فرقة مزون العمانية تقتنص خمس جوائز/ كتب: علي باقر (من البحرين)

بلا إنتاج الدّولي مهرجان حافل بالعروض

 
عندما يطلُّ علينا مهرجانٌ مسرحيٌّ يجمع أحبَّة هذا الفن الراقي نذوب و نختمر في طقوس عروضه المسرحية المتلونة بأشكال وخبرات فنية راقية وإن كنا بعيدين عنهم ، إلاَّ أننا نشاهدهم في طقوسهم المسائية اليومية وهم يصغون بشغف ، ويتأثرون من صور مشهدية تغوص في أعماق قضايانا لتبصرنا بهمومنا الإنسانية لعلنا من ذلك الوجع نبني ما تبقى من حياتنا لحمةً وحبّاً تترقي فيه بلداننا و نشرق من جديد برباط الوحدة و العزة و الإنتاج بعد ما بلغت الكأبة في نفوسنا مداها ، وهي تحاول التخلص من شراسة فيروس كرونا الخطير المفترس الذي شلَّ حياة الإنسانية في العالم ، وبات تخلص البشرية منه أول الأوليات.
ورغم ذلك كلما تنفس المسرح نشاطاً شجاعاً تنفسنا إشتياقاً له وتطلعنا بلهفة لمشاهدة عروضه أو لنتحلق حوله فرجةً و ترويحاً ، ولذا فما أورع شجاعة أخوتنا في جمهورية مصر العربية الذين يعكفون ليل نهار لجمع شمل المسرحيين المبدعين من البلدان أمتنا العربية وبعض الأصدقاء من دول العالم حول خشبة المسرح احتفاء بالفنان الكبيرالأستاذ الدكتور أشرف زكي عبر الدورة الحادية عشرة من مهرجان مسرح بلا إنتاج الدولي الذي تقررلاستضافة الفنانين المشخصين لمسرحياتهم و الأساتذة الفنانين المنظرين والمعقبين و المخرجين والجمهور المحب للمسرح من 22 إلى 26 أغسطس 2021 لمشاهدة كماً من العروض المسرحية المختلفة في طرحها ورؤاها على مسارح مكتبة الإسكندرية و مسرح قصر ثقافة الأنفوشي الذي تديره الفنانة أماني على عوض التابع لإقليم غرب ووسط دلتا الثقافي برئاسة أحمد درويش ، ومسرحية ليسيه الحرية مقر فرقة الإسكندرية التي يديرها الفنان محمد مرسي ويقام هذا العرس الفني الخصب الذي يجمع طيف من أحبتنا الفنانين في وطننا العربي الكبير تحت رعاية كريمة من الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة و بدعم من الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان هشام عطوة و البيت الفني للمسرح برئاسة الفنان إسماعيل مختار و خالد جلال التابع لقطاع شئون الإنتاج الثقافي ومكتبة الإسكندرية التي يترأسها الدكتور مصطفي الفقي وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية برئاسة صبري سعيد.
وسوف يتصدى لتحكيم عروض المهرجان عدد من الاختصاصين في المسرح وعلى رأسهم الدكتور هاني أبو الحسن من مصر و الدكتور إيمن الشيوي من مصر و الفنان حمزة العيلي من مصر و الفنان فتاح دويري من ألمانيا و السينوغرافي إنيس الطعلوش من تونس و الفنانة سيرين أشقر من فرنسا و الفنان إبراهيم القحومي من الإمارات و مقرر لجنة التحكيم الفنانة سارة فؤاد.
كانت الإنطلاقة الأولى في المهرجان لأحبتنا الفنانين من المملكة العربية السعودية الشقيقة برقصتهم ” رقصة الموت ” ديودراما مسرحية تقدمها فرقة المنار المسرحية وهي من تأليف الفنان الأستاذ ياسر مدخلي و إعداد وإخراج الفنان مالك القلاف عن مسرحية ” الفاني الذي لم يكمل رثاء نفسه ” وقد شخَّص أدوار المسرحية الفنانين: على جلواح وكميل العلي بمساعدة الفنيين في الصوتيات أحمد العلي و أحمد الحمدان و الماكيرة فاطمة الجشي و الإضاءة محمد جميل ، وفي الانتاج يارا قاروت وعلى ميرزا.
ولعل ما يثلج الصدر تكريم ابن الشقيقة المملكة العربية السعودية الفنان المسرحي إبراهيم العسيري في هذه الدورة لمكانته العربية والخليجية في مجال المسرح ، فهو يعتبر أهم وأبرز سفير للمسرح السعودي و أول الداعمين الأساسيين لهذا المهرجان في دوراته السابقة بحسب ما صرح به الفنان إبراهيم الفرن رئيس مهرجان بلا إنتاج الدولي للمسرح.
و الجدير بالذكر أن هذا الفنان يعدُّ قامة خليجية في المسرح ، فهو المنسق العام للدول العربية في الهيئة الدولية للمسرحITI ومديرمكتبها في بلاده ، و سبق أن شارك كعضو لجنة تحكيم في الدورة التاسعة للمهرجان ، وشارك أيضا في لجان تحكيم بمهرجانات عربية ، كما كُرم في مهرجانات كثيرة بالمغرب و الكويت و قطر والإمارات والسعودية و سلطنة عمان و الأردن من قبل.
ومن جانب آخر اشتمل المهرجان على عروض مسرحية أخرى وهي : ” ليلة الأنحوته ” للمخرج إياد الريموني من المملكة الأردنية ، و ” غربة ” للمخرج حمزة بن عون من الجمهورية التونسية و” المتجول ” للمخرج إسماعيل إبراهيم من جمهورية مصر العربية و ” عجاف + 200 ” للمخرج وسيم بورويص من الجمهورية الليبية و” الوردة و التاج ” للمخرج إبراهيم أشرف من جمهورية مصر العربية و ” ملكة ” للمخرجة زينة ظروف من الجمهورية السورية و” الشاهد ” للمخرج إيهاب جابرمن جمهورية مصر و ” شرشوح ” للمخرج إيهاب زاهدة من فلسطين و” مدق الحناء ” للمخرج يوسف البلوشي من سلطنة عمان. ومسرحية من جمهورية أسبانيا ” المهرجون ” للمخرج طوني كسلا من مملكة أسبانيا ، كما يصاحب المهرجان ثلاث ورش ارتجالية في المخ للفنان أمير صلاح الدين.
ومن خلال متابعاتي المسرحية أنفرد بمسرحية ” مدق الحناء ” التي تختتم بها العروض المسرحية في مهرجان مسرح بلا إنتاج الدَّسم والتي كان لها صدى خليجي في الدورة الثالثة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي 2019 عندما توجت بجائزة أفضل عرض مسرحي ، وهي من تأليف الكاتب السعودي الشهير عباس الحائك و إخراج ماسترو المسرح العماني المخرج السينوغرافي الفنان يوسف البلوشي.
وبحسب إطلاعي أن القضية التي يرتكز عليها العرض المسرحي العماني في صوره المشهدية و تأثير شخوصه وتأثيراته السينوغرافية وإيقاعاته الجمالية والتراثية العمانية تبرز تغلغل هوس السلطة في أعماق الإنسان ومعاناته عبر إتجاهين متضادين الخير والشر والمفارقة بين أن يكون الإنسان محكوماً أو حاكماً ، والعرض بما يحمل من مضمون ورؤية تأويلية معاصرة نراه محاكياً لواقعنا ، كما نجده أيضا مشبَّع بالطقوس الشعبية العمانية ، فالعرض يقودنا مع المشخصين و الموءدين عبر رحلتهم السردية إلى مدينة ” الحناء ” لنشهد معهم ما يتعرضون له من استبداد وقهر وجور.
ولكن ما دفعني أن أنبش في ذاكرتي هذا العرض الجميل هو جملة من الهواجس النَّفسية المخيفة في تقديمه مرة أخرى وفي هذا التوقيت المخيف الذي يتزامن مع شرور جائحة فيروس كرونا وتحاوراته الفتاكة وما صاحبه من حضر و تباعد و إغلاق لكل المناشط الثقافية والفنية وحتى التعليمية والتجارية ليس في سلطنة عمان و الخليج فحسب وإنما في كل دول العالم إضافة إلى ذلك روائح الفقد الأليمة للأحبة الأقرباء من أبناء كل وطن . و نتساءل : كيف يمكن أن يفكر الفنان و يبدع والدموع لاتجف من عينيه ؟!! مع أنني أدرك تماماً أن المخرج الفنان يوسف البلوشي يقبل التَّحدي .
فالمعذرة أن كانت هواجسي النفسية المؤلمة وأنا أعاصر تلك الظروف المحبطة تجعلني أتساءل : كيف يمكنه من أختزال شخوص عرض ” مدق الحناء ” وهم يزيدون عن الثلاثين بين مشخصين للأدوار ومؤدين للرقصات التعبيرية التراثية العمانية التي كانت تعمق مضامين الصورالمشهدية ؟!! ، كيف يمكنه أن يوفق بين عملين فيلم ” سلمى ” الذي كان يعكف على تصويره ، وبين التَّدريبات المسرحية في مثل هذه الظروف ؟!! ، وماذا كيف سيتغلب على مشكلة غياب مشخصين مهمين في العرض ” غياب الفنان العراقي القدير عزيز خيون و الفنان العماني القدير عبدالله مرعي ” ؟! ، كل هذه الهواجس النفسية المخيفة كانت تجلب لي الكآبة أحياناً ، ولكن إيماني بالشباب العماني المتفاني وبالمخرج بدد تلك الهواجس ، أدركت أن جميعهم قبلوا التحدي ، فأنا أعرفهم عن قرب مع أنني في واقعي عنهم بعيد جغرافياً ، عاصرتهم وعرفتني بهم ” مسرحية العريش ” التي حصدوا بها جائزة أفضل عرض في مهرجان مسرح الصواري بمملكة البحرين وفي مهرجان الفنانين المحترفين بالمملكة المغربية ومهرجان كربلاء المسرحي في دورته الأولى بالجمهورية العراقية وجوائز أخرى.
هكذا وجدتهم يتحملون المسئولية ومتماسكون ، دمثوا الخلق ، يطبعون بقلوبهم الصافية أحاديثهم الجميلة التي تأسر قلوب الإنسانيين أينما حلوا فتتخلد ذكراهم الجميلة ، فلا يمكن للذاكرة أن تتناساهم ، يقدمون رسائلهم الفنية ويعبرون عن حبهم لوطنهم من خلال المشاركات الفنية التراثية على هامش المهرجان وجوههم دائما تفيض بالبشر و الفرح ، وعيونهم تتطلع إلى الصدارة و الإصرار وهذا ما كان يخفف من هواجسي.
ولعل ما صرح به رئيس الوفد العماني الأستاذ سيف السَّيابي لصحيفة أثير يبدد تلك الهواجس المحبطة بقوله : ” أن مشاركة سلطنة عمان في المهرجان تأتي ضمن المشاركات المهمة للمسرح العماني ، فتعتبر أول مشاركة رسمية تقدمها فرقة مسرح مزون باسم وزارة الثقافة والرياضة و الشباب ، لذا نأمل بأن نقدِّم عرضاً عمانياً مميزاً يليق بمستوى السلطنة ، ومشاركتنا في هذا المهرجان العربي الدولي الذي تشارك فيه الدول العربية و الخليجية والأوربية يعكس ما وصل إليه المسرح العماني من تطور ، و أضاف أن مصر من الدول الرائدة ومتطورة في مجال المسرح على مستوى الوطن العربي ، وأن هناك تعاون مستمر بين السلطنة ومصر في مختلف الفنون سواء المسرح أو الدراما وغير ذلك “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت