أهمية المسـرح المدرسـي في كشف طاقات التلاميذ وتعليمهم / مجيد عبد الواحد النجار

يتفق الباحثون والمعنيون بالشأن المسـرحي، على أن المسـرح المدرسـي وليد من مسـرح ألطفل، نشأ في الحدائق والمتنزهات، وترعرع في أحضان المدارس، ليكون عامل ترفيهيا، ووسـيلة تعليمية، يعلمون من خلاله الأخلاق الحميدة والتعاليم ألدينية، وينشئون جيلاً متعاوناً قادراً على حل أزماتهِ الحياتية، من خلال أعمال مسـرحية تكتب لهذا الغرض، كما أنهم-أي الباحثين والمعنيين في التعليم – على علم بان ما يودون توصيله للتلميذ عن طريق البصـر، يكون أكثر تأثيرا، وأسـرع في التقاط المعلومة وخزنها.
فالإغريقيون القدماء مثلا أدركوا ((بفطرتهم إن المشاهدة بالعين أكثر يقينية، وأوقع تأثيرا، وأدق برهان على صحة المعتقد، وأن للعين أمكانية على عقلنه الأحداث أكثر بكثير من الإذن التي تنقل الأحداث أليها على شكل أصوات يفسـرها الدماغ محولا إياها إلى صورة واضحة، ودقيقة خلافاً للعين التي تتحول صورها مباشـرة إلى مضامين يقينية))([1]).
وفي أوربا تقام نشاطات مسرحية مختلفة داخل المدرسة وتحت اشراف المعلمين والمدرسين ولكافة المراحل الدراسية ، وعادة ما تكون هذه الفعاليات او هذه العروض المسرحية احتفاءً ببداية العام الدراسي الجديد أو في مناسبات خاصة ، وعادة ما تتخلل العام الدراسي مسابقات فنية وثقافية ، يكون المسرح المدرسي في مقدمة هذه الفعاليات ، بين صفوف المدرسة أو مسابقات عامة بين المدارس على مستوى القطاعات أو المدينة ،وكذلك في ختام العام الدراسي ، توديعا له وللطلبة الذين تخرجوا في هذا العام ، ومن البديهي أن يكون للتلميذ الحصة الأكبر في هذه العروض ،  وقد حذت حذوهم المدارس في البلدان ألأخرى، لإيمانها بان هذا الفن وسـيلة هامة في إفهام المناهج للطالب، لذا كان من ضمن الاولويات التي كان المعنيون يضعونها في حساباتهم عند وضع المناهج والخطط الدراسية ، وكذلك التوصيات التي توجه للمعلمين القائمين على التعليم ، لانهم يدركون وبوعيهم التام ان استخدامهم للمسرح في توصيل موادهم الدراسية ، ينمي قدرات التلميذ العقلية والبدنية ، ويكتشف هو بنفسه من خلال الممارسة مواهبه وقدراته الفنية ، كما ويفجر عند التلميذ طاقاته للاستيعاب والفهم للمواد الدراسية ، ويصحح مساره الاجتماعي والحياتي ،كما ان المسـرح المدرسـي يعمل على تفجير الطاقات المكبوتة لدى الطفل، ويمكن من خلال المسرح ان تحل الكثير من مشكلات الإنسان عن طريق التمثيل، فيعود التوازن النفسـي لديه، فالمسـرح يحقق اهدافه على مستويين المستوى الجمالي،الذي يعمل فيه المسـرح المدرسـي على سد احتياجات الانسان العاطفية واشباع نهمه الى كل ما هو جميل، وذلك من خلال مشاركته في العروض الموسـيقية، والرسم ، والرقص. والمستوى الذهني الذي يتمظهر من خلال الوعي المكتسب من خلال التجربة المسرحية ، وكذلك تفتق شرنقة الابداع لدى التلميذ من خلال التجارب والابتكارات التي يندفع اليها لا اراديا من اجل النجاح والتميز في العمل المسرحي. اذن اصبح لدينا مزيج من العطاء من خلال هذا المسرح ، سرعة الفهم وسرعة التعليم والمقصود هنا بالتعليمية التوعوية ، توجيه العقل على مواضيع مطلوب فهمها فكان المسـرح هو احد هذه الوسائل لا لكونه تعليميا فقط بل يحمل جميع الصفات التي تجعل المشاهد او المستقبل يندمج معه كونه يبسط المعلومة ويجعلها طيعة سهلة الفهم ((ويساعد من خلال دورة الى تبسـيط وتيسـير الفهم، وحل المشكلات، وتنمية بعض القدرات والمهارات التي تتناسب مع بعض من عناصـر المنهج الذي يسعى لتحقيق الهدف العام للتربية))([2]).
اذن هكذا كانت النظرة للمسـرح المدرسـي، يقوم المعلمون بتغذية التلاميذ من خلاله بما ينفعه،ويختارون له الطريق الصحيح للعيش مع ألمجتمع، ويعلمونه كيف يواجه مصاعب الحياة، وكيف يحل مشاكله الاجتماعية،ويعلمونه تعاليم دينه، كل هذا ليس من خلال محاضرة تلقى بل من خلال عمل مسـرحي يكون الطالب جزءا منه، إن المسـرح المدرسـي ليس مسـرحا تعليميا، بل مسـرحا تربويا، كون التعليمية في المسـرح انبثقت منذ نشأته الأولى لدى الإغريق، وكونه تربويا تكون حدوده المدرسة، وهذا ما أكده الباحثين والمهنيين بمسـرح الطفل، ولهذا يعد المسرح المدرسي تابعا ونابعا من مسرح الطفل ، وهو يحاذيه ويسايره في رسائله الموجهة للطفل تحديدا ، لكنه اختلف معه جذريا بمبدأ ان يقدم هذا العرض ممثلين محترفين او هواة يافعين ، بل اقتصر تقديم هذا المسرح على التلميذ تحديدا والمتواجدين في الفصل الدراسي ولمرحلة واحدة ، فهؤلاء التلاميذ ذات الاعمار المتقاربة في الفصل الدراسي هم من يحضرون للعرض المسرحي(الدرس) وبأشراف معلم المادة (المخرج) ، وتحويل الصف الى قاعة عرض مسرحي ، ممثليه من الطلبة والمتفرجين من الطلبة ايضا ومن نفس المرحلة،فالطفل عندما يمثل في العمل المسرحي ، فهو يعبر عن نفسه ، وعن الطاقة الكامنة في داخلة.
لذا نعتقد ان المسـرح المدرسـي لا يشترط بالمشتركين إن يكونوا محترفي تمثيل، فالطفل/الممثل/ التلميذ/ الطالب ، عندما يمثل يريد ان يلعب ، ويتعلم،ولا يريد إن يكون فنانا محترفا من خلال ممارسته للتمثيل- هذا لا يعني اننا ضد الاحتراف-، بقدر ما يريد إن يحفظ المادة بطريقة سهلة ومرنه من خلال إسناد الدور المسـرحي إليه، فالمعلم الذي يقوم بتدريس الأطفال في المراحل العمرية الأولى يحتاج إلى تمثيل الدرس داخل الفصل فيكون بمثابة الممثل والمخرج للدرس، وبمشاركةبعض التلاميذ لتأدية الأدوار الموجودة في الدرس (المادة المقررة)،عندها سيكون تفاعل الطلاب بخيالهم وعقولهم مع المعلم إثناء الدرس.
ولأن المسـرح المدرسـي لا يعتمد على الموهوبين بالدرجة الأساس ، عليه إن يوزع المعلم الصف على شكل (group) مجاميع ويوزع ادوار المسـرحية، (مادة الدرس) على التلاميذ ، عندئذ نحصل على مشاركة الجميع بالعمل، وبدل إن يكون البعض من التلاميذ مشاهد أو مستمع فقط  سـيكون الجميع لهم الدور الكبير في توصيل المادة الدراسـية من خلال المشاركة والمشاهدة، فهو مرة يكون ممثلاً ومرة اخرى يكون متفرجاً داخل الفصل الدراسي.
فالتمثيل يعلم الطفل /التلميذ على ممارسة هوياته بحرية كما يعلمهُ القيمَ ، والمبادئ ، والاخلاق الحميدة ،فمثلا عندما يؤدي التلميذ دورا لموضوع مادة الدرس التي تحثه على مساعدة الوالدين، فانه بالتالي ينقل هذه التجربة الى البيت، فتراه دون شعور يقوم بما عليه من واجبات داخل البيت حتى وان لم يكن الموضوع من باب المساعدة، أي من باب اللعب او من باب لفت الانتباه، او من باب العلم بالشيء أي يريد التلميذ ايصال فكرة لوالديه انهم قاموا – أي التلاميذ- بتمثيل هكذا مادة بالمدرسة، وهذه نتيجة ما تعلموا منها، وطبعا تقوم التلميذة بنفس الفعل مع والدتها او اختها، او تقوم بنفسها في تنظيف ما يخصها من ملابس او سـرير نومها او غرفتها، اذن مادة الدرس التي كان التلميذ جزءا منها قد تعلم منها درسا في حياته اليومية وحاول ان يطبقه في بيته او مع زميله او مع صديقه او مع جيرانه، اذا كان موضوع الدرس يحث على احترام، او مساعدة الجيران، او مساعدة واحترام الكبير، وهكذا تسـير الامور لدى جميع التلاميذ اللذين يقومون بتمثيل ادوارهم في الصف او مشاهدة الدرس الممثل امامهم، اذن تحول الدرس من مجرد واجب يلقى على اسماعهم ويدرسونه من اجل الحصول على درجة في نهاية العام الدراسـي الى درس حياتي وعملي. كما إنفن المسـرح عندما يستفاد منه في التعليم كطريقة للدراسة والتدريس، ويعد كوسـيلة من وسائل التواصل الثقافي الخالقة لجمهور المسـرح الواعي، ومنها تتكون اللبنات الأولى للفنان المسـرحي ألأصيل، وبهذا اعترف الأديب الفرنسـي (بوسويه)في القرن السابع عشـر بان المسـرح التربوي ما هو إلا تمرينات تساعد التلاميذ والطلاب على تكوين أسلوبهم وعملهم أو تنظيم الأسلوب والعمل([3])،يتذكر الجميع وخصوصا المعنيين بشؤن المسـرح ان اكثر الفنانين المحترفين كانت بداياتهم الفعلية من خلال مشاركاتهم في الاحتفالات ، والاعمال المسرحيةالتيتقام داخل المدارس في المناسبات، والتي عادة ما كان يقوم بها- يخرجها- معلم اللغة العربية او معلم التربية الفنية الذي ليس بالضرورة هو اختصاص فنون مسـرحية، علما ان اغلب الاعمال المسـرحية التي كانت تقدم هي اعمال (تربوية) تحث الطالب على الاحترام او مساعدة الاخرين وفيها شيء من التوجيهات الاجتماعية وغالبا ما تكون كوميدية قصيرة،وقد يستعمل المعلم التمثيل داخل الفصل الدراسي وذلك لتحويل مادة الدرس من المادة المكتوبة ، المحكية ، الى مادة مسموعة ومرئية ، كما تسمح هذه الطريقة للمعلم بابتكار معاني والفاظ قد تساعد التلميذ في الاداء ، مثلا تحويل الدرس الى مادة غنائية ، او مادة مسرحية غنائية ، فالهدف من كل هذا هو ايصال مادة الدرس للتلميذ.  كما إن المسـرح المدرسـي((لا يعني التأطر في إطار فن التمثيل وإنما يتعدى الهدف إلى أبعد من ذلك، فالمسـرح يرمي إلى تنمية ثقافة الطالب ورفع مستوى قدراته وإمكانياته وذوقه، وترسـيخ مهارات الموسـيقى والرسم  والديكور والرقص والغناء والإضاءة))([4])
نحن نعتقد إن كل طفل يولد، تولد معه مواهب معينة، ليس بالضرورة ألتشابه مع ألأخر، بل من الممكن إن تختلف من طفل إلى أخر، فمنهم من تكون لديه موهبة التمثيل، أو موهبة الغناء،أو موهبة الرسم، أو التقليد، كل هذه المواهب يمارسها الطفل بطريقة اللعب دون المعرفة انه يمارس موهبته التي منحها الله إليه، ولكن عندما يكون داخل ألمختبر المسـرحي وتحديدا(المسـرح المدرسـي) كونه تلميذ، تظهر هذه المواهب من خلال مشاركته في الإعمال المسـرحية بقصد تعلم مادة الدرس ألمنهجي، وذلك من خلال الدور الذي يسند ليه ، وهي بالتالي تعتبر تجارب فنية وابداعية تضاف الى تجاربه في تعليم مواده الدراسية. وهو في هذه التجربة لا يعني فن التمثيل فقط، أنما يتعدى لكل ما لدى التلاميذ من مواهب وقدرات إبداعية تنبثق وتتطور بفعل التجربة هذه،فالمسرح ليس غريبا على الطفل اذا ما اردنا دراسة الموضوع من ابعاده المختلفة ، فهو كان يمارس فن التمثيل مع لعبة التي كان يلعب بها عندما كان طفلا لا يفقه من الدرس شيئا ، وكان يحاور ، ويناقش ، ويختلف مع لعبة ويتصارع معها، اذن فهو قد مارس التأليف ، الاخراج ، والتمثيل في نفس الوقت ، كما كان يحل المشاكل التي تحدث ما بين العب نفسها ، فالمسرح المدرسي لم يكن معنيا باللعب والتسلية فقط ، بل هو وسيلة لإيصال مادة الدرس الى التلميذ ، والتأثير على سلوكه النفسي والاخلاقي، وعلينا إن نأخذ بنظر الاعتبار أن المسـرح المدرسـي هو مسـرح ينتمي إلى المدرسة بحكم المكان والأفراد أو المشاركين فيه والموضوعات المثارة والكتابة والمناسبة والوظائف ألتعليمية والتربوية التي ينهض بها هذا المسـرح ، من خلال ما يقدمه في برامجه اليومية ، والدروس المقررة في منهج التلميذ.
لذلك علينا ان نميز بين المسرح المدرسي، وبين مسـرح الطفل، وذلك عندما نركز على المادة المنهجية، دون الرجوع الى مؤلفات ومواضيع خارج نطاق المنهج، فعندما نقول ان المسـرح المدرسـي (ينتمي إلى المدرسة) نقصد بذلك إن عروض هذا المسـرح تكون حصـرا في مسارح أو قاعات، أو ساحات المدرسة، كون المادة المعروضة مادة خاصة جدا بشـريحة معينة من الطلاب ولأعمار معينة كذلك، فالمسـرحية مأخوذة من مواد الدرس لهذه الفئة من التلاميذ، وهنا يجب الإشارة إلى إن المسـرح المدرسـي يختلف في اختياره المواضيع ألتي يريد معالجتها عن المواضيع التي يطرحها مسـرح ألطفل، مع علمنا إن المسـرح المدرسـي هو جزء لا يتجزأ من مسـرح الطفل، فالمسـرح المدرسـي معني بالمواد ألمنهجية للتلميذ، وليس هناك حرية للمخرج/ ألمعلم، اختيار مواضيع من خارج مادة الدرس ، او نصوص عربية او عالمية ، الا في حالة ممارسة انشطة للمناسبات الرسمية او غير الرسمية وهذه لا تعتبر مسـرح مدرسـي وان كان العمل يعرض داخل المدرسة ، بل هي رعاية ودعم للمواهب المسـرحية الموجودة في المدرسة وترفيهية ايضا، لذلك يمكن ان تعرض الاعمال المسـرحية لمدرسة أخرى لنفس الشـريحة والأعمار من التلاميذ ((لان المسـرح المدرسـي يهتم بالمناهج اهتماما كبيرا، وهذا ما يجعل موضوعاته مختلفة عن موضوعات مسـرح ألطفل(…) ولهذا فان من ألمفيد إن يتخصص المسـرح المدرسـي بالمناهج ألدراسـية ومسـرحة هذه المناهج لكي يزيد هذا التخصص عمقا وتألقا وازدهارا(…) فالمسـرح المدرسـي مختبر يعمل فيه الطلاب والطالبات لاستيعاب العلوم ومبادئ التربية والتعاون والابتكار والعمل ألجمعي والقيم الاجتماعية والمشاركة الوجدانية))([5])، هذا يعني ان المادة التي تعرض من خلال المسرح المدرسي تكون غنية بالفهم والوضوح وسرعة الاستقبال ، لان الطالب هنا هو من يقدم المادة ، فهو هنا المرسل والمرسل اليه ، يعني هو المرسل وهو المستفيد من هذا الارسال.
 
الإحـــالات:
[1]) صباح الانباري، المجموعة المسـرحية الكاملة، منشورات ضفاف، منشورات ضفاف (بيروت)، 2017.
[2]) د. كمال الدين حسن، المسـرح التعليمي المصطلح والتطبيق، المصدر السابق،
[3]) بلا،(( المسـرح المدرسـي ودوره في تقوية شخصية الطالب))،www.maghress.com/، 3/9/2017
[4]) د. هيثم يحيى الخواجه، مسـرح الطفل، (دائرة الثقافة والإعلام، (الشارقة)، 2013)
[5]) المصدر نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت