نص مسرحي: ” اهتزاز” / تأليف: طنطاوي عبدالحميد طنطاوي

منودراما

 

المشهد الأول

————–

 (حجرة متوسطة الأثاث، محتوياتها بسيطة مجرد سرير ومنضدة صغيرة ومقعدين أحدهما مكسور الأرجل وخزانة ملابس وصور شبابية لمطربين ومطربات ملصقة على الجدران، يتحرك ويتجه ناحية مسجل قديم متهالك ويقلب في مجموعة أغاني شبابية، لكن لا يبدو أن هناك شيء يجذب انتباهه، يتحرك في ضيق ظاهر على ملامح وجهه(

فراغ … فراغ … ماذا أفعل ؟ جلسة المقهى المعتادة والمجموعة إياها والكلمات والحكايات التي قصصنها بالأمس أو أول أمس نعيد تكرارها ، نجتر ذكرياتنا ..أي ذكريات … الحقيقة التي يجب أن نتأكد منها إننا مجرد أواني فارغة.. رؤسنا لا تحمل أي فكر جدير بإنسانيتنا ..نحن كم مهمل … ننتظر أن نبتز اهالينا.. هل نسرق ؟ أنا على سبيل المثال أبي أعلم ما يتكسبه من عمله.. نعم أبي يضطر أن يعمل عما إضافي آخر.. أنا لا أهتم بما يحدث … أمي تساعدنيأغلب أصدقائي على نفس الصورة

” يصمت ويدور حول نفسه ”

الحل أن يحاول الأب أو الأم توفير ما نحتاجه.. يسرقون !!! الجميع يسرقون وينهبون ….عليهم أن يجاروا الدنيا حولهم.. لماذا نظل نحن في ذيل قائمة البشر؟ لن أستطيع الخروج اليوم.. بالطبع لا أملك ثمن حجر الشيشة أو كأس المشروب المعتاد

” وكأنه تذكر شيئا ”

آه سوزانا … ليس سواها.. لقد عشمتها فيما مضى بالزواج وهي تنتظر.. الليلة سيكون حديثا معها صريحا

هي وحيدة أبويها … أبوها مقاول كبير ممن أثروا أيام الثورة وما بعدها.. هي تقولها ولا تتردد.. بل إنها تفتخر بأن أبوها يعرف من أين يؤكل الكتف

” مبتسما وبصوت يبدو خشنا متحشرجا ”

رجل عصامي.. كل أثرياء بلدنا عصاميين …. لماذا أبي غير عصامي؟ ليتك يا أمي عصامية سأخرج … سأرتدي ملابسي وسأخرج

” تخفت الإضاءة رويدا رويدا ثم تعود وكأنه قد انتهي من ارتداء ملابسه

ذهبت كالمعتاد في موعدي.. المقهى مكتظ بالشباب.. أعتقد أغلبهم مثلي لا يجدون ما يفعلونه سوى محاولة كسر حاجز الوقت الكئيب الثقيل، انظر وأنتظر لا وجود لأحد من مجموعتنا، إنه مكاننا المعتاد، الغريب أن كل تليفوناتهم المحمولة أيضا خارج نطاق الخدمة، أين ذهبوا؟ سوزانا لا ترد… أكرر المحاولة.. هناك شيء ما

أمس فقط لم أقابلهم ولم آت إلى هنا.. ربما عزموا على الرحيل من هذا المكان.. سأعاود الاتصال … الفراغ قاتل عليّ أن أبحث عما يشغل رأسي.. لا تستغربوا يا سادة … إنا لا نجد من يحتوينا أو يمد يد المساعدة لنا

نحن أبناء جيل يغرق في أمواج لا شاطئ لها.. نهرب من أين وإلى أين ؟ السادة من الأباء أو الأمهات يبحثون عن مزيد من الأموال لتجديد البيت أو المنزل أو استحداث المفروشات ، يتباهون بما يمتلكون ويهبوننا حب يفوق الوصف.. سأفكر في شيء

” يضحك وهو ينظر للجمهور “

هل هرب الأصدقاء مني؟ أم تعمدوا إغلاق هواتفهم المحمولة في وجهي؟ربما أحيانا أتطاول على أحدهم

ربما أحيانا أتصنع من نفسي بطلا أمام خذلانهم.. أكذب عليهم في أحيان كثيرة.. ضاقوا ذرعا بأفاعيلي

هربوا … العيب في أنا أم فيهم هم … ألا يدركون أنهم كذبة وأولي أمرهم جميعهم لصوص

” بعصبية ”

هل ألعن أبي إنه لم يستطع أن يجاري الدنيا من حوله.. لعنة الله عليهم.. لن أفكر في الزواج منك يا سوزانا

” يهدأ ويتوجه بالحديث للجمهور ” 

انظروا إلى جيدا

” يدور حول نفسه ”

يا سادة … هل أنا شاذ؟

” يصيخ السمع وكأن أحدهم يحدثه من القاعة وينفجر ضاحكا ”

لا … لا … جزاك الله بالخير

” تعود إليه ملامحه الحادة ”

عفوا أنا لا أقصد الشذوذ بمعناه الدارج.. ما أقصده وما أتمنى أن أحظى بإجابة عنه.. هل أنا خارج منظمومة البشر المعتادة ؟

” يصمت وكأن أحدهم يحدثه … تنفرج أسارير وجهه ويضحك بقوة ”

جازاك الله بالخير أخي … لن أبخل عليك.. سأقص عليك ما كان.. يوما ما … الأخوة أصحاب حقوق الإنسان …

أعلنوا عن مؤتمرا للشباب … هامت بي نفسي أن أعرف عما يجودون به …. قال لي أحد الزملاء لن تخسر شيئا فهم مهمومون بقضايا أمثالنا التعساء الغرباء … لن تخسر شيئا فغالبا ستأكل وتشرب بلا مقابل وهناك احتمال أن يدفع لك مقابل نقدي …. جازاهم الله خيرا وحدث ما قال عنه …وإليهم ذهبت قدموا لنا ما لذ وطاب ورصونا في قاعات العلم … أجادوا في الحكي عن الإنسان وحقوقه … كلماتهم تلمس وترا حساسا في بؤرة قلبي تفاعلت مع الأحاديث وشاركت وشعرت بأنهم استحسنوا كلماتي … لم اصمت وأسرفت وأخذتني النشوى الكاذبة وظننت نفسي زعيما كان الدور على في الجلسة الخاصة ..والجلسة عبارة عن مقابلة فردية للشخص ويطرحون عليه جملة أسئلة وبموجب إجابته يقومونه بدرجة لا يعلمها إلا سواهم جلست أمامهم … كانوا تسعة ما بين رجال ونساء

من ذوي الأشكال المصقولة التي تطالعنا من فوق شاشات السينما أو التلفاز

” بصوت أجش “

– من أنت ؟

يعود إليه صوته المعتاد

– نادر

” يضحك صاحب الصوت الأجش ”

– لم أر شيئا نادر مذ وطأت قدماي تلك الأرض

كان جوابي جاهز فأسرعت قائلا :- يا سيدي الأسم نادر … أنا شاذ

” يصمت ويدور في أرجاء المكان ويحاول أن يكون الكلام مقتربا من الهمس “

يا سادة مجرد أن تفوهت بكلمتي..  أنا شاذ.. الغريب أن عيونهم برقت.. نظروا لبعضهم وارتسمت ابتسامة فوق غريبة وجوههم وكأنهم اتفقوا أن يرددوا الكلمة في صوت واحد.. أنت شاذ..أجبت بهز الرأس وأكتفيت..كالوا لي المديح

” يختلف صوته ما بين الرجال والنساء “

بأصوت يتفننون في أخراجها بدرجات مختلفة قالوا وتباروا

– أول إنسان صادق

– يتحدث بمشاعره الحقيقة

” وبصوت أنثى ممطوط “

– رائع مثال للنضج الإنساني

وصفوني بأنه لا مثيل لي …  أفعالي مرهونة برقي الإنسان … بشذوذي رمزا للحرية وحقوق الإنسان

” يضحك … ويتحرك منتفخ الأوداج مرفوع الرأس ”

تأخذني النشوة وأشعر وكأن جسدي تخلص من جاذبية الأرض..فأمثالي قليل ما يجدون من ينصفهم في تلك الدنيا..أخيرا جادت الدنيا بمن يُقدر . أعتقد بأنهم شاهدوا في شخصي ما لم تعكسه المرآة..ربما حازت مخارج ألفظي التي تتناغم وتخرج كموسيقى تنساب فشنفت آذانهم بحديث لم يسمعونه من قبل..إنهم يدقون المنضدة أمامهم في تناغم سعادة تطفح من فوق وجوههم

” للجمهور ”

هل أدركتم ما دار في خلدهم ؟

” صارخا ”

نصبوني رمزا للجنس الثالث..لم أدرك يومها المقصود والمعنى..قالوا بين البين..وما بين البين يا سادة ؟قالوا … أنت إنسان ولك مطلق الحرية أن تحيا وفق حاجاتك الخاصة..أنت حر فيما تفعل وما تأتي من أفعال… أنت

الحرية شيء رائع والسادة قادمون من أقصى بقاع الدنيا ليفيضوا بالخير علينا حوارات غريبة لا أدرك مغزاها

السادة قادمون وأنا لا أدري ألجمعية أم منظمة ينتمون

” وكأنه يطرد ذبابة من فوق وجهه ”

لتكن ما تكون.. يتحدثون عن الحرية…الأخوة…المساواة أمثالي يفتقدون تلك الأشياء..ينظرون إلى ويصفونني بأوصاف رائعة.. أشعر بإنسانيتي المهدرة … أكاد أطير في الهواء..أنا إنسان ولست مجرد شخص عادي

تأكدت من ذلك.. ها هم غرباء يشيدون ويتحدثون حددوا موعدا…سجلوا رقم هاتفي المحمول سيتصلون بي ويحددون الزمان والمكان أنا أنتظر على أحر من الجمر ساعة اللقاء.. ودعتهم وأودعوا يدي مظروفا منفوخ بورق مالي هدايا تنوعت…مطلوب مني أن أكتب وأن أتحدث المطلوب أن أفتح وأقص عن سلبيات مجتمعنا وما نرزح فيه..المطلوب أن أنفس عن صدري وأكتب عن أحوال المهمشين عن أبناء الطبقة الدنيا وكل ما يتعرض له الشباب من أولاد وبنات كيف تتزوج البنات قسرا أو تهتك حرمتها بطهارة وهي طفلة كيف يبيع المعوزين أولادهم الأطفال.. منحوني بطاقة عضوية في النادي الدولي دونوا اسمي لأتقاضى راتبا شهريا أيضا

 

المشهد الثاني

————–

جالسا ، تسقط الإضاءة عليه، يتحرك يهم بالكلام ولكنه يصمت.. وكأنه يتذكر شيئا ما.. يتحرك في أرجاء الحجرة وكأنه يبحث عن شيء مفقود على أرضيتها، يزفر زفرة عميقة ويرفع رأسه   

أيام وجاءني طلبهم بالاستدعاء..عدت لما كتبته من تقارير وحكايات وعكفت على تجميلها وتصحيحها.. غلفتها وطبعت فوق غلافها قبلة فهي سبب السعد القادم..كتبت ما رأيت بل فضت بأحاديث غريبة لا تحدث غالبا..إنهم يتوقون لكل ما هو غريب وعلى أن أستغل ما يحبون..تقريري عن أبناء الشوارع والبغاء المنتشر حتى في المقابر.. ظننت نفسي بكلماتي غير الصادقة في أغلب الأحيان سأحوز الرضا..ظننت نفسي سأغزو الفضاء

وعلى أن أرتاد دنيا جديدة تفتح أبوابها أمامي

”  يصمت … يتحرك وعيناه في الأرض وكأنها تنقب عن شيء مفقود … يرفع رأسه وينظر لأعلى ”

استخلصت مما يحدث وما استشفته عيناي وأذناي وما وقر في قلبي وما عكسته الأفعال السالفة… إنهم يبحثون في التراث المفقود.. يبحثون عن أسوأ ما يحمله الناس في بلادي من عادات وتقاليد.. لا ضير أن نتحدث في الشعوذة والسحر وآفاق الجهل التى نتردى فيها.. على أن لا أغفل حتى الاختلافات الدينية وما ينجم عنها من صراعات.. وكيف تتنامي بأيدي كبار القوم

” يضحك ويشعل سيجارة ”

إليهم ذهبت وتحت ابطي سلاحي..سيفي سيفتح لي الأبواب المغلقة.. جلست أمامهم.. يقرأ كبيرهم صاحب الوجه الأحمر الناري.. يبتسم وينظر إلى فيشيع في وجهي البهجة.. يشير بسعادة بالغة لبعض كتاباتي بل يقرأها بصوت عال.. يسمعون وتنفرج شفاههم عن ابتسامة مشجعة.. يرددون دوما بأنهم يدعون للحرية لكل البشر.. المساواة بين الرجل والمرأة شغلهم الشاغل حرية ممارسة العقائد وحرية أن يأتي الإنسان ما يحب من أفعال.. يسعون لحرية المعتقد وخاصة للطوائف ذات الأقلية.. يقولون بأنهم يحاربون العنف والتسلط واجبار الآخر.. إنهم ضد الفساد والردة والرعب من الارهاب.. كلماتهم استشعرها أماني مفقودة.. تكلمت بدوري وأفصحت عن إيماني بأحاديثهم وهذا ما تعكسه كتاباتي.. كلماتي التي دونتها.. كل ما طاف بذهني خطته يداي الفرصة مواتية لي أن أرد ما تلقيته من صفعات سابقة.. الانتخابات وتزويرها والانتخاب باسماء الموتى.. من يحصل على الوظائف من أبناء السادة والكبراء.. المقابل المدفوع من معونات في المآكل والمشرب.. قالوا عني ناشط ومجاهد في سبيل الديمقراطية.. حقا إنسان شاذ رائع.. أنا كالديك الرومي انتفخ لمجرد أن أسمع صفيرا صادر.. أنفش ريشي وتزداد جبهتي احمرارا وأشعر بالتفرد.. حقا أنا شاذ.. هم بدورهم في كل الأوقات يرددون.. حقا أنت شاذ وتستحق الحياة ..أنت مثال للصراحة المفتقدة في المجتمعات المتخلفة..أنت مثال يحتذى به..فكر يسبق عصره..ومذيع لقناة فضائية لا أدري عربية أم بلغة غير العربية..يتحدث معي ويفيض بحديث لا أفهم منه سوى القليل..ينطق العربية بصورة مشوهة ربما يتعمد ذلك !!! لا أفهم الكثير من كلامه واكتفي بهز الرأس..بدوره يصفق لي ضاحكا..قالوا المؤتمر ثلاثة أيام..حياة جديدة علي فالفندق من ذوي النجوم السبعة..الأكل وفقا لعاداتهم المعتادة بالشوكة والسكين..أما النوم ففوق سرير من ريش نعام..ما آراه لم أره من قبل..تطوف عيني بالأرجاء وأسبح في دنيا الأضواء المنبعثة من أرجاء مخفية..حول أصاب عيني مما يحيطني من جمال ورقة..أنا أفكر في القادم…نعم تستهويني اللحظة وأتمنى أن تطول لكن كم سأتقاضى في النهاية…هذا ما يشغل بالي..يبدو أنهم أثرياء قادمون يبعثرون نقودهم وعلى أن أجمع من ورائهم لأسير على دربهم ..الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة..في الاستراحة وفي قاعة تفيض بهجة وجمالا عرضوا فيلما سينمائيا مما يقزز النفس..تماسكت وصفقت مع جموع المصفقين وأسرعت إلي الحمام ألقي ما في جوفي فمشاهد تتأفف منها النفس..إنهم يصفقون وعلي أن أسير على نهجهم وزعت ابتساماتي

اقترب مني شخص لا أدري كينونته ولد أم فتاة..تحدث بكلام غريب ربما لغة أجنبية لا أدركها..أنا أكتفي بكلمتين أعرف معناهما نعم أو لا.. يقترب مني أكثر..أنفاسه تلاحقني وعيناه تدعونني لفعل تأباه النفس..ربما اعتقاد كاذب مني أو تفسير خائب..أهرب منه وأصنع ابتسامة مغتصبة..أظن نفسي فلت من ملاحقته..لكن لم تضع من رأسي ملامحه

” ينصت ويصيخ السمع وكأنه يسمع صوت قادم ”

لا ..لا .. لم تتضح معالمه بعد فهو بين البين..لو قلت لك ذكرا ربما أهنته…ولو قلت لك أنثى..لا أدري فيمكن أن يضعني تصنيفه في دائرة المسألة..ما دار بذهني لحظتها إنه مجرد ولد أو بنت..مجنون أو مجنونة بتقاليع حديثة للأزياء والأفعال..أنا أعرف إنا الإنسان حيوان مقلد هذا ما تسرده الكتب يا سادة..ما طاف بذهني أفكار خائبة كما يتراءى لأبناء طبقتنا الدنيا..لكن الغريب

” يتوقف مستدركا ومفكرا ”

وأنا في قمة ذهولي وتخوفي ومحاولة الاختفاء والابتعاد عن محيط عيني..ابن أو بنت المجنونة..تقترب مني إحداهن…بدر تجلى فانسحبت كل الأضواء..كما يقولون ويرددون العامة من أهلي..تقول للقمر تنحى جانبا لأجلس مكانك..أعتقد أنها لم تطلب من القمر فقد أسرع وابتعد حياء وخجلا..جمال لم تعتده عيناي..تتحدث إلى وابتسامتها تشع نورا يمسك ويقبض على تلابيب فؤادي..قالت وفي موسيقى لم تألفها أذني من قبل عش حياتك…أنت هنا صاحب الحظوة والمقام العالي.. الجميع أقسم لكم بالله تهت … لم أسمع باقي كلماتها تركت نفسي لأدور في دوامة العشق والبهجة اللحظية حزنت … اختفت وأنا سابح في تيار جمال المخلوق نعم ظلت رائحتها تغمر المكان حولي بعبق أريجها أين ؟؟… أين ؟؟؟… عادتني أفكاري الطاووسية الرومية وانتفخت واستشعرت أنني من أصحاب المقامات الرفيعة الرائعة الجميلة الممشوقة القد والقوام هي من قالت واعترفت

” مصفقا … وابتسامة واسعة فوق شفاهه ”

مؤكد ستحسدونني..الحجرة التي أفردوها لي في فندقهم الراقي الرائع..ليست حجرة بالمعني الدارج .. قطعة من الجنة.. تهت في أرجائها ومقتنياتها.. دعنا من كل ذلك.. فتحت الثلاجة بعد تردد … مملوءة بأشياء كثيرة حتى الزجاجات أشكالها غير معتادة بالنسبة لي.. ولكم أيضا تشجعت وسحبت زجاجة شكلها أثار إعجابي فتحتها وتعشمت أن أرطب حلقي بجرعة أو اثنين من مشروبها المتألق. وفي جرعتين متتاليتين بلا فاصل بينهما

اتقدت نيران في فمي وفي أحشائي..قفزات مثل الطير المذبوح.. لم تدم النيران … خفت حدتها … واسترجعت اسمي التائه من مجهول قائم وأنا أجلس في مقعد يشبه مجلس السلطان…فتحت التلفاز..فتيات إعلانات التلفاز ممن كان يثرن شبقي.. لم استشعر ناحيتهن بحنين كالماضي السبب … سأقول لن أخفي عنك شيئا فتيات المؤتمر يفوقهن جمالا.. إنهن بمقاييس واحدة وربما متفق عليها عالميا

” يصمت … يدق بيده على حاجز خشبي بجواره ”

هكذا سمعت طرقات على الباب ..تمنيت أن تكون إحداهن

” باكيا ”

لم يخب ظني …إنه من تعقبني أو من تعقبتني من قبل.. تأكدت بأنه ليس أنثى.. شاربه ظاهر رغم كلماته الأنثوية الناعمة الناغجة.. يلطخ وجهه بالأحمر والأخضر والأسود حول وفوق العينين.. حاول أن يدخل … لكني أبيت خفت … اهتزت ثقتي في ذاتي.. حاولت أن أثنيه عن عزمه بكلمات منسوجة بالرقة أبى … راح يكيل لي المديح

يتيه عجبا بملامح الرجولة التي تتفجر حتى من بين ثنايا كلماتي..أشكره وأحاول إبعاده.. لا يستجيب يعلن عن حاجته ويتقلد دور المرأة اللعوب..في كلماته اصرار.. لن يتراجع..هل أتوسل إليه؟ هل تشفع له توسلاتي ويتركني؟ زاد تشبثه هذا ما بدا لي..لا إراديا انفجرت..لعنت له جدوده وهو يضحك تارة ويبكي متوسلا تارة

” صوت قادم من القاعة ”

حرام عليك … جبر الخواطر على الله

” يضحك ويتحرك في أرجاء المكان … ورافعا يده ”

جبر الله خاطرك يا سيدي..حاولت أن أواسيه وأرفع عن رأسه الهم العالق..أتدرون ما حدث؟..ابن المجنونة هجم على مثل الثور الهائج..صحته توازي عدد من الأحصنة والبغال وربما الحمير..ماذا أفعل؟ على أن أتخلص منه … في متناول يدي قاعدة نحاسية لمصباح بجوار المخدع ..سحبتها وبكل ما آتاني الله من قوة ضربته فوق أم رأسه

” صامتا وتحركا وناظرا للأرض ”

أنظر للأرض وهذا الإنسان الجاثم فوق الأرض بلا حراك ..هل مات ؟ ماذا أفعل ؟ جثته تنزف وأنا مشلول الفكر

ليس أمامي سوى الهرب

  

المشهد الثالث

—————

جالسا علي المقعد الوحيد في الحجرة ومسندا رأسه على حافة المقعد الثاني المكسور ، يبدو وكأنه سابح في النوم على هذه الطريقة ، يرفع رأسه ببطء شديد ،  يؤدي حركة ويهز رأسه بقوة

أستغفر الله العظيم..علي أن أسترجع حكاياتهم الممطوطة والمنسوجة بحاجاتي وحاجات أمثالي.. يوم أحاول الحديث.. وأن ما أفعله ليس..لا أستطيع أن أقول كلمة حرام .. حياء مني لأصحاب الفضل..يطالبونني بالصمت وأنا لا أهتم بحديث الجهلاء والرعاع…يهددون من يتطاول أو يحاول أن يقلل من شأني..سيحرم من جنتهم ومعونتهم.. ممنوع من يرفع يده أو حتى صوته فأنا لى وضع خاص..والكل مجبر أن يقر بحقي..فليس عيبا أن أجهر بفعل المنكر.. بالنسبة لهم ليس بمنكر في وضح الشمس تحت مسمى الحرية.. صاغوا قانون الحرية بما يغضب السوي من البشر بما يتنافي وشرع الله .. يستحدثون لي الملابس ويقدمون لي القروض من مال..

سأظهر في التلفاز وعلى أن أقص تجربتي الخاصة .. أنا لا أهتم بما يتفوه به الشرع أو الدين ..همسوا في أذني بأن تلك دعوة للتخلف..ما أعرفه أن كل الأديان تحرم تلك الأفعال الدنسة النجسة..قالوا أن فعل النجاسة هو أن نحبس مشاعرنا.. من هم ؟ تحت راية أي دين هم يسعون..كان على الهروب ترددت .. ماذا سيقولون علي ؟

هارب من خير قادم..حمار يرفس النعمة بقدميه.. أنا حمار !!!!هل حقا تلك النعمة ؟ !!!! حقا ما تفوهوا به … طالبوني أن أتخفف من أحمال عادات وتقاليد بالية… لن تغرق ستطفو فوق سطح الحياة ..أشياء غريبة مربكة تتخلل رأسي …تختلط الأقوال كما الأفعال وغريق يبحث عن قشة.. أنا لا أعرف أين الحقيقة ؟

” في كلمات متقطعة ساخرة ”

أنا تائه بين الكلمات … حتى من حقائق العلم المدسوسة.. فيكتب أحدهم بأن صوت الضفادع سيمفونية تعزف

فيرد الآخر ضاحكا قائلا..يا سيدي أن الضفادع تئن..وفي العلم يقول..الخط المستقيم أقصر مسافة بين نقطتين

ويأتي الآخر… هل توجد خطوط مستقيمة في الفضاء ؟ وكل منهم يضرب أمثلته والعقل يرضخ للبرهان وعليه الاستدال

” مشيرا إليهم ”

لا تهتموا لأمري.. اهتموا بما تبقى.. فالكلاب التي تنبح كثيرا لا تعض … ربما بلا أنياب …

” هامسا ”

اعتبروا حديثي سرا.. وأنا أعلم أن السر إذا جاوز الاثنين شاع

” صوت قوي قادم من جهة ما “

أنت جبان متخاذل وتطالبنا بثورة

” يدور حول نفسه والخوف يركب ملامح وجهه ”

أنا ياسيدي بعيد كل البعد عن الثورة أو أفكار الثورة..أنا ربما محسوب في عرف البشر من حولي قاتل..أنا هارب ومتخفي.. أنا أبحث عن مآوى في بلدي..إلى من ألجأ ؟ هل تذكرون يوم هربت ماذا حدث لي ؟ بمجرد أن تنسمت هواء الحرية خارج فندقهم السابح في البهجة..ألقيت بجسدي أما أول سيارة صادفتني..لا أنكر منكم أنا متعمد تلك الحركة..الرجل وقور وفي سن يقترب من الخمسين ويزيد..أخذ بيدي وساعدني وجلست في المقعد المجاور له..لا إراديا هبطت دموعي..أمتدت يده بزجاجة ماء..رشفت بعضا منها لأسترد أنفاسي..أنا في حاجة أن أقص لإنسان مأساتي أشركه في أمري..أنا غريق يلتمس النجاة في قشة كما يقولون..هل يسمعني ؟ أم يلقي بي من سيارته في أقرب طريق ؟ لم يسألني احترم مشاعري.. طرح سؤاله : إلى أين طريقك يا ولدي ؟ لا إراديا أجبته.. لا أدري.. الرجل ظن بي سكر … له الحق فأنا خارج من فندق ذو نجوم سبع.. أنظر إليه ابتسامته تشع في نفسي آملا..هل تنقشع سحابات الخوف والقلق من جهي ؟ عاد سؤاله

” متباكيا ”

يا سيدي أنا هارب..الغريب ابتسامته لم تفارق محياه وكان رده.. كلنا يا ولدي نحاول الهروب.. كلماته تثلج صدري فأفيض بالقول وأقص عليه كل ما كان من أمري.. وأسأله.. هل ما فعلت جرم يا مولاي ؟ ابتسامته لا أنساها ما حييت.. قال :

” بصوت يحاول أن يكون رزينا وقويا “

يا ولدي اللواط أو المثلية الجنسية جرم وفاحشة وخطيئة.. والرجم عقوبة من يفعل ذلك.. وقال: ” لا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة إنه رجس ” ..أنا جاهل وبسرعة قلت … صدق الله العظيم.. ضحك وردني الرجل وهو يقول

بأن هذا من الكتاب المقدس سفر اللاوين وليس من القرآن.. سألته عن ملته ودينه.. ابتسم كالمعتاد منه وسحب من تحت قميصه صليب فضي يزين رقبته.. ترتعش أوصالي … أنا لا أهتم أن يكون ما قاله من الإنجيل أو من القرآن.. أنا في تلك اللحظة قاتل ومطلوب للعدالة.. لكنه لا يصمت … كلماته تحاول أن تبعث السكينة والطمأنينة في نفسي.. بل أشعر أنه يرفع من قدري فيما أقدمت عليه.. يقول.. العهد القديم يطالعنا.. أن هلاك مدينتي سدوم وعاموره بسبب خطاياهم.. خطاياهم كانت في سلوكهم الجنسي الفاحش وشذوذهم.. فدمرها الله وحرقها … يومها أمطرت السماء عليهم نارا وكبريتا.. وكأنه يسألني أنت تعرف أن العهد القديم يعني التوارة … اليهودية.. وفي القرآن يا ولدي ” ولوطا إذا قال لقومه أتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ” وبسرعة رددت : صدق الله العظيم.. وحد اللواط يا ولدي هو حد الزني.. كل أجزاء جسدي تتوقف عن الرعشة ويسكنني هدوء من جراء الكلمات.. أنا لم أفعل منكر.. لكن قاتل.. تعاودني هزة أوصالي..أحاول أن أجاريه في حديث فأردد ما تعلمناه في صغرنا.. أن هذا الفعل من الكبائر التي يهتز لها عرش الرحمن.. يوافقني في الكلمة والرأي

تهاجمني الكلمات… حرية!!! أم فساد أخلاق!!! سعي دؤوب لماذ ؟ ثورة على من ولصالح من؟ لا تستغرب يا ولدي ما يحدث حولك.. لقد وجد أمثالهم من يدافع عنهم.. إنهم يصرخون ويتحدثون عن المعاناة التي يلاقونها من قبل المجتمع.. يصفون البشر من حولهم بأصحاب الفكر المتخلف.. أن السلطات تجرم تلك الحرية.. ما يلبث ثم يضحك.. يا ولدي الطفل بحاجة إلى أم وأب

  

تمـــــــــــــت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت