نص مسرحي: “المقهى” / تأليف: طنطاوي عبد الحميد طنطاوي

 

                 مسرحية في ثلاثة مشاهد

الشخصيات:
ثنائيات : من الشباب
– نبهان ….سهام
– فاروق… نجوى
– هيثم ….سلوى
رواد المقهى : أعداد كبيرة متباينة ومختلفة فيما بينها من كل الأعمار
– النادل
– المتسول
– رجل الإعلانات المكتوبة
– مساعد المخرج
– الثوار 1- 2- 3 –
– الملتحون
– الجنرال المتقاعد
– المبخراتي
– النائب
– الضرغام
– الكاتب
– فتى المقهى
– مندور
شخصيات ثانوية

المشهد الأول
(لوحة كبيرة تحمل عنوان ” مقهى الفنانين ” المكان شبه ممتلئ بالرواد من مختلف الفئات العمرية، ضوضاء وضجيج يغمر أرجاء المكان، في نهاية المقهى منضدة عالية بعض الشيء عن سائر الموجود وكذلك من خلفها مقعد عال يتناسب والمنضدة، لوحة صغيرة فوق المنضدة تعلن أن هذا المكان خاص بمساعد المخرج وممنوع الجلوس، بجوار اللوحة مكبر صوت يدوي صغير، مطرقة صغيرة تشبه مطرقة القاضي في المحكمة، يتحرك النادل في رشاقة بين الموائد ملبيا نداء أي من الرواد، تتغير حركته فيبطئ وينتظر الشيخ المتحرك بتريث وهدوء أمامه، يقترب منه وهو يتحرك مستعينا بعكاز في حركته ويبدو في سن كبير يعكس هذا حركته المتمهلة، يشير عليه بالجلوس)
النادل: أتفضل يا أستاذنا
المتسول: شكرا يا ولدي … سأتحرك وكما قالوا في الحركة بركة …قادر ربنا يرزقنا بإنسان يجود علينا بخير ونرده له يوم يلاقي ربه
النادل : متسول !!! آهلا
المتسول : قطع الله لسانك … أنا أساعدهم في بلوغ الجنة … من يدفع أدعو له ومن يدفع ينول الرضا …ومن أدعو له يصيبه من الخير الكثير فدعوتي لا ترد
النادل(ضاحكا ومبتعدا) ولى من أولياء الله… لك مني كأس من الشاي علي حسابي الخاص…لكن عليك بالجلوس فكما ترى المكان مزدحم وأنا لا أستطيع الحركة
المتسول : ليتك تبدلها بزجاجة مثلجة وكما يدعونها “مشبرة ”
النادل(بصوت مسموع) وواحدة مثلجة مشبرة على حسابي الشخصي لمولانا لننال الرضا بدعواته ، وعليه بالالتزام وإلا دهسته في طريقي
المتسول(ضاحكا) إلهي تدهسك طائرة في قهوتك (يضع ساقا فوق أخرى و صائحا) بسرعة يا ولد
(يجلس على مائدة بجوار خمسة من الشباب ثلاثة فتيات وولدين يبدو أنهم في انتظار قادم جديد عليهم هذا واضحا بحركة عيونهم ونظراتهم في الساعات التي بمعاصمهم أو التحدث عبر الهاتف المحمول)
نبهان(بعد أن يضع الهاتف على المائدة) إنه لا يرد
سلوى : أنا خائفة
نجوى: (تضرب كفا بكف) لا تخافي إنهم مثل القطط بسبعة أرواح، دقائق و ستجدينه بيننا، إنه لا يستطيع البعاد عنك يا جميل
سهام: (للشابين) أرأيتما قلوبنا مثل الماس… نخاف عليكم من الهواء الطائر
المتسول(يأتيه النادل بزجاجة مثلجة يرشف منها وينظر للشباب)الله..ترطب القلب والحلق.. مثل بنت البنوت الكاعب
سهام(ضاحكة) جميلة …الله عليك …وكاعب أيضا
المتسول(بنظرات لا حياء فيها ) أنت أجمل زادك الله بهاء وجمالا ورفعة
جميعهم:(يصفقون ويطلقون صافرات من أفواههم.ينهي المتسول المشروب ويتحرك مستعينا بالعصا ويبدأ بهم)
المتسول(لهم) من يفتح الباب ابن حلال..هنيئا لك يا فاعل الخير والثواب.لا تفكر كثيرا..مد يدك واخرج حافظة نقودك وادفع لي.. لا تخف سيرد إليك فالحسنة بعشرة أمثالها..أنا من يفتح لكم أبواب الجنة..ادفع كل شيء مردود لا تتردد.. أنا لا أتسول أنا أمنحكم صكوك غفران ليغفر الله لكم..الصكوك تتناسب وما تمن به على نفسك..             أنا المؤتمن على ما تدفع والشاهد لك يوم الحساب..من يفتح الباب؟  (يتحرك أحدهم رافعا لوحة مكتوب عليها …على المتسولين الدخول .. ينظر إليهم ضاحكا ويقفز في الهواء قفزات لا تعكس حقيقة عمره الظاهر الذي يبدو من شكله ومصفقا وماضيا ) لقد حان الدور … سلام يا شباب ويا أحلى بنات في الدنيا
نبهان: وما الدنيا إلا مقهى كبير …. يلعب دوره باقتدار
سهام: (بخبث) إنه صادق جدا في كلماته…يكفي إنه يعرف قيمة الجميلات
نجوى(وهي ترقص حواجبها وتدفع بشعرها للخلف) أنا أؤيدك في الرأي
فاروق: لا تصدقوه..هنا مرتع الكذب..عليكم بالعودة والوقوف أمام المرآة من جديد وخاصة ساعة الاستيقاظ في الصباح سترون العجب (مستدركا وضاحكا) ستتأكدون أنكم الأجمل على وجه الأرض
نجوي : ظننت ستقول غير ذلك … كنت سأقطعك بأسناني
فاروق: (يميل عليها طابعا قبلة فوق خدها) لا أستطيع يا ملاكي
نجوى: أجننت نحن في مكان عام وطبع القبلات فوق الوجنات
فاروق  : وآخر الفتايا ليس بمحرم
نبهان: الجميع يلقي بفتاويه..من حقك الفتوى صديقي وخاصة إذا كانت تصب في صالح المجموع من المحرومين
نجوى: (بعصبية ) آخر مرة أحذرك
فاروق : لك السمع والطاعة مولاتي
نبهان: حتى الملوك تتراجع … كش ملك ( يضحكون )
سلوى(بعصبية بالغة) إنه لا يرد حتى على التيلفون
(تسقط الأضواء على الجالس فوق المقعد المرتفع من الناحية الثانية يطرق بيده مكبر الصوت بيده ليتأكد من مدى جاهزيته ويبدو أنه يعمل مساعد مخرج )
المساعد(من مكبر الصوت) الثوار عليكم بالدعوة جهرا الآن وقبل الدخول للأستديو..هيا ودائما عليكم أن تكونوا على أهبة الاستعداد ولتظهروا أفضل ما لديكم
(الثوار ممن يظهرون تباعا، كانوا جالسين كرواد في المقهى ولكنهم في أماكن متفرقة، يقف كل منهم في مكانه متحدثا بثورة عاصفة )
ثائر1: بؤس وشقاء وآلام لا تنتهي تعصف بالبشر من حولنا، أحزان تتوالى ووليد قادم يصرخ رعبا، اصرخوا عل غمامة تلك الأيام السوداء القاتمة أن تنزاح
ثائر2: لن تنزاح فقد ارتضى القوم السكون، رضخوا للظالم وعشقوا القهر وللحرية ثمن مدفوع ودم مسفوك يعطر حياة من تبقى من البشر
ثائر1: لتكن أفكارا مطروحة ومن قال إنها هدامة ومدمرة للمجتمع والناس فليحرق في نيران الدنيا قبل نيران الآخرة
ثائر3: اصرخوا.. أنا معكم وليكن قلبنا على قلب رجل واحد، فالحق مصلوب على باب مدينتنا، لم تزهق روحه بعد لكنه في الرمق الأخير، أسمع  صوت أنينه إنه ينادي ولكن في همس موجع
ثائر1: لننقذه بحياتنا …هلموا
ثائر2: أين العدل ؟
ثائر3: اتنتظرون الخلد؟ لا خالد مخلد في الدنيا، ربما تخلد في جنة ربك لو كنت سليم الطوية والنية.. ستنالون الحرية إن لم تكن في الأرض ففي السماء … وفي السماء رزقكم وما توعدون
ثائر2: العدل وليس سواه..العدل شمس ساطعة لن تمحوها غيوم وظلال القهر.. بأيدينا الغد قادم برياح تمحو ضباب الظلمة والقهر..ستنفذ أشعة الحرية ستخترق كل الحجب المصنوعة وستتغلل في أفئدة البؤساء المطحونين البلهاء النكرة الأغبياء
(ضجيج وأصوات متداخلة ولكن يبدو أنها تهتف لشيء ما )
صوت: إنهم من يدعون الثورة..إنهم اليساريون الشيوعيون أنصار العلمانية الكاذبة والداعون للخروج عن الدين ….اقتلوهم …اقتلوهم
(يختفي الثوار ويجلسون ومنهم من يتسلل مقرفصا بين الموائد وفينفس اللحظة  يظهر عدد كبير من الملتحين ومرتادي الجلباب الأبيض القصير ومن أسفله يبدو السروال واضحا، ملابس أفغانية أوباكستانية أصبحت معتادة في أغلب الأماكن اليوم لكن ليس بصورة مكثفة كما هو واضح في هذا التجمع.. يحيطون بكلرواد المقهى من مختلف الجهات وكأنهم في مرحلة هجوم على المكان…ضوضاء وهرج ومرج )
الملتحون : الله أكبر … الفنانون دعاة الفسوق
المساعد : ليجلس كل في مكانه … لم تحن اللحظة بعد
( يرتج المكان وحركة لا إرادية في خوف تتملك كل الرواد، يقف  بعضهم في مكانه والآخر يحاول الخروج من الحصار المفروض، يتقدم ناحية مائدتهم أحد الملتحين ويرمقهم بنظرات قاتلة ويرفع في يده عصا غليظة ويدق بها في راحة يده الثانية )
الملتحي : أنتم دعاة الفسق والفجور أليس كذلك ؟
سلوى: (باكية) أقسم لك بالله العظيم أنا أنتظر
الملتحي(بعصبية وقوة ) تنتظرين من ؟ تكلمي يا فاجرة
سلوى: أقسم لك
فاروق(متوددا) يا أخي نحن مجرد شباب مثلك نبحث عن مصدر نتكسب من ورائه، أنت تعلم الظروف جيدا، هل ترانا من تلك الوجوه التي تطل عليك من الشاشة أو ممن تراهم في إعلانات السينما والتلفزيون ؟
الملتحي : اخرص.. ثكلتك أمك..أنا أرى ما يعرض على شاشة السينما أوالتلفاز !!!..خسئت يا رجل (ينظر ناحية سهام ويلعب حواجبه لها) أنت تبدين ممثلة معروفة، هذا يبدو من ثيابك وما تضعينه على وجهك من ألوان مختلفة أليس كذلك ؟
سهام(باكية وهي تمسح وجهها بقوة ) أقسم لك أنا لا أضع أي ألوان أو أدوات تجميل على وجههي.. انظر بنفسك
نبهان: يا أخي إنها خطيبتي
الملتحي: وتخرج معك وبصحبتك على الملأ..أين رجولتك يا أخي؟ لقد أضعتم الحياء بأفعالكم الوقحة تبا لكم وأمثالكم (يبتسم لنبهان) لكن أقول لك وبصدق أن جمالها طبيعي فعلا (لنجوى) وأنت مع من قادمة ؟
فاروق: يا أخي إنها خطيبتي وسيتم الزفاف خلال أسبوع
الملتحي : أما كان الأجدر أن تحجبها عن العيون فهي أيضا جميلة
نجوى(مبتسمة ) شكرا لك
فاروق(يدفعها للصمت بإشارة من يده ) لك الشكر أخي
الملتحي: تهانينا لكما.. تفضلوا..اجلسوا لماذا أنتم وقوف؟ ل (سلوى) وأنت بمفردك لا رفيق لك، أين رفيقك ؟ لماذا يبدو الحزن عليك يا حبيبتي
سلوى(في دهشة بالغة وتنظر لهم ) ماذا تقول ؟
الملتحي: حبيبك الذي يتركك بمفردك يستحق الضرب حتى الموت
سلوى: إنه طيب
الملتحي: أنت الطيبة.. أنت تستحقين رجلا يقدر أنوثتك وجمالك.. مجنون حبيبك هذا يتركك هنا.. هاهما يتمتعان بالحديث ويتكلمون في العشق وأنت بمفردك تحدثين نفسك … هذا قمة الجرم …. هل تتزوجينني يا فتاة ؟
سلوى: ماذا تقول ؟
الملتحي: سأدفع مهرك في التو وفي اللحظة
سلوى: أنت مجنون … (وكأنها أدركت إنها تتحدث لأحد المهاجمين )
نبهان(مسرعا) عفوا أخي هي لا تقصد ما قالته ولكن يبدو أن اللفظ خانها فلم تدرك ما تقول، غصبا عنها فهي مخطوبة ولم يتبق على الزواج سوى أيام معدودة
الملتحي: وهل أنا فعلت ما يغضبها؟ أنا أطلبها للزواج على سنة الله ورسوله فلم أخرج عن الشرع والدين           (بقوة ) لكن هناك شرطا أساسيا كل ما ترتديته من ملابس لا يليق بك بعد اليوم …إنها ملابس
(خرج صاحب العود الرفيع المرتدي الحلة البيضاء ورافعا إعلانه هذه المرة ومدون به، على القائمين بأدوار المجاهدين الاستعداد فالمعركة أزفت، أسرع جميع الملتحين خلفه إلى الطريق المؤدي للأستديو الداخلي، ضحك لهم ومال على سلوى مقبلا وجنتها وسط ذهولهم جميعا وأسرع لا حقا بالملتحين )
سلوى: سأمشي الآن … لن أنتظر لحظة واحدة بعد الآن
سهام : يبدو أنه عشقك مجرد أن رأك.. سيتزوجك.. يكفينا عنوسة لنفرح  بواحدة منا ستتزوج وتكسر النحس المصاحب لنا (يضحكون)
فاروق : لنفكر بهدوء.. هؤلاء مجرد شباب قادمون مثلنا يبغون الحصول على فرصة أيا كانت … لدي اعتقاد جازم بذلك
نبهان: يبدو أننا مثل الأطرش في الفرح..يراودني شك في حقيقة هذا المكان جموع كثيرة من مختلف الأعمار … من منكم يعرف هذا المكان من قبل
سلوى: هو من أشار علينا بالحضور ولم يحضر لماذا ؟
نجوى: حقا ..عدم حضوره رغم إننا أمضينا قرابة ساعتين هنا مثير للريبة والشك..هل يعلم شيئا ولم يخبرنا ؟
سلوى : مستحيل أن يفعل ذلك فلم يخلف لي يوما موعدا
نبهان: أرجوكم هو بعيد كل البعد عن مجرد الشك
فاروق : أنقانا قلبا وسريرة
سلوى: سأمضي لحال سبيلي.. إن جاء فأعلموه كم أنتظرته معكم
(تقف وتهم بالمضي، مجموعة من الملتحين تخرج من الباب الداخلي وكأن الخوف أصابها فعادت تجلس في مكانها وعينيها معلقة بهم وبدورهم نظروا ناحيتهم، بدا الخوف في وجوههم والملتحي الذي تحدث معهم يتقدم صوبهم، نظروا إليه، تقدم وسحب مقعدا وبجوار سلوى جلس وهو ينظر إليها مبتسما وهم صامتون وكأن الخرس أصابهم )
الملتحي: هل فكرت فيما طرحته عليك من عرض ؟
سلوى: أي عرض ؟
الملتحي: أين قلبك؟ وأين نوره الذي تهتدي به؟ ألم يطالبنا سيدنا بأن نحافظ على نور قلوبنا..فهو هدية الله للإنسان وعليه ألا يطفئه
سلوى(واقفة والدهشة فوق ملامحها) من أنت ؟
الملتحي: سيظل النور ولكن تحت شرط هل تعرفينه ؟
سلوى: أن نبعد عن معصية الخالق وفجور النفس وفعل الخير بكل ما نستطيع من سبل (ضاحكة مصفقة) أنت هيثم (يضحكان يفتح ذراعيه فتلقي بنفسها، ثوان وراحت تضربه بكلتا يديها في صدره وهي تبكي)
نبهان: أنا لا أصدق عيني … هيثم
هيثم: هو بشحمه ولحمه
فاروق: الصوت مستحيل..أنا أعرف صوتك من ألف صوت حولي.. تغيرت حتى نبرات صوتك.. كيف هذا ؟
هيثم: موضوع شرحه يطول.. اكتظت البلد بالأسواق.. وتجار من كافة الأجناس يتسابقون ويدفعون.. من يشترون معصوبي الأعين.. دعونا نتمتع باللحظة حتى يحين الموعد  (لسلوى ضاحكا وهو يرفع عن وجهه علامات التنكر) شيخنا معجب بك وطلب يدك مني..لكنني رفضت وقلت له إن أردتها فخذها كلها حلالا بلالا
سلوى : يا جبان
هيثم: أنت مجنونة حبيبتي من يرفض طلبا للشيخ يحرق في نار جهنم
سلوى(تضربه بحنان بالغ ) لن أرد عليك
نبهان: كاد الجنون يعصف بنا..حضرنا منذ ساعتين ورأينا عجائب فعل وقول وأصابنا الخوف وظننا بك الظنونا
هيثم: أعتقد تجربة لا بأس بها… لنفكر بهدوء وترو
سهام: ربما أصاب بعضنا العقم فلن ننجب بعد ما سيطر الخوف على قلوبنا
هيثم: بالعكس يقولون من لم تنجب إن أصابها هلع وخوف فإنها ستحمل مباشرة..في بلدنا زوجة أخي بعد مضي سنتين زواج لم تحمل و عندما وضعوا لها في حجرة النوم جمجمة بشرية أتوا بها من المقابر.. ارتعبت ووضعت بعد تسعة أشهر بالتمام والكمال من تلك الواقعة (يضجون بالضحك ونجوى تضحك وتولي وجهها بعيدا عنه)
سهام: أنا لا أصدق عيني … أنت هيثم أم الملتحي صاحب العين الزائغة ؟
فاروق : من تولى عمل هذا ؟… أنا لا أصدق عيني إنه فنان كبير
هيثم: استديو ضخم ملحق بالمقهى.. مساحة شاسعة تشعر بأنك داخل مدينة جديدة.. مدينة لم يطف بخيالك تنوعها وجمالها.. يقوم على حراستها حراس غير عاديين تتخيلهم يتحركون بمؤثرات عن بعد.. يقولون عنهم أنهم بلا قلوب فلا يعرفون الرحمة.. إنها شركات عربية وغير عربية.. عندما تدخل وتحظى بالقبول يتم تصنيفك كما يريدون هم لا كما تريد أنت
سلوى: وما يجبرنا على ذلك ؟
هيثم: الحاجة … مطلوب منا أن نعيش ونتزوج أليس كذلك ؟
نبهان: بتلك الصورة التي تتحدث عنها علينا أن نتوخى الحذر
فاروق : علينا أن نكون أكثر شجاعة.. انظروا كلهم قادمون.. ينتظرون ما يجيدون به عليهم.. شأننا شأنهم.. انظروا إنهم يضحكون والسعادة ظاهرة جلية فوق وجوههم … علينا أن نجاري الدنيا
نبهان: هل هناك عملا يدعو للخوف ؟
هيثم: أعمال كثيرة متنوعة لكن لا أعتقد أن هناك مجلا للأختيار.. من يجتاز تلك البوابة المؤدية للأستديو من هذا المقهى.. وتعداد المقاهي حوالي أحد عشر ضخمة مترامية الأرجاء وكل منها يخدم منظومة العمل القائم..ومن كل منها بوابة ينفذ ويدخل منها من أصابه الدور ليواصل العمل..فعلى كل منا أن يسجل اسمه كمتطوع وأن يقر إنه رهن إشارة المخرج
سلوى: مخرج يعني أعمال سينمائية أو تلفزيونية أو ربما مسرح أو
نجوى: أظننا دفعنا مبلغا وقدره.. وماذا يضيرنا ؟ علينا أن ندخل التجربة وليكن ما يكون ما رأيكم ؟ مؤكد ليس أعمالا خارجة
هيثم: لا أعتقد أنها أعمال خارجة كما رأيت وكما عرفت وسمعت.. ليس سيئا والحيطة والحذر مطلوبة في كل الأحيان
سهام: ليتك تفصح
هيثم: يعني … ممكن
سلوى: تكلم أنت صاحب تلك الفكرة وعليك أن ترشدنا … ممكن ماذا ؟
هيثم: ممكن أن يأمر المخرج … كل الثنائيات الموجودة أن تتعانق
سهام: تتعانق !!!
هيثم: وأن يقبلوا بعضهم قبلات ساخنة
سلوى: أي جنون هذا على الملأ … لسنا في بلد أوروبي ولكن
نبهان: هذا يوقعهم تحت طائلة القانون … فعل فاضح في مكان عام
فاروق(مبتسما لنجوى) ليس عيبا إنه عمل وعلينا تنفيذه والمخرج صاحب الأمر والنهي..إنه عمل نسعى من ورائه عن مزيد من الكسب والرزق الحلال …
نجوى : حلال في عينيك حبيبي
فاروق(مغنيا) بأمر الحب …ما أقصده بأمر السيد المخرج
هيثم: يمكن أن يصدر قرارا ويتخير هو الثنائيات ويحدث ما لا يحمد عقباه في عمليات البدل تلك
نبهان: دعونا من الحساسيات المفرطة فكل ممثلات السينما في بلادنا وفي العالم يسلمن أنفسهن للبطل وتعيش البطلة اللحظة بكل مشاعرها وربما يثنون على أدائها الرائع وتنال الاستحسان وتطلب في كل الأفلام فيما بعد … فكروا فالموضوع يستحق التفكير والتروي
سهام: مؤكد جننت
نبهان: تخيلي نفسك بين يوم وليلة أصبحت حديث المجلات والجرائد الدورية الفنية.. سطع نجمك في سماء الفن مجرد أن أجدت في قبلة.. سأصبح زوج الفنانة المتألقة صاحبة الشفاه الممتلئة الساخنة..سأمشي في الشارع مزهوا كوني زوجك أو حبيبك.. ربما يومها تعيدين التفكير.. وربما يحدث العكس.. على الجميع أن يفكر بهدوء الفرصة تأتي مرة واحدة
(يصمتون وينظرون لبعضهم )
فاروق : ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
نبهان : وفي بعدنا وخوفنا هلاك قائم … ليكن لنا شرف المحاولة
سهام: أنا مع المحاولة
نجوى: وأنا أيضا
سلوى : أنا خائفة
هيثم: ما دفعني أن أقول لكم وجدت أن كثيرين يتكسبون أمولا طائلة من وراء تلك اللعبة الغريبة بلا مجهود يذكر.. الأحوال ليست على ما يرام  وعلينا أن نحاول في سبيل
نبهان(مقاطعا) هل وجدنا بابا إلا وطرقناه.. علينا أن ننتظر ربما من الله علينا من وراء تلك التجربة بالخير والسعادة
فاروق: قالوا أعقلها وتوكل.. ومن يتوكل على الله فهو حسبه
(تطفأ أغلب المصابيح … أغلب الرواد انصرفوا )
نبهان: يبدو أن موعد النوم قد أزف
سهام: من حديث متداول التقطته أذناي من وقت قليل أن هذا المكان يعمل الليل والنهار في تواصل مع استمرار العمل في الداخل.. هل يتوقف العمل داخل الأستوديو ؟
هيثم: أعلم إنهم لا يعرفون النوم
نجوى : طالما هناك مكاسب قادمة فمن ينام ؟
هيثم: يقولون أموالا متدفقة كسيل لا يتوقف
سلوى: من أين؟ منبعها مصدرها من أين؟ ربما كثرة فكرنا في الأموال تعمي أعيننا عن الطريق الصواب.. أحساسي لا يكذب … يلعب في صدري
هيثم(ضاحكا ) وأنا على إخراجه
سلوى: حرام عليك … ليس هذا وقت هزل أو لعب
هيثم: قري عينا … سنفكر معا
(يتقدم رجل كبير في السن لكن يبدو في صحة جيدة، صاحب قوام ممشوق ووجه يعكس ملامح العز والجاه، مهندم الملبس، يجلس على المائدة المجاورة لهم، واضعا ساق فوق أخرى، يشير للنادل فيأتيه مسرعا )
النادل: طلبات معالي الجنرال
الرجل(يكتم ضحكاته) وكيف عرفت ؟
النادل: وهل يخفى القمر ؟
الرجل: لو تكرمت عصير لأي فاكهة مجهزة في الحال
(إشارة من المساعد للنادل فيقترب منه ويميل عليه في حوار هامس بعدها يتحرك المساعد تجاه الرجل الغريب.. يسحب مقعدا ويجلس قبالته تماما )
المساعد: آهلا بك معالي الجنرال
الرجل(بعصبية ) لست جنرالا
المساعد: سماتهم على وجوههم … لما تتخفى
الرجل(ينهض من مجلسه) سأمشي من هنا … لأواصل طريقي
المساعد : ما الذي أثار ضيقك سيدي
الرجل : أنت … أرجوك أتركني بمفردي
(أثار انتباههم العصبية التي يتحدث به الرجل فاسترقوا جميعا النظر وأرهفوا السمع وكتموا ضحكاتهم )
المساعد: أنا رهن إشارتك فيما تطلب
الرجل: يا أخي ارحمني وأتركني.. إنما جلست بعد أن تورمت قدماي وبعد أن تجولت في ربوع المكان أبحث عن ولدي.. شعرت بحاجتي الماسة لكأس من العصير ربما أجدد نشاطي لأواصل البحث …
المساعد : وماذا حدث لأبنك
الرجل(في آسى ) شأنه شأن كل الشباب يريد المزيد من النقود
المساعد: لماذا لا تهبه ما يريد ؟
الرجل(مغتصبا ضحكة) احتمال ما أملكه لا يكفي ثمن كأس العصير
المساعد: لك عندي عمل رائع يوفر لك المال اللازم لك ولولدك
الرجل: وأنا أبحث عن عمل حقيقة … ما طبيعته ؟
المساعد : ترتدي ملابس الجنرال وأنت لك من المهابة ما يؤكد شخصيتك
الرجل: وماذا وراء الجنرال المزيف؟
المساعد: لنقل الجنرال المتقاعد.. كل ما عليك أن تجلس أمام الكاميرا وما يطلبه منك المخرج تنفذه وتقوله.. أعتقد بأنه شيء بسيط..والمقابل مغر ويمكن أن يستمر العمل لأيام وستقبض أجرك بالدولار
الرجل: سأقول ما تمليه علي حتى وإن طلبت أن أصب اللعنة على أهلي ومن عرفتهم طوال مشوار حياتي.. مستعد أن أسب وألعن
النادل: عصير محضر في التو وفي اللحظة تذوق
المساعد: هذا ضيفي شكرا لك … هيا
(يقف الرجل وهو يرشف العصير دفعة واحدة حتى يأتي على نهايته وينطلق خلف المساعد )
هيثم: هل منكم من يدرك ؟
نبهان: سيقوم بدور كجنرال (مستغربا ) ليس جنرالا وسيدفع له بالدولار لماذا ؟ وماذا سيقول ؟
نجوى: أرى فيه شبها كبيرا بأحد قواد قواتنا
سهام : يستغلون هذا الشبه … ربما يتحدث بلسان القائد …
سلوى: وما يعنينا من الأمر … لنسأل النادل
(يشير هيثم للنادل فيتحرك ناحيتهم لكن ليس بنفس النشاط السابق ويبدو عليه معالم الكسل والاجهاد )
النادل: طلبات السادة الأفاضل
فاروق : الجنرال … قائد كان … وماذا سيفعل أمام الكاميرا ؟
النادل: هنا الكل يلتزم الصمت..كل يسعى أن يتكسب..فرجاء لا تسألني عن شيء وعليك أن تبحث عما تريده فحسب
هيثم(مبتسما ومغيرا الحديث) لا عليك أخي … أؤيدك في الرأي ليسعى كل لما يبغي ويريد … من فتحت له أبواب السماء هل نغلقها بأيدينا ؟
النادل: حقا فتحت له أبواب السماء.. سيكسب الكثير في الحوار الذي سيجريه وهو كالمعتاد كله أكاذيب وتراهات .. إنها أرزاق …
هيثم(رافعا يديه وداعيا ) يا رب أرزقنا مثله (يتوجه للنادل بالحديث) تتذكر أنني تحدثت معك سابقا.. وطلبت مشورتك كأخ وصديق.. لا أنكر كان التوقيت لا يسمح وكانت ساعة ذروة ولا مكان لقدم في المكان.. لكنك وعدتني إن كان الوقت يسمح فلن أبخل عليك.. هل أزف الموعد أن تخبرني؟ أم تضن عليّ ؟
النادل(صائحا وغامزا بعينيه ويبتعد ) قهوة مضبوطة لمعالي الباشا
هيثم: أعتقد أن المكان لا يخلو من كاميرات للمراقبة أو بمعنى أصح الكل يراقب بعضه، لقد نظر حوله في خوف وتوجهت عيناه مباشرة لمساعد المخرج مباشرة، هذا ما أظنه، هل أنا على صواب في فكري؟
(تهتز رؤوسهم بالإيجاب ولا يتحدثون، في نفس اللحظة يغادر المساعد مكمنه متجها للداخل، يسرع النادل بفنجان القهوة فيجلس بينهم وهو يرشف القهوة في تأني وانسجام )
النادل: هات ما عندك وأطرح ما تود من أسئلة
سلوى: أنا خائفة
النادل: مم تخافين؟ هل يجبرك أحد على فعل لا ترغبينه؟ هنا الكل قادم بمحض إرادته ووفق ما يمليه عليه عقله ، الجميع أحرار
هيثم: كما قلت كل منا قادم بإرادته.. هي قادمة معي وكلنا سجلنا أننا قادمون للعمل كثنائيات ” كبيلز ” كما أشار الإعلان
النادل: إذن فأنتم تعلمون سبب وجودكم جميعا
فاروق : لكنا لا نعرف ماذا سنفعل ؟
النادل(مبتسما بخبث) ما يفعله اثنان عاشقين مثلا
نبهان: نحن جميعا شبه مرتبطين… كل منا وخطيبته أخي … فلا تسيء الظن بنا وبتواجدنا معا
سهام(بحدة) نحن أبناء أسر محترمة وكلنا حاصلين على درجات علمية جامعية لسنا
النادل: جزاك الله خيرا أختي الفاضلة.. أنا حاصل على درجة الدكتوراه ما رأيكم دام فضلكم.. عليك أن تتحلي بالصبر.. أنا أبحث عن مصدر رزق ووجدت ضالتي هنا ، أنتم أحرار فيما تودون … أترككم في
هيثم: تريث أخي أرجوك.. لتكن بمثابة أختك الصغيرة.. إنا نلتمس منك أن تدلنا على الطريق الصحيح.. لقد توسمنا فيك الخير يا دكتور
نبهان: تبدو عليك معالم أبناء البلد الرجال ممن لا يبخلون بإثداء النصيحة وتبصير من يجهل الطريق
النادل(يقوم وهو يدور حول مجلسهم ويحتسي ما تبقى من القهوة) يا سادة هنا ستكون المفاجأة لكم.. ستجدون كل خيرات الدنيا في متناول أيديكم.. أموال تبعثر لغايات لا يعرفها إلا أصحابها..ستجدون من يرقصون ومن يحبون ومن يفكرون في القتل ومن يطرحون أفكارا تدعو للسلام.. وما الدنيا إلا مسرح كبير.. هنا من يلعب ويحرك البشر كعرائس مشدودة بخيوط في يده.. هنا المتعة والحياة.. يمكن أن تكون بداية الخير ويمكن أن تكون النهاية غير المتوقعة إطلاقا.. افتحوا عيونكم وتعلموا وحاولوا.. تلك نصيحتي لكم لوجه الله تعالى
سلوى: أنا خائفة
النادل: والخوف سمة من سمات الإنسان
نجوى(للنادل ) أنت حاصل على الدكتوراه وتعمل
النادل: بحثت في كل مكان وهنا وجدت ضآلتي.. منزل وزوجة وسيارة وهناك حساب بنكي أيضا.. أجدت اللعب في كل المراكز التي كلفت بها من قبل السادة وفي هذا الأسبوع أشغل منصبي هذا.. ربما لا تجدونني هنا   الأسبوع القادم ممكن أن أسافر خارج الحدود لمهمة أتكسب من ورائها الكثير
سهام: تلك أقصى أمانينا
النادل: وهناك من أصبح اسمه في قائمة رجال الأعمال.. إنهم يوم يجرون مقابلة تلفزيونية معه يدفعون ويذكرون اسمه بالعديد من الألقاب منها على سبيل المثال لا الحصر ناشط سياسي (ضاحكا)  أقسم لكم أحدهم كان يتبعني كظلي ولا يفقه في السياسة شيئا.. من الله عليه وأنفلت لسانه بكلمات لا أدري من أين حفظها وكانت أبواب السماء        مفتوحة وسمعت دعوات أمه … إنه يركب أحدث موديلات السيارات …
سهام: (ترفع يديها بالدعاء) فرصة واحدة ليس من الضروري أحدث الموديلات. يجمعنا الشمل في حجرتين وصالة
نبهان : ليتك تطلبين ثلاث حجرات فالأولاد
سهام(تضربه ضاحكة) لم لسانك وأصمت
نبهان(للنادل) مجرد أن أستمع إليك أشعر بالثراء والغنى.. هات ما عندك أخي وشنف أذني بما يطربها
هيثم: إنهم موجودون منذ أربع ساعات ولم يصبهم الدور… قبل أن أحضر أنا
النادل: غريبة تقولون بأنكم مسجلون في قائمة الثنائيات.. لقد تم النداء أعتقد ذلك منذ فترة
فاروق: هذا احتمال وارد ولم نسمع.. لكن بالله عليك ماذا سنفعل؟ وما الأدوار التي يمكن أن نقوم بها ؟
النادل: قلت سابقا ممكن أن يسند إليكم دور العشاق.. ممكن قبلات ساخنة كما يرى المخرج ومساعدوه في العمل
نجوى : لا … لا … هذا فعل لا يقبله شرع ولا قانون … هكذا على الملأ
سهام: فعل فاضح … لا حياء ولا خجل
سلوى: فعل خادش للحياء … هذا جنون
النادل: كنت صادقا معكم.. لكم مطلق الحرية (مبتسما في سخرية) لكنني أرى البراءة في عيونكم.. وهنا تغتصب         البراءة.. وتعتقل النوايا الحسنة
هيثم : لنترو … لنتمهل فهو لم ينه حديثه
سلوى: أنا غير موافقة على هذا الفعل
نجوى: أنا أرفضه
سهام: لا تعليق لدي
فاروق: ليس هناك غريبا بيننا … نحن معا … ماذا يضيرنا ؟
نبهان: لنعتبرها قبلات مسروقة في
سهام: ماذا تقصد ؟
النادل: هذا الأمر خاص بكم.. كما قال صاحبكم فبدلا من القبلات المسرقة خلف شجرة أو في ظلها أو أثناء الليل ستتبادلونها علنا وتتكسبوا من ورائها (ضاحكا) لا أنكر منكم للقبلات المسروقة طعم جميل بين المحبين أما تلك فإنها مفتعلة باردة
فاروق(مصفقا) أقسم بالله أنت تستحق أكثر من دكتوراه.. أنت دكتور وعالم بل فليسوف وصاحب فكر
سهام: بالطبع تؤيد أقواله
فاروق : حبيبتي غدا سنتزوج …. وما نأخذه لنعتبره سلفا لحين الموعد القريب
نجوى: لا أفعل شيئا رغما عني
النادل: إن كنتم تشعرون بالخوف فلوذوا بالفرار
سلوى: تلك أفعال نخاسة
النادل(وهو يواصل الدوران حولهم) ربما صواب رأيك سوقا للنخاسة لكنها في العلن.. تبدو أنها في سرية تامة والجميع رواد لها.. المصيبة إنهم يتصنعون العمى (يصمت فتتعلق به عيونهم وكأنهم يطالبونه بالمزيد من القول)
لا يوجد قفل على باب فلا أبواب موصدة.. لكن أسرارها تظل رهينة تلك الجدران ومن يعرف يتصنع الجهل والغفلة.. الكل يخاف أن تهرب من بين يديه البطة التي تبيض ذهبا (ضحكة مغتصبة مع تنهيدة غريبة) الشعار هنا كن مستعدا فالتردد والتباطؤ يفقدك جمال المغامرة.. وما الحياة إلا مغامرة غير مضمونة العواقب.. تجاسروا.. فكم من شباب  يموتون قبل الآوان.. وكم من بشر يغتالون ولا يعرفون سببا.. انطلقوا ما دمتم نويتم ربما تنجحون
فاروق: هل هناك احتمال للنجاح ؟
نبهان: بحكم عملك وخبرتك يا دكتور هل ترى فينا ما يؤهلنا ؟
هيثم: بالله عليك نطلب منك النصيحة.. أنا لست خائفا ولا مترددا.. أتمنى أن أنجح وأن أعيش مثل سائر البشر المنعمون حولنا..أتمنى نكسر أغلال الفقر ونطفو فوق السطح
النادل: قلبي متعاطف معكم.. إن تراجعتم ربما ندمتم وإن أقدمتم ربما تقلدتم بتاج السعادة والفرح..لن يضيركم شيئا فعليكم بخوض التجربة…والأمر رهن يديكم
هيثم: وما زلنا ننتظر منك النصيحة
النادل: ما أستطيع فعله (بصوت يقترب من الهمس) بعد ساعة من الآن.. أفتح لكم الباب المؤدي للأستوديو الكبير .. لتروا بأنفسكم ما يدور هناك وتأخذوا قراركم.. لكن هناك شرطا
نبهان  : لك الأمر وعلينا أن نكون طوع قرارك
النادل: إن قُبض عليكم فأنا لا أعرفكم
جميعا : موافقـــــــــــــــــــــــــــــــــــون
”  ستـــــــــــــــــــــــــار “

المشهد الثانــــي
(أمام ستارة المسرح المغلقة الظلام يغمر المكان إلا من بصيص من مصباح بعيد يرسل ضوءا خافتا، لا تظهر ملامح الأشباح المتحركة جيدا، بؤرة ضوئية تسقط على اثنين من الشباب ولكنها ضعيفة وليست قوية، يبدو أنهما هيثم وسلوى وهما يتحركان ببطء وحذر بالغ وعلى أطراف أصابعهما.. بعدهما بمسافة نبهان وسهام.. في النهاية فاروق ونجوى.. الأصوات الصادرة غالبا هامسة)
هيثم: لنسير خلف بعضنا وعلينا الحذر ولنترك مسافة بيننا لا تقل عن أربعة أمتار أو خمسة أمتار.. إذا وقع أحدنا أقصد أي زوجين منا وقبض علينا .. على الآخرين أن يهربوا وبسرعة
سلوى  : لا يجوز
هيثم: هذا أفضل الحلول..سأشرح كل شيء لك.. عليك بالهدوء
(تسقط الإضاءة على نبهان وسهام يتحركان ببطء)
سهام: تخيل لو الدنيا ضحكت لنا وأصبحت نجمة مشهورة
نبهان: بدون خيال أو فكر ستحاولين الخلاص مني أولا
سهام : (تحتضن ذراعه بقوة) مستحيل أنت نور حياتي
هيثم: أعتقد أن الوقت غير ملائم.. دعوكما من كلمات الحب والعشق الآن دعونا نلتمس الطريق الصحيح وإلا وقعنا فيما لا يحمد عقباه
(تسقط الإضاءة على فاروق ونجوى وهما يتحسسان طريقهما، تتوقف نجوى وتسحبه من يده فيتوقف بدوره)  
نجوى: ما يثير عجبي.. أنك مفتون به وبكلماته..قلت عنه فليسوف وحكيم ودكتور.. أظنك تتيه فرحا بأفكاره
فاروق : من تقصدين ؟
نجوى : ذلك النادل أو الدكتور كما يدعي
فاروق: إنه حاصل فعلا على درجة الدكتوراه، لقد رأينا فعلا بطاقته الشخصية ومثبت بها درجته العلمية.. وحقا أنا معجب به لا أنكر ذلك
نجوى: خاصة عندما يصف القبلات
فاروق(متنهدا) حقا يستحق لقب الدكتور..القبلات المسرقة بين العاشقين لها طعم جميل حقا.. هل تذكرين ونحن نأخذ ساترا عن العيون؟ (ضاحكا) كم كانت جميلة وذات طعم رائع.. أما تلك التي يطالبوننا بها أمام الجميع فلا طعم لها.. إنها مثل من يأكل على قارعة الطريق وكل البشر ينظرون إليه فيسممون الطعام الذي يتناوله.. تعالي .. آه ..آه..فالقبلة فيض من القلب تغرق العاشقين في النشوى والبهجة
هيثم: كفى من أحاديث عشق ليس هذا موعدها..لنراقب الطريق وإلا نقع في المحظور.. رجاء الالتزام
نبهان: لست أنا
فاروق : سأغلق فمي ولن أتحدث ثانية
سلوى : أنا خائفة … أحس بجسدي يرتعش … لا أستطيع السير على قدمي …ماذا أفعل ؟
نبهان : أعتقد بأنها خفيفة الوزن عليك بحملها
(يصل مجموعهم للطرف الثاني من ستارة المسرح..تسقط الأضواء عليهم وهم يقتربون ويكتمون ضحكاتهم وهيثم يعنفهم فيصمتون..وكل منهم يشير للآخرين بالصمت.. يدخلون ويختفون وتفتح ستارة المسرح، يظهرون في أحد الجوانب العلوية مع إضاءة خفيفة تسقط عليهم..يبدوا أنهم تجمعوا في شرفة علوية تطل على قاعة كل ما            فيها يوحي بقدمها ينظرون للقاعة السفلية من موقعهم.. تسقط الأضواء على القاعة كلها وتُحجب عن موقعهم في الشرفة العلوية ..القاعة ضخمة متسعة الأرجاء، نوافذ ذات مشربيات، الأضواء تخفت وتعلو وتسطع بقوة في تداخل وألوان متعددة، وعندما تخفت تتوهج القاعة بأضواء الشموع الكثيرة التي تتعدى المئات موزعة في كل الأرجاء، في أحد الأركان عدد صغير من العازفين يعذفون مقاطع موسيقية متنوعة ويغلب عليها الإنشاد الديني !!! وجوه منتشية يزداد  بريقها وتوهجها مع الأضواء المتباينة، أغلب الرجال ملثمون، راقصة تتلوى وفوق رأسها شمعدان ملئ بالشموع الموقدة وحولها العديد من الراقصات ، وحامل مبخرة يدور يلقي في أتون النيران المتوهجة بالبخور ويدور في أرجاء المكان وتتصاعد الأبخرة حتى يملأ الدخان والضباب المكان ويرفع عقيرته بالصياح وكلمات لا تتناسب وهذا الجو الملئ  بالسكارى والراقصات وفتيات الليل والهرج والمرج )
المبخراتي: لا تجعل عقلك حجابا أمام قلبك أغتنم الفرصة ولا تتردد.. (ضاحكا) سنرفع عنك العقل وداء الفكر.. نفذ أمر الشيخ سيدك ومولاك وستدخل كل يوم الجنة … لا تتردد
ملثم 1: (للمبخراتي ويبدو عليه السكر) من فضلك واحدة من بنات الحور
المبخراتي: كلهن رهن إشارتك … عليك أن تأمر إحداهن … هن خادمات الجنة
ملثم1 : بالله عليك ساعدني أن أختار فأنا لا أرى وكأن عيناي أصابهما العمى
المبخراتي(مشيرا لفتاة فتسرع إليه) عليك به.. ليتذوق رحيق الجنة من عبق شفاهك وجميل أفعالك.. لا تنس فهو في الجنة.. وفي الغد سيخرج تلبية لنداء الحق ليرفع وزرا وفعلا محرما قابع فوق الأرض ساعديه وارفعي عن عقله فكره. اغرقيه في المتعة وليزهو بنفسه .. سينفذ وبالحرف كلام الشيخ ويرفع راية الدين ويزهق روح الكافر الخارج عن الملة والدين ليأتي في الغد للجنة.. وإن لم يأت لجنتك فهناك الجنة الأكبر فقد صار شهيدا للحق وللواجب..هيا أسرعي فعيون الصباح كادت تنشق عن النور  … هيا
(من خلف ستارة يناديه أحدهم )
المختفي: تعالى هنا وبسرعة
المبخراتي : أمرك سيدي
المختفي: مائعة رائحة بخورك صارت لا رائحة لها..لا تجدي في فعل ولا تساعد أن تذهب بعقل العصفور.. ماذا تضع في مجمرتك ؟
المبخراتي : أنقى أنواع الحشيش يا سيدي
المختفي: زد الكمية أتمنى أن ينسى كل منهم أسمه.. أدخلهم الجنة وبسرعة
(يلقي المبخراتي في مجمرته المزيد ويتحرك بين الرواد بمختلف أشكالهم وأغلبهم في نشوة ولا يكفون عن الصياح وتبدو معالم السعادة فوق محياهم حتى وهم يتبادلون الأنخاب)
المبخراتي : لا تنسوا أنا دعوتكم أن تلقوا ما في عقولكم خارجا.. تخلصوا من تلك العقول التي نضب معينها.. وعليكم غسل قلوبكم وإعادة إعمارها لتتمتع بما وهبكم الله.. لتكن مملوؤة برسائل الخير والمحبة والتسامح فالقلب مستودع الله في جسدك.. أمر شيخك كفيل أن يعبربك الصراط لو أطعته بقلبك وتصير من المقربين.. حي
(تستمر حفلة المرح والبهجة وتخفت حدة الأضواء … يخرجون تباعا وقد أخرج كل منهم سيفه من جرابه ورافعا إياه )
المبخراتي(هاتفا) الموت لأعداء الدين … الجهاد فرض عين و بكم يعود للدين هيبته ووقاره..اقتلوهم يقتلهم الله بأيديكم
(مع خروج آخر ملثم … يدخل الضرغام )
الضرغام: (للمبخراتي) ماذا تفعل هنا ؟
المبخراتي : دوري المعتاد مولاي الضرغام
الضرغام: أين الحراس ؟
المبخراتي: لا يخلو درب أو ساحة إلا والحراس فيه.. وعيون مراقبة إلكترونية تعمل ليلا ونهارا وتمسح كل الأرجاء وترصد لو حركة نملة خارجة للنزهة.. فلا تخرج إلا بإذن مسبق مولاي
الضرغام: وسوستم في صدورهم بما هو مطلوب
المبخراتي: وفقا لما أملاه السلطان.. أظن نائب مولانا السلطان قادم وقد أزف موعد وصوله.. هاهو قادم
(يدخل النائب وهو يرتدي حلة على أحدث خطوط الموضة وفي فمه غليون ينفث منه دخانا كثيفا )
النائب : كيف تبدو الأمور ؟
الضرغام : تسير للأفضل ولكن تتباطئ في بعض الأحيان
المبخراتي: (منحنيا أمام النائب) نغسل عقولهم كما أردتم.. يتحركون بلا رؤوس كما رغبتم.. يغيب عن خاطري يا مولانا لماذا يتقلدون السيوف؟ رغم إنهم إن دخلوا الحرب سيدخلونها بالأسلحة الحديثة !! وفي كل مهامهم يستخدمون أحدث التقنيات وأجادوا وقاموا بكل ما وكل إليهم من أعمال وأنجزوها على أكمل وجه
الضرغام: (ضاحكا ) مولانا السلطان يريد أن يعيش العصر السابق واللاحق وعصر ما بعد السلاطين.. يطالبنا أن نسبح بحمده الليل قبل النهار.. أن نرتدي ملابس الأغوات وعساكر الشركس ونتقلد بأفعال المماليك ونترك اللحى تطول ونعود لعصر الحريم والجواري ما ملكت الأيمان.. وأن نقود الطائرات أو نسيرها من بعد لتقتل كل من خالفه الرأي.. ربما أستطاع أن يوقف عجلة التاريخ.. إنه غاضب جدا على أجداده ويعلنها مرارا وتكرارا.. وعبارات الندم لا تفارق شفاهه فيردد دوما في غضب وحسرة: أن تاريخنا مشترك ولنا القيادة منذ أكثر من 500 عام..علينا أن نعود فنحن أولى بهم وبما يملكون لقد عميت عيوننا يوم صوبناها بعيدا.. جاء الأغراب ولم يرحلوا وأقاموا مدائن كاذبة فسبحوا بحمدهم وسلموهم رقابهم وتحكموا فيهم..إنهم كفرة فجرة لا يعرفون ربا..يستغلونهم ويستنزفون خيرات بلادهم هؤلاء الغرباء الوثنيين.. من الأولى أبناء الدين والتاريخ الواحد فنحن الأولى بهم.. إن ذلك من الدين والعدالة والحق تستوجب أن لا نترك أخواننا لقمة سائغة للأغراب (ضاحكا وساخرا) لنأكلها نحن.. ألسنا الأولى؟ لنأكلهم ولو غصبا عنهم.. إنهم لا يدركون أين صالحهم..غير مبصرين الجهل يحول دون رؤيتهم والحقيقة …
النائب : يا ضرغام عليك أن تتوخى الحذر فأنا عين للسلطان..عيب أن تتحدث عنه بتلك الصورة.. مولانا يبحث عن عزة الإسلام والمسلمين وأن الأولى بأموال المسلمين إخوانهم في الدين..وهذا قمة الصواب والحكمة أليس كذلك ؟
الضرغام: وهل أنا مسلم ؟ هل نسيت من أكون يا نائب مولانا السلطان
النائب: لا أنسى بالطبع فأنا من أتيت بك.. أعرف تاريخك ومجازرك في أرجاء المعمورة أنت وأتباعك.. لم أنس أنك بلا دين وكافر بالله
الضرغام: شيء جميل أن ذاكرتك حاضرة في كل الأوقات.. أستعنت بي في قتل أصحابك من نفس الدين وكما يأمرك دين السلطان
المبخراتي :ألست بمسلم ؟ كيف هذا ؟ إني رأيتك في المسجد يوما
الضرغام : صحيح كلامك لم تخدعك عيناك..كنت في المسجد وكان كل قواد فصائل التنكيل في اجتماع هام تحت قيادة شيخ الإسلام من قلده السلطان المشيخة وأنابه عنه في أمور الرعية من المسلمين
المبخراتي : في المسجد
الضرغام: وما يثير دهشتك صديقي ؟ نعم كنا نعقد اجتماع لنحدد من خرج عن طوع الوالي والسلطان ونتخير أفضل الطرق للخلاص منه حتى لو كان يؤدي الصلاة.. لا تتعجب فالحكم لا يعرف دين.. يضحكون عليك وعليهم..ها أنا مثال واضح وظاهر أمام عينيك..أنا لا دين لي..أنا أتكسب رزقي من سفك داء البشر أيا كانوا..لا يهمني دينه أو سنه أو عنوانه.. من يدفع يجدني عونا له فأقوض عرش الآخرين وأسلبهم حياتهم ويدفعون لي ما أريد …(ضاحكا) هل لحكم السلطان دين ؟
النائب: لقد تماديت كثيرا يا ضرغام..هل تعرف كيف يكون جزائك ؟ فلو عرف الوالي والسلطان ما تجود به قريحتك من كلمات.. ربما تجلد وبعدها تصلب أو ربما ….
الضرغام : حسبك ما قلت صديقي..أنا وأنت ومن يحمل مجمرته هذا لا يعنينا أمر الوالي والسلطان ما يعنينا كم نكسب من سفك دماء التعساء البلهاء من يرفعون راية الولاء للشيطان … عفوا أقصد للسلطان
المبخراتي : أما أنا فلا..أنا مجرد حامل لمجمرة ضبابها يعمي لعيون فحسب وربما يذهب بالعقول.. فما ذنبي وماذا جنيت ؟
الضرغام: لا تخاف فالنار أولى بك..أنت تدفعهم وهم يرتكبون أكبر إثم في تاريخ الإنسان ويذهب ليزهق روح
النائب: توقف عن سرد تراهاتك … إنا نعمل للخير وللحب والتسامح
الضرغام : حقا صديقي
النائب: إن لم تتوقف سأشي بك للسلطان
الضرغام : سلطانك وولي نعمتك يعلم أن يدي مغسولة بالدم وفي يوم ما كان لي شريك..وهو من أرسلك إلى.. أم نسيت عروضك وما قدمته لي من أموال لآتي معك.. مولاكم مرتزق كان ومازال.. مولاكم مجرد صبي ابتاعه تاجر رقيق وضحكت له الدنيا وأسرفت.. وليس جديدا عليكم أن ترفعوا الصبيان لدرجات القيادة.. أليس المماليك مجرد صبيان لا يملك أيا منهم حريته..ليس عجيبا..أنتم مثار عجبي..أنا قادم سأقتلكم وأعود أدراجي..هل تضمن أنت أو هو لنفسك البقاء على قيد الحياة؟ . مولاكم ترتعد فرائصه أمامي.. لكنه وجدكم راكعين مستسلمين فله الحق كل الحق أن يستعبدكم..أنا لست على دينكم ها أنا أعلنها على الملأ … قادم
النائب(محاولا إغلاق فمه) هل جننت ؟ لقد أنزلك السلطان منزلة الأخ..جرم ترتكب لو خرجت عن طوعه وأمره
الضرغام(يتخلص منه وفي سخرية) الأخ !!! ماذا تظنه يفعل بأخيه ؟
النائب: حذرتك من قبل..ربما تأتي أوامره وأنا يومها لا أستطيع مخالفته..فيكون الصراع بيننا وأنا أحبك
الضرغام (ضاحكا ) ومولاك أيضا يحبني..لكن لن يفكر في قتلي اليوم..ينتظر حتى أقتل أنا وأتباعي كل من خالفه في الأمر..يوم تدنو منه الخلافة ويصير ملك يديه الحكم سيفكر في قتلي..هو يبغي الولاية وأنا وأنت وكلهم مجرد أداة لتحقيق مآربه الخاص.. هل تفهم ما أقول؟ (ضاحكا ) لا تستغرب قد يأمرني بقتلك !!!!
النائب: (وهو يتحسس رقبته ) ستنفذ حتما
الضرغام: بأمر الملك السلطان فمن يعارض رغبة السلطان..عموما طب نفسا فلم يأت أمر السلطان بعد … تمتع في ظله
النائب: لا أمان لك … كل منا حليف الشيطان وما يوسوس به
الضرغام: أنا أعددت العدة.. حكم مهنتي يقول كن مستعدا للموت في أي لحظة
المبخراتي : (متباكيا ) بالله عليك أحفظ لسانك وأحفظ حياتك.. حديثك تطير له الرقاب … ونحن تقاسمنا مأكلنا ومشربنا سويا … هل تنسي؟
الضرغام : لم أنس … طب نفسا فوجوده مرهون بوجودي وأتباعي
النائب : لا تردد تلك الأقوال الفارغة كثيرا..مكانتك محفوظة..وتتكسب من الأموال ما يزيد عن حاجتك وأعوانك
الضرغام : كل يتكسب حتى مولانا السلطان
المبخراتي(هامسا ) قالوا أن مولاي السلطان فقير..من أين تأتي تلك الأموال الطائلة التى تنفق في سخاء حتى على رعاع البشر ؟
الضرغام : لم تجب على سؤاله.. تتخوف أن تقول كيف يغترف الأموال وبها يغدق على عشاقه ومريديه
النائب: صرت لا أطيق مبادلتك حديث
الضرغام : دعك مني وأحاديثي..أنا أكثر البشر صراحة..أعلنت كفري بالله صراحة فلست محسوبا على دين بذاته ..لا أنكر أن يدي ملوثة بدماء البشر من كل الأديان وأنا أكثر قربا للشيطان..لكن على أن أجيبه وبالصدق فأنا لا أكذب (للمبخراتي) مولاهم..سلطانهم..خليفتهم …لص قاتل لكن بقناع الدين..أكثر الطرق كسبا للأموال في تلك الأيام لمن كان ذكيا وتقنع بقناع الدين..هو لا يملك شيئا لكنه يجيد اللعب بالكلمات الفياضة بالحب وبالخير وبالدين .لا يتخوف ربا ويملك جرأة رغم معاناته من إفلاس في الأموال..هناك من يجرون خلفه وممن يتمنون السير على           خطاه..من تستهويهم السلطنة وكرسي العرش خاصة ممن لا تاريخ لهم يسعون في ظله..هم يمتلكون من الأموال ما يسد عين الشمس..يتطلعون للسلطنة ولكنهم لا يملكون جيوشا ولا يجيدون تجنيد المرتزقة أمثالي أما هو فله باع كبير بين المرتزقة والقتلة.. فيرسلون إليه الأموال ليصيغ الغد وفق هواهم ربما جاد عليهم بمكانة وربما دخلوا كتب التاريخ من باب الزيف والتزوير
المبخراتي : مولانا السلطان … هل موجود هنا ؟
الضرغام  : لا يجرؤ
النائب : أنا أقوم بدوره وكلنا رهن إشارة من يده
الضرغام  : أما انا فلا
النائب : هل تعلن الخروج عليه ؟
الضرغام : يوم يرد لي الأموال التي في ذمته سنفترق..سأكون حريصا أن أجرده ساعتها من مسدسه المحشو بالرصاص..أنا أدرى الناس به فإنا زملاء درب وطريق..وأعرف كيف يفكر ويدير أموره بالغدر والخديعة.. مدعي كذاب أفاق كل يوم يختلق الأكاذيب ويوثقها بكتائب من مثقفين وعلماء في التاريخ ممن يشتريهم و يسيرون على دربه..ولو سألت أحدهم لماذا؟ لرد عليك أن لا أجد قوت اليوم ملعون التاريخ ومن صاغوه..وببجاحة يقول سأعيد صياغته وفق ما يمليه على سيدنا الوالي والسلطان… من يدرك الحقيقة في هذ الزمن ؟
النائب : في الأمر شيء مخفي ما سبب انقلابك المفاجئ عليه ؟
المبخراتي : حقا فكلنا نعلم أنك يده التي يبطش بها
الضرغام : أنا لا أنكر كلنا قتلة يا سادة..نحترف القتل وإزهاق الأرواح ونتكسب من فعل المنكر هذا..مولانا يفتح أبواب جنونه ويجاهر ويستعين بمن لا يفقه لعبتنا..ينصبه مكانة مرموقة ويرفع من شأنه ويجعله ببغاء يردد أقواله وأفكاره..بوقا لأصداء حديثه التي لا تتوقف في مفازة الكذب التي لا نهاية لها..هذا من السهل أن يؤديبنا للتهلكة..
النائب: لنشير عليه ونحذره من مغبة هذا الفعل
الضرغام : إنه لا يسمع إلا صوت نفسه أو صداه فحسب
المبخراتي: في تلك معك حق
( أصوات جلبة فيتوقفون عن الحديث ويصيخون السمع) 
حارس : (يدفع أمامه الشباب الستة وهو يضع في ظهر آخرهم فوهة البندقية  وكل منهم يرفع يديه فوق رأسه) جواسيس يا مولاي الضرغام. تم ضبطهم متلبسين لاستراق السمع عليكم وسيادة النائب وهذا الشخص …
الضرغام : أجدت وأحسنت … فكرني في الغد لأصرف لك مكافأة إجادة
الحارس: (منحنيا وخارجا) بارك الله سيدي وحفظ الله مولانا السلطان
النائب : من أنتم ؟ ولماذا تسترقون السمع ؟
المبخراتي : اقتل أحدهم ليعترف الآخرين
الضرغام : (يخرج سيفه ويلوح به وتبدو معالم الخوف فوق وجوههم فينكمشون في بعضهم)
هيثم : سيدي نحن ثنائيات أعتقد ضللنا الطريق
النائب : لا دليل لكم … أي الثنائيات أنتم ؟
هيثم : لا أعرف سيدي
المبخراتي : لأي مهمة أرسلوكم؟ هل لحضور إفتتاح وعرض أول لفيلم أو عمل مسرحي؟.. أم تمثيل في فيلم سينمائي.. أم هتاف وراء أحد المرشحين في نقابة أو انتخاب … لا أعتقد ثنائيات لعزاء
الضرغام: لا يتوقف الأمر على القتل فحسب
المبخراتي : يا سيدي هؤلاء أصحاب أيدي ناعمة. المعارك للرجال.. هؤلاء من نستعين بهم في هتاف خلف مظاهرة … يصيحون كالبلهاء وقد يطلقون حناجرهم باللعنات ومطالب المحرومين.. ويمكن أيضا أن يشعلوا نيرانا في مكان أو وكر فيه ملاذ لأعداء مولانا السلطان الأكبر رضي الله عنه
النائب : نحن نحاول أن نضع أيدينا على كل مفاصل البلاد.. نحن نعمل تحت مسمى شركة تلبي كل طلبات السادة ممن يدفعون.. وهم يأتون ويلهثون أن ندعمهم بأعداد.. يدفعون بدورهم.. نرفع من مستوى الشعب . والكل يتكسب وفي الحقيقة هدفنا واحد لا نبوح به
الضرغام : أن يهتف الجميع للسلطان.. أن ينادي من يعلم ومن لا يعلم بتنصيبه خلفا لرسول الله … أليس كذلك ؟
النائب : لا تقحم نفسك في أمور الدولة الدينية.. نسيت لتوك أعترفت بأنك كافر ولا ملة ولا دين تتبع. إنها أمور في صلب عقيدة الإسلام وأنت بعيد عنها تماما … فالصمت أولى بك
الضرغام: ( مصفقا بيديه ) أجدت وأحسنت معالي النائب.. وما تفعله وأتباعك من صميم الدين وقواعده.. عجبا لك يا نائب السلطان.. لكن لا ضير فهم صغار وفي طور نمو وربما يطربهم ويثيرهم تلك الأفعال النكراء.. منقادون لا يعلمون أن سفينتهم لا يقودها قبطان.. لا يدركون أن الدين يرفض أن تكون تابعا وبلا عقل.. أي دين.. يخاطب العقل وهم عقولهم صاغوها حملة المشاعل ممن يقيمون تماثيل للسلطان في قلوب الناس البسطاء
النائب : لو بيدي لقلدتك سيف الثائر … صاحب مبدأ وتخاف الله !!!
الضرغام: لنوقف سيل حديثنا غير النافع.. ليكن لك ما تريد ولمولاك فيما يفعل أما تهكمك كوني أخاف من الله.. نعم فكثيرا لا يأتيني النوم وأظل رهين الأفكار السوداء ومئات الأيدي تمتد في الظلمة تخنق أنفاسي لتزهق روحي.. وأخاف النوم ثانية.. أما أنتم فتتوضأون بالدم وتقيمون صلاة كاذبة وتدعون صلاحا منقوصا لا يقره شرع ولا دين يا نائب السلطان
النائب : أرجوك أن تتفهم ما نحن بصدده.. إنهم جهلاء لا يدركون ما يفعلون.. حتى من نال العلم منهم مريض بالوهم والتبعية.. علينا أن لا نتركهم لأهوائهم.. فنحن مسئولون أمام الله وأمام التاريخ عنهم..كل منا مسئول.. علينا أن نتحكم في كل الأحداث.. إنها سياسة موضوعة وموثقة وقائم عليها أساتذة جامعيون.. يدرسون سلوكيات الإنسان فمتى يثور ومتى يحب البكاء.. بعناية فائقة يصنفون كل فرد  من فئات المجتمع الواحد وميله وهواه.. ولكن كل هذا يجري تحت مظلة مولانا وحكم الدين هو الأولى والكل يسجد لله ومولانا . هكذا ننادي.. لا نصبغهم جميعا بلون واحد أو نلبسهم رداء واحد. في المآتم نرسل لفيفا يشارك .. في الأفراح نفتح الباب على مصراعي وشباب ذكور يرقصون وتهنز عجائزهم أفضل من الراقصات المحترفات ممن تهتز بهم قاعاتومواخير اللي… لا نترك صغيرة أو كبيرة إلا وأصابعنا تتحكم في أضواء الحفل القائم أيا كان مكانه وزمانه..وممن يعيشون في وهم الغد يدفعون بالملايين… لا نكتفي بما يأتينا من أموال السلطان تلك التي يستقطعها من أمراء لا تاريخ لهم يسعون لإرضائه وكسب تعاطفه ربما من عليهم في الغد بمكان أحسن… أو يحمي عروشهم الناعمة المهزوزة الكاذبة المرفوعة فوق تلال من أموال.. يدفعون منها ويبدو أنها سينضب معينها وتتهاوى.. ونحن لا نتمن ذلك.. فنهر الأموال القادم يغرقنا ويكفينا حتى نسيطر على كل منابع الخير في أرجاء المعمورة .. فمجنون من ينظر أسفل قدميه فحسب…تلك مقولة مولانا السلطان وخليفة الله .. فديننا عالمي وليس مقصوراعلى بشر دون بشر أو أرض دون سائر البلاد
المبخراتي : يا سادة.. ألا يكفينا ما رددناه في السابق.. هؤلاء الفتية غرباء يقولون إنهم قادمين للعمل تحت رايتنا هنا.. نسيناهم في خضم جدلنا ماذا سنفعل بهم ؟ وإلى أين يتوجهون ؟ يكفي ما سمعوه من خلاف  قائم بيننا وربما أذاعوا ما قلناه
النائب : إن كنت تشك في أمرهم فتخلص منهم
المبخراتي: لك ما تريد … سأذهب بهم لمن يتولى أمرهم من أتباع سيدنا الضرغام
الضرغام : يبدو أنهم لا يعرفون شيئا وقادمون يلتمسون مكسبا نجود به عليهم
سلوى : ( باكية )  أقسم بالله ما قلته سيدي هو عين الصواب
سهام : تكاد تقتلنا قسوة الحياة ووجدنا في صدركم متسعا لنا
نجوى : الرحمة يا سيدي … ونحن طوع بنانكم
الضرغام : أذهب بهم … وألحقهم بأعمالهم القادمون بسببها
النائب : نفذ أمر سيدك الضرغام وبسرعة
( يدفعهم أمامه وهم منقادون تماما ) 
الضرغام : (يتحرك حول النائب ناظرا للأرض مفكرا يبدو متآسيا) أحيانا يقتلني الندم على ما فعلت وما أقدمت عليه.. أشعر أن كل الأرواح التي أزهقتها تهاجمني بل تكاد تفترسني.. وأقلب في تاريخ حياتي فأجدني بلا أب وبلا أم.. عشت حياتي في الملاجئ .. لم أشعر بإنسانيتي التي أهدروها منذ طفولتي.. صرت ناقما على كل الدنيا وعلى كل البشر من حولي.. يوم أشتد عودي كان الغضب الكامن بين حنايا صدري كفيل بأن يمنحني القوة لفعل الشر.. لم يكن شرا كما أسميه الآن كانت محاولة للتصالح مع الدنيا وأن أسترد حقي المهدر من بني الإنسان.. وبأموال من يشربون دم البشر في كؤوس الفضة والذهب أمثال .. أعلنت عن شركتنا.. تقدم مرتزقة من كل أنحاء الدنيا يعرضون حياتهم بمقابل أن أدفع لهم ودفعت وتعلم من أين أتيت بالمال وصرت قائدا.. (ضاحكا ) رؤساء وأمراء يفسحون لي مكانا بينهم.. يتوددون إلى ويقيمون صداقات معي.. وكل منهم في نفسه غاية يفصحعنها مع ابتسامة بلهاء مرسومة فوق وجهه ونحن فوق مائدة مكدسة بلحوم نضحك ونتناول أحاديث متنوعة تقطر أنسا وبشرا.. أعاهده بالفعل وأخلصه من خوف هو أسيره وأقتل كما أعتدت.. العمر يمضي وذكريات الأمس تحاصرني وأحاول أن أجد الذريعة وأن ألقي بالسبب فوق رؤوس الآخرين . نعم كفرت بالله
النائب : باب الرحمة مفتوح على مصراعيه.. عليك أن تتأكد أن مولانا السلطان له رؤية للغد وللإنسان.. إنه مؤمن رائع في إيمانه.. فليس كل البشر سواء.. كل مسخر لما خلق له.. نحن طبقة حبانا الله بأشياء وعلينا أن نرضى.. هم أيضا بشر ولكن من طينة أخرى.. عليهم أن يتقافزوا أمامنا كالقرود ليبهجوننا ويسعدوننا.. هذا في وقت السلم.. وعليهم أن يرضوا أيضا فإرادة الله غالبة (تنهيدة قوية) الحياة قائمة والمجزرة مستمرة بنا أو بدوننا.. من يحكمون العالم مرابضون هناك فوق القمة يتأملون.. يتنعمون ويحكمون فهم المفوضون من قبل الله بحكم الأرض ومن عليها. ربما كانوا مؤمنين بوجود الله حقا.. ربما يختالون بكلمات الإيمان ويسعون لمزيد من دم يراق.. وفي النهاية هم الأبطال الذين تشيد لهم التماثيل في الميادين الذين لم يخوضوا المعارك يوما ولم يشعروا بأني المقتول أو دعوات البؤساء
الضرغام : أظننا من طينة واحدة
النائب : حقا وكل البشر سواء
(يضحكان وتخفت الإضاءة تدريجيا مع صوت ضحكاتهما المتباعد وهما يمضيان كل في إتجاه عكس الآخر ) 
ستــــــــــــــــــــــار

المشـــهد الثالـــــث
(مقهى في درب جانبي قريبا من وسط المدينة ومركز المظاهرات، ملحق بالمقهى مطعم لتقديم الوجبات السريعة، كراسي متفرقة وموائد منصوبة، الصبي يقوم بتنظيف المقاعد والموائد في نشاط وحيوية فائقة، ويبدو إنه يغني أغنية وطنية قديمة، من خلال باب المقهى يبرز وجه رجل كبير في السن يطلق لحيته، يتحرك بصعوبة لكن الابتسامة فوق محياه، يهز أحد المقاعد وكأنه يخاف أن يكون غير ثابت ويجلس عليه) 
الصبي : الدنيا زاد نورها بخروجك يا عم مندور
مندور : بارك الله فيك يا ولدي.. أخرجني غناؤك فصوتك معجون بجمال ورقة ومخارج كلماتك مثل اللبن المخفوق المحلى بالزبيب والمكسرات والسمن البلدي
الصبي: (مصفقا) يا لجمال وصفك يا عم مندور
مندور : يا ولدي من زمن طال .. كانت تلك الأغنية في شفاه الناس تتردد بحب وقوة وجمال.. كنا نحيا في وطن تظلله وحدة الهدف والمصير..نقول “هنحارب “…وساعات “خلي السلاح صاحي ” تخرج في حماسة من حناجرنا  تسمعها تشق عنان السماء خارجة من قلب الكل.. عيوننا جميعا تتطلع لهدف واحد.. (بآسى ) اليوم الأخوة يتقاتلون وكل منهم لا يتوانى في إزهاق روح أخيه.. لماذا؟ نام الشيطان في أفئدة الناس.. جميعا يلهثون خلف غنيمة من لحم بشري.. آآآآه يا ولدي
الصبي: (مبتسما) لا تغضب مني.. كلما تتحدث عن أيامك الماضية تصفها بالسعادة والجمال وأن الخير والحب بين البشر يتحاكى به.. أكاد لا أصدقك.. أقول ربما يبكي على شبابه.. ما أراه لا يعكس أن هناك حبا كان أو علاقات إنسانية كما تصفها وتتغنى بها
مندور : لك الحق يا ولدي … فما يحدث حولنا يبعث على عدم الثقة
الصبي : ( مغايرا لوجهة الحديث) المهم هل بدأ العاملون على تجهيز الطعام ؟
مندور : قبل شروق الشمس … أرسل رجل الخير إياه كل ما يلزم
الصبي : بارك الله أمثاله
مندور : لو كانوا يدفعون لوجه الله تعالى (ضاحكا ) لماذا؟ ألم تسأل نفسك؟ آلاف مؤلفة من الجنيهات يدفعها يوميا نظير المأكل والمشرب.. ولمن؟ يردد في زهو كالمعتاد: إنهم الأبطال الثوار.. وهذا حقهم علينا. (يحاول النهوض من مكانه بصعوبة فيسرع الفتى بمساعدته )
الصبي : يطرق أذن حديث يردده رواد المقهى ممن تجاوزوا سن الشباب.. بأنه يسعى أن يتقلد منصب الرئيس
مندور : عليك أن لا تجاهر بالقول فكما قالوا قديما. الجدران لها آذن. وأمثالنا إن دخلوا لن يخرجوا
الصبي : دخلوا إلى أين؟ لا تخف فالرجل يقول بأنه خادم للشعب وللثوار.. فلندعوا له بالنجاح وأن يتقلد منصب الرئيس.. في الغد ربما يجود علينا يوم يجلس فوق كرسي السلطة ألسنا خدامه ومعاونيه
مندور: يا ولدي البسطاء أمثالنا يتعلقون بالأمل ويظل أمام أعينهم حتى الموت لا تفكر ببساطة هو يشترينا بأمواله.. مجرد عمال مأجورين.. وإن وصل للكرسي فآهلا ومرحبا.. وإن لم يصل للكرسي يدور في فلك الوالي والسلطان فليس شرطا أن يصل ..المهم أن يكون في حاشية السيد الآمر الناهي.. يومها لا قانون يرهبه ويطلق يديه بمباركته فيأخذ ما شاء ويتملك ما أراد.. وهذا أمر طبيعي و حق للحاشية عموما.. المهم أن يجاهر بمساندته اليوم.. ليكسب في الغد وعليكم أيضا أن تجاهروا بالولاء والطاعة له ربما من عليكم بعطاياه
الصبي : لكنهم يقولون بأنه يملك مالا يفوق قارون عليه السلام
مندور : (بعصبية )  أستغفر ربك يا ولد.. قارون عدو الله فلا تجوز عليه الرحمة أو السلام …
الصبي : أستغفر الله العظيم.. قالوا عنه كان غني جدا..وثروته لا تستطيع حمل مفاتيح خزائنها..وصاحبنا إياه أمواله لا حد لها.. أراضي  وقرى سياحية وسفن في النيل وأخرى في البحر . وكل الناس تشبهه بقارون .. وأنا أردد كما قالوا فلست على علم
مندور : (وهو يختفي في الداخل )  لكن قارون لم يقتل إنسان.. حجب ماله عن الناس نعم .. ولم يدفعه ليقتل بعضهم بعضا
الصبي : ( وهو يواصل التنظيف) عمي مندور راجل أمير وطيب  (يرفع عقيرته) استعد أنا أسمع أصوات وهتافات.. يبدو إنهم قريبين من هذا المكان سيهلون وراء بعضهم.. وعلينا أن نستعين بالله على الشقاء (يدخل الكاتب ذو القبعة وبخطوات وئيدة مستعينا بعكازه.. الفتى يعرف مكانه المعتاد فيمسح له المقعد والمنضدة ويستقبله مبتسما باشا) معالي الباشا الأديب الكبير
الكاتب: حسبك يا فتى.. باشا.. وأديب كبير.. جزاك الله خيرا يا بني. هل مازالت الطلبات مجانية كالأمس وقبل الأمس ؟ أم رفع سيدكم غطاء الرحمة والكرم الكاذب و كل يديه ؟
الصبي: (ضاحكا ( نعم يا سيدي مازال جوادا وكريما.. وزاد عليها وجبة مطهية لكل الثوار
الكاتب:( يصدر ضراطا طويلا من فمه ويستسلم بعدها للضحك والفتى ينظر إليه وملامح الدهشة فوق سحنته(حقا … جميل أن تحشو بطن الثوار.. أغلبهم يقتلهم الفقر مثلي.. لكن عليك أن تعلم بأن ليس كل الثوار سواء …
الصبي : اليوم من حقك وجبة مطهية في موعد الغذاء وعدد المشروبات ثلاثة أحدهما بارد … تلك لائحة اليوم وفقا لما أملاه السيد
الكاتب : زاده الله من نعيم الدنيا وأكثر من أمثاله ( لنفسه ( أما نعيم الآخرة فأنا في شك أن يظفر بمثقال ذرة من الرحمة هو وأمثاله ممن امتصوا قوت الشعب ومازلوا يطمعون في المزيد (يبدأ في تصفح الجرائد والمجلات التى أتى بها (
( يدخل الشباب الستة معا … يتحركون في تردد ظاهر(
فاروق : هل أنت متأكد أنهذا هو المكان؟
هيثم : نعم لقد أتيت قبل ذلك مرة واحدة فحسب ( يشير لفتى القهوة فيسرع إليه ملبيا.. يميل عليه ويهمس في أذنه بكلما (
الصبي : نعم هو المكان يا باشا.. آهلا ومرحبا بالأبطال الثوار ودعاة الحرية ..( ينظر للبنات( تحت أمركم ماذا تشربون؟  عفوا للرجال فقد قالوا لنا السيدات أولا وأنا هنا عبدا للمأمور وكما يشيرون عليّ أقول وأعمل.. هنا تأكلون وتشربون هنيئا مريئا لكم
نبهان : أن تتركنا لبعض الوقت لنسترد أنفاسنا يكون لك عميق الشكر.. ولو تكرمت علينا بماء لنرطب حلوقنا الجافة.. سيكون لك الشكر من هنا لعنان السماء
الكاتب : ( بعد أن نحى الجريدة التي يقرأها جانبا وبلهجة لا تخلو من السخرية ( بسرعة يا ولد فالأبطال الثوار خارجون من الحرب الضروس .. القتال كان على أشده وجيوش الأعداء تقهقرت وأنهزمت وولت الأدبار أمام ضرباتهم القوية المسددة بكل حذق ومهارة واللعنات التي أطلقوها عليهم فنهشت أجسادهم.. بارك الله ثوار اليوم.. بارك المدفوعين للفعل الثوري الكاذب
سلوى : معاليك تتهكم علينا !!! هذا واضحا جليا
الكاتب : وهل يسخر الثوار من بعضهم؟.. لكنني هربت سريعا فالصحة معتلة والعمر لم يتبق فيه الكثير.. منحكم الله الصحة لتكملوا المسيرة.. أنتم تحققون السلام للبشرية جمعاء بثورتكم الرائعة وبالكلمات المشتعلة حماسا والداعية للعدالة والخير
سهام : ها أنت عدت لتهكمك وسخرياتك من جديد
الكاتب : هذا يا فتاتي الوضع الطبيعي للبشرية عموما.. صراع دائم ومستمر في كل أرجاء المعمورة .. ثورات تعصف بكل السابق لها وكل يظن أن  ما يفعله هو الصواب … حتى القاتل يظن أنه يحقق السلام للبشر !!!
فاروق : كيف تفسر ما تقول ؟
الكاتب : يا ولدي كيف يحدث التوازن.. يقولون بأننا نساعدهم أن يفجروا طاقتهم المكبوتة قسرا وبأي وسيلة
سلوى : بفعل الشر !!!
الكاتب : نعم.. يمكن أن يكون القتل الوسيلة. سأبسط لك الأمر وهذا من خلال المنظور الخاص بهم.. البركان فعل خير أم شر؟ فعل شر من يفجره الله سبحانه وتعالى.. هذا التفجير وما نتخيله فعل شر ربما كان رحم للبشر وللدنيا والأرض كلها.. فالطاقة المكبوتة في باطن الأرض ضخمة وجبارة وقوية.. البركان الواحد في مكان ما أو حتى في عدة أماكن يساعد جوف الأرض أن يلقي بحممه لخارجها حتى تهدأ ويستقر جوفها وبالمثل تماما هو الإنسان
فاروق : دعونا من البراكين والزلازل …. كانت مظاهرة رائعة
نبهان : من أين أتت كل تلك الأعداد الغفيرة ؟
الكاتب  : الكل يكسب
هيثم : ما دمت ثائرا مثلنا. ويبدو أنك تعرف الكثير مما يخفى عنا ولا نعرفه مجرد سؤال يتردد داخلي… هل يدفعون لكل هؤلاء.. هل الأستديو يجهز  تلك الأعداد الضخمة.. كم يا ترى تكاليف تلك المظاهرة.؟ بالطبع هناك أكثر من مظاهرة في نفس الوقت في مناطق أخرى.. ذهني لا يستوعب ما يحدث وما المطلوب من ورائها ؟ أشعر وكأنني كفيف يضرب بعصاه كل من يقابله ولا يعرف عدوا من صديق
سهام : ألم تر مشاهد الحريق ؟
الكاتب : حرقتم ودمرتم.. أحسنتم يا أبطال.. ماذا حرقتم ؟ فأنا هربت خوفا أن تدهسني أقدام الثوار أو حتى الجنود
نجوى : تلك المكتبة الضخمة. لقد أتت النيران على كل ما فيها..(ضاحكة ( الشباب وكأن بينهم وبين الكتب ثأر يقذفون الشعلات تباعا وآخرون يجهزونها … الكل يساهم في إشعال النيران
الكاتب : يجب أن تُحرق ففيها تاريخ الأنساب وتاريخ من كانوا حفاة وعراة يتسولون الحياة .. أيضا فيها تاريخ ملوك وحضارات.. آه وكأن بين الشباب والكتب ثأر قديم . أطربتني عبارتك ابنتي وأثارت شجوني. وكتب كانت تحكي تاريخ السلطان منذ الحرب العالمية الأولى.. وأطماع السلطان لا تتوقف أسوة بمن سبقوه.. واليوم يحاول غسل يديه ويزيل آثار الماضي .. يغسلها بالدم ويجففه بالنيران التي تحكي تاريخه الأسود عبر التاريخ.. الكل يساهم في تنصيب السلطان.. كل الكذبة والآفاقين يقفون في الصف انتظارا لما يجود به عليهم … متسولون … لا يشبعون ولن تشبع النيران
نبهان : (يقترب منه ويربت على كتفه مواسيا ( يبدو عليك الحزن.. يا سيدي طب نفسا فسنك لا يتحمل هذا.. مؤكد تستحق الحرق وإلا ما أشاروا عليها.. من أعطانا الإذن ووجهنا كان مصمما أن يكون حريق تلك المكتبة هو شاغلنا الشاغل ووجهتنا الأساسية.. لكن بالله  عليك من أين أتت تلك الجموع ؟ شعرت وكأني في يوم الحشر
الكاتب : بالفوضى
هيثم  : كيف ؟
الكاتب : عندما تلعب الدمينو تضرب الأوراق ببعضها وتدفعها بفوضى.. يتم بعدها اللعب وفق أصول اللعب المعروفة للمحترفين . وأوراق اللعب ” الكوتشينة” أيضا على اللاعبين أن يضربوها ببعضها ويتم اللعب. البداية هي الفوضى وقد سخروا لها جيوشا وأفكارا صاغوها وعملاء يباشرون ويطلقون أغاريدهم بعظمة الفوضى الخلاقة. وما أكثرهم
فاروق: يا سيدي هو يسأل عن الحشود
الكاتب : هل رأيت بين جموع طفلا صغيرا يرفع حجر ليدمر زجاج نافذة ؟ يهتف بين الهاتفين ولا يدرك معنى هتافه
نبهان : حقا كلامك لا يخلو من صدق … رأيته وأطلقت عليه أصغر الثوار
الكاتب : ثائر !!! هل يفقه شيئا ليثور عليه ؟ ما دفعه فعل المجموع . مثل الأواني المستطرقة تنتقل الحركة تباعا.. (يقوم من مجلسه مستندا على عكازه ويتحرك في المكان( كل بني آدم داخله ثورة كامنة تنتظر الأذن بالتفجير. والقانون والشرع  والعادات والتقاليد إن كانت على قيد الحياة تكن له بالمرصاد . أما في زمن الفوضى فكل ذلك يسقط ويصبح كل شيء مباح ..عليه في تلك اللحظة أن يفجرها ويطلقها وتكون الفرصة مواتية.. الثورة المزعومة ملاذ. يكون هو أول من يضرب وأول من يفجر. مجرد عشرات يهتفون ممن دُفعوا وأخذوا الثمن مقدما. في ركبهم يسير كل من في  داخله ثورة (يضحك ( فالطفل الصغير يضرب بالحجر أستاذه ومدرسته التي لم تستوعب آفاقه ولم تساعده في فك طاقاته المسجونة وهو له الحق في الثورة (ضاحكا ( وهناك رجل مغلوب على أمره زوجته لم تهتم بأمره ولم تعتن به …ماذا يفعل وعليه أن يفجر ثورته أيضا ..ومن لا يجد قوت يومه هو  أحق الناس بالثورة وما أكثرهم. أنتم أيضا.. هكذا تسري نيران لثورة وتعم .. من لا يثور جبان. هم يشعلون فتيل الثورة باحتياجات البشر المختلفة. يكفي عشرة فقط يطلق لهم العنان.سيصبحون مئات بل آلاف. والفوضى تعم. وعلى السادة فرض أفكارهم وأمانيهم.. هنا في مجلسنا هذا من يدفع ليس غبيا.. في الغد سيسجل اسمه.. تزداد مكاسبه.. أو ينال مكانة يسعى إليها ومزيد من مال في خزائنه … اللعنة…
هيثم  : أنت ناقم على ما يحدث إذن
نبهان :أنت مع أو ضد
فاروق: قلت إنك ثائر
نجوى : (ضاحكة ( ربما لم ترض عنه فخرج ثائرا
سهام : ربما طلب الأولاد المزيد … فضاق بهم ذرعا وخرج ثائرا
الكاتب : حمدا لله … لم أتزوج
سلوى : احترقت أو دُمرت لن يضيرك شيئا.. ستعيش لا تهتم سلام كان أو حرب قامت أو نيران أشتعلت سيان الأمر عندك
( تدخل مجموعة من الناس مهرولين والخوف باد علي وجوههم (
الكاتب : اجلسوا ولا تخافوا.. فالخطط مرسومة من قبل.. هنا استراحة لكل الثوار وأشباه الثوار..حساب مدفوع لجنود السلطة وعليهم غض البصر وتصنع العمى والطرش
(صاحب الجثة الضخمة وهو يرتدي عباءة تبدو صغيرة عليه يقوم بخلعها بصعوبة . يقوم أحد الشباب بمساعدته . يتخلص من العباءة فيظهر بأنه يرتدي أسفلها ملابس جنرال.. ينظرون إليه بدهشة ويتراجع من ساعده .. أغلب الموجودون في المقهى يقومون من مجلسهم. يخرج صبي المقهي وتقع من بين يديه الطلبات التي يحملها ويؤدي التحية رافعا كلتا يديه .. ينظرون إليه في دهشة واستغراب وتخوف (
الكاتب : (متحركا بعكازه ومتجها ناحية الجنرال( وعلام كل هذا التعب والتنكر.. إن كنت قادما بشأني فها أنا رهن  إشارتك .. أين السيارة التي ستقلني فيها ؟. سأذهب بنفسي وسأدخل صندوقها الخلفي . طب نفسا فقد أعتدت هذا الأمر وليس بجديد عليّ
الجنرال : استريحوا شكرا لكم … أنا منكم
الفتى : ( مسرعا ومنظفا المقعد ( معاليك فوق رأسنا جميعا يا معالي الباشا
الكاتب: أنا جاهز وتحت أمرك
الجنرال : إنه يوم عجيب حقا.. لقد فعلت ما كُلفت به . إلى المتحف ذهبت بسيارة الشرطة إياها ذات اللوحة الزرقاء.. ففوجئت بالعسكر والتحية وأفسحوا لي المجال والطريق ووفقا لما أنا مكلف به وقفت أمام المتحف فقط . من خلفي دخلت ثلاث سيارات كانت جاهزة.. حملوها بالآثار وغيرها من الأشياء لا أدري قيمتها وكل هذا وأنا أقف أمام المتحف والجميع ينظر إلي بخوف وحذر. حتى حُملت السيارات الثلاث وأنطلقت.. وتحركت لألحق بالمظاهرات القائمة فكل شيء مرصود ومحسوب بدقة .. كلما أقتربت من المتظاهرين فروا من أمامي بل أن بعضهم قذفني بالأحجار (ضاحكا ( قبضت على أثمن رجل يرتدي تلك العباءة وأمرته بخلعها فلم يتردد فخلعها وسلمها وراح يجري من أمامي.. أخذت ساتر وأرتديتها وأنضممت للمظاهرة بكل ثقة حتى أتيت إلي هنا (وكأنه تذكر شيئا. وقف. ينظر لملابسه العسكرية التي يرتديها وهو يقوم بخلعها حتى ظل بملابسه الداخلية ( لقد أدركت السبب الآن وفي التو .. لماذا ظهر الرعب فوق وجوهكم.. بالطبع ظننتموني رجل السلطة وآت لأقبض عليكم (ضاحكا ( جازاكم الله  بالخير ( للكاتب ( وأنت معتاد على السجن والمعتقل أليس كذلك؟
سهام  : ( وهي تضرب كفا بكف ( ألا تتذكرونه إنه الجنرال المتقاعد
نجوى : حقا إنه هو
نبهان  : ما الذي دفعك لذلك ؟
الجنرال: دفعوا لي … ما دفعوه لي فك كربا كنت أعاني منه
هيثم : رأيناك يوم أتيت للمقهى. يوم أختارك مساعد المخرج دون سواك  يومها لم تكمل مشروبك . سحبك لداخل الأستديو أليس كذلك
الجنرال : تماما كما قلت
سهام : بالله عليك أخبرنا ماذا طلبوا منك وماذا فعلت ؟
الجنرال : (ضاحكا( قالوا أني شديد الشبه بقائد معروف له مواقف مناهضة  للدولة.. أمام الكاميرات وآلات التصوير وبملابسي العسكرية تلك. جلست ورددت بعظمة بالغة ما صاغوه . صفقوا لي وكانت الفرحة والبهجة تعم وجوههم جميعا. وسجلت أكثر من حلقات عشر. ورجع ابني للبيت ووهبته ما يكفيه وزيادة… سعادة أولادي تفوق الوصف بأموالهم أستطعت أن أسعدهم .. بارك الله فيهم وسلطانهم القادم
الكاتب : وأنا ظننتك حقا جنرال … جنرال مزيف … احترمتك وظننت أنك قادم  تقبض علي
الجنرال: ولماذا أقبض عليك أيها الثائر الكهل ؟
الكاتب : ليس جديدا فأنا معتاد على هذا الأمر.. كلما ضاقوا بكلماتي أرسلوا في طلبي وأنا مستسلم لما يفعلونه . فأنا لا أزيف حديثا ولا أدعي بطولة ولكن أطالب بحقوقي وحقوق البشر.. هذا هو الفرق بيني وأمثالك أيها المزيف.. يتمنون أن أكتب عنهم ..لا أنكر منكم فأنا أنتظرهم فهناك أجد المأكل والمشرب أيضا بلا مقابل مادي مثل هنا تماما .. يومين أو ثلاثة ويتركونني وشأني وأعود أدراجي.. أكتب وكتاباتي تعني الثورة والتمرد على كل الفساد والأفعال النكراء
الجنرال : مجنون أنت ورب الكعبة.. هل رأى أحد منكم جنونا أكثر من هذا؟ تجابه السلطان ونائبه والضرغام !!! أخطأت إنهم يدفعون بسخاء بالغ. كنت كسبت وتكسبت وربما أنزلوك منزلة عالية . والجميع يطلق عليهم ثوار.. فيتساوى من كان مع بلده أو مع جيش السلطان القادم رأيت بعيني ثوار تقلدوا مناصب وأطلقوا عليهم ألقابا .. فمثلا هل سمعت عن الناشط السياسي؟ .. من لا عمل له.. لكن يكسب الكثير. وأنت أعتقد تمتلك من مقومات الثقافة ما يجعلك مؤهلا لهذا المنصب
نبهان : قلت إنك ثائر مثلنا
الكاتب : ثائر لا يستطيعون شرائه ولو بملء الأرض ذهبا .. أنا عاشق لتراب بلدي.. حقا ربما اهتزت قدماي أو يداي لكن لم يهتز القلم في يدي وأنا كل يوم أخط كلمات هواها.. لا أنتظر كسبا أو مالا أو جاها . مقتنع بأفعالي أما عبدة السلطان فيغترفون الأموال ويتحدثون بما يمليه عليهم مولاهم وسيدهم.. أنتم أيضا يدفعون بكم وأنتم جهلة.. أحرقتم كتبا. وأشعلتم نيرانا

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت