« دور المتلقي في عروض مسرح الشارع » / بقلم : حسام الدين مسعد

إن المسرح ليس إلاحدث يعتمد على الحضور الفعلي للجمهور إذ أن العرض المسرحي يقدم للجمهور ما يريد أن يراه ويميز بين دور الجمهور وبين دور المؤدين، ويصنع علاقه بينهما قد تكون في شكل استجابة عاطفية لدى الجمهور إزاء الأداء، وإذا كان هذا يؤدي إلى التفاعل بين الجمهور وبين العرض للإرتقاء، فإن هذا لا يعني بالضرورة السماح للجمهور بالتدخل والإسهام في تشكيالعرض، وإنما يعني الإسهام في إعطاء معنى للعرضالمسرحي .
ففي عملية الإستقبال، يعتبر العمل الذي يقوم به المشاهد تجاه ما يراه أهم شيء، حيث يربط المشاهد بين مرجعه الخاص ومرجعية العمل وبين العالم الوهمي المعروض عليه وبين واقعه هو ويقصد بالعمل الذي يقوم به المشاهد المعنى الذي ينتجه من خلال ( أفق توقعه الخاص)، أي من خلال قراءاته السابقة للنصوص أو مشاهداته للعروض المسرحية، وكذا رصيده الثقافي والمعرفي. وعلى الرغم من الإختلافات المرجعية بين ما يصنعه العرض وبين مكونات المتلقي، فأننا لا نستطيع فصل العرض عن تاريخ استقباله ومكانه، وقد يكون أفقه مختلفا عن أفقنا .
فحين تنفجر فوضوية المؤدي تعبيرا عن حريته خالقة نظام جمالي يكسر كل الجدران والفواصل بينه وبين المتلقي فتتبدل الأدوار ويتحرر المتلقي .فإننا إزاء عرض مسرح شارع . الذي هو «كل عرض مسرحي يصادف المتلقي خارج العمارة المسرحيه ويناقش قضاياه اليوميه خالقا حاله ديالكتبكيه تجعل من المتلقي مشارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض »وهذا التعريف يحدد دور المتلقي في عروض مسرح الشارع هذه العمليه الإتصاليه التي تتكون من عناصر هي القضية اليوميه او الرساله ثم المرسل او القائم بالإتصال او المؤدي الممثلين وأخيرا المستقبل او المتلقي الذي يعتبر من أهم عناصر العمليه الإتصاليه في العرض المسرحي . ولايتصور ان يتحقق الإتصال دون المتلقي او دون معرفة المستقبل الذي يتعامل معه المرسل القائم بالإتصال . ويجب علي صناع مسرح الشارع معرفة المتلقي ودراسته وتقسيماته حتي يتثني لهم تحديد الرساله او القضيه اليوميه وتحديد لغة الإتصال التي ستساعد في خلق الحاله الديالكتيكيه التي تزج بالمتلقي داخل رقعة التمثيل ليشارك في بلوغ الغايات الدلالية وهنا يثور السؤال الهام من هو المتلقي في عروض مسرح الشارع ؟
* والمتلقي او المستقبل هو الفرد المحتمل (المصادف عشوائيا للعرض ) الذي توجه له الرساله الإتصاليه ويستقبلها من خلال واحد او اكثر من حواسه المختلفه (السمع، البصر، الإدراك) ثم يقوم بتفسير الرموز ويحاول فهم معانيها (بلوغ الغايات الدلاليه من العرض المسرحي ) ويثور السؤال الهام ما هي تقسيمات المتلقي وتصنيفاته ؟
* وينقسم جمهور المتلقيين الي جمهور المتلقيين العام [وهو الذي نعنيه بمفهوم الحشد الذي يعرض نفسه تلقائيا وفرديا وبطريقة شخصيه للعرض المسرحي ورد الفعل عند عضو هذاالجمهور يكون مستقلا، لإستقلال تعرضه واستجابته، ولعدم وجود اهتمامات مشتركة بين أفراده وقد يكون هذا الجمهور من المتلقين غير متحد اللغه او اللهجه وبالتالي فإن إستهداف هذا الجمهور يتطلب دراسة دقيقه وعلميه تبتني في الأساس علي إيجاد لغة مشتركه لتوصيل رسالة العرض .
*جمهور المتلقين الخاص وهو النمط الذي يجمع بين أفراده بعض من الإهتمامات، أو الحاجات، أو الإتجاهات المشتركة التي تميز عضويتهم في هذا الجمهور . وهناك ميل كبير لتصنيف الجمهور في إطار التخصص، حسب اهتماماته واتجاهاته واحتياجاته.
وهناك تصنيف آخر للجمهور المتلقي اقترحه ميلر:
أ – الجمهور الأمي وهو الجمهور الذي يقرأ ويكتب ولكنه لا يميل إلى فعل ذلك وهو جمهور يميل إلى مشاهدة العرض ، ويكون ولاء هذا الجمهور ذاتيًا ، فيبحث عن الترفيه، ويكتفي بمتابعة أحداث العرض دون أية محاوله منه لتفسير الرموز او فهم معانيها وهذا النمط من المتلقين كسول، لا يبحث عن الإثارة ولا يجهد نفسه بداء الأراء بالتفكير، وليس لديه دوافع للمشاركة .
ب- الجمهور النفعي، العملي و هو جمهور مشارك، يتعرض للعرض المسرحي رغبة منه في الأرتفاع بمستواه، يهتم بالمعرفة التي تساعد على التميزوالتقدم. وهذا الجمهور يشبه الجمهور الأمي في أنه لا يميل إلى التفكير، ويظهر اهتمامه بالأراء والأفكار كمظهر فقط، لأنه يعتقد أن ذلك ينفعه في الأمد الطويل لأسباب نفعية بحتة.
ج- المفكرون وهو الجمهور المتلقي ألأقل عدداً ونسبة، ويتكون ممن يهتمون بالأراء ووجهات النظر، والمفاهيم، وألأحداث الفنية والجمالية، وهذا النوع من الجمهور ليس معارضًا للحياة الإجتماعية، كما أنه ليس متحمساً لها، وهو ضد مفهوم الجمهور العام،
ويذهب بعض الباحثين إلى تقسيم الجمهور إلى فئات مختلفة منها:
أ- الجمهور صاحب الإتجاه العلمي: وهم الذين يميلون إلى الحكم على الأشياء أو الأشخاص والمعاني، وأوجه النشاط الإنساني في إطار القوانين والنظريات والعلاقات العملية.
ب- الجمهور صاحب الإتجاه المادي العملي: وهم الذين يصدرون أحكامهم في إطار المنفعة المباشرة، والعائد المادي. وكذلك بمفهوم الجزاء المباشر للسلوك الإتصالي مع العرض
ج- الجمهور صاحب الإتجاه المعنوي: وهم الذين تتأثر أحكامهم بالتوافق والإنسجام والإشباع الوجداني والعاطفي، والمعايير السائدة في هذا الإتجاه هي المعاني والرموز التي تدعم الحب والخير والسلام والمحبة والمودة.
د- الجمهور صاحب الإتجاه الإجتماعي: ويرتبط أصحاب هذا االإتجاه بإطار الأحكام التي تتوارثها الجماعات والمجتمعات لنمط سائد من التقاليد والأعراف والعادات التي تحكم علاقة الفرد بغيره داخل الجماعات بأنواعها المختلفة.
وهناك تقسيمات أخرى للجمهور تبعًا للنطاق الجغرافي الذي يتواجد فيه: (جمهور محلي، جمهور وطني، جمهور إقليمي، جمهور عالمي). وتقسيمات الجمهور تبعاً لشرائحه العمرية أو الإجتماعية: (جمهور الإطفال، جمهور الشباب، جمهور كبار السن، جمهور المرأة… إلخ)……
ومن خلال معرفتنا بتقسيمات جمهور المتلقين يتثني لنا دراسة السمات العامه او الدراسه الديموجرافيه والسيسيولوجيه والنفسيه للمتلقي ومما لا شك فيه أن إدراك المرسل القائم بالإتصال لأنماط المتلقيين وتصنيفاتهم يضع محددات الرساله التي ينتجها ويوجهها للمتلقيين ويقدم له تصورا عن كيفية إستمالتهم لها . وهنا يثور السؤال لماذا مسرح الشارع جاذب للمتلقي ؟ إن الإجابة علي هذا السؤال هي ذاتها الأهميه التي وضعها واولها “أنطونان أرطو” للمتفرج في مسرحه فجعل من جسده محور التلقي وبؤرة التوتر التي يدور حولها الحدث، حيث حدد الآثار النفسية والعقلية أثناءا لفرجة المسرحيه.
ويعلن أرطو أن “المتفرج يذهب إلى المسرح من الآن فصاعدا كأنه يقصد جراحا أو طبيب أسنان في نفس الحالة الفكرية . فكرة أنه لن يموت طبعا لكنه يعي أن الأمر خطير، وأنه لن يخرج من العملية سليما، ونحن إن لم نتوصل إلى إصابته بأخطر ما يمكن، فإننا سنكون دون مسؤولياتنا وعملنا، يجب أن يعلم أنه باستطاعتنا جعله يصرخ.
إن المسرح عند أرطو ليس مكانا للتسلية، بل هو مكان لزعزعة كيان المتفرج وجعله يشعر بالقسوة، إذ هو يطلب منه الدخول في المناطق القديمة للمسرح ومخالفة المسارح السيكولوجية المبنية على الحوار المجاني والفارغ.
يقترح أرطو فضاءا مسرحيا جديدا مرتبا وفق رؤياه، فهو يهدم كل الحدود، ويخلق إتحادا والتحاما بين الممثل والمتفرج، فهدم الخشبة ودخول المتفرج وسط الحدث المسرحي يجعل منه ممثل بامتياز، ولاحاجز يفصل بينه وبين الممثلين وهذا هو الهدف الأساسي في عروض مسرح الشارع والذي سيقودنا الي عملية تبديل الأدوار ومن ثم حصد إستجابة المتلقي المستقبل لرسائل العرض في مسرح الشارع.
* وهناك نوعان من الأستجابة أو رد الفعل للرسالة:
الإستجابة العلنية: التي يمكن ملاحظتها واكتشافها.
الإستجابة المستترة: وهي استجابة خاصة او تغيير وجه الرأي او التعاطف مع رسالة العرض او ما نطلق عليه التفاعل الإجتماعي الايجابي ومثالنا علي ذلك تقنية المسرح الخفي في فرنسا واستيقاف صناع العرض للسيارات الماره في الشارع وسحب تراخيصهم حتي ضجر قائدي السيارات فكشفوا لهم عن رسالة العرض والتي مفادها إن دقيقة واحده ضجرت فيها عزيزي المتلقي من استيقافك في حاجز مروري لا تعادل الأهانات والمواقف التي يتعرض لها الفلسطيني يوميا عند مروره علي حواجز مروريه خاضعه لسلطة الإحتلال .إن الاستجابه المستتره في هذا المثال تتمثل في خلق حاله ديالكتيكيه مع المتلقي وذاته في تغيير وجه الراي او التعاطف مع القضيه او تأثير عملية الإتصال.
ـ التأثير: يقصد بتأثير عملية االإتصال حدوث االإستجابة المستهدفة من هذه العملية، والتي تتفق مع هدف االإتصال المتوقع. فالتأثير يتمثل في النتائج المترتبة على االإتصال، وهل أدى إلى تحقيق الهدف منه أم لا.
ويمكن حصر التأثيرات التي تحدثها الرسالة الإتصالية في ثلاثةمجالات:
أ- التأثير في معلومات ومعارف المتلقي.
ب- التأثير في اتجاهات ومواقف المتلقي، أما تثبيتاً او تغييرا
ج- التأثير في السلوك. ولايشترط أن يحدث التأثير بشكل فوري بل قد يكون محصلة عملية معرفية ونفسية واجتماعية عديدة يختلف تأثيرها من فرد إلى آخر، أو من جماعة إلى أخرى، مما يؤدي لحدوث ألأثر بدرجات متفاوتة بين الأفراد المتلقين.
إن التلقي في المسرح هو تلقي جماعي ، فمتلقي العرض المسرحي الذي ينتمي إلى جماعة الجمهور، قد يتأثر ويؤثر حتما في طبيعة التلقي وذلك من خلال التعليقات الجماعية المصاحبة لجملة المشاهد أو الأحداث التي يقدمها العرض، وقد ينقاد المتلقي إلى تفاعلات ليست ذاتية، بل هي نتيجة سلوك جماعي على نحو الضحك، أو الصراخ، فالمشاهد يتقيد بالإشارات السمعية البصرية والإيماءات الحركية ، حيث تنشأ علاقة تفاعل بين المشاهد وبين عناصر العرض المسرحي.حيث يقفز المشاهد المتلقي إلى مرتبة المرسى الأخير لرسائل النص كما العرض كما الإخراج كما التمثيل، “لقد غدا المتلقي الضرورة الختامية التي تصور هدف وأهمية خطاب العرض المسرحي.
إن التلقي في المسرح فعل متواصل ومستمر، يضبطه زمانية العرض، حيث يبدأ قبل العرض ويحدث خلاله ويستمر إلى ما بعده،
**ويذهب المنظّر المسرحي الايطالي كير إيلام إلى أن المتلقين يفوّضون، إذا جاز التعبير، الممثلين على المسرح بمبادرة الاتصال، ويعقدون اتفاقاً يمنحون بموجبه هؤلاء الممثلين نسبةً مرتفعةً من النطق. ويملك هؤلاء المتلقون حق الانسحاب من الاتفاق لحظة يكتشفون أن الممثلين يسيئون استعمال المبادرة الموكلة اليهم. ويوضح إيلام، في هذا السياق، أن لرد فعل المتلقين تأثيره في العرض نفسه، وفي تلقيه معاً، فاتصال المتلقي بالمؤدي يمكن أن يؤثر، في غياب أي تأثير آخر، في درجة التزام الممثل لعمله. ويحدد لهذا الاتصال، بوصفه عاملاً سيميائياً، ثلاثة تأثيرات رئيسية مهمة بالنسبة إلى تجانس الاستجابة الإجمالي، هي:
1- لإثارة (الضحك في ناحية من القاعة يثير رد فعل مماثلاً في ناحية أخرى)،
2- التثبت (يجد المتلقون دعماً لاستجابتهم من الآخرين)،
3- والتوحد (يلاقي أحد المتلقين تشجيعاً فيتنازل، نتيجة لذلك، عن وظيفته كفرد، من أجل الانخراط في وحدة أكبر يعدّ نفسه جزءاً منها).
إن التصور الأشمل لعمل الاتصال، الذي يعدّه إيلام تصوراً مقبولاً بشكل عام اليوم، هو أن يكون المتلقي (ملمّاً بشفرة المرسِل) وكفى، لكي يصبح قادراً على فك شفرة الرسالة. في ضوء هذا التصور، ويعتقد إيلام أن المتلقي المجرب إلى حد معقول يستطيع أن يفهم العرض بلغة الشفرات الدرامية والمسرحية التي يستخدمها المؤدون..
وإذا طبقنا ما سبق علي عرض مسرح شارع نشأ في مقهي مصادفة لرواد المقهي الجالسين علي رصيفها في الخارج وعند مرور بطلة العرض امامهم تحرش بها لفظيا احد رواد المقهي الذي هو أحد الممثلين في العرض فنشأت حالة تشخيصيه شبيهة بالشجار بين شاب وفتاه استفزت رواد المقهي (المتلقيين) للتدخل لفض هذا الشجار فما كان من كل طرف في الشجار إلا أن يسوق لرواد المقهي حججه وبراهينه حول قضية التحرش ومن السبب فيها الفتاه بملابسها وسلوكها؟ ام الشاب الذي لم يغض بصره ؟ وبهذا تنشأ الحالة الديالكتيكيه التي يتحول فيها الشاب والفتاه من مؤدين الي متلقيين ينصتا ويديرا حوار إرتجالي مع رواد المقهي اللذين تم الزج بهم الي داخل رقعة التمثيل فتحولوا الي مشاركين في العرض وتحولوا من مشاهد او متلقي الي متلقي ممثل شارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض .
إن المثال السابق هو تقنية المسرح الخفي احدي تقنيات اوجستوبوال الخمس والتي ينتهي العرض فيها بالكشف عن شخصية الممثلين المشاركين في العرض وعن الهدف الإساسي لهذا العرض وهو تبصير المتلقي بجوانب القضية المطروحه وتجادل هذا المتلقي مع ما رسخ سابقا لديه حول هذه القضيه كي يستطع تمييز صحيح الفكر فيها من فاسده.
ولذا فإن أثر التفاعل الإجتماعي الإيجابي من المثال السابق يمتد الي مابعد العرض في نفس المتلقي المشارك او المتلقي الممثل ويخلق نوع من الديالكتيك مع نفسه حول القضية وابعادها وتغيير وجه الرأي فيها في بلوغ لفلسفة عروض مسرح الشارع وهي تبصير المتلقي وتمييزه لصحيح الفكر من فاسده
إن دور المتلقي في عروض مسرح الشارع يكمن في بلوغ الآثر الناتج عن التفاعل الإجتماعي الإيجابي من العرض والذي يندرج الي سلوكه المجتمعي كفرد في جماعه تم تبصيره بجوانب قضية ما فتغير وجه الرأي لديه فيها ليبلغ معرفة جديده.ويرضي رغبة لديه في المشاركه والتحول اثناء العرض من مشاهد الي متلقي ثم الي متلقي ممثل يلقي بحججه وبراهينه الي ممثل تحول الي متلقي .
وخلاصة ما سبق :
1- المتلقي هو صاحب القضية اليوميه التي تنبثق منها رسالة عرض مسرح الشارع.
2- المتلقي صاحب قرار التأطير في تكون العلاقه الثنائيه في مسرح الشارع.
3- المتلقي هو الشخص المستهدف المراد تبصيره وتثقيفه لتمييز صحيح الفكر من فاسده.
4- المتلقي هو المستقبل لرسالة العرض.
5- المتلقي يشارك في بلوغ الغايات الدلالية لعرض مسرح الشارع وهو الشريحة المستهدفه لقياس تأثير رسالة العرض.
6- لحظة التحول او تبديل الأدوار هي اللحظة الجماليه التي ينشدها صناع مسرح الشارع وهي لحظة التفاعل الاجتماعي الايجابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت