قلادة المُثل العُليا في جيدِ المسرح المدرسي / مجيد عبد الواحد النجار

تعد الوسائل التعليمية من أساسـيات التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية، وذلك لأهميتها في توصيل المواد الدراسـية بطريقة سلسة وبفترة زمنية قصيرة، لذلك استخدمها الغربب كثافة وإعطائها أهمية لا تقل عن أهمية أعداد المناهج الدراسـية نفسها، حيث كان رجال الكنيسة في العصور الوسطى يدعمون ويشجعون مسـرحيات الاسـراء والاخلاقيات ويعتبرونها وسـيلة للاندماج رسالة الكتاب المقدس([1])، ولكون المسـرح أبو الفنون استخدم ومنذ نشأة الأولى لغرض التعلم ونشـر التعاليم الدينية، فقد ادخل ومن خلال مسـرح الطفل للعملية التربوية، ليكون المربي والمعلم في الأمور الحياتية، والارتقاء بالذائقة الجمالية للطفل، لينبثق منه بعد ذلك المسـرح المدرسـي ليكون الوسـيلة الاكثر تطورا في تعليم التلاميذ المناهج الدراسـية، من خلال تحويل مادة الدرس إلى عمل مسـرحي، ويكون التلميذ جزءا مهما في هذا العمل، حيث ان التعليم الحديث يتجه الان باتجاه التعليم الجماعي ، لان التعليم الانفرادي فيه مشاكل كثيرة من حيث التلقي والتعلم ، اما التعليم الجماعي فهو يقوي الاواصر بين المعلم والتلميذ ، وكذلك التلاميذ فيما بينهم ، وبمجرد التفكير في التعليم الجماعي ينصـرف ذهن التربويون صوب الانشطة الإثرائية، وحينها يلتفتون  الى الانشطة عموما، ومن بينها يجتذبهم بريق المسـرح المدرسـي، لما له من قدرة فائقة على الدخول الى وجدان الطلاب في سلاسة وسهولة ويسـر، ومن هنا كان المسـرح المدرسـي الاداة الطيعة في ايدي معلمي المواد قبل ان يكون نشاطا يتصدر الانشطة ويحتضنها جميعا ([2]).

ومن خلال المتابعة فيما اذا كان المسـرح المدرسـي قد استخدم في مدارسنا بقصدية مسـرحة المناهج من اجل تعليم التلاميذ، وجد ان الاشتغال بهذا المسـرح نادرة في مدارسنا العراقية، والبعض الاخر كانت عروضهم لمسـرح الطفل ، وبسبب اقامة عروضهم داخل المدارس اعتبروها من ضمن المسرح المدرسي، واقيمت بهذه الحجة نفسها مهرجانات باسم (مهرجان المسـرح المدرسـي) كون العاملين بهذا المسـرح هم تربويون، أي ان العروض المقدمة في المهرجان يشتغل بها طلبة المدارس ويشـرف عليها معلم التربية الفنية او المشـرف الفني التابع لمديرية تربية المحافظة، وبالتالي ان القائمين على هكذا مهرجانات قد وقعوا بنفس الخطاء الذي وقع في اسلافهم.

ولو بحثنا اكثر في الامر لوجدنا انه ومنذ بدأ التعليم استخدم المعلمون وسائل تعليمية بدائية عديدة من اجل إيصال موادهم الدراسـية لتلاميذهم، فقد استخدمت الإشارة، والرسوم، والصور، والخرائط. وبعض المعلمين كان يجلب معه كل ما يحتاجه في شـرح المادة من منزله من مواد يعتقد بانها ستكون عون له بإيصال مادة الدرس بسهولة ويسـر الى ذهنية الطالب، ففي درس العلوم مثلا كان يجلب الحبوب بأنواعها وحسب ما يحتاجه في الدرس، أو يأتي بزهور يقتطفها من حديقته المنزلية، أو من الحديقة العامة، أو من المدرسة، وكذلك كان يفعل مدرس مادة اللغة الإنكليزية، والتربية الإسلامية، وكان البعض قد استخدم الدراما التلفزيونية وعرض الأفلام ألسـينمائية، في جميع المواد الدراسـية، مع مراعاة المادة وما يناسبها من وسـيلة إيضاح، فقد استخدمت الخرائط مثلا لدرس الجغرافية، والرسومات والمجسمات في درس العلوم، وكذلك الصور الفديوية (عرض السلايدات) وغيرها.

وقد أجريت الاختبارات فيما مضى، على التلاميذ من قبل بعض الدارسـين والباحثين فوجدوا إن استخدام مثل هذه الوسائل التعليمية في التعليم لها دور مهم وكبير، حيث يكون استيعاب التلميذ لمادة الدرس أكثر بكثير من عدم استخدامها. فمثلا عبد الرحمن بن خلدون (1592- 1406م) أوصى المعلمين بالاعتماد على الأمثلة الحسـية لتعليم المتعلمين على الادراك والفهم الصحيحين)”([3])، كما طالببستالوتزي pestalotzi (1746-1827م) باعتماد الرحلات التعليمية وسـيلة على الطبيعة([4])،وهناك مثل صيني يقول”انا اسمع فأنسى، وارى فأتذكر، افعل فافهم، فالاستماع الى القصص، والحديث عن الشخصيات، لا يساوي المشاركة في تجسـيد الفعل او الشخصيات، وبهذا يتحول النشاط الدرامي / المسـرحي من مجرد نشاط يثير المتعة الى نشاط يساعد في العملية التعليمية، من خلال المشاركة الفعالة للتلاميذ”([5])، وقد اثبتت بعض الدراسات الى ان نسبة المعرفة من خلال حاستي السمع والبصـر قد تصل الى حوالي 98%([6]).

ولكن عند العودة الى مدارسنا، نجد قلة في استخدام وسائل الإيضاح، بل العديد من المدارس تستخدم وسائل تعليمية قديمة، كالسبورة، أو الرسومات، دون الأخذ بنظر الاعتبار تطور عقلية التلميذ، وتعامله مع الأجهزة ألحديثة، حيث أصبح التلميذ ألان  له إمكانية العب بها بحرفية كبيرة، بينما نجد في الدول ألأخرى، دخل المسـرح، والدراما، والسـينما كوسـيلة تعليمية مهمة، بالإضافة الى التقنيات الرقمية الحديثة التي غزت اكثر المدارس الاوربية وبعض المدارس العربية في الوقت الحاضر، تضاف إلى ذلك الوسائل القديمة والتي تستخدم في بعض الأمور الخاصة، و بعض المدارس اكتفت باستخدام الدراما، لكونها توصل مادة الدرس من خلال حاسة السمع والبصـر.

إن استخدام الدراما بصورة عامة، والمسـرح المدرسـي بصورة خاصة، كوسـيلة إيضاح في تعليم التلاميذ للمراحل الابتدائية كمرحلة أولى، مهم جدا ويصب في مصلحة التلميذ والمعلم في آن واحد، كونه وسـيلة تعليمة يشارك فيها التلميذ والمعلم معا، وهنا يؤكد الدكتور عمرو دواره بان علاقة الأطفال بالدراما تبدا منذ الصغر، فالطفل حينما يعتمد على اللعب* التخيلي** فانه يقوم بنفسه بتقديم لونا او شكلا من اشكال المسـرح، فحينما نراقب لعب الأطفال كثيرا ما نراهم يقومون بتقليد الكبار، او بارتجال بعض الحوارات، او بتوظيف أي قطعة اكسسوار من الطبيعة والتعامل معها من وحي الخيال، بحيث تصبح العصا بندقية او فرسا([7])، وهذا ما نسميه في المسـرح (باللعب الدرامي)*** والذي عن طريقه يكتشف الطفل الحياة والنفس من خلال المحاولات النفسـية والانفعالية والتي يمكن ان تتطور هذه التجارب الفردية المثيرة الى تجارب جماعية، ولكن في هذه التجارب الفردية او الجماعية لا يوجد أي اعتبار للمسـرح بمفهومه وممارسته عند الكبار، ومن الممكن ان تكون لحظات انفعالية مكثفة والتي تعودنا على ان نسميها مسـرحا، ولكن في الواقع الدرامي يحاول الجميع ان يقوموا بالمغامرة والبحث والنضال سواء كان متفردا او ممثلا، كما ويستخدم اللعب الدرامي في المجال التربوي، وبهدف التعليم من خلال المسـرح، واللعب الدرامي هو ممارسة جماعية تقوم على الارتجال وترمي الى دفع القائمين بها للمشاركة في فعل مشترك،… لكنه لا تفترض وجود متفرجين لان هدفه مختلف ، فهو وسـيلة للتعبير وللمعالجة ولتنمية المدارك، بالإضافة الى استخدامه في الاعداد الاحترافي للمثلين والمنشطين المسـرحين“([8])، ومن هنا نقول ان المسـرح المدرسـي يلعب دورا هاما وفاعلا في الحياة المدرسـية ويمتد اثره الى المحيط الواسع خارج المدرسة، وهو يعتبر من الأنشطة المدرسـية الا صفية، وهنا لابد من الإشارة الى المعنى الحقيقي (للأنشطة المدرسـية الا صفية) حيث اعتقد بل اجرز أن المقصود هنا ان النشاطات الفنية تمارس خارج الصف، أي في قاعة المسـرح فيما يخص التمارين المسـرحية او في المرسم فيما يخص درس الرسم او في ساحة المدرسة او الحديقة، وليس المقصود بها بعد انتهاء الدوام، وألا لماذا يوضع درس التربية الفنية دائما وبحسب توجيه المشـرف التربوي والمشـرف الفني بين الحصص الخمس لليوم ، بمعنى يكون هذا الدرس في منتصف اليوم ، وذلك من اجل استرخاء الطالب وممارسة هوايته والترويح عنه بعد ان مر بدرسـين علميين، وطبعا هذا الدرس هو حاله حال درس التربية الرياضية، يجب ان يكون للتلميذ الحرية في ممارسة موهبته، وقد استخدم هذا المصطلح خطأً بان يكون خارج الدوام او بعد الدوام، ان هذا القصد ممكن يشمل النشاطات الأخرى المراد منها مشاركة في احتفالية او في مهرجان، وهنا طبعا يكون الاستعداد يختلف كون العمل اكبر واضخم من عمل المسـرح المدرسـي الذي عادة ما يكون زمنه من خمسة الى خمسة عشـر دقيقة، وهو كذلك يلعب دورا مهما في توصيل المواد الدراسـية بطريقة سلسة ومبسطة، وذلك من خلال تحويل المواد الدراسـية إلى إعمال مسـرحية تعرض داخل المدرسة، بمشاركة فاعلة للتلاميذ أنفسهم في التأليف والإخراج والتمثيل، بمساعدة معلم المادة، والذي يقوم بدوره كمعلم وكمرشد وموجه للتلاميذ من خلال تدريبهم ومساعدتهم في كتابة النص وإخراج العمل المسـرحي (الدرس)، فالعمل المسـرحي يساعد الطلبة على الجرأة الأدبية، ويوجههم الى تنمية روح التعاون والمثابرة باعتباره عملا جماعيا، وكذلك يعلم المسـرح المدرسـي الطلبة مبادئ الايمان الصحيح وحب الوطن بعيدا عن الانانية وحب الذات، كذلك يتعلمون التأخي والتالف فيما بينهم وروح التعاون في تبادل المعلومات والعمل الجماعي داخل الصف والمدرسة، -وقد استخدمت بعض المدارس الأوربية في الوقت الحالي طريقة الـGroups المجاميع في حل المسائل او الاشتراك في الإجابة على الاسئلة المطروحة من قبل المعلم-، هذا بالإضافة الى ان المسـرح المدرسـي سيخلصنا من عملية تلقين التلميذ مادة الدرس ، وذلك بإعطائه الفرصة بالاعتماد على نفسه او بالتعاون مع زملائه بعمل ما يراه صحيحا – وطبعا هذا يحدث تحت اشراف المعلم- من اجل تقويم وتقيم ما يقدمه الطالب ، لأنه بالمحصلة النهائية لا نريد التلميذ ان ينفرد في كل ما يقدمه ، يبقى دور معلم المادة هو المهيمن داخل الفصل الدراسي ، هو من يحدد المادة ويحولها الى نص مسرحي ، وهو الذي يوزع الشخصيات ، وهو لذي يشرف على تدريب التلاميذ ، ويحدد لهم المكان المناسب للعرض ، اذا كان داخل الصف او في مسرح المدرسة او في الساحة او في الحديقة المدرسية.

 

الإحـــالات:

[1]) حسن كاظم خضير الخفاجي، توظيف المسـرح المدرسـي في تعزيز الشخصية الإيجابية، (مركز البحوث والدراسات التربوية، بغداد، 2011)

[2]) د. عز الدين محمد هلالي، المسـرح المدرسـي رؤية جديدة،(الهيئة العربية للمسـرح، الشارقة، 2011)

[3]) هاني جاسم محمد الخزرجي، ((الوسائل التعليمية))، المعلم الجديد، مجلة تربوية فصلية تصدرها وزارة التربية، العدد/2، 1985،بغداد.

[4]) هاني جاسم محمد الخزرجي، المصدر نفسه.

[5]) د. كمال الدين حسـين، المسـرح التعليمي المصطلح والتطبيق،(الدار المصـرية اللبنانية، القاهرة ، 2005).

[6]) ينظر: خير شاهين وكاملة عبيد، المسـرح المدرسـي في العلوم ومهارات التفكير، (عالم الكتب الحديث، عمان)، 2009.

*اللعب :  {” كلمة play مأخوذة من الإنكليزية القديمةplaega التي تعني اللهو والحركة السـريعة للدلاله على اللعب المتحرر من القواعد وعلى أي عمل يكتب ليمثل (…) وفي اللغة الألمانية يستعمل فعل لعب Spielen كجذر لكل المصطلحات الدالة على التمثيل” (الدكتورة ماري الياس والدكتورة حنان قصاب حسن، المعجم المسـرحي،ط2، مكتبة لبنان ناشـرون، بيروت، 2006،ص394)} كذلك ” انه شكل درامي يرقى الى القرون الوسطى (…) فلكلمة في الاتينية هي I udus – أي العروض الطقسـية – وaordo أي نص مقدس (…) يحول اللعب احداث الكتاب المقدس الى دراما، ويتناول أيضا ابتداء من القرن الثالث عشـر مواضيع دنسه(…) ويجتمع فيه اشكال شديدة التنوع: قصص الجن، حكمة، رواية ساخرة، قصيدة رعاة.( باتريس بافي، معجم المسـرح، ترجمة : ميشال ف. خطار، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2015.

*قصد بـــ(اللعب التخيُلي) هو سلوك عالمي متمثل في استخدام الطفل خياله الواسع للتظاهر بأنه شخصية أخرى، أو بجعل الخيال حقيقة، أو تصوره لشيء ما على انه شيئاً أخر مع إدراكه للبيئة الحقيقية [1]، ومثال على ذلك تخيل الطفل على أنه طبيب أو مدرس أو شـرطي، و مثال أخر هو تخيل الطفل أن الموزة هي هاتف نقال ويتحدث به.( الموسوعة الحرة ويكيبيديا،اللعب التخيُلي او الإيهامي، 21/3/2020)

[7]) ينظر: دكتور عمرو رواره، مسارح الأطفال، (الهيئة المصـرية العامة للكتاب، القاهرة، 2010).

*** اللعب الدرامي: انه مماسة جماعية تشبه فريقا من الاعبين لا الممثلين الذين يرتجلون جماعيا بحسب  الموضوع المختار مسبقا(…) يهدف اللعب التمثيلي أيضا الى خلق الوعي لدى المشاركين  من كل الاعمار حول الاليات الأساسـية في المسـرح( الشخصية والعرف وجدلية الحوارات والحالات، ودينامية المجموعة) بقدر ما يسعى الى خلق نوع من التحرر الجسدي والانفعالي في الأداء، واحيانا بعد ذلك في الحياة الخاصة للافراد.(باتريس بافي، معجم المسـرح، المصدر السابق.)

[8]) الدكتورة ماري الياس والدكتوره حنان فصاب حسن، المعجم المسـرحي، (مكتبة لبنان ناشـرون، بيروت، 2006).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت