أبانا الذي رحل…د. فوزي فهمي / محمد الروبي
طوال الطريق الى المقبرة ..كان السؤال يلح .. لماذا احببنا هذا الرجل كل هذا الحب؟ ..أجيال مختلفة ( نساء ورجال ) كانت دموعهم تنهمر صمتا ..يربت كل منا على كتف الأخر..والعيون تطرح على العيون السؤال نفسه ( يعني خلاص؟ ) وانتبهت إلى أن الرجل الذي تجاوز الثمانين لم يكن يوما على قائمة الموت عند أي منا. وكأنه من ملامح الحياة لا تستقيم إلا بوجوده. الأغرب ان هذا الرجل كنا في شبابنا المبكر نخشاه ونختلف معه إلى حد الغضب .. وكم مرة اعتبرناه قاسيا نتمنى لو لم يأت محاضرته والأفضل ألا يأت المعهد أصلاً ..فوجوده مربك محير .. لأننا حتما سنلقى منه توبيخا ما ربما على علو صوت ..أو حركة يراها غير لائقة .. أو على عدم الوفاء بواجب منزلي كلفنا به ( وتلك الجريمة الأكبر). وكان الأكثر إرباكا ان مكتبه يطل على باب الخروج والدخول الوحيد من وإلى المعهد وهو ماكان يضطرنا الى مزيد من الانضباط ( مش ناقصين كلمتين على الصبح ) . وربما لكل ذلك كانت المكافأة لأي منا هي ان يبتسم في وجهه .أما أن يضع يده على كتف أحدنا أثناء حديث ثنائي لا يتكرر كثيرا فتلك الجائزة الكبرى.
في محاضراته كان يرهقنا بأسئلة لا عن المسرح فقط بل عن الحياة .كان يستمع باهتمام.. يختلف مع ما تقول لكنه يفرح بالمختلف . بعد التخرج وقليل من السنوات في الحياة العملية ستكتشف ان ما كان يفعله معك هذا الرجل هو معينك الأن .. وبعد سنوات أكثر ستكتشف انه كان يتابعك عن كثب ولن يتردد في ان يهاتفك ( وهو من هو ) ليثني على مقال أو عمل أو موقف . حينها ستوقن انك على الطريق الصحيح. وستجد نفسك تقول لنفسك قبل أي عمل ( ماذا لو عرف ماذا لو قرأ ) فيستقيم اختيارك .
هناك أمام المقبرة قرأت كل هذا في العيون الباكية ونظراتها الغائمة… عشرات من أبنائه يتسابقون على حمله دون صخب ( فنحن في حضرة الأستاذ ) هناك تجلى المعنى الصحيح لما كنا نظنه تناقضا ( أن تحب فوزي فهمي ) هناك تذكرت أبي الذي حرمت من حضور دفنه ووجدتني أهمس للرجل وأنا أحمل جثمانه( السلام أمانة لأبي يا أبي)