نص مسرحي: " ثورة الاباريق" / تأليف: عبد الصاحب إ.أميري
المنظر: بيت من الطين، يحتوي على غرفتين، وساحة بيت ، لاشي في الساحة سوى موقد يعتمد على الخشب للطبخ، وكمية من الحطب وسرير خشبي للمزارع العجوز، يقضي معظم ساعاته على السرير عندما يعود من المزرعة، نلحظ قدرا فيه كمية من الماء وضع على الموقد، بين حين وآخر تضيف الزوجة مقدرا من الخشب تحت الموقد، وتحاول بشتى الوسائل أن تشعل الخشب)
شخصيات المسرحية:
ـ المزارع العجوز: في التسعين من عمره، نحيف، يعتمد على نفسه في إدارة أموره
ـ زوجة المزارع: امرأة في الثمانين من عمرها، نحيفة، سريعة الحركة، لا تستطيع لحظة واحدة أن تهدأ
ـ سعيد، صبي صغير في السادسة من عمره
ـ أصوات مختلطة لعدد من الشباب العرض
المشهـــــد الأول
( ترفع الستارة، نلحظ الزوجة وهي تضع كمية من الخشب تحت الموقد (
الزوجة: (تتمتم) يكفي أم أزيد (تتحدث مع نفسها) أنت غبية، أم تمثلين الغباء (تضحك) كأهالي قريتنا بتنا غرباء في موطن الآباء والأجداد من لنا في هذه القرية هنا؟ من؟ لا أحد عدى قبورا ترعى فيها ماشية رب القرية، زيارة الموتى من المحرمات اصطياد السمك من المحرمات مساعدة الفقراء من المحرمات الحديث في النوم من المحرمات من منا كان يحمل أن بيتنا، سيكون هادئا، كالقبور، كقبور أجدادنا لا نسمع فيها صوتا صراخا بكاء و لا أحدا يطلب حاجة لا صغير ولا كبير لا أحد (طفل صغير في السادسة من عمره يلف حول الموقد، تصرخ من مكانها) ستحرقك النار (الصغير، لا زال يلعب) أنت ماذا تفعل في ببيتي ؟ (الطفل يختفي فجأة، تتساقط الدموع من عينيها) ها أنا أبكي دون اختيار ها انا العن حظي لا أدري أين أنتم (تصرخ) تسمعون بكائي ضربات قلبي أم نسيتم. إن لكم أما باعت عمرا من أجلكم أين أنتم، خالد، توفيق، عمر، حسان، نبيل نسيتم كل تلك الأعوام التي جمعتنا وكيف فرقتنا لم استسلمتم للفراق، للبعد، أنه موت آخر قتلتموني وقتلتم العجوز دون وعي ماذا اقترفت من ذنب ماذا فعلت لأعيش أيامي الأخيرة بعيدة عنكم اتعذب الوحدة قاسية يا أولادي أنا وزوجي المسكين نعيش هذا البيت الموحش أنا أعرف، أنه هو الآخر يتمنى إلا أنه لا يبوح بشيء أتعرفون لماذا لأنه رجل هكذا الرجال عندنا يريد بيتا صاخبا وأنا أريد يريد أولاده وأحفاده حوله وأنا أريد تعم فيه الحياة (تضرب على بطنها) اين رحل عني أولادي الخمسة، الذين حملتيهم في هذه البطن التعسة كلهم هاجروا من الخوف هاجروا من أجل المستقبل تركوا القرية في ظلمات الليل واختفوا حتى أنهم نسوا، أن لهم عائلة أبا أما
(يعلو صراخ عدد من الأولاد وأصوات رمي الوسادات)
الأصوات: (تعلو خارج الكادر) اترك الوسادة يا خالد أنا خسرت كفى ضربا، يجب أن تتحمل الضربات يا حبيبى نبيل
الزوجة: (تقف فزعة تنتظر للغرفة، تصرخ بأعلى صوتها) عدتم يا أولادي متى عدتم ولم أشعر بذلك عدتم كما رحلتم، كنت أقول مرارا، لا. أولادي لن يتمكنوا العيش بدوننا ها أنا أسمعكم (تسرع نحو الغرفة)
الأصوات: نسيت أنت تلعب، كفى ضربا، استلسم
الزوجة :هذا خالد، استسلمت.. هذا نبيل (تقف عند عتبة الغرفة، الأصوات تتلاشى) أين ذهبتم، يكفني سماع أصواتكم كان وهما (تصرخ بحده) كان وهما (تسقط على الأرض منهارة والحيرة غلبتها، تنهار باكية كمن تغفو قليلا.. يجلس في حضنها صبي في السادسة من عمره، نفس الصبي الذي شاهدناه يلعب حول الموقد تدقق النظر في تفاصيل وجهه، ترسم ابتسامة فرح ودهشة على تقاسيم وجهها) ها أنت عدت من جديد ايها الوسيم (الصبي يبتسم) ما أسمك يا عزيزي؟
الصبي: سعيد
الزوجة: سعيد في الدنيا والآخرة أنت ابن من ؟
الصبي: ابن أبي
الزوجة: أعرف، كلنا أبناء أبناءنا ما أسم أبيك؟
الصبي: نبيل
الزوجة: (مندهشة) نبيل، من يكون؟
الصبي: ولدك يا جدتي
الزوجة: (تهب مذعورة وهي تصرخ ) نبيل ولدي (لا تجد أثرا للصبي، تقوم من مكانها تبحث في الغرف) سعيد. سعيد، نبيل ، أين أصبحت يا سعيد (بجنون) لن أترك العجوز يعمل بعد الآن، لن أجعله يخرج، لنموت جوعا ولا أصاب بالجنون ، أنهم معي أينما أكون اي يوم هذا اليوم اي قرية هذه القرية لا لن أتركه يعمل وهل أستطيع أنهم لا يتركوه يرتاح يجب أن يعمل حتى آخر لحظة من عمره هذا قانون وضعة رب القرية يعمل من أجل لقمة يعمل من أجل رب القرية أنه الموت بعينه حسنا فعلتم يا أولادي حين رحلتم نحن نتعذب هنا حياتنا لا تسمى حياة أنا والعجوز سنهرب لن نبق بعد في هذه الديار لا لن أتركه بعد الآن يذهب للحقل كي يعمل دعني أموت جوعا أحسن من هذا الجنون بدأ يتسلسل للوصول إلى عقلي تبا للجنون أصوات أقدام تسمع من بعيد.. يا ترى من هو القادم (تهرع ترمي نظرة للخارج تصرخ) ولدي خالد، هذا أنت اجب
العجوز: (صوته خارج الكادر) خالد، كيف يعود؟
الزوجة: (تمسح دموعها) أنه لن يعود (أصوات الأقدام تقترب أكثر، تطل من الشباك) عاد زوجي والحمد لله لن أكون وحدي بعد سنتحدث بأمور كثيرة تربطنا معا ستون عاما وأنا زوجته. وهو زوجي أحبه ويحبني
(تفتح الباب يظهر العجوز وهو يخطو خطوات سريعة نحو البيت، يلتفت يمينا ويسارا)
الزوجة: أراه مضطربا بعض الشيء
العجوز: (يدخل المنزل) أسعدت وقتا سيدتي أغلقي الباب بسرعة ولا تنظري للخلف
الزوجة: أسعدت وقتا ماذا دهاك؟
العجوز : خذي ما في يدي وتعرفين
الزوجة: ( تأخذ الحاجات) وماذا فيهما؟
العجوز : سمكة تمكنت اصطيادها من الشط،
الزوجة : جن جنونك ، ماذا لو قبضوا عليك، لاشك إنك تعرف عقوبة الصيد
العجوز : كان علي ان أعود بطعام ولا نقود عندي كي اشتري شيئا من السوق
الزوجة: تدفع حياتك ثمنا، لم لم تطلب من رب القرية أن يدفع لك
العجوز: لم أتمكن أن اقول لسيدي، الجوع يقتلنا إننا لا نملك شيئا للأكل، الشهامة لم تسمح لي
الزوجة : ألم تعلم ان الصيد عندنا عقوبته الإعدام
العجوز: كيف لا أعلم لم يكن بالأمر حيلة جوعك يقتلني (ينظر صوب الباب) غلقت الباب بإحكام (للزوجة)
الزوجة: جعلتني أشك سأرى من جديد (تتجه الزوجة، نحو الباب، تتأكد ومن عند الباب) أطمئن، الباب مغلق (تهرع صوب زوجها) وماذا عندك في الكيس الآخر؟
العجوز : ماذا تتصورين؟
الزوجة :وما أدراني
العجوز : أعتقد أن النهر عرف بمعاناتي (يفتح الكيس) رمى إلي بهذا الإبريق (يرمي الكيس صوبها)
الزوجة: (تتفحص الإبريق) وماذا يفيدنا، هذا الإبريق المستهلك، لو كان فيه نفعا لما رموه أنه مستهلك
العجوز : تقصدين عتيق، نعم عتيق انظري إلى شكله
الزوجة : تقصد يعود إلى قرون مضت (تستدرك) تريد أن تقول انه من التحفيات
العجوز : هذا أقل ما يكون قد يكون مصباحا سحريا، الا تعتقدين
الزوجة: مصباحا سحريا يخرج منه العفريت، مناديا لبيك انا عبد ببن يديك
العجوز: (يضحك)، نعم
الزوجة: أنا أخاف يا زوجي
العجوز : قلت قد، وقد لا يكون
الزوجة: وما نفعه إذن
العجوز: لا يوجد شيئا يخلو من النفع أو الضرر في هذا العالم، إما ضار أو مفيد تفحصي لونه جيدا
الزوجة : ما بال لونه
العجوز: قد يكون من الذهب
الزوجة: قلت قد
العجوز : أنه من الذهب الخالص أنت لم ترين الذهب لحد الآن
الزوجة : و كيف أرى، الذهب بيعه وشراءه من المحرمات
العجوز : لا تتعبي نفسك بالمحرمات الست جائعة
الزوجة : إبريقك، إنساني كل شيء. نعم إني أكاد أموت جوعا
ظـــــــــــــــــــلام
المشهـــد الثانــــي
(نفس المنظر السابق العجوز رمى بجسده المرهق على السرير، الزوجة مشغولة بتقطيع السمكة)
العجوز: (من مكانه) كيف ترين السمكة
الزوجة : أشعر وكأنها عاشت عمرها في نعيم لم تلحظ صيادا إلا صياد رب القرية لم تعرف معنى الخوف
العجوز: (من مكانه) كيف عرفت ذلك؟
الزوجة : من لحمها
العجوز: ما بال لحمها؟
الزوجة: ما بال لحمك ولحم ، الخوف، الفقر، الجوع، لم يبق لنا لحما، تصور ان لحمنا مر لا ذوق (تضحك) ستبقى بسلام من شر العقارب حين موتنا
العجوز: ( يجلس في سريره ) أشهد بعبقرية فلسفتك
الزوجة : أنا الغير متعلمة فيلسوفة، (تضحك) تقول جادا ، أم تسخر مني
العجوز : وكيف اسخر منك؟
الزوجة : عجبا ، أنظر الأيام ماذا فعلت ( تصرخ بذهول)
العجوز: (يهب واقفا) ماذا دهاك، يا عزيزتي؟
الزوجة: أنظر ماذا وجدت داخل السمكة أنظر ماذا وجدت في أحشائها؟ (تفتح يديها)
العجوز: (يقلب القطعة بدقة) وجدت هذه القطعة القيمة في احشاء السمكة
الزوجة: ألم أقل لك قبل قليل، أنها عاشت حياة مترفة..اخبريني بالله عليك ما هي هذه القطعة؟
العجوز: إنها قطعة من الأحجار الثمينة
الزوجة : الأحجار الثمينة
العجوز: على الأرجح أنها قطعة من الماس
الزوجة: الماس؟ لاشك إنها ثمينة
العجوز: نعم ثمينة جدا
الزوجة : تبدو هذه السمكة أتت من خارج بلادنا
العجوز: حدسك خاطئ، الناس يتهامسون فيما بينهم، أن النهر مليء بالمجوهرات
الزوجة: نهر قريتنا
العجوز: نعم، نهر قريتنا
الزوجة : نهرنا غني ونحن نعيش الفقر بعينه
العجوز : سفينة غرقت هنا قبل مئات السنين كانت مليئة بالمجوهرات
الزوجة: لهذا يمنعون الأهالي من التقرب للنهر
العجوز: نعم لهذا ولأسباب أخرى نجلها نحن
الزوجة: عجيب أنا لم أسمع بذلك
العجوز: لا تخبري أحدا بما حصل، وإلا النتيجة ليست لصالحنا،
الزوجة : (متعحبة) ليست لصالحنا
العجوز : نعم ليست لصالحنا هيا انهضي واخفي معالم الخطر
الزوجة : اخفي ماذا؟
العجوز : كل ما يهدد حياتنا
الزوجة: لم نفعل شيئا، كي نستحق العذاب
العجوز: اصطياد السمكة من النهر الابريق الذهبي
الزوجة : بات الابريق ذهبيبا وانا لا أعلم؟
العجوز : انهضي، جدران بيتنا ترى كل ما نفعله وتخبر رب القرية اخفي الجوهرة حتى نفكر كيف نتصرف بها دون ان يصيبنا أذى من رب القرية، وأخذي معك الابريق
الزوجة: (تترك مكانها متجهة صوب السرير واذا بها تصرخ) انظر بدأت أجن، ألم أقل لك مرارا لا تتركني في البيت وحدي أنا أتصور أشياء غريبة انظر ماذا أرى؟
العجوز : (يهرع صوبها ) ماذا أصابك؟
الزوجة: لم قلت لي وجدت ابريقا واحدا
العجوز: أنه ابريق واحد
الزوجة: (تكشف ما في يديها) هذا ابريق واحد؟
العجوز: هذا ابريقين ، من أين أتى الابريق الآخر؟
الزوجة: اسأل نفسك
العجوز: أن ما حدث لي اليوم، لم يحدث طيلة الأعوام الماضية من عمري، لا انه ليس ابريقا واحدا ليس لي ردا، سوى كتم الأمر وإلا أن رب القرية سيقضي علينا نحن الاثنين وكأن أمرا لم يكن، هات السمكة فإني جائع جدا وأدفني عظامها، فإني أخاف الفضول
الزوجة: مادمنا نملك جوهرة ، نبيعها ونغادر القرية نلتحق بالاولاد ونتخلص من شر البلاء
العجوز : ليس الآن، خذي. الابريقين والجوهرة وتكتمي على الأمر، فإني أخاف شر البلاء
الزوجة: (ما أن تريد أن تحمل الابريقين من على الأرض حتى يعلو صراخها مجددا) سأجن
العجوز: ما حل بك؟
الزوجة : أنظر
ظـــــــــــــــــــلام
المشهـــد الثالـــــــث
(نفس المنظر السابق، بعد أيام العجوز، راقد على سريره، الزوجة داخل الغرفة)
الزوجة : أن الاباريق يصعب عدها، فهي تتكاثر بشكل عجيب، وسريع. لو تركنا الأمر على هذه الحالة سنسكن الطرقات، يجب ان تفكر بحل
العجوز: حل
الزوجة: نعم حل
العجوز: وأنت ماذا ترين؟ (تترك الزوجة الغرفة وقد أنهكها التعب، تجلس على السرير إلى جانبه) لم تركتي الباب مفتوحا، الم تقولي لي قبل قليل أن الاباريق لا تستقر في مكان
الزوجة: (وهي تتحرك صوب الباب) تسير كما نسير نحن، نعم ، كلما أضعها في مكان أراها في مكان آخر
العجوز: اقفلي باب الغرفة وإلا سيل الاباريق سيقتلنا
الزوجة: (وهي تقفل الباب) لا أدري ماذا أقول، نترك الاباريق ونرحل نوع من الجنون، نبقى وتراقب الوضع أنه جنون عجيب، لأننا في الغد القريب سندفن تحت هذه الاباريق ماذا نفعل؟
العجوز: ها أنا أرى أمرا يجهله أهالي القرية، ان هذا الأمر لا يجب أن يكون بيننا نحن الاثنين
الزوجة: لم؟
العجوز: خلال أيام معدودة تكاثرت الاباريق ووصلت إلى أن مكاننا ليس هذا في هذا البيت،. ان هناك سر
الزوجة: سر
العجوز : نعم سر بدأت أرى أن خلاصنا لن يتم الا بواسطة هذه الاباريق
الزوجة : أتدري ماذا تقول؟
العجوز : أدري ولا اقول عبثا بعد يومين نترك للاباريق العنان، وسترين،
الزوجة : أرى ماذا؟
العجوز : هجوم الاباريق على بيت رب القرية
الزوجة: بدـت تهذي وهل الاباريق ترى؟
العجوز: كيف لا وهي تسير، انها ترى وتشعر واحساسها اكبر من احساسي واحساسك, بدأت أرى، القرية ستشهد عصيان رجال رب القرية، بعد أن ينعموا بالاباريق، بكل هذا الذهب، الحياة ستتغير سيزول الخوف من الأهالي أولادنا سيرجعون
الزوجة: أولادنا يرجعون
العجوز: اولاد القرية سيرجعون أنها ثورة
الزوجة : ثورة؟
العجوز: نعم ثورة
الزوجة: أولادي يعودون للقرية
العجوز : نعم
(أصوات تراشق داخل الغرفة)
الزوجة : بدأت أخاف
العجوز: ساعات وينتهي الخوف، ستنعمين بالراحة كالسمكة
الزوجة: الاباريق غاضبة بدأت أخاف
العجوز : يبدو أن ساعة الثورة قد حانت افتحي الباب ولنصعد للسطح
الزوجة : أنا افتح؟
العجوز: نعم انت، نراقب ماذا يحدث؟
الزوجة : (خائفة) أنا افتح الباب
العجوز: نعم
الزوجة: أخاف
العجوز: لا تخافي، أنهم ثاروا من أجلنا نظموا قواتهم في بيتنا، نحن والاباريق أصحاب ثورة
(الضوضاء تعلو عاليا )
ظـــــــــــــــــــــــــــــلام