مفارقات بين الليلة نرتجل وعرض مسرحية ليلة ماطرة/ د. جمانة الحاتم
قراءة تحليلة في عرض مسرحية ليلة ماطرة
تعد مسرحية (ليلة ماطرة ) من اهم العروض المسرحية الجادة التي عرضت ضمن مهرجان العراق الوطني للمسرح والتي قدمتها فرقة المسرح الكوني لمحافظة الديوانية . اذ ان النص المسرحي من تأليف (مثال غازي) واخراج ( د.مهند العميدي) , يكشف فحوى الثيمة الرئيسي للمسرحية ان هناك اسرة عراقية تتكون من (زوجة واب, وابن وابنة ) , غير ان العرض جاء باختصار على الاب والابناء فقط وكان من الاجدر الى توافر العنصر النسوي الذي دائما ما يبين المعاناة ضمن مجتمعاتنا التي تصارع مشكلات عدة او لتكثيف الشخصيات على خشبة المسرح , وهذا الامر يعود لتفسير رؤية المخرج وفق متطلبات ومعالجات تقتضيها بعض الضرورات الفنية .اذ يسود الجو العام للعرض المسرحي بتسليط الضوء على الخصوصية الاجتماعية على اساس ان العائلة اكبر من الاسرة والتي تنحدر منها وتتكون الاخيرة من الزوج والزوجة والاولاد حسب تصنيف التنشئة الاجتماعية على اعتبار ان كل فرد فيها يكون على وعي ويدرك كل منهم حجم المسؤولية للمحيط الاسري وما تحتاج من نفقات مالية خاصة تؤمن حياتهم المعيشية كي يمارسوا حياتهم بكرامة من مأكل وملبس ومسكن وعلاج وما الى ذلك , وهذا ما يصوغ مفهوم العمل المسرحي ( ليلة ماطرة) الى نظرية الانسانية التي اعتمدها (مارسلو) في السلم الهرمي لتحقيق الذات عن طريق تحقيق مستويات الحاجات الائتمانية وتقديم الاهم على المهم من حيث الضرورة والحاجات الاساسية للفرد.
لقد تحقق اجتهاد في ايصال الصورة البصرية (سينوغرافيا ) من خلال التناغم والانسجام للخطوط البيانية من رسم ديكور البيت مع انماط الاضاءة ، فضلا عن الازياء التي توحي بأجواء الشتاء الممطرة فكان هناك توافق بين فكرة النص والافكار التي طرحت للعرض المسرحي عكست طريق التعلم الاجتماعي وهو ناتج عن طريق تعزيز التعلم بالمحاكاة والتقليد ، وعليه فهناك تعزيز ايجابي وتعزيز اخر سلبي ينعكس على السلوك البشرية على وفق البيئة الاجتماعية التي تحيطه, وبالتالي هي الصورة الحقيقة التي عكست رؤيته المتفردة التي توحي اخراجيا من خلال الاشارة الى معمارية البيت واعمدة السقف التي شيدت بطريقة غير منتظمة بدلالات الحياة الصعبة والمتقلبة التي لا يسودها الاستقرار بتداخل بقع الإضاءة التي اضفت توافق جمالي في بعض المشاهد فيما بمشاهد اخرى حيث ثمة تسليط للضوء كان غير موظف لدلالة معينة وقد يكون في غير محلها.
ترك الاداء التمثيلي الذي جاء بدور الاب اثرا ممتازا ويعد هذا النسق انعكاس في الصور البصرية للعمل المسرحي وفي اشتغالاته التي كانت بارزة في جوانب لمشاهد عدة في المسرحية وتعطي استحقاقها ل( ليلة ماطرة ) مطروحة فكريا وفلسفيا في رسم الصورة جماليا تاركا للمتلقي عملية فك الشفر وتفسيرها وتحليها وهي بالتالي حالة شعورية تولدته في ذهن المخرج وصاغها في الليلة العتماء الماطرة التي تلقاها المتلقي كواقع حال من الخراب والدمار و البيت الذي ينهال عليهم من شدة المطر وسط تخوف مشروع من المصير المغيب المجهول , والاب يصر على التغيير ويرغب بحال من الايجاب رغم الصبر والعناء في تلك الليلة المشؤومة ، وهنا اشارة الى ان هذه الليلة ذاتها هي مجموع ما واجهه بلد بأكمله من ويلات بدلالات تأتي ك الثقب الذي انهال منه المطر الى خرق ما زال يلاحق السيادة المزعومة بافعال واقوال لا تنطبق الا على صفة ممجوجة ومتداولة كثيرا في طرح العاهر لدى اصحاب اليسار ولا على سبيل الحصر، وقد تفاقمت عليهم ثقوب السقف من جميع الجوانب حتى اصبح الحال من غير المحال بعد الخراب الذي استحل الوطن
وعليه ان التقليد والمحاكاة للشخصيات التي رسمها المؤلف كانت واضحة ومعبرة لنشوء الفعل التمثيلي لتلك الاسرة التي تتكون من الاب والابناء منذ الوهلة الاولى مجسدا الفعل المسرحي بما فيه من افعال وحوار عن طريق تجسيد الشخصية ومن خلال تنمية الدور لكلا الابناء وكانت بشكل مرئي مصاحبة للإيقاعات , بينما يكون الابن فوق طاولة الطعام يظهر الاخر تحت الطاولة وهذا ما يشير الى الخوف وعدم الاستقرار. في حين كان دور الاب قوي الملاحظة يناقش الابناء حول الحال المزري الذي يعيشونه داخل ذلك البيت المتهالك والذي قد يسقط في اي لحظة من اللحظات وينهار على رؤوسهم , فقد صاغ الاب دوره بفعل الحدث المسرحي مجسدا للدور عن طريق الاداء للغة الجسد شاعرا بانفعالات العلاقات المتبادلة للأبناء مرتبطا بشعور الوعي الداخلي لدى الشخصية التي يؤديها اذ توافرت المهارة الحركية معتمدا على المهارة الذهنية فقد كان الممثل ( مهند العميدي) الاب غير منفعلا متماسكا بملكاته مقتربا من شخصية الاب وهذا من دواعي حرفية الممثل .
وجاءت دلالة مائدة الطعام في لحظة خروج الاب من خلال الانشطار الى جزأين اي المزيد من التجزئة لدى الوطن والحال يزداد سوءا اكثر فأكثر حيث اتخذ الابناء من الطاولة المشطورة مسرحا مستقلا وهذا يعني ان الميتا مسرح كان حاضرا في عرض الليلة الماطرة , معززا ذلك بالإيقاع المرتكز فيما يكشف الابن الثالث عجلة حمراء تندد بالخطر القادم مع دلو (كوؤس ) على كل جانب من المسرح شغلتها حركات الابناء التي كانت تلوح بالهلع والهذيان مع حوار الاب الذي افرز اضطرابا شخصيا وقد استخدم الابناء القداحة للدالة على عدم الاستقرار الذي يسود العائلة وما تواجهه ساهمت بذلك الاضاءة هنا بتطوير المشهد الذي جاء فيه حوار الاب .. (انظروا الى هنا.. وانظروا الى هناك) فيما كان يؤدي الابناء تلك الحركات المتدحرجة المتتالية التي كانت تنذر بخطر استمر يباغتهم في كل لحظة ، وهو مشهد اثر بتجليات نقاط التركيز من الاب الذي كان على نسق من الانتباه للأبناء من حيث التوصيل والايصال بالفعل على وفق دقة السرعة بمساعدة الذات المدركة للفعل كممثل على خشبة المسرح اي انه توالي لظروف انسانية اجتماعية باتت متوارثة حولها (المخرج الممثل) الى الحس المباشر لدى المتلقي بحدود الموضوع الواقعي بين (الاب والابناء ) بحوار الاب (ثقب –ثقبان- ثلاثة ثقوب -اربع ثقوب ) فالظروف التي تم توافرها على خشبة المسرح لبيت شبه خرابة او صورة لتجليات معرفية وحركية واجتماعية بفكرة دراسة حالة اي هو حال كل فرد عراقي, وبالتالي تم اسقاطها على المجتمع وهي عينة داخل مجتمع , هذا ما يوصلنا الى نتيجة حتمية مفادها ان البيت سوف يسقط و مخترق من قبل الاعداء و على حافة الهاوية, لاسيما وان ثقل الحياة بان في دور الابناء وهما يسحبان ( الكوؤس) الى الاعلى ثم يسقط والصراع الداخلي خلال وجود احدهما فوق الطاولة والاخر تحتها اظهر ان هناك حوارا للسايكو دراما فقد عززت المشاهد التي تثير مشاعرا واحاسيس مؤلمة انزوت في ظلمة تلك الليلة الماطرة لاب كان يروي المشاهد شفاهيا حيث يطرح الاسئلة بحثا في المجهول من اجل اصلاح سقف البيت واولاده يجدون صعوبة في ايجاد حل للمشكلة او وضع بدائل لصالح الواقع الحالي للفرد العراقي .
تحركات السقف كانت بإيحاءات ومدلولها القصدي شراع لسفينة ب تقنية استخدام السقف المشيدة مع اصوات امواج عالية هو حال الذعر والخوف من هياج البحر ، فالدراما النفسية هي تحدد العلاج النفسي الاجتماعي وهذا ما دار في تلك الليلة من اضطراب سلوكي صعب على جميع افراد تلك الاسرة بإيجاد الحل المناسب سوى الهروب من الواقع ، فالعرض كان يرتقي لتطوير الوعي الذاتي للفرد الذي عاشه تلك الليلة من الاضطرابات النفسية . ومن المقاربات الى المفارقات ما بين ( (الليلة نرتجل – للويجي بيرانديللو ) ومسرحية (ليلة ماطرة) الاختلافات في كلا النصين والمقاربة لمسرح في مسرح الا ان بيرانديللو اعتمد (الوجه والقناع) ,الوجه يشير الى الحقيقة والقناع يمثل الوهم . بينما في ليلة ماطرة كان تجسيد الاداء للشخصية .واعتمدت المسرحيتان على ارتباط الموضوع (الفن بالحياة ), فالفن صورة وهمية من عالم افتراضي يعكس الحياة بواقعها وتجاربها اليومية من خلال الجدل .والمفارقة في مسرحية الليلة نرتجل التمسرح في لعب الادوار المتخفية تحت القناع و الممثل يتبنى الشخصية بإرادته وصولا الى الحقيقة عبر الوهم والمقاربة لكلا المسرحيتين هي القدرات الادائية عن طريق (الجسد والصوت ) ,وهي المرجعية الاساسية في الاداء التمثيلي.
ومن مكملات العرض كان ديكور المسرحية يوحى الى بيت خرب ويفتقر الى اي اثاث منزلي فقط الاشارة الى السقف المثقوب مشيدة من اعمدة متشابكة واحبال لرفع الكوؤس ومائدة طعام ولم يعوض ذلك ولو بباب يمثل وجود حياة مهما كان نوعها وتفاصيلها وما تقاسيه او ترتقي به، فيما اختفى العرض من اي ملامح للمكياج ,وهذا يعني ان الاسرة تعيش حالة من الفقر والعيش البائس .