانيته التي لا ينتسب إليها .
جاءت الموسيقى في هذا المشهد الختامي وبدأت من الشحنة الدرامية للحدث حيث تصاعدت مع تصاعد الحوار وتصادم الرغبات في الشخصيتين إذ تقابلت الموسيقى مع الحوار بطريقة منسجمة بآلتين (العود والكمان) وهما من الآلات الوترية الشجية، وكانت الجملة الموسيقية من مقام الحجاز وعلى درجة (صول) حيث تولد بين المعاني اللفظية المؤلمة الشاعرية وعذوبة النغمات الموسيقية لهذه الآلات شحنة انفعالية عالية زادت من تصاعد الرغبات والتصادمات إلى ذروتها حتى النهاية ثم ساعد في حل تصادم الأفكار والإرادات حتى الوصول إلى الختام عندما لفظ الجني حواره الأخير.
الجني : أنا أحبك و ليأت الحرق بعدها
حيث جاءت الجملة الختامية للعرض المسرحي بجملة من مقام نهاوند على درجة (صول) ومن ميزان (4\4) كما موضح في المدونة الموسيقية إدناه:
الخلاصة
خلاصة التأليف الموسيقي لنماذج من عروض المسرح العراقي التي كانت الموسيقى فيها مؤلفة بشكل خاص لعروضها فظهر ان التأليف الموسيقي هو ابلغ للوصول إلى حقيقة العرض من خلال كشفه لقوة الإرادات المتعاكسة والمتنازعة وفكرة وموضوع العرض المسرحي، إن الموسيقى التي تؤلف من أجل العمل المسرحي هي أكثر قدرة على التعبير والتعليق عن الانفعالات والصراعات والرغبات المتعاكسة والمتنازعة التي تثير الجاذبية والتشويق في العرض المسرحي لأن التأليف الموسيقي يكون أكثر قدرة في التعبير عن فكرة وشكل الصراع الدرامي ولا يقوم بتشتيت انتباه الممثل كما يسهم في توضيح الأدوار ويبعث الحيوية والنشاط في أداء الممثل ليبرز حالات النزاع المتعارضة والمتعاكسة ويدعمها بالقوة والثبات، كما تسهم إن عناصر التأليف الموسيقي(الإيقاع.. اللحن.. الشكل)هي جزء مهم في قوة وثبات الإرادات المتعاكسة والمتناقضة وفي بناء الجو العام للعرض ودعم الأفعال الدرامية وكشف الخفايا وفك الرموز وتبسيط صورة العرض ومنحهُ الإثارة والتشويق، لإن بساطة التأليف الموسيقي في المسرح العراقي ظهرت خالية من التراكيب الهارمونية حيث أتسمت بالشكل (الميلودي) ويعزو هذا الأمر نتيجة لقلة المختصين والعاملين الذين لا يمتلكون الخبرة والمهارة الكافية في مجال التأليف الموسيقي بالشكل الذي يجعل مؤلفاتهم تتسم بشكل علمي ومنهجي رصين إلا ما ندر من الأعمال المسرحية لان اغلب تلك العروض تكون في سلطة وهيمنة المخرج في اغلب الأحوال ولم يستعن بشخص متخصص في مجال التأليف الموسيقي المسرحي.
إن ترتيب وتنظيم النغمات الموسيقية والإيقاعية الجديدة في العرض المسرحي التي تكون نابعة من طبيعة العرض المسرحي حسب ما اذا كان واقعياً أو ملحمياً أو كلاسيكياً أو تعبيرياً حيث يكون قد ساهم كلغة تساعد على خلق الإثارة والتشويق والجاذبية، لان التأليف الموسيقي قادر على أن يخترق النفس البشرية كونه أداة يمكن التعبير من خلالها عن داخل النفس البشرية ويمكنه الكشف عن خفايا الحياة الإنسانية وعواطفها ولهذا تستطيع الموسيقى إرسال وفك الرموز وتوضيح المشاعر والانفعالات لتصل بالصراع إلى مبدأ التشويق والإثارة.
إن اختيار الإيقاع الموسيقي وتنظيمه وترتيبه له دور في شد وتنظيم حركة الممثلين وتنقلاتهم مما ساعد في تحفيز الانفعالات المتصاعدة والمتأججة، حيث يعمل تتطلب عملية التأليف الموسيقي في العرض المسرحي إمكانية لا يمكن بلوغها إلا عن طريق الخبرة والدراية المنهجية في مجال الموسيقى والمسرح مجتمعةً سوية، وكلما كان الإيقاع الموسيقي منتظم ومرتب بالشكل الذي يتطلبه العرض المسرحي كلما كان أكثر حيوية، لأنه يعالج نقاط الرتابة والملل في العرض المسرحي ويساعد في تنظيم الأشكال والحركات والرقصات التعبيرية ويجعل حركة الممثلين وتنقلاتهم أكثر رشاقة وجمالية وبالتالي تزيد هذه الحركات المنظمة من جاذبية وتشويق العرض.
كما دخل الشكل الموسيقي(النمط او القالب) للتأليف الموسيقي في العرض المسرحي بدور داعم لشكل وفكرة المشهد الدرامي من خلال التناغم بين شكل الموسيقى وشكل الإرادات المتعارضة مما ساهم في تصعيد هذه الصراعات المتناقضة والمتعارضة ليخلق بذلك الجاذبية والتشويق للعرض المسرحي، وكلما تناسقت عناصر الموسيقى ( اللحن ،الإيقاع ،الشكل)، كلما أصبح الحدث الدرامي أكثر جاذبية وتشويق، بالإضافة الى نوع الآلة الموسيقية التي ترافق المشهد فلكل آلة موسيقية صفات وأسلوب وفلسفة في العرض فالوترية في أغلب الأحوال تسهم في ثبات المشاعر والعواطف التي تمهد للمشاهد الرومانسية والعاطفية الهادئة، اما الهوائية\ النحاسية فهي دائما تمنح القوة والثبات للأفعال والمواقف البطولية والحماسية المتصاعدة لما تمتاز به من قوة وهيبة لتزيد من العرض إثارة وتشويق، كما ان كثرة استخدام الآلات الموسيقية (في إطار التأليف الموسيقي) في العرض المسرحي جاءت في بعض المشاهد القصيرة للمبالغة والتعبير عن المشاعر والأحاسيس البطولية والحماسية لتحفز الانفعالات وتصل بها إلى الذروة لتخلق بذلك الجاذبية والتشويق في العرض المسرحي.
خلاصة التأليف الموسيقي لنماذج من عروض المسرح العراقي التي كانت الموسيقى فيها مؤلفة بشكل خاص لعروضها فظهر ان التأليف الموسيقي هو ابلغ للوصول إلى حقيقة العرض من خلال كشفه لقوة الإرادات المتعاكسة والمتنازعة وفكرة وموضوع العرض المسرحي، إن الموسيقى التي تؤلف من أجل العمل المسرحي هي أكثر قدرة على التعبير والتعليق عن الانفعالات والصراعات والرغبات المتعاكسة والمتنازعة التي تثير الجاذبية والتشويق في العرض المسرحي لأن التأليف الموسيقي يكون أكثر قدرة في التعبير عن فكرة وشكل الصراع الدرامي ولا يقوم بتشتيت انتباه الممثل كما يسهم في توضيح الأدوار ويبعث الحيوية والنشاط في أداء الممثل ليبرز حالات النزاع المتعارضة والمتعاكسة ويدعمها بالقوة والثبات، كما تسهم إن عناصر التأليف الموسيقي(الإيقاع.. اللحن.. الشكل)هي جزء مهم في قوة وثبات الإرادات المتعاكسة والمتناقضة وفي بناء الجو العام للعرض ودعم الأفعال الدرامية وكشف الخفايا وفك الرموز وتبسيط صورة العرض ومنحهُ الإثارة والتشويق، لإن بساطة التأليف الموسيقي في المسرح العراقي ظهرت خالية من التراكيب الهارمونية حيث أتسمت بالشكل (الميلودي) ويعزو هذا الأمر نتيجة لقلة المختصين والعاملين الذين لا يمتلكون الخبرة والمهارة الكافية في مجال التأليف الموسيقي بالشكل الذي يجعل مؤلفاتهم تتسم بشكل علمي ومنهجي رصين إلا ما ندر من الأعمال المسرحية لان اغلب تلك العروض تكون في سلطة وهيمنة المخرج في اغلب الأحوال ولم يستعن بشخص متخصص في مجال التأليف الموسيقي المسرحي.
إن ترتيب وتنظيم النغمات الموسيقية والإيقاعية الجديدة في العرض المسرحي التي تكون نابعة من طبيعة العرض المسرحي حسب ما اذا كان واقعياً أو ملحمياً أو كلاسيكياً أو تعبيرياً حيث يكون قد ساهم كلغة تساعد على خلق الإثارة والتشويق والجاذبية، لان التأليف الموسيقي قادر على أن يخترق النفس البشرية كونه أداة يمكن التعبير من خلالها عن داخل النفس البشرية ويمكنه الكشف عن خفايا الحياة الإنسانية وعواطفها ولهذا تستطيع الموسيقى إرسال وفك الرموز وتوضيح المشاعر والانفعالات لتصل بالصراع إلى مبدأ التشويق والإثارة.
إن اختيار الإيقاع الموسيقي وتنظيمه وترتيبه له دور في شد وتنظيم حركة الممثلين وتنقلاتهم مما ساعد في تحفيز الانفعالات المتصاعدة والمتأججة، حيث يعمل تتطلب عملية التأليف الموسيقي في العرض المسرحي إمكانية لا يمكن بلوغها إلا عن طريق الخبرة والدراية المنهجية في مجال الموسيقى والمسرح مجتمعةً سوية، وكلما كان الإيقاع الموسيقي منتظم ومرتب بالشكل الذي يتطلبه العرض المسرحي كلما كان أكثر حيوية، لأنه يعالج نقاط الرتابة والملل في العرض المسرحي ويساعد في تنظيم الأشكال والحركات والرقصات التعبيرية ويجعل حركة الممثلين وتنقلاتهم أكثر رشاقة وجمالية وبالتالي تزيد هذه الحركات المنظمة من جاذبية وتشويق العرض.
كما دخل الشكل الموسيقي(النمط او القالب) للتأليف الموسيقي في العرض المسرحي بدور داعم لشكل وفكرة المشهد الدرامي من خلال التناغم بين شكل الموسيقى وشكل الإرادات المتعارضة مما ساهم في تصعيد هذه الصراعات المتناقضة والمتعارضة ليخلق بذلك الجاذبية والتشويق للعرض المسرحي، وكلما تناسقت عناصر الموسيقى ( اللحن ،الإيقاع ،الشكل)، كلما أصبح الحدث الدرامي أكثر جاذبية وتشويق، بالإضافة الى نوع الآلة الموسيقية التي ترافق المشهد فلكل آلة موسيقية صفات وأسلوب وفلسفة في العرض فالوترية في أغلب الأحوال تسهم في ثبات المشاعر والعواطف التي تمهد للمشاهد الرومانسية والعاطفية الهادئة، اما الهوائية\ النحاسية فهي دائما تمنح القوة والثبات للأفعال والمواقف البطولية والحماسية المتصاعدة لما تمتاز به من قوة وهيبة لتزيد من العرض إثارة وتشويق، كما ان كثرة استخدام الآلات الموسيقية (في إطار التأليف الموسيقي) في العرض المسرحي جاءت في بعض المشاهد القصيرة للمبالغة والتعبير عن المشاعر والأحاسيس البطولية والحماسية لتحفز الانفعالات وتصل بها إلى الذروة لتخلق بذلك الجاذبية والتشويق في العرض المسرحي.
الإحــالات:
* – الحجاز كار: هو من فصيلة مقام الحجاز وأجناسه، الأول والثاني حجاز (ري)و (صول).