"مسْرحة دوستويفسكي" المسرح بين السحر والمشهديّة/ ترجمة: علي ماجد شبو

بحث: فلوريان توسان[1]

 
إن العدد الإستثنائي والمتزايد للعروض المسرحية المستوحاة من روايات دوستويفسكي في أوربا، منذ بداية القرن العشرين وحتى يومنا هذا، يدعو للتساؤل عن طبيعة العلاقة التي يرعاها المسرح مع هذا المؤلف. فإن بدت أعمال دوستويفسكي مرغوبة من قبل مخرجي المسرح بسبب صفاتها الدرامية، فإن نهجه الشعري يبدو في تعارض مع إستمرارية إستدعاءه الى المسرح. من هنا يبرز مفهوم”المسْرحة” أو “القابلية على المسْرحة”،في إلتقاط الرغبات المسرحية المتنوعة التي تثيرها روايات دوستويفسكي المتنوعة.

***

“إن دوستويفسكي خُلق للمسرح، ليس هذا فقط، بل انه أراد، طوال حياته، أن يكتب للمسرح. غير أنه لم يفعل ذلك أبداً، لسبب بسيط للغاية، وهو انه لم يكن هناك توافق محتمل، بينه وبين حالة المسرح، وما يُكتب له في ذلك الوقت”[2]
هكذا يصوغ أندريه ماركوفيتش،(وهو مترجم جميع أعمال دوستويفسكي الى الفرنسية منذ تسعينيات القرن الماضي)، قوله حول عدم التوافق بين تطلعات المؤلف الروسي والمسرح في عصره.  إلاّ أنه يؤكد بشكل قاطع، على توافق روايات دوستويفسكي مع “المسرح”. ويبدو ان ما يدعم وجهة نظره هذه، هو هذا العدد الكبير من الاقتباسات والإعدادات لروايات عديدة مثل الجريمة والعقاب، والأخوة كارامازوف، والشياطين، والابله– على سبيل الاستشهاد فقط بأعماله الرئيسية –التي تخللت الحياة المسرحية من القرن العشرين حتى يومنا هذا.
لعلّ هذا التوافق مع المسرح، والذي تجسّد لأكثر من قرن في تاريخ المسرح[3]، لايزال بحاجة الى تحديد. يؤكد ماركوفيتشب أن طبيعة هذا التوافق تتبلور في الصفات الدرامية لروايات دوستويفسكي والتي، حسب قوله، تجعل منها “قصائد في مسار درامي”.  ولكن قبل ماركوفيتش، أي في بداية القرن العشرين، وصف ديمتري ميريكوفسكي [4] أعمال دوستويفسكي على انها “روايات تراجيدية” [5]، وهو تعبير أحياه بعد ذلك فياتشيسلاف إيفانوف [6]. ومنذ ذلك الحين شجّع النقاد التفكير بهذا النموذج من الفن المسرحي.
ان نقطة البداية لهذا “الحدس” هي إكتشاف أهمية الحوارات في سياق السرد، والتي يبدو أن العمل الروائي بأكمله يتقارب فيها من المسرح الى درجة يظهر فيها (العمل الروائي) كسلسلة من “مشاهد الأزمة”. وفي ذات السياق، نجد أن باختين [7] يهتم بشكل خاص بالتمييز بين ما يسميه “الحواريّة”[8] وبين”الحوار المسرحي”، فهو يستدعي المسرح للتعرف على جوانب معينة من شاعرية دوستويفسكي. ثم يكتب ببلاغة: ” أن المقولة الأساسية في رؤية دوستويفسكي الفنية ليست “الصيرورة”بل التعايش والتفاعل. لقد رأى دوستويفسكي عالمه وفكّر به، بشكل أساسي، كفضاء للمكان، وليس للزمان. وهو ما يُفسّر ميله الى الشكل الدرامي. فهو يحاول ان ينظّم كل المواد التفسيرية وكل عناصر الواقع التي يمكنه الوصول اليها في وحدة زمنية، وبشكل متقارب درامياً.[9]
يذهب جاك كاتو [10]، الذي كرّس بحثه في أنماط الخلق والابداع عند دوستويفسكي، الى أبعد من ذلك: فهو يعتبر المكان في روايات دوستويفسكي بمثابة الديكور بسبب وصفه البسيط، كما يعتبر المقاطع الحادّة للحوارات على إنها إشارات تدلّ على الإضاءة، منبثقةً من التنغيم في الصوت، ومن الإيماءات، ومن طريقة ظهور الشخصيات في المشاهد الروائية. كل ذلك يشكل تركيزاً حقيقياً لعمل دوستويفسكي الروائي تجاه النوع الدرامي، وهو ما يمنح هذه الاعمال قيمة أخرى. قيمة يبدو أنها قادرة على إتخاذ شكل “النوع المسرحي” الذي يغوي على المسْرحة وتكييف هذه الروايات للمسرح. وهي كذلك، دعوة للتغلب على فكرة “مقاومة”رواياته للإعداد للمسرح– بسبب حقيقة حجم هذه الروايات، أو بسبب التشابك المعقد لحبكتها، او العدد الكبير من الشخصيات التي تتجمع، أو الأماكن المتعددة التي تجريفيها الرواية، أي كلّ ما يؤيد فكرة مقاومة المسْرحة.
بينما لايزال المخرجون المسرحيون يستحضرون دوستويفسكي كثيراً لتبرير نهجهم. نجد ان الاسلوب الشعري غير كاف لتفسير التزايد الملحوظ لحالات إعداد روايات دوستويفسكي الى المسرح على مدى اكثر من قرن. لفهم ذلك، يبدو انه من المناسب تجاوز فكرة”الإمكانية التطويعية” لروايات دوستويفسكيالى المسرح (والتي نعني بها الملائمة البسيطة للمسرح، وفقاً لمعايير تتغير بمرور الزمن) الى إستنفار مفهوم”المسرحة”[11]: ذلك لإن المسْرحة تسعى الى التفكيرفي الأشياء التي تهم المسرح حتى لو لم تكن متوافقة تماماً معه – أو ربما لهذا السبب بالذات–تبدو مناسبة، وذلك لإن هذه الملائمة مرتبطة “بمشهدية”المسرح الذي يتطور من جهته، سواء من حيث أعرافه أو من حيث تطلّعاته. إن ديناميكية المعايير، في خواص الموضوع الذي نتبناه، وفي خواص الشروط التي نعتمدها، ثم تفاوت هذه الخواص المختلفة فيما بينها، والتوقعات المرتبطة بهذه الخواص بالنسبة الى المسرح، كل ذلك يجعل التفكير في الصلات المتعدّدة التي تربط دوستويفسكي بالمسرح شيئاً ممكناً.
لتوضيح الطبيعة التي تختلف، في كل مرة، لما يبدو قابل للمسْرحة عند دوستويفسكي، ومن فنان الى آخر، سنعتمد على أمثلة لثلاثة إقتباسات أو إعدادات من ثلاث روايات من قبل ثلاثة مخرجين فرنسيين من ثلاث فترات زمنية مختلفة، ووفقاً لثلاث مفاهيم متميزة في المسرح: مسْرحة جاك كوبو [12] لرواية الأخوة كارامازرف عام 1911 ، ثم الإعداد المسرحي لرواية الشياطين Les Démons باسم الممسوسين Les Possédés  من قبل البير كامو [13] عام 1959 ، والعرض المسرحي الذي قدّمه فنسن ماكين[14] عام 2009 والمستند الى رواية الأبله L’Idiot . فعلى الرغم من الخمسين عاماً، التي تفصل بين عرضيهما، إلاّ اننا نجد إستمرارية معينة تربط مقاربات كوبو بمقاربات كامو. بالمقابل فانذات الفترة الزمنية تفصل بين فنسن مكين والبير كامو، غير أن الفارق النوعي بين الاثنين كبير جداً. حيث إن فنسن ماكين هو وريثرؤى ومشاريع حاسمة فيبنية المسرح،إبتدأتمن برتولت بريخت[15] وهاينر مولر[16]من الإرث الألماني في النصف الثاني من القرن العشرين، والتي جددت التفكير في المسرح وقادت – بمساعدة آخرين مثل هانزتيس ليهمان[17]–لتأسيس مفهوم “مابعد الدراما”في محاولة لتحديد إتجاهات معينة في المسرح المعاصر[18].
مع الأخذ في الاعتبار هذه القفزة التاريخية، سيكون من المناسب توجيه التساؤل الى كلّ مخرج منهم عن الدوافع المسرحية التي أثارتها أعمال دوستويفسكي لدى كلّ منهم، والنظر من خلال عمليات “المسْرحة” التي تمت، الى العروض المسرحية التي طُبقت. إن تأمّل ذلك،حسب التسلسل الزمني، سيمكننا من نسج روابط بين العروض الثلاثة، بشكل تدريجي، كما ان ذلك سيساعد على وضع معايير للمقارنة، وكذلك لمتابعة التطورات الموازية لها في المسرح والممارسات السائدة في عمليات الإعداد المسرحي.
 
جاك كوبو والإخوة كارامازوف:
إعادة التفكير في اللعبة المسرحية من داخل شخصيات دوستويفسكي …
عندما فكّر كوبو، في عام1907 ، بإعداد رواية الأخوة كارامازوف لدوستويفسكي، لم يكن، آنذاك، كاتباً مسرحياً مميزاً ولا مخرجاً مسرحياً مميزاً، إنما كانت علاقته في المسرح تقتصرعلى كونه مشاهداً وناقداً منشغلاً بجودة المسرح وما يؤول اليه. وبالنسبة اليه، كرجل أدب، كان قد عبّر في مقالاته عن الحاجة الى إصلاح المسرح في عصره، فقد جاء عرضه المسرحي، المعدّ عن رواية الأخوة كارامازوف عام 1911 ،[19] بمثابة التجربة الأولى في مسيرة هذا “الإصلاح”، وقد كان لهذا العرض قيمة البيان.
إختطّ كوبو نهجاًر لتحديث المسرح من خلال إعداد الروايات الادبية، في الوقت الذي يستنكر فيه سيطرة الأدب الكبيرة جداً، على هذا الفن، مما يجعل نهجه يبدو غريباً مسبقاً.[20] ولكن، ولتبرير مشروعه، يستدعي كوبو طبيعة روايات دوستويفسكي “القابلة للمسْرحة”،  وخاصة رواية الأخوة كارامازوف. أي أنه يجانس رغبته في إصلاح المسرح مع تلك التي يراها في الاعمال الروائية لدوستويفسكي. لذلك فإن منهج كوبو في المسْرحة – والذي يُفهم هنا على أنه ما يحث الرغبة في الإعداد المسرحي –يندمج مع ما هو قابل للإعداد والتكيّف، وينسجم، ببساطة، مع منهجه الإصلاحي. ومع ذلك، فإن كوبو في النهاية لا يعتمد على الإمكانات الدراماتيكية في العمل الروائي الأّ قليلاً، بل إن ممارسته في إعادة صياغة الرواية بشكل تام، يُشير الى ان إهتمامه بالرواية يكمن في مكان آخر.
في برنامج العرض (الكتيب او البروشور) الذي تمٌ توزيعه عند إعادة العرض في مسرح فيو كولومبيهThéâtre du Vieux-Colombier في عام 1914 يؤكد كوبو”إن نقطة إنطلاقنا هي القيمة الدرامية، في حدّ ذاتها، في عمل دوستويفسكي الروائي، وخاصة رواية الأخوة كارامازوف”[21]. من الواضح ان هناك عدة عناصر تدفعه الى جعل، روايات دوستويفسكي، القابلة للإعداد، سبباً معلناً لمشروعه في المسْرحة.
في البدء، كانت قرائته للأعمال الادبية المترجمة حديثاً آنذاك، لكتّاب مثلديمتري ميريكوفسكي[22] وتولستويودوستويفسكي، والتي أستشهد بها، بنفسه، في برنامج العرض المسرحي (الكتيب او البروشور). هذه القراءات ساعدت في ان يجد دعوة أولى للإعداد المسرحي، خاصة عندما قرأ أن “أعمال دوستويفسكي الرئيسية، في الواقع،ليست روايات ولا ملاحم،بل تراجيديات ومآسي”[23].ولدعم هذا التأكيد، يكشف ميريجكوفسكي طابع العذاب الذي تستشعره شخصيات دوستويفسكي وصراعه الدائم مع الذات، ويؤكد على أهمية الحوارات في الرواية و التي تجعل منها شبيهة بالسيناريو. يتبنّى كوبو هذا التحليل، ويستخدم عناصره في الكُتيب، بالعبارات التالية:
” ليست غزارة الحوادث والمغامرات، ما يمسّ الحواس بشكل مباشر فحسب، بل ويفجّر ان كل المظاهر النفسية. لأننا، عند قراءة هذه الروايات، نشارك فيها، فالشخصيات تقوم بتحلّيل نفسها، وتعبّر عن ذاتها فقط من خلال الحوار، الى الحدّ الذي حين يغيب الحوار من النص، يدفع المرء الى التفكير في الإرشادات المشهدية، في المسرح، والتي يجدها بين الحوارات”[24]  .
بمثل هذه المقارنة بين شاعرية دوستويفسكي ورموزه الدرامية، يضفي ميريكوفسكي الشرعية على جهود الإعداد المسرحي لرواية الأخوة كارامازوف.
قبل ذلك، أستطاع كوبو أن يلمح حجم الإمكانات الدرامية للعمل الروائي من خلال قراءة الترجمات التي كانت تحت تصرفه. [25] وتجدر الإشارة هنا، الى أن هذه الترجمات كانت تعتمد تكرار الحذف والتلاعب بالنص، الى حد الإضافة، من أجل إراحة الجمهور الفرنسي من الوصف الروائي الطويل والاستطرادات المتعددة، وتنتهي الترجمة بصياغة النص على الذوق الفرنسي.[26] وبهذا، فإن الترجمة إبتعدت عن مسارها الى الحد الذي صاغ فيه المترجمون، ما يمكن ان يكون، الشكل الأول”للإعداد”، والذي جعل العمل أقرب الى النوع الدرامي.
وفقاً لمسرح معين آنذاك–والمقصود هو المسرح الواقعي الموروث من القرن التاسع عشر، والذي أستحوذ، بيسر، على الروايات الأدبية- فإنما تمتاز بهرواية الأخوة كارامازوف هو إمكاناتها على “المسْرحة “، هذه الإمكانات شكّلت قيمة كبيرة لإستنهاض الرغبة في الإعداد المسرحي. يهدف النهج، في هذه الحالة، الى تحويل الرواية الى مسرحية، وعند عرضها على المسرح ستتمكن شخصيات دوستويفسكي من العودة الى الحياة.  أما الكاتب والروائي الفرنسي أندرية جيد[27] André Gide، والذي كان المحاور المتميز لكوبو طوال فترة عمله، عرض وصفاً لمثل هذا النهج عندما كتب في صحيفة الفيجارو Le Figaro قبل أيام قليلة من العرض الأول لمسرحية الأخوة كارامازوف بأن التحدي الذي يتعين مواجهته هو قضية تقديم وعرض الشخصيات:
“إنها مسألة إدراك فيما إذا كانت هذه الشخصيات التي حُملت اليوم الى المسرح— فمن بين كل إبداعات الخيال ومن جميع ابطال التاريخ ليس هناك ما يستحق اكثر في ان يقدم على المسرح — تجعلنا قادرين على تمييز القلق المنبعث عن أصواتها (أصوات شخصيات الرواية) من خلال أصوات الممثلين المنغمة والمنسقة” [28] .
ومع ذلك، فإن كان أندريه جيد قد أشار الى ذلك، فإنه لا يلتزم بمفهوم الإعداد المسرحي بإعتباره تجسيداً بسيطاً لشخصيات رومانسية من قبل الممثلين على خشبة المسرح. أنه يُشير في الواقع الى ان شخصيات دوستويفسكي ليسوا مجرد أيّ شخصيات، بل أن هذه الشخصيات “تستحق” أكثر من غيرها في أن تصعد على المسرح، مدعومة بأصواتها الباعثة على القلق. إن هذه الصياغات توحي بإدراك خاص لشخصيات دوستويفسكي، وقد عمّق أندريه جيد، هذا الإدراك، بعد سنوات قليلة،في سلسة من المقالات والمحاضرات[29]. فقد حدّد بشكل خاص، من خلال تحليلاته، مفهوم”التعقيد”  -الذي يُوصف من الان فصاعداً بالإيجابي. فوفقاً لأندريه جيد، فإن ذلك التعقيد ينبع من تشابكروايات دوستويفسكي مع فكر مطلق ولا نهائي للشخصيات الواقعية التي لا تُختزل بأيٍّ رمز أو نوع أو طابع غير مستقر، ويتّضح ذلك في حالات إرتباكها. يُضاف الى ذلك، الرأي القائل أن دوستويفسكي أستوعب، من خلال شخصياته، “الحياة ذاتها” أفضل من أي شخص قبله. [30] ولهذا السبب فإن هذه الكائنات، التي يعتبرها أندريه جيد حيّة منذ البدء بقراءتها، تستحق، برأيه، اكثر من غيرها في أن تكون على خشبة المسرح.
كابو كان متأثراً بأفكار أندريه جيد، والتي شاركه فيها منذ عدة سنوات، وبدوره حاول صياغة، ما يبدو بالنسبة له، فرادة الشخصيات وعلاقاتها عند دوستويفسكي وذلك لنشرها ضمن دراسة شاملة عن دوستويفسكي قام بها أندريه سواريس[31] في مجلة النقد الفرنسي الجديد، فهو يقول: ” إني أشعر بأن (الشخوص) تعيش على الحافة، وعلى حدود بعضها البعض، هم يحبون أو يكرهون بعضهم البعض، ينجذبون لبعضهم أو يهدّدون بعضهم البعض بشكل يتلامس بخطورة شديدة. هكذا تنتشر فيما بينهم العدوى المفاجئة والصاعقة. وقد يُقال بأن كل شخصية ممتلئة جداً بوجودها وبلهيبها الى حدّ السماح بالانفجار والفيضان”[32].
في توضيح هذا التقارب، الذي يتأرجح بين التواطؤ والتنافس، والإنتقال من موقف الى آخر، لٓمٓحٓ كوبو نوعاً من “علم النفس” مختلفاً عن ذلك النوع المنطقي والسببي الذي يهيمن على الأدب آنذاك، بل وأكثر من ذلك، النوع المهيمن على المشهد المسرحي في عصره. لعل هذا المفهوم الجديد “للشخصية”، هو ما يبدو بالنسبة لكوبو قابل “للمسْرحة” لأنه ينفتح على إمكانات أخرى للأداء المسرحي. فعندما قام في عام 1913 بإفتتاح مسرح دوفييوكولومبية Théâtre du Vieux-Colombierبعد تجديده الكامل لمحاربة روح التصنّع والمناورات التي سيطرت، حسب رأيه، على هذا الفن،[33] كانكوبو يضع في قلب مشروعه الإصلاحي مسألة أداء الممثل. وشكّلت الأخوة كارامازوف لدوستويفسكي نقطة الانطلاق لبحثه هذا.
ولهذا، فقد كان رهان كوبو على الإعداد المسرحي، يعتمد منذ الآن، على إسثمار علم النفس الجديد. من هنا، يمكن تفسير رفضه الانسياق نحو “الاعداد” الذي يجمع “القصاصات البسيطة التي يتم إجتزازها من قلب النص الأصلي وتقدّم بدون ترابط، وبوتيرة واحدة”. كان كوبو، على العكس من ذلك، يلتزم بتقديم الرواية، كما يقول “بشكل دقيق، مضغوط قليلاً، ومتوازي هندسياً تقريباً مع ما نفرضه عادة على أعمالنا الدرامية”[34]   .هذا الشكل الذي يميّز الدراما بالنسبة اليه، يتشابه مع المسرح الكلاسيكي: فمن بين الكتب الاثني عشر لروايات دوستويفسكي وعدة آلاف من الصفحات، يكتب كوبو مسرحية متكونة من خمسة فصول وأربعة وأربعين مشهدا. وبالمثل يخضع كوبو، الى حدّ ما، الى قاعدة تجزأة المشاهد المسرحية.[35] أن مثل هذا الاحترام للقيود الدرامية لا يُفصح فقط  عن الرغبة في تنظيم المادة الرومانسية، وإحياء سردها، وإعادة إنتاج آثارها، بل إنه يُبرز الإرادة في خلق المَشاهد المسرحية، وإعادة تركيب الحالات الدرامية المختلفة، مع إدراك مدى تعقيد الشخصيات وتشابك علاقاتها.[36] هذه الحالة تظهر بشكل خاص في المواجهة بين إيفان وسميردياكوف في الفصل الخامس، والذي يُعتبر أفضل المشاهد التي تُصور تحليل كوبو، المشار اليه،  من خلال إظهار البنية التحتية للغة والتي يقوم عليها حوار الشخصيتين اللتين تندمجان أحياناً وتنفصلان بعنف في أحيان أخرى.[37] فضلاً عن الأهمية التي يُوليها كوبو لإختيار الممثلين والتنظيم الدقيق للحركات والإيماءات المسرحية التي تأخذ معنىً محدداً ضمن هذا المنظور.
إن تصريحات كوبو المختلفة حول رغبته في إعداد الأخوة كارامازوف تسلط الضوء بوضوح على التوتر الذي وقع فيه بين مسرح عصره وطموحاته الكامنة لتجديد هذا الفن. ويبدو أخيراً انه يعتقد بان هذا التجديد يبدأ من دوستويفسكي، الذي يبرز هنا كرافعة محتملة لهذا التحول والتجديد في المسرح. إن أهمية هذا العرض الأول، والتأثير الدائم لدوستويفسكي على تفكير كوبو، يمكن قياسه من خلال السطور القادمة والتي تحمل مفردات مهمة كتبها بعد بضع سنوات حول العلاقة التي يجب ان يمتلكها الممثل مع شخصيته:
” أنت تقول عن الممثل بأنه يدخل في الدور، وبأنه يتلبس الشخصية، ولكن، يبدو لي أن هذا ليس صحيحاً، لأن الشخصية هي التي تقترب من الممثل وتطلب منه كل ماتحتاجه من أجل أن تُملئ وجودها. وبالإعتماد عليه تبدأ هذه الشخصية في الدخول شيئاً فشيئاً تحت جِلد الممثل. وهنا يحرص الممثل على ان يترك المجال مفتحوحاً للشخصية. لا يكفي أن ترى الشخصية جيداً، ولا أن تفهمها جيداً، لكي تصبح جديراً بأن تكونها. لا يكفي حتى أن تمتلكها بشكل جيد لكي تمنحها الحياة، بل يجب أن تكون مسكوناً بها”[38]  .
الممثل أرسين دوريك (في دور سميردياكوف) والممثل شارل دولان (في دور إيفان) في الفصل الخامس من مسرحية الأخوة كارامازرف. مسْرحة وإخراج جاك كوبو، أيار/ مايو 1911.
 
كامو والممسوسون:
إحياء التراجيديا من خلال التساؤل الفلسفي
قدّم البير كامو في مدينة الجزائر، العاصمة، عام 1938 وعلى مسرح الفرقة « Théâtre de L’Equipe » ، الذي قام بتأسيسه، النص المعدّ من قِبَل كوبو لرواية الأخوة كارامازوف، وقام هو بتمثيل دور إيفان. ويعترف  كامو: ” لقد أحببته فوق كل شيء، ربما مثّلت الدور بشكل سيء، ولكن بدا لي بأني أفهمه تماماً، لأَنِّي عبّرت عن نفسي بشكل مباشر من خلال تمثيل الدور”[39]. ويبدو أنه يعني أن فهمه لشخصية إيفان، لم يكن يستند على”الشخصية” كما أُعدت من قِبل كوبو، حيث من المحتمل أن كامو كان يشير الى تمثيله وفهمه لشخصية “إيفان”  كما ورد في النص الأصلي لدوستويفسكي.
إن أفكار وتأملات إيفان، في الواقع، غذّت الحوار الفكري الذي كان كامو يقيمه مع دوستويفسكي في كلّ أعماله، وهو حوار طويل الأمد ينتهي بالممسوسينLes Possédés[40]. إن شخصيات مثل إيفان وستافروجين وكيريلوف وما تحمله من إفكار، غذّت بالفعل كل إبداعاته، لماذا إذن يعود كامو الى الإعداد المسرحي في عام 1959؟ مالذي بدا له قابل للمسْرحة في رواية الشياطين Les Démons[41]، وهي أكثر روايات دوستويفسكي إيديولوجيةً، والتي أشار اليها مؤلفها على أنها كتيب؟
خلال مقابلة مع مجلة”عروض”Spectacles ، يتذكّر كامو: “تعرّفت على أعمال دوستويفسكي في سنّ العشرين، ومازالت الصدمة التي تلقيتها منها مستمرة بعد إنقضاء عشرين عاماً على ذلك”[42].ثم يذكر، مباشرة بعد هذا الإعلان، مسرحية “الممسوسون” والتي يضعها كامو جنباً الى جنب مع الأوديسة والحرب والسلام ودون كيشوت ومسرح شكسبير. يصوغ كامو بهذا، بدايةً لتواطؤ عميق لفكره مع فكر دوستويفسكي، وهو تواطؤ ممتد في جميع أعماله تقريباً وتُوج بإعداده مسرحياً لرواية الشياطين الى مسرحية أسماها الممسوسون.
منذ مسرحية كاليجولا، في عام 1938 ، أتبّع كامو آثار أفكار دوستويفسكي ودفع الى أبعد ما يمكن بمنطق “كلّ شيء مباح”الذي أطلقه إيفان في الأخوة كارامازوف. ثم بعد ذلك، تمّ مناقشة ذلك المنطق في رواية الطاعون وفي مسرحية العادلون. [43]  فبالإضافة الى أعماله الدرامية والروائية، كان كامو يُشير الى شخصيات دوستويفسكي في بحوثه وفي مقالاته. ففي كتابه “الإنسان الثائر”، على وجه الخصوص، يستدعي كامو شخصية إيفان ليُظهر جانب من الثورة الميتافيزيقية، كما يستدعي شخصيات رواية الشياطين في الجزء الذي خصصه للثورة التاريخية.[44] ووفقاً لبيتر دنوودي[45]، الذي درس الأشكال المختلفة التي تتخذها هذه العلاقة بين كامو ودوستويفسكي،فإنهاذا كان الحوار بين الاثنين قد تعزّز الى هذا الحد، فذلك لان كامو وجد في روايات دوستويفسكي ما يُغذّي فكره في مواضيع مختلفة مثل غياب الله، والعبث، والانتحار، والتمرّد، والعدالة، والمعاناة وحتى الارتباك والقلق الأخلاقي.[46] كلّ هذه الأسئلة مطروحة في الشياطين.
ولكن، طالما جاء كامو بإعداد هذه الرواية الى المسرح، وهو يدفع بذلك حواره مع دوستويفسكي الى أبعد مدى ممكن، فربما يكون الامر أكثر من ذلك لأن الأهمية الفلسفية والسياسية لفكر دوستويفسكي في رواياته هي ذاتها التي يدفع بها كامو وبعض معاصيرة لتغذية المسرح بها. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أكدّ بعض المثقفين على الحاجة الى جعل المسرح فنّاً ملتزماً. وهذا يعني بالنسبة لهم إستحضار مأساة الانسان المعاصر الى المسرح مقرونةً بشكل وثيق بأسئلة عصره.
ظهر مثل هذا القلق عند كامو بمقابلة صحفية بمناسبة إعداده لمسرحية الممسوسون (عن رواية الشياطين) حيث يقول: ” كان يُعتقد ولزمن طويل بأن ماركس هو نبي القرن العشرين، ولكننا نعلم الآن أن تلك النبوة قد تلاشت، ونكتشف بأن النبي الحقيقي كان دوستويفسكي فهو الذي تنبّأ بهيمنة الفضوليين وبإنتصار القوة على العدالة”[47]  .
نظر كامو الى رواية الشياطين لدوستويفسكي بإعتبارها قابلة للإعداد المسرحي، إضافة الى أن الأفكار التي صاغها دوستويفسكي، وبشكل اكثر تحديداً الأطروحة الرئيسية للرواية التي تتبلور بالمقولة التالية: ” إن نفس المسارات التي تقود الفرد الى الجريمة، هي ذاتها التي تقود المجتمع الى الثورة”.[48]لأن الرواية توضح العدمية وتطرح سؤال الشّر بطريقتين، الشر الوجودي والشر الميتافيزيقي مع شخصية ستافروجين، والشر التجريبي والتاريخي مع شخصية فيرخوفنسكي، ولهذا، فإن متفرّج مسرحية الممسوسون يكون مدعواً لإسقاط خطاب المسرحية على الثورات والديكتاتوريات التي يُعاصرها.
إن الألفة مع فكر دوستويفسكي، والذي يعتبره كامو معاصراً، ولهذا فقد أراد أن ينقله الى المسرح بشكل أكثر وضوحاً من قبل، غير ان ذلك كان يبدو غير كاف لتفسير مقاربته. هناك تأكيدين لكامو يقودان الى طريق آخر، فمن جهة يكتب في برنامج عرض المسرحية (الكتيب أو البروشور) في مسرح أنطوان: “منذ عشرين عاماً وأنا أرى شخصيات الرواية على خشبة المسرح”، ومن جهة أخرى، يؤكد في حديث تلفزيوني: ” هؤلاء الممسوسون يختصرون ما أعرفه وما أؤمن به في المسرح في الوقت الحاضر”.[49] تقودنا هاتين الملاحظتين الى إعتبار هذا الإعداد المسرحي أبعد من الحوار الفلسفي للكاتبين، من منظور مسرحي صارم.
يكتب كامو في أسطورة سيزيف: إن جميع أبطال دوستويفسكي يتشككون في معنى الحياة، وهم بذلك حداثيون ولايخشون من السخرية. إن مايميز الإحساس الحداثي عن الإحساس الكلاسيكي هو أن الأخير يتغذى على المشكلات الأخلاقية بينما يتغذى الأول على المشاكل الميتافيزيقية. يُطرح السؤال في روايات دوستويفسكي بإلحاح شديد، الى درجة أنه لايمكن ان يتضمن سوى حلول متطرفة. إن “الوجود” كاذب أو أنه أبديّ، فلو كان دوستويفسكي راضياً بهذا الإستنطاق لكان فيلسوفاً، ولكنه يُصور العواقب التي يمكن ان تحدثها هذه الألعاب الذهنية في حياة الانسان، وهو لهذا السبب بالذات، فإنه فنان.[50]
إن ما يقوله كامو هنا للإعجاب بدوستويفسكي، هي الطريقة التي ينقل بها “سؤال الشر” خارج مجال الأخلاق، بل وأكثر من ذلك، فإن الطريقة التي يُجسد بها الأفكار الميتافيزيقية في الشخصيات، هي التي تدفع بتلك الإستنتاجاات الفكرية للشخصيات الى أقصى ما يمكن. يعتقد كامو، بإن هذا بالذات ما يجعل فنه ذا قيمة كبيرة.
إن قدرة دوستويفسكي على إبطال التعارض بين الفلسفة والرواية تبدو بالنسبة لكامو نموذجية تماماً. فمن خلال نقل روايته الى المسرح، يُريد كامو، وبنفس الطريقة، المزج بين الفلسفة والمسرح، لإن ذلك يبدو له وسيلة لإحياء التراجيديا. وذلك من خلال إظهار الشخصية العاطفية التي يمكن ان تتملكها الأفكار، وإظهار  التمزق الميتافيزيقي بشكل غير تجريدي، بل مُجسّد. هذا هو النموذج الذي يريد الوصول اليه. أما الرهان وراء إعداد كامو للمسرحية فهو لنقل المناقشات الوجودية للشخصيات على خشبة المسرح وجعلها الموضوع الأساسي للمسرحية، تماماً كما فعل بمسرحيتيّ كاليجولا والعادلون.
يحتفظ كامو من رواية دوستويفسكيعلى طبيعة الشخصيات وإشتباكاتها، بشكل خاص،مثل “عدمية” شخصية بيوتر فيرخوفينسكي، والشعور “بعبثية” كيريلوف، أو خطاب “العبودية” لشاتوف. ولكن الامر أكثر من ذلك، فإن البطل التراجيدي الحقيقي والحديث هو بالنسبة لكامو “ستافروجين” المسكون بالعبث وبالقناعة بأن “كل شيء مباح”، ولكنه غير قادر على أن يلتزم بهذا الموقف كونه متلهفاً الى المحبة والايمان. فهو، هنا، يقدم مثالاً على “الإنسان المتناقض والممزق، المدرك لغموض الانسان وتاريخه”، وهو مايصفه كامو ب “الانسان التراجيدي بإمتياز”.[51] ولذلك، فهو يجعل “غموض ستافروجين هو ذاته سرّ ستافروجين” والذي يُشكّل وفقاً له “الموضوع الوحيد للممسوسين”[52] أي روح النص المُعد للمسرح ومركز ثقل مسرحيته. ويُعيد كامو مشهد “إعتراف الشخصية” والذي كان قد حُذف من قبل الرقابة عندما نُشرت الرواية.
إن ما يُثير الاهتمام في مشروع إعادة إحياء التراجيديا في المسرح الحديث، ملاحظة أن كامو يفصل بين ما هو مأساوي وبين المأساة.[53] ففي حين أنه مدرك للصفات الدرامية للرواية، إلاّ أنه لا يلجأ الى النموذج الكلاسيكي لنقلها للمسرح كما فعل كوبو،[54] بل إختار طريقة للإعداد المسرحي الهجين Dramaturgie hybride القادر على التعامل مع البعد الملحمي للعمل الأصلي. فكان قبل كل شيئ معني بحوارات الشخصيات، لذلك فهو يجعل تتابع المشاهد تنتظم بفصل، وهو بذلك يُفضل ان يُقسّم المادة الرومانسية الى لوحات مشهدية بحيث يضمن سلاسة تسلسلها من خلال التدخلات المنتظمة للراوي الذي يملأ الفراغات الزمنية التي تفصل بينها، ويسمح بالمرور بسهولة، من مكان الى آخر. كان كامو يراهن على وحدة النبرة الصوتية، ويؤكد أنه حاول متابعة الحركة العميقة للرواية والانتقال مثلها من الكوميديا الساخرة الى الدراما ثم الى المأساة[55]. وقد تضاعفت هذه الحركة، بشكل متنامٍ، من خلال سينوغرافيا تجريدية أقل تمسكاً شيئاً فشيئاً بجوهر المادة.[56]
وفي النهاية حصلت مسرحية الممسوسون على قناعة ورضا الجمهور، أكثر من أي عرض مسرحي لكامو. على الرغم من ان بعض أعماله المسرحية تثير مسائل شائكة قريبة من ذلك. مما حدا ببعض النقاد الى حدّ تعميم هذه الظاهرة مؤكدين أن معاصريه يقدّرون بشكل كبير مسرحياته المعدّة على مسرحياته هو، كما لو أن القيام بالمسْرحة، وبشكل خاص، عن دوستويفسكي، يُتيح لكامو حرية واسعة في إعادة النص للمسرح وفي الإخراج .. حرية قادرة على خدمة مشروعه المسرحي.
ميشيل بوكيه (في دور بيوتر) وبيير فانيك (في دور ستافروجين) في مسرحية الممسوسون مسْرحة وإخراج ألبير كامو في مسرح أنطوان ، باريس ، يناير 1959.
 
فنسن ماكين ورواية الأبله:
تجربة المسرح بكل أبعاده مع دوستويفسكي.
حين حضر الجمهور ليشاهد أحدث إبداعات فنسن ماكين “مسرحية الأبله”[57]، صُدم منذ وصوله المسرح. فهو يُستقبل منذ قاعة الدخول في المسرح، بأعلى صوت منبعث عن أغنية شعبية إيطالية “سارة إني أحبك” Sara perche ti amo والتي تتداخل معها صرخات ممثل، عبر مكبر الصوت، داعياً الجمهور للاحتفال بعيد ميلاد إبنته العزيزة. لا ينتهي الاضطراب الظاهر بمجرد دخول قاعة المسرح، بل يتم إنشاء أجواء ديسكو من خلال انبعاث موسيقى مركبة وقوية وأضواء خافته بالفعل مع سُحب من الدخان، وصرخات من نفس الممثل الذي يلعب دور “مُسخّن الصالة” ويشجع الجمهور للمجئ على خشبة المسرح وان يخدموا أنفسهم بكأس من البيرة، وللرقص والصراخ معه.
قد تبدو هذه المقدمة، للوهلة الأولى، بعيدة عن المشروع المعلن لعرض مسرحي عن الأبله لدوستويفسكي، غير أن هذا الانطباع لا يدوم إلاّ للحظات، وقد أثبت هذا النهج في النهاية بانه قادر على الإنتقال الى قلب الأسئلة التي أثارتها الرواية. هذا النهج هو ثمرة حوار معمق بين فنسن ماكين ودوستويفسكي، ومن التقارب الذي يعلق عليه المخرج نفسه قائلاً بأنه متأثر بالخطاب المُتضمن في العمل الروائي، ولاسيما حول شخصية الأبله، ومن شكله الملحمي أو ما يسميه هو “غضبه”. هناك العديد من السُبل التي من الممكن إتباعها لفهم مالذي كان في حسبان فنسن ماكين حين شرع في الإعداد المسرحي للرواية.
على العكس من كوبو و كامو، لم ينشغل ماكين في مسألة قابلية الإعداد المسرحي للرواية التي يختارها. فهو وريث لتقاليد مابعد الحداثة، ومسرحه لا يزعج نفسه بالأوسمة التقليدية، وسواء تناول رواية ام مسرحية فإن فنسن ماكين يتابع عمله بنفس الطريقة. لان الامر يتعلق بالنسبة اليه بإعادة كتابة النص من أجل بناء خطاب، ينطلق من النص، يتمحور حول العالم المعاصر. ولذلك فإن مسألة الإعداد المسرحي، في هذه الحالة، تكون عبارة عن تناغم، بالمعنى الواسع، بين العرض المسرحي والاهتمامات المعاصرة.
يقول ماكين إن إهتمامه برواية الأبله جاء من تنبؤ دوستويفسكي  بما يجري من إنحراف معاصر. وبرأيه، فإن المؤلف يصف في هذه الرواية “ظهور المجتمع الحديث، مع وصول قضايا الإئتمان المصرفي والرأسمالية والمحرك البخاري” ثم يضيف بأن “هذه الحداثة تثير نوعاً من الخوف عند دوستويفسكي”. خوفٌ برّره التاريخ لفنسن ماكين بعد مضي ما يقرب من قرن ونصف من الزمان. فالنماذج الاقتصادية التي تمت صياغتها في مستهل القرن العشرين بدت مستنفذة، وبأن أيديولوجية التقدم الاجتماعي أصبحت متهالكة، والأمل المنشود محكوم بالفشل الى الحدّ الذي إتسعت فيه مجالات السخرية المدمّرة. إن نظرة متوازية بين روسيا في أواخر القرن التاسع عشر وفرنسا في القرن العشرين توضّح على أن في عالم الرواية كما في العالم المعاصر “تتأكد الفكرة القائلة بإن ما سبق وبنيناه هو الان في حالة غرق، وكذلك الشعور بأن ما حاربنا من أجله يتم تدميره”، ولدعم هذا التقارب لنأخذ،  مثلاً ما وصلت اليه الحال (من تدهور) في بعض نماذج التقدم في المجتمع المعاصر مثل الضمان الاجتماعي أو المسرح الشعبي. ولإن خطاب دوستويفسكي كان من الممكن ان يعكس العالم المعاصر، ولأن ماكين يعتبر المسرح وسيلة لفهم العالم المعاصر، ولصياغة خطاب حوله. فإن عمل دوستويفسكي الروائي بدا لماكين قابل للمسْرحة.
إن هذا الحدس هو الذي يدعم مشروع إعادة كتابة الرواية، الجاري العمل بها، ويهدف المشروع الى إظهار “كيف يتردد صداه بالنسبة الى العالم الذي نعيش فيه”. إن إهتمام فنسن ماكين بالعمل الروائي لم يكن يرتكز على تسلسل الأحداث في حبكة محكمة -والتي بدت قابلة للإعداد المسرحي مع أكثر من مخرج قبله –بلْ أنإهتمامه إن صبّ على الخطابات التي أدت الى نشوء المواقف. ولذلك فقد سلّط الضوء على أصوات معينة تناقش الطريقة التي يسير بها العالم، ولاسيما تطوراته السياسية والاقتصادية، فضلاً عن تداعياته الاجتماعية. وبالتالي فقد إعتمد فنسن ماكين، بشكل كبير، على محاورات يفغيني بافلوففيتش والأمير ميشكين[58]، في حضور مجتمعهم بأكمله في بداية الكتاب، وإن تقى اهم العناصر من خطابات الشخصيات العديدة.
علاوة على ذلك، قام فنسن ماكين، خلال إعادة كتابة الرواية، بتضمين إشارات مباشرة للعالم المعاصر. وهنا يستوجب التنبيه بأنه حتى عندما ينأى بنفسه عن الأبله، فإن ماكين لا يهدف الى “تحديث” نص دوستويفسكي، ولا بأعادة إحياء شخصياته في القرن الحادي والعشرين. بل يهدف منهجه الى الاصغاء الى الرواية إنطلاقاً من واقعنا، وبالتالي اللعب على التراكيب بين العصور. هذه الممارسة تضعه ضمن تقاليد بريخت، الذي يشجع إستخداماً جديداً للكلاسيكيات، والتي هي حسب رأي بريخت ” إبراز المحتوى الأيديولوجي الرسمي” من أجل وضعها في خدمة المجتمع.
بعد أن تتم عملية إعداد وتكييف المتفرج، كما ورد ذكرها في إفتتاح العرض المسرحي، يُلاحظ بأن هناك تأثيرات في خلط الأطر المرجعية غير المتجانسة على خشبة المسرح. فيتم تسليط الضوء على منظور ماكين للرواية من خلال تواجد عناصر معاصره على المسرح، مثل بالون ميكي (ماوس) منفوخ بهواء الهليوم، أو تواجد الموزع الأوتوماتيكي للمشروبات الغازية مزينة بإعلانات ضوئية. غير ان العنصر الأكثر وضوحاً، والمأخوذ من عصرنا، يتمثل في الاستشهاد بمقتطفات من خطاب نيكولاس ساركوزي – الذي أُستبدل في عام 2014 بمقتطفات من الحوار بين ساركوزيو فرانسوا هولاند خلال الحملة الانتخابية لرئاسة فرنسا.
ومع ذلك، فلم يختر فنسن ماكين رواية الأبله ببساطة من أجل ما تتضمنه من خطاب قادر على مساعدتنا في التفكير بعالمنا. إن العرض الذي قدّمه يُبرز جاذبية حقيقية نحو الرواية، فهو يسعى، من خلال ذلك العرض، الى ترجمته الى لغة فنيّة خاصة به. فضلاً عن ذلك، فإن أصالة مشروعه تكمن في حقيقة  انه ينطلق من هذا العرض المسرحي بالذات ليُعيد التفكير بالمسرح ككل. فمن خلال الاستناد على العرض المسرحي يضع فنسن ماكين هذا الفن، بجميع أبعاده، في محل تساؤل– من الكتابة المسرحية الى إدراك المتفرج، ومن جماليات المَشاهد المسرحية الى التمثيل – ليعكس بذلك قراءته الخاصة للعمل الروائي بشكل أفضل.
إن إختيار المسرح بابسط أعرافه، ربما أنعكس في وصفنا لبداية مسرحية الأبله في مستهل هذا الجزء. فمنذ مستهل العرض أهتزت العلاقة بين الممثلين والجمهور بالفعل، بسبب تدفق العرض الى قاعة الانتظار في المسرح، وحتى الى الشارع، ويستمر هذا الاضطراب الى مابعد هذه المقدمة ليشتمل مجرى العرض.
التزم فنسن ماكين، وبمجرد الشروع بإعادة كتابة الرواية، بالتخلص من كل التقاليد بما في ذلك الرومانسية. لذلك فإن عمليات الحذف التي مارسها تضع جانباً اكثر حلقات الرواية قابلية على الإعداد المسرحي، على ما يبدو، وبالتالي فإنه،مثلاً، لا يستغني فقط عن مشهد لقاء الأمير ميشكين وروجوجين في القطار، والذي يؤدي وظيفة الموقف التمهيدي من خلال ربط مصير الشخصيتين، بل اكثر من ذلك، فإنه يحذف مشهد النهاية المفجعة التي تجمعهما حول جسد ناستاسيا المقتول – وهو مشهد يقول فيه دوستويفسكي إنه كتب الرواية بأكملها–مما أدّى الى تغيير مسار الشخصيات الثلاثة وأضاف تركيزاً قوياً على شخصية الأبله.  وبالطريقة نفسها، يخفف فنسن ماكين من التركيز الزمني للرواية، كما لو انه أراد أيضاً الاستغناء عما يبدو متماسكاً للغاية، وسعى، على العكس من ذلك، الى إدخال الفوضى في عمل دوستويفسكي المكثّف. يكتب فنسن ماكين في ملاحظاته الأولية بأن “التحدي ليس في تلخيص “الأبله” ولكن في تقديم (على خشبة المسرح) قوة هذه الرواية الملحمية والأدبية وحركتها ووفرتها”، لإن ما عدا ذلك فإن ما تبقّى من الرواية في نهاية المطاف هو غزارة المادة الطويلة والمعقدة والإستطرادية والتي، فيما يبدو، كانت ستولّد الانطباع لدى المشاهدين بانهم أمام “قراءة دوستويفسكية”.
إن إعتماد أبعاد خاصة في العرض المسرحي تستند الى النظر الى ما هو خلف الأفكار التي تحملها الشخصيات، والى دعم الجزء الملحمي من العمل على خشبة المسرح – وهي أبعاد من شأنها أن تقرّب رؤيته من رؤية البير كامو- أدّتبفنسن ماكين الى مسْرحة أكثر التفاصيل دقة في العمل الروائي: “نغمته، طاقته، نبضه الحيوي”، على حد تعبير ميشيل كورفان [59]. يقول فنسن ماكين إنه يريد أن “يخلق عملاً مشهدياً ساحراً ينطلق من غضب دوستويفسكي” ثم يضيف ” ولجعل المسرح مكاناً لقراءة الأبله، وابراز قوة وعنف حكايته”. فمن خلال مشاعر وأحاسيس معينة، مثل الغضب والجنون والإفراط، وغيرها الكثير، يحاول فنسن ماكين تلمّسهذه الرواية، وإعادة إستثمارها في المسرح.
يُعلق فنسن ماكين أهمية بالغة على فكرة “العار” في سياق العرض المسرحي، والتي تمّ تضمينها، عند إعادة كتابة النص، كما في الإيماءات والإشارات المعينة للممثلين. هذه الفكرة تشكّل الأصل في مفردات قاموس مسرحي يتكون من مواد تمّ بها طلاء الأجساد طوال مدّة العرض، مواد مثل الزيت، والرغوة، والماء، والطلاء، واللمعان، والدم المزيف، والتراب، إن أهمية مفردات هذا القاموس هي في كشف عنف العلاقات بين الشخصيات، ولا سيما ضد الأمير ميشكين وناستاسيا فيليبوفا. ان الطابع الحَرْفي والبدائي لعرض فكرة “العار” كشف عن الهياج الأسطوري، الذي يقول عنه فنسن ماكين، بإنه وجده في أعمال دوستويفسكي.
في مشاهد العرض المسرحي، يزداد الإحساس بالمعاناة بإضافة الصفعات والسقوط والضرب، ويتفاقم كذلك أسلوب الكلام بإسراف، فيشحن الممثلون كل كلمة بقوة جسدية، وقوة صوتية، تُفسّر الغضب والعنف الذي يُدركه فنسن ماكين في العمل الروائي، مما يجعل معاناة الشخصيات محسوسة تماماً الى الحدّ الذي يتولّد فيه الانطباع بانهم يلعبون بحياتهم في كل لحظة. إضافة الى إن الصراخ لا يمنع الفوارق الدقيقة لإنها تنتشرفي سياق الحوارات الطويلة. هذا لأن فنسن ماكين حولّ حوارات الرواية – التي تسودها شاعرية دوستويفسكي والتي كانت الأصل في رغبة عدة كتاب ومعدّين الى تحويلها الى المسرح – الى حوارات طويلة تُضفي أهمية على الطابع الحواري وعلى مواقف كل شخصية، كما تُفاقم تناقضاتها العصيّة على الحلّ. حوارات تجعل من العرض المسرحي أكثر خصوبة من وجهة نظر درامية. لذلك فإن الممثلين يُكشفون، من خلال مشاعر تترواح بين العواء الجامح والصراخ المُتحكم به،عن علاقات مؤثرة بشخصياتهم، وبالتالي يكشفون عن الانفصال الذي يكوّنهم. هذا الاختيار الجمالي الجذري الذي ينفتح على حالة القلق التي تلفهم، يميل الى تحقيق الكثافة العاطفية الكبيرة التي يسعى اليها فنسن ماكين مع الأبله.
بولين لويار ودان أرتوس في مسرحية”الأبله، لأنه كان علينا أن نحب بعضنا البعض”، مسْرحة وإخراج فنسن ماكين. مسرح دو فيدي، لوزان، تشرين الأول/ أكتوبر 2014 .
 
توجيه المسرح نحو دوستويفسكي …
سلّطت الخطابات، التي تضمنتها العروض المسرحية، لكل من كوبو وكامو، الضوء على ان حقيقة شاعرية دوستويفسكي هي التي تقرب أعماله الى المسرح. ولذلك فهما يقترحان أن تُعدّ رواياته لانها قابلة للمسْرحة. مع ملاحظة أنهما، في النهاية، لم يستخدما إلاّ القليل من هذه الخصائص الدرامية في مشروعيهما بإعادة الكتابة والمسْرحة الذي يقترحانه. ويتضّح من ذلك أن مقترحاتهما، هذه، كانت لإضفاء الشرعية على مشروعيهما، وإن كان ذلك بأثر رجعي. إن دراسة هذه العروض المسرحية الثلاثة تكشف بأن العديد من جوانب روايات دوستويفسكي مثل الحبكة، والشخصيات، والمضمون الأيديولوجي والفلسفي، والشكل الملحمي، أو حتى “الغضب” وإن كان بشكل أقل وضوحاً، كلّ هذه الجوانب، تكشف للمخرجين، عن إمكانياتها للمسْرحة وهي كذلك، تثير فيهم الرغبة بالتمسّك بها.
لكن كل خطوة من خطواتهم تؤكد، حسب رأيهم، ما يمكن ان يجذب دوستويفسكي الى المسرح،   وهوما يجعلهم يعتبرون رواياته قابلة للمسْرحة، ولا تنفصل عن بحثهم في تحويل أعمال دوستويفسكي من إجل إصلاح وتنشيط المسرح الذي ينشدونه. ففي الحالات الثلاثة المذكورة، يبدو في الواقع انهم[60] يستدعون دوستويفسكي لمنح المسرح إنعطافة جديدة، ولتحديث شروطه، سواء كان بحثهم يتعلق بعمل الممثل أو الأشكال التراجيدية او الفن المسرحي ذاته.
إن هذه الرحلة التاريخية التي ابتدأت من كوبو الى كامو ثم من كامو الى فنسن ماكين تسلط الضوء على حقيقة ان مثل هذا التحوّل، الجاري البحث عنه، مع [61] دوستويفسكي لا يرتبط بنوعية مسرح ما، أو بزمن مسرحي ما، أو بأحد الاتجاهات الجمالية. ففي الوقت الذي أستطاع فيه المسرح أن يفلت من جميع محاولات التعريف، بما في ذلك ما نراه اليوم من توصيف “مابعد الدراما” الذي يبدو توصيفاً غير جدير بان يحيط  بمعالم المسرح المتغيرة بإنتظام في جميع مكوناته. إنما ستستمر مسْرحة دوستويفسكي من قبل مخرجين معاصرين من أجل تغذية بحوثهم الفنية والجمالية.
وفي ختام هذا التأمل، يبدو، في النهاية، إن ما يمكن ان يدخل تحت مفهوم “المسْرحة”يتعلق بشكل خاص بالصلات التي تربط روايات دوستويفسكي بالمسرح. في حين ان “الإعداد المسرحي” يقتصر على التفكير في أشكال التوافق لبعض الموضوعات مع المسرح، أما “القابلية على المسْرحة” فتأخذ بالحسبان ما يُسمى بالتباعد الخصب (بين الشكل الروائي والشكل المسرحي) وبالمقاومة الإبداعية لبعض الاعمال الروائية (في التحوّل الى المسرح).هذان العنصران أساسييان فيجذب بعض النصوص الروائية الى المسرح.

******

الإحــــــالات:
[1] فلوريان توسان، أستاذة مشاركة في الأدب الحديث، وتعدّ أطروحة عن المسرحة لروايات دوستوف في جامعة السوريون الجديدة، وهي باحثة وناقدة معنية بظواهر المسرحة والإعداد المسرحي وكذلك في تاريخ المسرح في فرنسا واوربا في القرن العشرين. (المترجم)
[2] أندريه ماركوفتس و فلورنس بيرنار [مقابلة] منشورة في ملحقأطروحةبعنوان “شاعرية الاضداد” أشرف عليها ماري كلود أوبير،   دافعت عنها في عام 2008 في جامعة بروفانس.
أندريه ماركوفيتش، كاتب وشاعر ومترجم فرنسي من أصول روسية. (المترجم)
[3] أندريه ماركوفتس، مقابلة. أستشهد بها سابقا.
[4] دميتري ماركوفيتش، شاعر وكاتب مسرحي روسي، وهو أيضاً فيلسوف وناقد ومترجم، خلال النصف الأول من القرن العشرين. (المترجم)
[5] ديمتري ميريجكوفسكي ، تولستوي ودوستويفسكي (1902) ، ترجمة، موريس بروزور وسيرج بيرسكي ، باريس ، بيرين وسي ، 1903 ، ص. 243.
[6]   فياتشيسلاف إيفانوف، علم لغوي روسي بارز في فلسفة المنطق وعالم في اللغة الهندو أوربية. (المترجم)
[7] ميخائيل باختين، فيلسوف وناقد روسي، تركز عمله في نظريات الأدب وفي الأخلاق وفي فلسفة اللغة توفي في عام 1975 (المترجم)
[8] بالنسبة لباختين فإن “الحوارية”هي التفاعل الذي يتكون من ملتقى الطرق بين خطاب الراوي الرئيسي وحواراتالشخصياتالأخرى، أو بين خطابين داخليين لشخصية ما. (المترجم)
[9] ميخائيل باختين ، شاعرية دوستويفسكي (1929) ، ترجمة. إيزابيل كوليتشيف ، باريس ، سويل ، 1998 ، ص. 64.
[10] جاك كاتو، “الإبداع الادبي عند دوستويفسكي”، معهد الدراسات السلافية، باريس 1978 .
جاك كاتو باحث متخصص بالآداب السلافية ذو سمعة عالمية، كان أستاذ في السوريون للغة والأدب السلافي وكان يرأس تحرير مجلة الدراسات السلافية.  (المترجم)
[11] على سبيل المثال ، بدت “الجريمة والعقاب” قابلة للإعداد المسرحي بشكل خاص مع بول جنستي وأوجلورو في عام 1888. حيث أن وفرة الحوارات ، وبناء حبكة محددة زمنياً حول جريمة راسكولينكوف ، ثم العدد المحدود من الشخصيات ، والوحدة النسبية لمكان الرواية يتوافق، في الواقع، مع خصائص دراما هذه الفترة. بناءً على هذه الصفات الدرامية للرواية ، تضمن الاعداد المسرحي التلاعب بالمادة الرومانسية ونقلها إلى سبع لوحات مشهدية ، وكان الهدف الوحيد منها تقديم مسرحية “جيدة” تستند إلى عمل دوستويفسكي.
[12] جاك كوبو (1879-1949) شخصية ذات أهمية كبرى في عالم الفكر والفن في فرنسا في النصف الأول من القرن العشرين وخاصة في مجال المسرح، فقد كان مخرجاً ومنتجاً وممثلاً وكاتباً مسرحياً، كما كان ناقداً مسرحياً وقد ساعد على إصدار مجلة نقدية بعنوانالمجلة الفرنسية الجديدة مع أندريه جيد(المترجم).
[13] البير كامو، فيلسوف ومؤلف وصحافي حاصل على جائزة نوبل في الأدب، ويعتبر ثاني أصغر شخص حاصل على الحائزة في التاريخ. والإشارة اليه هنا ليس ككاتب فقط وإنما كمخرج مسرحي. من اشهر أعماله: الغريب، كاليجولا، سوء تفاهم، السقطة، الطاعون، الموت السعيد، أسطورة سيزيف، الانسان الثائر. (المترجم)
[14] فانسن ماكين، مؤلف مسرحي وممثل ومخرج مسرحي، من أعماله الهامة ضمن عروض مهرجان أفنيون للمسرح، الإعداد المسرحي لمسرحية هملت لشكسبير تحت عنوان “سأكون على الأقل قد تركت جثة جميلة” في عام 2013 . (المترجم)
[15] برتولت بريخت، كاتب مسرحي وشاعر ألماني، تأثيراته وأفكاره في المسرح خلقت تياراً خاصاًبه. من أعماله الأم شجاع، دائرة الطباشير القوقازية، القاعدة والإستثناء، وأوبرا القروش الثلاثة .. الخ (المترجم)
[16] هاينز مولر، شاعر وكاتب ومخرج مسرحي ألماني. (المترجم)
[17] هانز تيس ليهمان، أكاديمي ألماني بارز وأستاذ الدراسات المسرحية في جامعة جوته في فرانكفورت، ناقد ومؤسس لمعهد المسرح والفيلم والميديا. (المترجم)
[18] أنظر هانز تيه ليمان، “مسرح مابعد الحداثة”،ترجمة، فيليب هنري ليدرو،باريس، لارش، 2002
[19] العرض الأول في مسرح الفنون في 6 أبريل 1911 ، من إخراج أرسين ديوريك.
[20] إن التأثير المزدوج لأصدقائه في مجلة النقد الجديد وجاك روشيهالذي أحضره إلى المسرح ، أولاً كناقد ثم كمؤلف ، يبدو أنه قادر على تفسير هذه المفارقة. يكتب ماركو كونسوليني عن هذا الموضوع: “إن فكر وممارسة جاك كوبو مليئة بالتناقضات الخصبة ، والدراسات المسرحية، بعيدة كل البعد، عن الانتهاء من التشكيك فيها ، بدءًا من ذلك الذي يجعله أعنف مدافع عن الشعر الدرامي والعدو اللدود للأدب في المسرح”. (م. كوسيليني، النسيان والنصب التذكاري، وفي م. كوسيليني ورفائيل دويون، جاك كوبو، باريس، صدر المشهد المسرحي، مجموعة: الدفاتر الجديدة لمسرح الكوميدي فرنسيز. 2014 صفحة 12 .
[21] كوبو، الاخوة كارامازوف، برنامج العرضفي إعادة المسرحية في مسرح فيو كولمومبييه.
[22] ديمتري ميريكوفسكي، روائيروسي، ناقد وكاتبلروايات تاريخية، كان من أشهر كتاب بداية القرن العشرين. ولد في سان بيترسبورغ عام 1865 وتوفى في باريس عام 1941 (المترجم)
[23] ميريكوفيسكي،تولستوي ودوستويفسكي، ذكر، صفحة 242-243 .
[24] كوبو ، “الأخوان كارامازوف” ، برنامج العرض.
[25] في الوقت الذي بدأ فيه كوبو عمله في الاعداد المسرحي ، كانت هناك ترجمتان للأخوة كارامازوف ، التي أعتمد عليهما: ترجمة هالبرين كامينسكي وتشارلز موريس (بلون ، 1888) وترجمة جيه- فلاديمير بينستوك وتشارلز توركيه ( فاسكيل ، 1906)
[26] على سبيل المثال، وضعت ترجمة هيلبيرين ـ كامينسكي وموريس، جانباً كل مكائد أليوشا مع الأطفال، مما جعلها عملاً منفصلاً ، نُشر تحت عنوان “قبل النضج”،  بالإضافة إلى ذلك ، أعاد المترجمون كتابة نتائج الرواية بالكامل ، وقدموا نهاية سعيدة تليق بمسلسل ميلودرامي.
[27] أندريه حيد، كاتب فرنسي حائز على نوبل في الأدب عام 1947 بدأ عمله ضمن الحركة الرمزية ثم كان ناشطاً لمناهضة الاستعمار بين الحربين العالميتين، الّف اكثر من خمسين كتاباً وقد وصف من قبل صحيفة نيويورك تايمز في نعيها له بعد مماته بأنه أعظم كاتب فرنسي في القرن العشرين. من أعماله قوت الأرض والسمفونية الرعوية. … الخ (المترجم)
[28] أندريه جيد، الاخوة كارامازوف، نشر في الفيجارو قي 4 أبريل/نيسان 1911 ، ثم أُعيد نشرها في: أندريه جيد “دوستوفيسكي “، مجموعة أفكار 1923 ص 63 .
[29] هذه المقالات والمحاضرات (والتي عقدت في مسرحفيو كولومبيه بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد دوستوفيسكي ) تم جمعها في مجلد واحد بعنوان دوستوفيسكي.
[30] كتب جيد عن روايات دوستوفيسكي “بأنها أكثر الكتب إثارة للإعجابفي حياته” ص 71.
[31 ] أنديه سوارس، شاعر وكاتب وناقد فرنسي أسس مع أندريه جيد وبول كلوديل وبول فاليري مجلةالنقد الفرنسي الجديد  في عام 1912(المترجم)
[32] جاك كوبو، السجل الثالث من سجلات الفيو كولومبييه، تحرير ماري هيلين داسته وسوزان ميستر سان دني ونورمان هنري بول، مجموعة جاليمار، باريس ” تطبيقات المسرح” 1979 ص: 389-390 .
[33] كوبو، “بحث في التجديد الدرامي” 1913 نشر في السجل الأول بعنوان “نداء”. نصوص جمعت وتبتت من قبل ماري هيلين داستهوسوزان ميستر سان دني في عام 1999 ص 20 ، المقالة منشورة في الأصل فيNRF في أيلول/سبتمبر 1913 .
[34] برنامج العرض عندما تم إستئنافه في مسرح فيو كولومبيه. أشار كوبو، من خلال هذه الصيغة،الى نهج فلاديمير نيميروفيتش-دانتشينكو ، الذي قدم ، قبل بضعة أشهر ، في مسرح موسكو للفنون إعداداً مسرحياً للأخوان كارامازوف في عشرين لوحةمشهدية ، بعنوان “أجزاء من رواية دوستويفسكي”.
[35] المصدر نفسه.
[36] في ذلك الوقت ، ومن خلال إبراز التركيز الزمني للرواية ، وتركيز المكان ، داخل كل فعل – فإن أكثر ما يلفت الانتباه هو أنه لم يحدث هذا المرّة بسبب الرواية: فالفعل الأول يحدث في الدير ، الثانية في كاثرينا إيفانوفنا ، والثالثة والخامسة في فيودور ، والرابعة في غرفة فيأوبيرج موكروييه ، حيث يلتقي دميتري وجروتشينكا.
[37] في وقت مبكر من يونيو 1910 ، عندما لم تنته المسرحية بعد ، بدأ كوبو يهتم بالتوزيع. كتب في ذلك الوقت لجاك روشي عن الممثل إدوارد ماكس وقال عنه بإهتمام: “إنه دميتري شخصيًا”. (كوبو ، رسالة يونيو/حزيران 1910 إلى جاك روشي ، أعيد نشرها في ؛المراسلات أندريه جيد جاك كوبو، بين الأول من ديسمبر/كانون الاول 1902 الى مارس 1913 ، تحرير جان كلود ، باريس ، غاليمار ، مجموعة “Cahiers André Gide” ، 1987ص 383 .)
[38] كوبو ، “أفكارممثل على مفارقة ديدرو” في دينيس ديدرو ،مفارقة حول الممثل، باريس، بلون 1929 صفحة 13-14..
[39] نقلاً عن بيتر دنوودي ،”الرواية المتناقضة: حوار كاموـدوستويفسكي، باريس نيزيت 1996، صفحة 192 .
[40] عُرضت مسرحية الممسوسونلأول مرة في مسرح أنتوان في 30 يناير/كانون الثاني 1959. في حين أن ترجمة الرواية كانت بعنوان  “الشياطين”.  احتفظ كامو بالترجمة التي اكتشف العمل بها والتي يعرفها الجمهور بشكل أفضل.
[41] رواية الشياطين لدوستويفسكيو التي قام بإعدادها البير كامو الى المسرح بعنوان الممسوسون في عام 1959 . (المترجم)
[42] ألبير كامو ، “دوستويفسكي ، نبي القرن العشرين” في مجلة عروض، عدد 1 ، 1958 ، ص. 3.
[43] الطاعون رواية لكامو صدرت في باريس عام 1947، أما العادلون فهي مسرحية لكامو عرضت عام 1949. تستند المسرحية إلى واقعة حقيقية لمجموعة من الاشتراكيين الثوريين الروس الذين اغتالوا الدوق الأكبر سيرجي ألكساندروفيتش في عام 1905 ، وتهدف المسرحية الى إستكشاف القضايا الأخلاقية المرتبطة بالقتل و الإرهاب. (المترجم)
[44] من المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه في هذا العمل ، تختلط شخصيات دوستويفسكي مع الشخصيات التاريخية ، على نفس المستوى تمامًا: يعطي كامو عنوانًا لتحليله لثورات بيساريف وباكونين ونتشايف “ثلاثة ممسوسين” ، ثم ينهي التعامل مع مسألة الإرهاب الفردي بفقرة بعنوان “الشيغاليفية” ، سميت على اسم شيغاليف ، ضمن شخصيات الشياطين.
[45] بيتر دنوودي، أستاذ في جامعة لندن، له العديد من الكتب والدراسات حول كامو، من بينها كامو والجزائر، وكامو بين الفلاسفة، وكامو بعد نهاية الحرب، وهو أحد المشاركين في انسكلوبيديا الاستعمار الفرنسي. (المترجم)
[46]ب. دنوودي ، تاريخ متناقض ، مرجع سابق. استشهد به.
[47]كامو ، “دوستويفسكي ، نبي القرن العشرين” ، مقالة. ذكر ، ص. 3.
[48] كامو ، مسرح ، قصة ، أخبار ، أد. روجر كويليوت ، باريس ، غاليمارد ، كول. “مكتبةPléiade” ، 1962 ، ص. 1876.
[49] برنامج “لقطة مقربة” لبيير كاردينال ، 12 مايو ، 1959. نسخة من النص نشرت في كامو ، مسرح ، ريسيت ، نوفيل ، مرجع سابق. ذكر ، ص. 1725.
[50] كامو، إسطورة سيزيف، باريس، جاليمار مجموعة أفكار، 1979 ص 140
[51] كامو ، “عن مستقبل المأساة” ، محاضرة أعيد إنتاجها في المسرح ، والسرد ، والأخبار ، مرجع سابق. ذكر ، ص. 1707.
[52] دفاتر كامو، أيار/مايو 1935 ـ شباط/فبراير 1942، الناشر ريمون جاي كروزييه، باريس، جاليمار، مجموعة مكتبة بليياد 1962 ص: 1876.
[53] انظر فرناندي بارتفيلد في ” التأثير المأساوي”، مقال عن المأساوية في عمل كامو ، باريس ، تشامبيون سلاتكين ، 1988.
[54] يقول كامو، في الواقع أن شخصيات دوستويفسكي تتمتع “بمكانة الشخصيات الدرامية” ، وأن أسلوبه مسرحي لأنه “يتابع من خلال الحوارات ، مع بعض الإشارات إلى الأماكن أو الحركات” ، نشر في “الرجاء التضمين” ، المسرح ، السرد ، باختصار قصص ، مرجع سابق. ذكر ، ص. 1877.
[55] كامو ، “الرجاء التضمين” ، سبق ان استشهد بها.
[56] كامو ، “لماذا أعمل مسرحاً” ، في المسرح ، قصص، سرد ، مرجع سابق. ذكر ، ص: 1723 .
[57] إبتدأت العروض في 4 مارس 2009 في مسرح البت الثقافي في غرونوبل واستؤنف في 11 سبتمبر 2014 في مسرح فيدي لوزان، سويسرا (75 عرضًا في فرنسا).
[58] الأمير ميشكين هو الشخصية الزئيسية في الرواية وهو الابله. (المترجم)
[59] ميشيل كورفان، أستاذ في جامعة السوربون الجديدة متخصص بمسرح القرن العشرين، وله مؤلفات ومقالات عديدة من أبرزها قاموس وموسوعة المسرح. (المترجم)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت