المواعظ والحكم في مفاوضات القرد الشاطر / مجيد عبد الواحد النجار

أهتم القائمون والمهتمون بمسرح الطفل ومنذ نشأته ، ان يجعلوا منه مدرسة ، يُعلمون من خلاله  القيم الأخلاقية ، والاجتماعية . ان يقدم المسرح للطفل ، المواعظ، والعبر، وأن يعلمه ويربيه، من خلال ما يقدمه له من عروض مسرحية، حيث كان الرومان وتحديدا في الكنيسة، قد استخدموا المسرح لتعليم الناس جميعا والأطفال على حد سواء التعاليم الدينية، ومأساة السيد المسيح(ع). وقام رجال الكنيسة في العصور الوسطى بدعم وتشجيع مسـرحيات الاسـراء والخليقة كوسـيلة لإدماج رسالة الكتاب المقدس، هكذا هو مسرح الطفل، مسرح يعنى ويهتم بالطفل، فمنذُ ظهوره في اسبانيا عام 1657 كان جل اهتمامه هذا الكائن البريء، اذ حرص على ان يقدم له من خلال العروض المسرحية المتعة والاثارة والمرح والفائدة .
ولم يبتعد كتاب المسرح في الوطن العربي عن هذه الاهداف فراح الكثيرون منهم يكتبون ويخرجون مسرحيات للطفل، وهم متمسكين بالأسس التي وضعها الاقدمون .
وقد تمسك الكاتب (محمد حسن الحفري)بكل ما أُسس له من تعاليم وضِعت لمسرح الطفل وجسدها خلال شروعه بكتابة مسرحية (القرد مفاوض شاطر)، الصادرة عن وزارة الثقافة ، الهيئة العامة السورية للكتاب ،عن وزارة الثقافة ، عام 2011 .
لقد ملاْ الحفري جعبته بالمواعظ والعبر التي اراد ان يثري بها نصه ، على لسان شخوصها (الحيوانات) وقد اختار عناوين لها من البداية ، وحمّلها مسؤولية بثِ هذه العبر ، المُتفق عليها في الذاكرة الجمعية .
تتحدث المسرحية عن التعاون والألفة والمحبة التي يجب ان تكون  بين الحيوانات من اجل هزيمة الغرباء ، والطارئين على الغابة ، الذين يريدون العبث بها ، والإساءة الى الحيوانات الاخرى .
يفتتح الحفري مسرحيته بتجمع الحيوانات بقيادة (الدب) حول الذئب الذي حاول افتراس الغزال ، لولا الارنب الذي تدارك الأمر وأبلغ جميع الحيوانات التي هبْت لمساعدة الغزال وتخليصها من فك الذئب.
اتفق الجميع بعد المداولة على اصدار عقوبة النفي على الذئب وأبعاده خارج الغابة ، وكُلف كلبان من الغابة باصطحابهوتنفيذُ الحُكمَ عليه ، وهناك في المكان البعيد تظهر للذئب الأفعى التي هي الاخرى منفية من قبل حيوانات الغابة ، بسبب غدرها لزملائها من الحيوانات ، فاتفقت مع الذئب ، بأنيذهب للغابة متنكرا ، وهي تساعده في كل مايلزم ، من اجل اعادة حقوقهما ، والاخذ بالثأر من (الدب) ومن ساهم بأبعادِهما ،لكن (الكلاب) يفضحون امره من خلال (الطفل) الذي يلتقون به سرا ، والذين كانت تربطهم بهعلاقة قديمة ، ويقنعهم بانه لاوجود لحيوان (الغول) في الحياة :
الطفل: الغول حيوان غير موجود.
كلب1: ماذا تقول؟!!
الطفل: مثلما سمعت … الغول حيوان اسطوري لا وجود له.
يسرع الكلبان الى الدب لإبلاغه بما سمعوا ، ويضعون خطة محكمة بعد ذلك ، ويلقون القبض على الذئب الذي تنكر بصفة (غول) ، وصديقته(الافعى).
من خلال قصة المسرحية هذه رسم الحفري شخصياته بما يتوافق مع الذاكرة الجمعية للأطفال ، لما تحمله الحيوانات من صفات حميدة،او صفات بذيئة ، فهم يعرفون صفات الكلب ، وكذلك الذئب . لذلك لم يبتعد الحفري عن هذه الصفات بل اكدها في كل منهما ، لذااكد صفة الوفاء (للكلاب) من خلال الثقة الكبيرة التي منحها الدب لهما بتنفيذ عقوبة الذئب ولم يدر بخلده انهم لم ينفذوها او يتفقوا معه على الغابة.
اما (الذئب) فقد جمع له كل صفاته التي يتصف بها من (خيانة ، وكذب ، وغدر) .
الذئب : (بتوسل) الرحمة… الرحمة بأخيكم.
الدب : لا رحمة لمن خان.
ارنب1: ذئب وقح.
وفي حوار اخر لـ(الدب) ، يصف به الذئب ( كاذب وغدار) .
اما (الذئب) نفسه فكان فخورا بما يفعل وبصفاته المنبوذة من الجميع فيحدث (الارنب2 ) قائلا له: (احيانا لابد من التنصل من اشياء كثيرة تقيدنا). وهذا اعتراف كبير بخسة ، ودناءة الذئب ، وعدم تمسكه بالاتفاقيات او العلاقات بينه وبين اصدقائه فهو يفضل مصلحته ، ويصارع الجميع من اجلها، كما يعتقد انه افضل واذكى من الجميع ، لكن الحيوانات تعرفة وتعرف الميزات التي يمتاز بها.
الثعلب: الا ترافان بحالي.
كلب1: لم ترأف بنفسك.
الثعلب: نحن من الفصيلة نفسها فلماذا هذه المعاملة القاسية.
كلب1: نحن من فصيلتين … انت من فصيلة الغدر … ونحن من فصيلة الوفاء.
في هذه الحوارات يضعُنا الحفري امام جدلتين ، الاولى وهي التصنيف العلمي للحيوانات ، الذي يحدد الصفات التي تمتاز بها هذه الحيوانات والافعال المشتركة بينهما ، والتي يتعامل بها العلماء على حد سواء ، من ناحية الاكل ، والطباع ، والغرائز داخل الغابة ، وهنا لم يقصد الحفري بأرسال هذه المعلومة للأطفال فقط بل انها من المعلومات الماورائية المعنى ، التي يختص بها الراسخون في العلم والباحثون ، اما الجدلية الثانية فهي الصفات المحفوظة بالذاكرة الجمعية للأطفال ، ومعرفتهم المسبقة بغدر الذئب ووفاء الكلب ، من خلال مايسمعونه من قصص الجدات ، او في المدارس او في الاعلام المرئي والمقروء ، لذلكتمسك الحفري بهذا حتى لا يشوش ذاكرة الطفل وليؤكد هذه الصفات لديه ، وفائدة كل منهما.
لم ينس الحفري دور الدب في ذاكرة الطفل ايضاً ومدى التقارب بينهما من خلال الُلعب المنتشرة في الاسواق ، فالطفل دائما ما يكون قريبا من الدب لما يمتِلكهُ من (فرو) ناعم وجسم ممتلئ ، وحركات جميلة ، لذلك حمله الحفري مسؤولية القاء المواعظ والعبر على لسانه لتكون قريبة من الطفل ومحببة لديه.
الدب: (لارحمة لمن خان) وفي موعظة اخرى ، يدعو الاطفال الى الصراحة وعدم النفاق لمن يخون ، ويغدر باهله ،وأصدقائه ، حيث يقول للذئب (الدب : كاذب وغدار)، وفي خطاب اخر للذئب إذ يقول له(…….. من يخطئ ينال جزائه)، وفي حوار يخاطب الدب زميله القرد(…… القتلُ … لمن حاول ان يَقتُل)، وكان الحفري يذُكرنا بقول الله عز وجل ( وبشر القاتل بالقتل).
لقد أكد لنا لحفري وهو يُنهي مسرحيتهُ ان المواعظَ والحِكم تبقى مهمة في حياتنا اليومية ، ومها كثر الدعاة لها ، يبقى الانسان هو الحامل والباث المهم لهذه المواعظَ والحِكم ، لذا جعل الحل النهائي لمسرحيته بيد الطفل/الانسان عندما كشف للكلاب انه لاوجود ( للغول) في الكون ، كما ختم مسرحيته بموعظة من الانسان أيضاً، وهو يخاطب الحيوانات:
الطفل: الحب الذي يربطكُم وتعاونُكُم هو ما جعلكُم تهزمون كل من يحاول الغدر بكم…….
وهذه الموعظة موجه لبني البشر كافة ، لقد دعاهم الحفري لان يحبوا بعظهم وان يتكاتفوا ، ويتعاونوا من اجل هزيمة الاعداء والغرباء الذين يريدون ببلدانهم شرا.
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت