التغريبة…عندما تنهل من تراث بذكاء/ نسرين نور
لطالما كان التراث معين لا ينضب ينهل منه كبار الكتاب وصغارهم على حد سواء ومن أشهر التجارب الناجحة في هذا المضمار تجربة “ألفريد فرج” في نصه “حلاق بغداد” الذي أستلهم من إحدى قصص ألف ليله وليله . و”رسائل قاضي أشبيلية” و “الأميرة والصعلوك” و”على جناح التبريزي وتابعه قفه” وكان الاقتباس ليس نقلا بمسطرة ولكن برؤية جديدة للقصة تدمج بين الحاضر وتربطه بالقديم .
وتجربة “سعد الله ونوس” في نصه الشهير “مغامرة رأس المملوك جابر” الذي أستلهم قصته كاملة من “سيرة الظاهر بيبرس ” ودون أي تصرف أو تحوير .
وتمثل السير الشعبية مثل “الأميرة ذات الهمه” و “سيف بن زي يزن” و”ألف ليلة وليلة” و”الظاهر بيبرس” معين لا ينضب مهما تقدم الزمن واختلفت العصور .
ولمن يهوى قراءة السير أو الأساطير يلاحظ أن طريقتها في سرد الأحداث تختلف عن الرواية المعروفة المرتبه زمنيا بنسق محدد متسق يخضع لمتطلبات الحدث ودواعي المنطق ، لكن السير تتعدد فيها الروئ بتعدد الرواه وينزوي فيها الحدث الرئيسي وراء العديد من الحكايات الفرعية لذا يصعب أحيانا على الكاتب أن يسلخ _إن صح التعبير_ قصة كاملة لها بداية ووسط ونهاية دون أن تتشعب وتتشبث بها العديد من القصص الأخرى التي تصب فيها .، لذا لجأ الكاتب (بكري عبد الحميد) لنظام السرد العكسي (الفلاش باك) وزاد منه لإن القصة التي استخلصها من سيرة طويلة عريضه هي قصة (بنت الزناتي سعده ) فتشبثت بها العديد من القصص الأخرى التي تضع لبنه أساسية ومهمه لمعرفة أصل الحكاية ومن هم الهلايل ولماذا رحلوا لتونس (بلاد الشوق يا ولد الهلاليه)
لغة الحوار :
لأن السيرة أشتهرت عن طريق المنقب الأول عنها الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي وقدمها على حلقات في برنامج شهيرصاحبه فيه عازف الربابة (سيد الضوي) وقد ظهرت أيضا كاملة على أجزاء تبع إصدارات مكتبه الأسرة أواخر التسعينات القرن الماضي ، فقد أختار الكاتب اللغة الصعيدية للتعبير عن الأحداث وجاءت لهجته سليمه بعيده عن الافتعال والتقعر والميل_ عن عمد_ للغريب والمهجور من المصطلحات .
لمن كانت له أصول صعيديه يعرف مدى القرب بين عادات الهلايل ومعتقداتهم بل عادات بعض العرب المحدثين وبعض عادات الصعيد وأهله ، الاعتقاد في الحسد والسحر والشعوذه ، الميل للأحكام السريعة على الأشخاص. الإيمان بالفأل والتطير من بعض الألوان والأشخاص والطيور ، كذلك المباهاه بالشرف والعزة بالنسب والأصل والمال ، وكذا انتشار منطق القبيلة (أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب) كل هذا وأكثر جعل من اللهجة الصعيدية واستخدام الفرقة الشعبية والمواويل مناسب جدا لمضمون حكاية تتضمن سحر وشعوذة ومعتقدات شعبية وأبطال خارقين وأشرار مارقين .
رؤية المخرج :
_يبدأ العرض من بعيد جدا ، خارج القاعة وأمام الباب الرئيسي بعزف وغناء شعبي يمهد تمهيدا جيدا للدخول في الجو العام للعرض .
_ لا تحرك الديكور ولكن استغل إماكانيات القاعة وغير مكان المتفرج .
تلك (الجنونة) أو (التركه) أو الشئ المميز الذي يجعل العرض يختلف عن غيره وأيضا يزيد من تأثير القصة على المتفرج الذي يصبح مشاركا بشكل أو بآخر عن طريق إحساسه بالمكان وباللف والأرجحه التي تتخلل وجدانه وتؤثر فيه كما الموسيقى .
وقد يقال هذا ما رأيناه من قبل ، تلك الأشياء مستوردة ومنقوله من عروض أجنبية ، ولاحظ عدم وجود أي دليل ملموس أوأمثله على ذلك . حتى وإن صح فإن النقل والتأثر بالآخر شئ محمود ويندرج تحت إطار التعلم من تجارب الآخرين شرط أن يتم توظيفه بشكل صحيح ، ليس النقل بجهل ومبالغة فقط لإن هذا يعجبني وهذا جديد . العبرة بما يناسب طبيعة العرض ويتوافق مع التناول .
الآداء التمثيلي :
لقد تفوقت الفنانة (فاطمة عادل) في التمثيل و الغناء و الرقص رغم إنها صغيرة الحجم جدا إلا أن حجم موهبتها يشعر الرائ بالامتلاء ذلك لإجادتها كل ما قامت به مما يقنع المشاهد بأن تلك التي أمامه هي سعده بنت الزناتي .
وبجانب فاطمة فقد تفوقت المطربة (هبة سليمان) وقد اقتربت ملامحها من تصوراتنا عن ساحرة الصحراء التي أنبأت الهلايل بقرب القحط والهلاك وحرضتهم على السفر لتونس ، بقليل من المكياج وبآداء نمطي جاء مناسب لجو الأساطير أقنعت المتفرج إنها هي عينها تلك الساحرة العليمه .
ويحسب للمخرج هذه الاختيارات الموفقه .
بشكل عام كان الآداء نمطيا ويصل حد المبالغه أحيانا لكن طبيعة العمل نفسه المحاط بجو الأساطير والدخان و المؤامرات والقتل والسحر والزمان الغابر لا يتعارض مع تلك الفجاجة في حركة الجسد التي لجأ إليها بعض الممثلين أو الشر المطلق بصوت اجش وسحنه مقلوبة للبعض الآخر .
الكيروجراف :
اعرف فن الكيروجراف منذ كان اسمه”دراما حركية” وكان هو (الآلترا فايلوت) السمه المميزة لعروض التسعينات وتم إستخدامهم بإفراط وبشكل زائد عن الضرورة الدرامية في أحيان كثيرة ولا أدري هنا أكان استخدام الدراما الحركية زائد عن حاجة النص أم أن بعض الحركات التي أتت مفتعله (رغم إجتهاد فاطمة عادل ورشاقتها) جعلتني أتسائل عن ضرورتها . عيب شديد يميز البعض إنه حين يصبح معروفا يتراخى ولا يسعى للتطوير . لقد أتت بعض الحركات المبالغ فيها مثيره للضحك وذلك عكس تماما الغرض منها .
البعض يغفل حين يصمم الحركة المكمله للدراما أنه يصممها لممثلين وليس لراقصين ، كما قد يغفل السؤال عن ماهية تلك الحركة وما ضرورتها وعن مإ تضيفه حقا للدراما على مستوى
(الحدث والشخصية) .
التغريبة (بنت الزناتي)
تمثيل :
فاطمة عادل _ محمد حفظي _عبد الباري سعد _ أحمد سعد _أحمد شومان _ هبة سليمان
ديكور وإضاءة :
عمرو الأشرف
ملابس :
شروق سامي
موسيقى وتدريب :
هاني عبد الناصر
كيروجراف :
مناضل عنتر
تأليف :
بكري عبد الحميد
إخراج :
منار زين