ماذا في مسرحية ( عائلة ١٠١)؟ / جبّار ونّاس
في ظروف تُعَدُ إستثنائيةً تلك التي تشهدها مُدن ومحافظات الوسط والجنوب في العراق ومنها مدينة الناصرية من جرّاء إختلال موازين الحياة وإستمرار غياب القانون وتنامي التفكك الاسري والانحلال الاخلاقي وتسلط المتخلفين على مفاصل الدولة وسيادة الأوضاع غير الطبيعية وإفتقار هذه المدن إلى إدارة حكم رشيدةٍ تستمدُ قوتها من شرعية الدولة ونفاذ مؤسساتها الحيوية في بسط هيبةِ القانون وإنسيابية العمل الوطني الصحيح في تفعيل دور العمل المؤسساتي المستند إلى قيم الدولة الوطنية في إستكمال هيبة الوجود الفعلي لها في الإدارة والحكم وفي إحترام الإنسان كوجود فاعل له أنْ يحظى بمساحةٍ كبيرة من التقدير والإيمان بقدراته المادية والروحيةِ بعيدا عن إفرازات الخراب والفساد التي نتجتْ بحكم غياب العوامل التي مرَّ ذكرها آنفاً وما إنعكس على الحياة الإجتماعية والإقتصادية في العراق بسبب إستحكام قوى دينية وسياسية تفتقر لقيم إدارة الحكم فعاثتْ فساداً وخراباً راح يعم في كل مفاصل الحياة في العراق..
وفي ظل هذه الظروف الإستثنائية وإنعكاساتها المدمرة على حياة المجتمع فإننا نشهدُ تواصلاً ومثابرةً من قبل الفنانين في مدينة الناصرية وهم يُصرون على تقديم الرد المقابل بأعمال مسرحية شاهدها الجمهور فكانتْ هذه الأعمال تمثل روح المبادرة والإصرار على تقديم فن مسرحي بالضد من تلك التداعيات المحبطة الجالبة للثبور وقتل روح الحياة فكان أنْ شهدتْ مدينة الناصرية وخلال الأشهر الثلاثة الماضية تقديم ثلاث مسرحيات تمثلت بمسرحية ( رفع إلى الأسفل) من تإليف وإخراج الفنان الشاب عمار الحمادي ومسرحية (zoen) تأليف وإخراج الفنان عمار سيف وهاتان المسرحيتان ساهم إتحاد أدباء وكتاب محافظة ذي قار في إنتاجهما وتقديمهما، والمسرحية الثالثة هي ( عائلة ١٠١) ٢من تأليف وإخراج الفنان علي المهندس ومن إنتاج وتقديم فرقة كادر زمكان وهي موضوع ورقتنا النقدية هذه..
ومادام القائمون على إنتاج وتقديم ( عائلة ١٠١) يصرون ويحاولون الإجتهاد في تقديم عمل مسرحي وفق الإمكانات المتاحة في ظل ظروف غير طبيعية فمن الضروري بمكان أنْ يحظى جهدهم بالمتابعة والفحص النقدي الذي يتوخى الإحاطة الشاملة بظروف ومبررات إنتاج هذا العمل الذي قُدِّمَ على مسرح بهو بلدية الناصرية جنوب العراق ولمدة يومين إعتباراً من 9/6/2021
عن الخطاب الشعبي :
– إستند خطابُ العرض على لغةٍ عامية دارجةٍ صرف وفي هذا يُعولُ المؤلف المخرج معاً على تلك القدرة التواصلية التي ستوفرها اللهجة العامية وعلى مقدار الإستجابة الفعلية من قبل الجمهور سيما وأنَّ نص المؤلف يحفلُ بموضوعات إجتماعية وحياتية لها من سخونة الحضور والأثر الفاعل في أوساط المجتمع وأغلب هذه الموضوعات والأحداث هي من مستجدات ما افرزه الوضع الراهن بعد التغيير الدراماتيكي الذي شهده العراق وما تبعه من إختلالات قيمية وأخلاقية في البنية المجتمعية ماديا وروحيا..
فنص المؤلف يكاد يتميز بطابع التجميع لموضوعات يلمسها ويعيشها الإنسان في العراق يومياً فمن الإختلال الذي أصاب العائلة بحكم التغيير المفاجئ لظروف المعيشة والحياة بعد التغيير وما حصل مع هذه العائلة من تحديات كثيرة تمثلت بالظروف الإقتصادي وكذلك في إنفتاحها على عالمٍ تفترضه شروط الحرية والتغيير في وسائل الإتصال الحديثة التي داهمتْ تلك الأسرة بوافر من التدفق العنيف وراحت تفرض واقعاً جديداً يحمل معه الكثير من المشاكل والهموم التي إنعكست بأثرها على واقع وأفراد الأسرة في العراق وأيضا تطرقت موضوعات المؤلف إلى صعود العنف العشائري وأثره المدمر على حياة وإستقرار البناء المديني داخل المدن فهذا الصعود المقزز لثقافة القبليَّة والعشيرةِ لم يأتِ من فراغ بل جاء حين إستثمرته بعض الأحزاب الدينية والطائفية بعد أنْ وجدتْ مبرراتِ حضورها وصعودها عن طريق تفعيل وتشجيع الروح القبليَّة والعشائرية، وكذلك نجد المؤلف يطرح أيضا حالةً مزرية تمثلت بالإستخدام القبيح لوسائل الإتصال ومنها الموبايل والفيس بوك حين برزت ظاهرة الإبتزاز الألكتروني وعمليات التحايل والنصب على الأفراد وماتتركه تلك الأعمال من مشاكل وتناقضات باهضة على حياة بعض الأسر وما تشكله من إرباك وإختلال في منظومة القيم الإجتماعية السائدة في المجتمع، وأيضا وجدنا المؤلف يشير إلى حالة الإنحلال وهي تصيب دور التربية والعلاقة الأسرية بين أفراد الأسرة أخلاقيا وتربوياً فنشاهد في العرض المسرحي حالة الوهن والترهل الأخلاقي حين يتخلى رب الأسرة عن دوره الحاسم في المتابعة والتربية والمدارات وفي توجيه النصائح الأساسية في التنشئة الصحيحة لإفراد إسرته ولعل مشهد إحتساء الأب للخمرة وهو وسط أبنائه لهو دليل صارخ وصادم لحالة الإنحلال الأخلاقي وميوعة القيم الأسرية الحقيقية في الأبوة والتربية الإنسانية..
ومن الموضوعات المميزة التي طرحها المؤلف ايضاً يتمثل بإنزواء وتراجع فعل الذائقة في الإختيار والإستماع وكذلك في ذبول فعل الذاكرة لدى هذه الأجيال المعاصرة وربما بفعل ما عملت عليه هذه الأحزاب حين روجت لروح الطائفية ومحاربة قيم الجمال ومحاولة محو الذاكرة لأن تكون حاضرة في التواصل مع ما هو جميل في الذوق وبقاء الأرواح تنتشي به بعد أن عملت الطائفية والعشائرية وسيادة الإيمان المريض لِيساهم في خشونة الذائقة والعمل على إضمحلالها لدى أفراد المجتمع..
عن الإخراج:
– يبدو أنَّ مجمل الموضوعات التي تم جمعها ووضعها في متن العرض المسرحي قد أخذتْ لها نصيباً كبيراً على خشبة المسرح فالمخرج على المهندس لم يأتِ فنياً بما يوازي هيمنة المضامين التي تدفقتْ من أفواه الممثلين بملفوظات حوارية متتالية فتمثل إشتغاله الفني بالآتي :
– حاول أن يُنشئ طريقة عرضٍ تعتمد على إستحضار إسلوب الكوميديا كوسيلةٍ رابحةٍ في إحتواء وإظهار مفاصل العرض لينسجم مع طبيعة عنوان المسرحية كعتبةٍ يأخذ من خلالها الجمهور مسارات الدخول إلى متن العرض وما تجلبه عتبة العنوان كدليل لذاكرة المتفرج إذا قام ذلك المتفرج بعملية الإحالة والتثبت لما يرتكز عليه هذا العنوان من دلالات تصل إلى السخرية والتهكم وربما تبعث على الحيرة والحسرة وتلك هي من مفاعيل الكوميديا التي ستأخذ بالسوداوية بعد أن تُصبحَ اداةَ تأشيرٍ وكشف..
– وكذلك إعتمد على ديكور ثابت لصالة بيت واسعٍ وكبير توزعت مفردات إثاثه على ثنايا وزوايا الصالة فتكونت من قنفات جلوس وميز عليه تلفاز وفي نهاية الصالة ثمة صورة شمسية لرجل كبير هو يحيل إلى رب الأسرة الأول وقد جعل المخرج من الصالة مشرعة وذات فضاء واسع ومهيمن في وجوده يواجه الجمهور في دلالة على إنتهاك حرمة هذا البيت بفعل عوامل الإنحلال والإنتهاك والإستهداف المستمر كما حصل مع مشهد دخول الملثمين الريفيين باسلحتهم لِيأخذوا ثاراً قديما من صاحب البيت ( سرحان)
– ذهب المخرج إلى تفعيل دور الذاكرة لإستحضار المقارنة بين زمنين الأول يُسمى الزمن الجميل وما حمله من فن وذوق أصيل فكانت أصوات عبدالحليم حافظ وفيروز وهي تغني لبغداد وسعدي الحلي والثاني إلى ما يسود في راهن ظرفنا وما يحمله من تفريط وإبتذال للذائقة وإختيار الأصوات النشاز – وقد كان رهان المخرج على الطاقات الأدائية التي حضرت بجسدها وصوتها لتتلائم والأسلوب الكوميدي الذي ذهب إليه المخرج في رهان الإخراج وكان إعتماد المخرج على قدرات الممثلين في الاداء راجحاً في إظهار وتحشيد ممكنات التحفيز لديهم لِتكون من علامات النجاح والتميز لأن يحصل هذا العرض على القبول والتفاعل الإيجابي من قبل الجمهور بعد أن نجح المخرج في توزيع الأدوار التمثيلية على كل ممثل وبحسب ما أظهره من طاقة أدائية، واللافت في هذا التوزيع أنَّ المخرج إعتمد على الجسد الذكوري ليجسد دوراً نسائيا لشحة توفر العنصر النسوي كما حصل مع الممثل ( محمد الناشي) في دور الأم وكذلك مع المخرج نفسه حين جسد وبإقتدار دور ( الجدة) وفي المقابل فإنَّ الممثلين الآخرين شكلوا بأدائهم التمثيلي صورةً تبعث على الرضا والإرتياح بدءاً مع الممثل ( علي عبدالحسين كاظم) في دور ( الأب سرحان) والممثل ( على حسن) بدور ( كنو – الخادم) والممثل ( على النعيمي) بدور ( شلهوب الإبن) والممثل ( محمد شوقي) بدور ( صيهود) والممثل ( كرار حكايه) بدور ( صَنْگر) والممثل ( مجتبى الزعيم) بدور ( المُبْتِزْ) في حين يضاف إليهم في حالة التألق والثبات أداء الممثلة ( صفاء الوادي) بدور ( البنت تمارا) فكانت من علامات النجاح التي قدمها لنا هذا العرض بعد أن تمثل أداؤها بإسترخاء وثقة بارزة لتشكل بهذا الحضور مساحةً مضافةً إلى مناطق الأداء مما جعل من منظومة الأداء التمثيلي عتبةً واضحةً تكاد تطغى على عنصري التأليف وفعالية الإخراج وبقية مكملات العرض الأخرى..
ومن الخاتمة:
– لابد من التنويه بدور المنتج (على حسين المشرفاوي) لهذه المسرحية وفي هذه الظروف المعقدة وتحمل تكاليف إنتاجها وكذلك الإشادة بمنفذ الإضاءة ( أحمد صلاح) وبمصمم الديكور ( على النعيمي) وكذا الحال مع الفنان ( حسين سليم) الذي قام بمهمة الإشراف العام على هذه المسرحية – ولابد من التذكير أنَّ العرض المسرحي وكل مخاضات يبقى يحتفظ بسريته قبل فتح الستارة ومواجهة الجمهور له مباشرةً فليس من الجائز أن يتم التحدث عما يحمله العرض المسرحي من أفكار ومضامين قبل رفع الستارة عنه كما حصل قبل بداية العرض حين بادر عرِّيفُ الحفل ( مصطفى الخالدي) وصار ينوه ويعطي ويشرح للجمهور عما سيراه لاحقا في هذه المسرحية قبل بداية العرض ورفع الستارة عنه..