نص مسرحي مونودرامي: “شيزوفرينيا Schizophrenia” / تأليف: ميثم السعدي

الإهـــــــــــــــــداء

إلى القوارير المعذبات والثكالى المكلومات في وطني العراق

((إن الحزن الذي لا يجد له منفذا بالدموع قد يجعل أحشاء الجسم تبكي))
مودزلّي /عالم نفساني نمساوي

 

 

((داتا شو؛ فتاة تشعر بألم في الرأس تفتح حقيبتها تخرج علبة الدواء تجدها قد نفدت وتظهر علبة الدواء مكتوب عليها بندول، تذهب إلى الصيدلية لتشتري الدواء، تجد قبلها امرأة شكلها وحركاتها توحي بأن بها صرع.يتبعها الصيدلاني مسرعا لكنه يوحي لنا أنه يشعر بالندم والأسف …)) ينتهي المشهد …إضاءة على المسرح مباشرة بعد انتهاء الفيديو))

(يظهر المسرح، وتظهر دائرة حبال معلقة وسط وسط المسرح يتوسطها أيضا حبل، وهذه الحبال لها أكثر من رمز، الحبائل والمراوغة، العذابات، فأحيانا تستخدمها الممثلة لتعلق عليها مذكراتها الورقية، تارة أخرى تربط على الحبل الأوسط ضفيرتها ….

(تدخل فتاة جميلة وأنيقة إلى غرفة تحتوي على: سرير له أكثر من استخدام، خزانة ملابس، يُقلب فيظهر كأنه مكتبة كتب، يُلفّ 180 درجة فيظهر على شكل بار، طاولة، كراسي تلفون، تلفزيون، ساعة حائط، دولاب ملابس، مرآة، رف ّعليه أدوات مكياج، في الغرفة أحذية مبعثرة مع ملابس وقناني ماء فارغة ونصف ممتلئة، قنينة مشروبات كحولية، صحون، كؤوس، ملابس داخلية، روب، علاّقة ملابس، موبايل، راديو، لاب توب، – ليس بالضرورة أن تكون كل مفردات الديكور موجودة- تضع حقيبتها على الطاولة وتضع زجاجة مشروبات كحولية وتخرج علبة الدواء من الحقيبة تتناول حبة وتضعها على الطاولة، توحي للجمهور بأنها مرهقة ومتعبة، ، ثم ترمي جسدها على السرير، تخلع حذاءها وهي (ممدة)على السرير بحيث تطير (فردتا)الحذاء …تفتح آلة تسجيل، نسمع موسيقى ، وحين تبدأ حوارات الممثلة ينخفض تدريجيا صوت الموسيقى

ملاحظة:  الشخصية تكون رشيقة ذكية لعوب هادئة فوضوية نارية فتنة الأنوثة داخل شخصية طفلة، تظهر أحيانا بشكل مفاجيء (الشخصية مركبة، ومصابة بانفصام الشخصية، ولا تدري أنها مصابة بهذا المرض، ولابد للممثلة أن تكون لديها معلومات عن هذا المرض) .

 

اللوحة الأولى

مع انتهاء الفيديو تدخل الفتاة إلى غرفتها على المسرح كما أشرنا وتخرج علبة الدواء ثم تتناول منها الحبة التي اشترتها من الصيدلية، وتخلع الجاكيت، تتفحص التلفزيون، تظهر شاشة بيضاء بلا إشارة مع ضوضاء الصوت، تطفئه ثم ترمي الريموت

أين المكواة؟ الجيران يزعجوني كثيرا لأنهم لا يعيدون الأشياء التي يستعيرونها مني.. لم يبق شيء لم يستعيروه.. لم يبق سوى أن يستعيروا أنوثتي ههههه، أشعر بقرصة برد، لماذا أشعر بالبرد ونحن في فصل الصيف؟ أشعر بدوار ثم أن الصداع بدأ يخفت.. لكن الألم انتقل إلى القلب، آه من وجع القلب! وآه من القلب حين يعشق ويتلذذ بآلام الشوق.. إن الشغف يقودنا إلى الحب؟ ومن منهما يقودنا إلى الشبق؟ تذكرت هذه الأبيات حين كنت طالبة في الإعدادية – مطر مطر ولتشرين نواح والباب تئن عروته ويعربد فيه المفتاح أختاه أشذوذا إذا ما لثم التفاح التفاح؟ طبعا لم أفهم معناه يومها فسألت معلمتي Schizophrenia مالذي يقودنا إلى الآخر؟ الحب إلى الشغف، أعتقد أن هناك (خللاً)أو (شيئاً) يشبه الخلل، نعم..نعم (إذ)أن علبة الدواء تختلف عن العلبة القديمة، ربما هناك منشأ جديد فشركات الأدوية صارت أكثر من العقاقير نفسها (تجري مسرعة باتجاه علبة الدواء التي على المنضدة وتكاد تسقط كالسكرانة) ما هذا؟ أنا أبدو غير مستوية، ثم أنني لم أحتس كحولا، أو خمرة منذ يومين، لكن لماذا أبدو كالسكرانة؟ لالالالا، أنا سكرانة بل أنا ثملة جدا، تذكرت أستاذي الذي كان ولهانا بي جدا … في الجامعة تعلقت بأستاذي الذي كان أنيقاً ووسيماً ومثقفا وذكيا إذْ أنه شعر بميولي إليه وكنتُ أتمنى أن أحظى بخلوة معه وقد حدث، وعرفت أنه كان يتلذذ بكل تضاريسي.. حتى أني قلت له حينها يبدو أنك لم تُفْطَمْ للآن!

كل من عرفتهم وعرفوني يعتبروني ملاكاً وكنت أسال نفسي أأنا ملاك حقاً؟ أنا التافهة ملاك؟ أينك يا أستاذي؟ تعال وانظر بنفسك واسمع كيف أنني سارفع غطاء البالوعة .

(تنتبه إلى نفسها تضع يدها على فمها وتركض باتجاه علبة الدواء ترفعها لتقرأها بتركيز ثم ترميها خائفة وفزعة جدا)

أيها الصيدلاني الغبي.. هذه حبوب هلوسة! ياربي كيف سأتخلص مما أنا فيه.. أرجوكم سامحوني على (ما ستسمعونه) من فضائح وهموم ونزوات (ومآسٍ) (تبكي) أرجوكم لا تكرهوني ولا تحتقروني هكذا أنا أصبحت..لقد أطيح بي من صلب إنسانيتي

كيف أطيح بي من صلب إنسانيتي؟ كنت خجولة جدا، أثق وأحترم كل من أعرفهم من زملاء وأساتذة وحتى من لا أعرفهم … آه إنه السقوط السقوط اللعنة…أيّ شبق غريب يمتلك أولئك الرجال أوَكُلّ ذاك الكبرياء والأنفة والتعالي يسجد أمام الجسد، الشبق يحيل الإنسان إلى حيوان والكبرياء إلى ذُلّ.. لحظة نشوته أحتقر نفسي فهل يعرف ذلك المهووس بجسدي وتأوهاتي وموائي أنه أشبه بكلب جائع يجري خلف لحمة؟ ذات ليلة سألته ماذا تحب؟ أجاب أحب اللحم الأبيض المتوسط!

لماذا لا يداعب زوجته مثلما يداعبني؟ لماذا لا يلعق أصابعها ويتلذذ بمفاتنها أليست هي أحق بحيوانيته منّي؟ أعتقد أنه سيكون بكامل إنسانيته مع زوجته ,هل يعرف الرجال أن بعض النساء يتلذذن على أفلام الجنس عبر الانترنيت؟ هل يعرف الرجال أن عدم تحقيق رغبات زوجاتهم يدفعهن إلى الانحراف والتلذذ مع (غيرهم ) من أجل أن يشعرن بأنوثتهن..هذا الكلام قد يعتبره البعض وقاحة (وليس) صراحة..لكنها المواجهة!لا تلوموني يا سادة لست أنا من يتكلم الآن.. حبّةُ الهلوسة هي التي ستنشر غسيل العُهر..أتعرفون أن عندي رغبة أن أتناول حبة أخرى؟ وقد تقلبوا على رأسي خشبة المسرح!

 

اللوحة الثانية

 

ذات حدث وأنا أسعى للحصول على بعثة دراسية مع منحة سمعت خبرا مفاده أن سيادة معالي المسؤول يبيع أمه وأباه مقابل سهرة مجون.. فقلت (في سري) يا بنت استغلي براءة وجهك ومفاتنك علّك تستحوذين على قلبه وتحصلي على أمنيتك.. فارتديت (ثوباً أو فستاناً) تظهر مفاتن الجسد بلون( اختيار السينوغراف) مع نهدين ناهضين وشفتين متوردتين وميوعة خفيفة ودلع وبراءة وهدوء مصطنع ودموع ورجاء.. هذه مستلزمات العمل طبعا، وبعد أن طلبت مقابلة معاليه واستشفقت مدير مكتبه الذي انصاع إلى الفتنة والجمال والهدوء مع دمعة على الخدود المتوردة، دخلت إلى مكتب معاليه، نظر (إلي) من أخمص القدم حتى قمة الرأس من وراء نظارتيه، وقد قرأت في عينيه شبق الرجال.. قلت (لنفسي)هيا اشتغلي يا بنت، هذه فرصة لن تعوض، منحة وبعثة،وأول خطوة من خطوات العمل إن ادع دمعتي تسيل على وجنتي، فنهض من وراء مكتبه الفخم واقترب مني وتحسس جيدي البض وقال:لالا دموعك غالية يا حلوة، بيني وبينكم أنا خفت أن يقول لي يا ابنتي، فلم يقلها وهذا ما دفعني إلى التمادي، فانحنيت أمامه، فزاغ بصره إلى ما بين النهدين، نعم فأغلب المسؤولين في وطن ما بين القهرين (تتسمر أعينهم)على الخط الفاصل ما بين الضفتين فأباحوا الحرام وحرموا الحلال.. ثم قال أيضا، اجلسي هنا ولا ترتبكي.. مد يده إلى (سبيكر) وقال اجلبوا لنا فنجاني قهوة وماء بارد.. ثم جلس قبالتي وأنا بين حين وحين، إما أن تسقط مني ورقة فانحني ليشتعل برغباته، وتارة أجعل القلم يسقط مني.. وهو يتلذذ بنظراته.. جلبوا القهوة وقال للعامل ممنوع دخول أيّ شخص.. قال لي اعتبري أن ما جئت من أجله قد تحقق، (عيناك الجميلتان غاليتان) علينا لكن ما هو سبب طلب مقابلتي؟

قلت له سيدي سمعت أنّ هناك بعثه للدراسات العليا على نفقة الدولة وأنا قد حصلت على أعلى الدرجات وإن ظروفي المادية لا تسمح لي أبدا، وبكيت.. فمد يده إلى ركبتي وتحسسها ثم قال لا تقلقي تعالي مساء إلى هنا حيث أنني سأستدعي الموظف المختص ليهيء كل الأوراق كوننا قد أرسلناه بمهمة إدارية، ولا تحزني أبدا ولا تحرمينا من رؤية عينيك الجميلتين ولا تبخلي علينا بابتسامة، فقلت له أنا كُلي تحت إمرة معاليك، فابتسم وصافحني وتحسس يدي وعرفت أنه شريف

جدا..

(إضاءة خاطفة باللون الأزرق الداكن على السرير الذي خلف الستارة البيضاء)

اعتمدت على إحساسي الذي لن يخيب وارتديت فستانا يليق بمعاليه (ترتدي الفستان أمام الجمهور بزاوية من زوايا المسرح وتهئ لنفسها كأساً وتحتسي ثم تستمر بسرد الحدث مع رقص تعبيري وموسيقى حالمة) وذهبت مساءً، تصوروا لم أجد سوى موظفة في مكتب الاستقبال رمقتني بنظرة حسد، وقالت لي مبروك حبيبتي معاليه بانتظارك، ودخلتُ.. دخلتُ إلى مكتب معاليه، فلم أجده كما وجدته في الصباح حتى أنني سألتُ نفسي أهذا مكتب أم مرقص ليلي: إضاءة رومانسية (تتغير الإضاءة وتصبح رومانسية) أوراق وقلم وزجاجة ويسكي وكأسان وموسيقى حالمة. قال لي بهمس: اجلسي يا قمري ووقعي على الأوراق وغدا صباحا تستلمي المنحة ورسالة البعثة، ولك ما تشائين، ثم قال لي: نخب السعادة نشربه معاً، ثم رفع الكأسين وقال لي: انظري إلى اليسار فنظرت وإذا بسرير، قلتُ له: الله يكون بعون معاليك تعمل ليل نهار قال : خدمة الوطن واجب..ثم أردف جوابه بسؤال: عندي سؤال أريد أن أرى ذكاءك بالردّ. قلت له: معاليك أعرف، فقال: ما هو تعريف القبلة؟ قلت له: القبلة كلام كثير في صمت مطبق! فضحك وقال: اليوم سنبقى صامتين حتى الصباح.. بيني وبينكم ارتبكت لكن كرامتي لم تسمح لي بالتراجع، وكانت سهرة مجون. رقصنا وضحكنا على أنغام (أغنية تلاءم الحدث) عرفتُ حينها لماذا زوجته تعشق السائق الخاص..لأن الخيانة متبادلة يا سادة!

 

اللوحة الثالثة

أنا قلقة جدا لا أدري (ما الذي) يحدث لي، يلازمني شعور بالحزن، بل أنا حزينة جدا، بي رغبة عارمة للبكاء.. لا أحد يهتم بي، أنا ما زلت كطفلة صغيرة، لم أتمتع بطفولتي (وبراءتي)، خمس وعشرون سنة مضت وأنا بين الهموم والكبت والحرمان والأسى، كل صديقاتي يتحدثن عن حنان الأم ورعاية الأب ولطف الإخوة والأخوات وأنا.. أنا حبيسة أحزاني، أربعة جدران لا أتذكر منها سوى الصفعات لأني أرسم على الجدران انفعالاتي الطفولية البريئة. لماذا كلما أحصل على لعبة جديدة أو دمية تصادر إلى طفل جاء مع أهله لزيارتنا؟ وحين أكون صحبة أهلي بزيارة وتحركني طفولتي إلى اللعب أبي يضربني وأمي تنهرني علما أن أغلب ألعاب أولئك الاطفال هي من مقتنياتي أصلاً ومن كثرة الأسى الذي لازمني صرت له المستورد الرئيسي، أنا تاجر جملة للمآسي ولا أحد يشتري مني ولو مأساة واحدة.. تلك الماضيات من السنين القاسية جعلتني أشعر بالأسى وأحب العزلة، أنا كرهتهم وأكرههم، لماذا يحق لغيري ما لا يحق لي؟ (تقلد صوت الأم) اجلسي هنا ولا تتحركي، (تقلد صوت الأب) إذا لم تسمعي الكلام سأضربك، (تقلد صوت جارتهم) حبيبتي أنت لازم تسمعين كلام ماما وبابا.. ذات يوم صرخت بوجوههم: أنا لم أتحرك من مكاني فلماذا ترهبوني بكلامكم؟ “ياخالة أنت لازم تأدبين ابنك وبنتك لأنهما سرقا كل ألعابي”، وأنا لم ألمس لعبة من ألعابي التي (سرقاها) مني، أمي ضربتني، أبي قرص أذني بشدة، جارتنا الحقيرة قالت بأدب مستفز: (تقلد صوت جارتهم) هل رأيت يا حبيبتي كيف أغضبت والديك؟ “أي طز بيكم كلكم” (تبكي بشدة وبانهيار شديد، تمسك التلفون) أنا مرهقة جدا أتصل بـ (عهود)أفضل شيء …(تتصل) ألو عهود.. شلونك، عهود أنا أبكي، أنا مرهقة، تذكرت ظلم أهلي لي..ماذا؟ لماذا أتذكر الأموات؟ أيّ أموات؟ من هم الأموات أمي وأبي وأخي؟ (تضحك بطريقة مرتبكة وهستيرية) عهود.. ممكن تجيني أنا لم أفهم شيئاً مما (تقولينه) تعالي رجاء.. لم تعهديني ضعيفة؟ هل أنا جننت؟ عهود، إن هذه الدنيا الجميلة لا تستحق أن أعيشها، الحياة للسعداء.. قد تجديني معلقة على حبل، لقد كرهت حتى نفسي.. سأحاول أن أنتظرك.. (تذهب إلى حقيبة تحت السرير وتستخرجها) هذه الحقيبة فيها ذكرياتي.. (تفتح الحقيبة) تستخرج ضفيرة شعر طويل.. هذا شعري الذي قصه والدي وجعلني صلعاء وأضحوكة لجميع الطالبات لو أنه قصّ رقبتي لكان أهون من ذلك … لماذا أغلب الآباء يقهقهون في البارات والمراقص والمقاهي وحين يعودون إلى بيوتهم ينقلبون إلى حيوانات مفترسة … أبي قاسٍ أمي لا تختلف عنه، أخي وليدُ حمارين، فكيف سيكون، غزالا أم عصفوراً؟ لقد ورث عنهما النهيق، وأنا ورثت عنهما الأسى .. آه يا الله، مكتوب. ست رضيّة: تلميذتي الشاطرة المهذبة، جمال عينيك ووجهك الملائكي، ازدادا جمالاً وأنت بلا ضفائر بل وبلا شعر .. مع الأسف لك والدان قاسيان جدا .. نعم ست رضية تمنيت لو أنك أمي ..(تقلب الورقة) الوردة مصيرها الذبول والذكرى تبقى ولا تزول. أحبك بعدد أوراق الزيتون.. صديقتك سميرة.. سميرة أصبحت طبيبة وهي خارج وطن التشرد وطن ما بين القهرين ..

(تقلب الورقة) هذه صورة.. صورة من يا ترى؟تقلب الصورة وتقرأ: تذكريني كلما شعرتِ بالحزن، أحبك جدا يا أغلى الصديقات، صديقتك خيرية.. الله يا خيرية لو (تعرفين)أن الهموم أنستني إياك والحزن أفقدني الشعور بكل ما هو جميل.. الله يرحمك واللعنة على القتلة وأصحاب المفخخات القذرين، شهيدة ذهبت ونقية عاشت..(تجري إلى كأسها وتصب فيه من قنينة النبيذ وتحتسيه وتبكي وتعود إلى الكشكول وتفتح صفحة جديدة) هذا ظرف مغلق .. تفتح الظرف تقرأ: ثغرك المطبوع على شفتي جعلني أعشق الحياة.. حسون.. من هو حسون؟ يا غبية كيف تنسين حسون؟ آه تذكرت.. لماذا أبي حلق شعري على الزيرو، لقد شاهدنا ملتصقين على سطح الدار، لأن حسون كان يدرسني مادة الرياضيات، كان (في الثانوية) وأنا في الصف التاسع.. لماذا أنا فتحت الحقيبة هل لأجدد الأوجاع.. ضفيرتي أطهر شيء، أفارق به هذه الحياة التعيسة..(تمسك الضفيرة وترتقي على مكعب أو كرسي وتربطها على حبل (متدلٍ) من سقف المسرح وتلف الضفيرة حول رقبتها، بقعة إضاءة حمراء مع استخدام الضوء الأزرق الداكن على السرير خلف الستارة البيضاء موسيقى تلائم الحدث) الآن أقول لكم وداعا.. كل ما سأفعله هو أن أركل الكرسي .. لكن! حتى لو انتحرت (ما الذي) سيحدث؟ ومن سيحزن على ميتة منذ طفولتها؟ (ثم تغني بعبثية وهذيان) (وقبلتها حتى تقطع عقدها كأن لآلي العقد حين تناثرت ضياء مصابيحٍ من جيدها انهمل (تصرخ) وينك حسون؟ (تتغير الإضاءة حين تنزل من الكرسي)..مجنونةٌ أنا.. أنا مجنونة (تضحك بهستيريا وتبكي وتعيش لحظات بين البكاء والقهقهة) آه لقد عاد الصداع اللعنة.. الصداع شدييييييد، سأتناول حبة ثانية ريثما تصلني عهود..

 

اللوحة الرابعة

(جور رومانسي .. موسيقى (فالس).. الشخصية ترقص مع نفسها وكأنها ترقص مع حبيبها)

عهود الحقيرة ناولتني زجاجة الويسكي وقالت ستعود، أنا أعرفها تكذب، هي متواعدة مع حبيبها، أنا فقط الانعزالية الأولى (في هذا) العالم.. طبعاً! لا أم لا أب، لا إخوة، لا حبيب، لا وطن، كلها ضاعت راحت (تحتسي كأساً) (تسمع صوت حسون بالإيكو)، ثغرك المطبوع على شفتي جعلني أعشق الحياة (صوتها خافت مبحوح وبأسى): وينك حسوووووووون؟ حسون ستقتلني الوحدة والعزلة (تحتسي بشراهة كأساً (أخرى)) سأرقص حتى تعود عهود أو حتى الثمالة..هل ارقص لكم كجواري امراء المؤمنين حتى سقوط آخر كأس عباسي على يد المغول؟

(إضاءة زرقاء قاتمة على سرير خلف ستار أبيض ترقد عليه الممثلة وكأنها في مستشفى أو عيادة طبيب)

سادتي الحضور هل يمكنكم أن تغمضوا عيونكم وأنتم تستمعون لي؟ أرجوكم أغمضوا عيونكم وأنتم تستمعون لي:

بهمجية وعنف اقتحم المنزل مجموعة ملثمين ، أوثقوني وأغلقوا فمي ثم صوبوا أسلحتهم (إلينا)، كنا مجتمعين على مائدة العشاء، أحدهم حزّ عنق أبي وأرداه صريعاً مثل شاة ذبيحة، الآخرون أطلقوا وابلاً من الرصاص على أخي (ضربوا) أمي بأخمص أسلحتهم، مزقوا ملابسها بسكاكينهم واغتصبوها أمام عيني، أمي تصرخ يا الله، وهم يرددون، الله أكبر.. الله كان مع من؟ مع أمي، أم مع القتلة؟ ثم جاء دوري مزقوا كل ملابسي انتهكوني جميعهم، صرخت يارب يارب يارب يارب لم ينفعني صراخي.. صرخت وامعتصماه.. فأطاحوا بعذريتي، قال لي ذلك القميء وهو يواقعني عنوةً، أنا سيدك قلت له أوَ أنتَ سيدي؟ لتأكلني ديدان الأرض إذاً.. ثم تركوني عارية… لماذا لم يقتلوني؟ لماذا لم يقتلوني مع أخي وأمي وأبي ..! تخيلوا ماذا سيكون حالكم لو حدث لكم ما حدث لي؟ (تصرخ آآآه ثم تقلب الطاولة وتسقط)

 

اللوحة الخامسة والأخيرة

(الشخصية منكسرة وحزينة)

عادت عهود..وجدتني نائمة وحكت لي (ما رأتني)عليه وأخذتني إلى عيادة الطب النفسي قال الاخصائي : احكي لي كل شيء، فحكيت له ما سمعتموه، وما تذكرته من الماضي، وحكيت له ما فعلته حبة الهلوسة، وحكيت له (ما لم أحكه) لأحد.. ثم قال: وهو يدور كناعور أبله على كرسي دوار.. وعيونه الناعسه تطل من خلف نظاراته:

منذ ثلاثة أيام وأنت نزيلة المشفى .. قد تعرضت إلى صدمة نفسية حادة جدا .. سمعت منك حقائق وسمعت الشخصية المنفصمة عنك، لوثات سلوكية وسمعت من الشخصية المنفصمة، الأولى، وقد عرفت انحرافها وسلوكها السيء، أنت (في حاجة) إلى إجازة من العمل لفترة أسبوعين ريثما تتعافين..

إجازة من العمل!؟ أيّ عمل؟وهل أنا أعمل؟

نظر إلي بعين الرأفة والإحسان وقال وهو يربت على كتفي ..أنت يا ابنتي أستاذة جامعية، ومحترمة جدا، وما حصل لك هو بسبب وحشية الملثمين القذرين الذين اقتحموا بيتكم واعتدوا على أهلك وقتلوهم، واعتدوا عليك، وتركوك عارية، والشكر إلى صديقتك عهود هي التي اتصلت وجلبتك إلى المستشفى.. قلت له ورأسي (يكاد ينفجر)  لهول ما أسمع..تقصد (أن) عهود حين كلمتني بالتلفون وقالت (إن) أباك وأخاك وأمك قد اغتالتهم يد الارهاب ، كانت صادقة؟

قال: نعم صديقتك لم تكذب عليك

دكتور لكن عهود جلبت لي زجاجة الويسكي وتركتني!

قال: لا لا زجاجة الويسكي أنت (اشتريتها) من السوبر ماركت..والآن سأتركك لترتاحي وسأحاول أن أقلل (لك) العقاقير المهدئة وأراقب حالتك وحين تتعافين يمكنك أن تعودي إلى منزلك، وتمارسي حياتك الطبيعية.

قلتُ له عندي سؤال يا دكتور.. إذا مات العراق هل تكفيه الأرض قبرا أم يكون قبره على كوكب آخر؟ كالمريخ، وكم متراً من القماش يكفيه كفناً ؟

(بكاء ورقص وحشي أثناء حواراتها الأخيرة، رقصة يأس كالموت البطيء).

 

* ميثم السعدي (14\11\2020).

 

ملاحظـة جـد هامـــة : “النص ليترجم على الخشبة يحتاج إلى ممثلة ذات كريزما مميزة و حضور بارع لان الشخصية هي شخصية مركبة تعمد الكاتب اخفائها ليضع المتفرج في حالة بحث عن مكامنها طيلة زمن العرض… ولم يتوقف عند هذا فحسب، بل ارتأى إلى ترجمة النص إلى أربع لغات/ لهجات:  الفرنسية، الإنجليزية،  الأمازيغية، والكردية. وذلك من أجل تنفيذه وفق تجريب فوبوس وديموس لثنائية العرض المسرحي. وتجدر الاشارة انه سبق للكاتب تجربتين ناجحتين في مهرجان بجاية / الجزائر  2014 & 2015″/ عن: الفرجـة 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت