حسن المنيعي… حضور أقوى من الغياب / خالد أمين

إن المتأمل في كتابات حسن المنيعي النقدية على امتداد ستة عقود من العطاء المثمر والمؤثر في ثقافتنا المسرحية العربية المعاصرة سيلاحظ أن الرجل ناقد موسوعي بحق وعلم من أعلام البحث الأكاديمي الرصين[1].ورغم كون أثر المنيعي واسع الانتشار في المجال المسرحي، إلا أن مساهماته في النقد التشكيلي والروائي والشعري تعد أيضا كتابات تأسيسية بالنسبة إلى المتخصصين.

“من هو الناقد المسرحي الحقيقي؟”… هكذا يبدأ حسن المنيعي سفره الماتع ضمن كتاب “النقد المسرحي العربي”. إنه سؤال جوهري يهدف إلى استشكال ماهية النقد المسرحي من حيث هو لغة واصفة للإبداع المسرحي نصا وعرضا، بنفس الدرجة التي يسائل فيها آلياته وبنياته من داخل الممارسة النقدية. فالناقد المسرحي الحقيقي، حسب المنيعي، “هو الذي يستطيع إدراك آليات اشتغال العمل المسرحي وتحديد أصولها ومستجداتها اعتمادا على ثقافته الشخصية”. بهذا المعنى يكون النقد المسرحي عند المنيعي متفاعلا مع الجسد المسرحي؛ ولكن أيضا “لا يجب على المسرح أن يمتص الفعل النقدي. وإنما يلزمه أن يعمل على إدراجه في الفعل المسرحي”.[2] هنا، يحدد المنيعي مجال النقد المسرحي بوصفه أفقا للتفكير ينحت مقولاته انطلاقا من تفكيك آليات اشتغال الإبداع المسرحي بالاستناد إلى الموقع الذي يتحدث منه الناقد المسرحي. في السياق ذاته، يمكننا إبراز الموقع الاستثنائي الذي يتحدث منه حسن المنيعي الناقد الريادي الذي واكب أهم منعطفات الممارسة المسرحية المغربية عن قرب، وذلك منذ فجر الاستقلال إلى نونبر 2020.  كما راكم رصيدا استثنائيا من مشاهدة العروض المسرحية حيث استحق عن جدارة لقب ‘المشاهد الأول للمسرح بالمغرب’؛ وتابع عن قرب آثار أحداث 1968 بباريس (حيث كان يدرس بالسربون) على مسارات الإبداع والنقد بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، فكان خير سفير لتناسج ثقافات الفرجة المتوسطية…

إن حفريات حسن المنيعي في المنجز المسرحي الغربي (ممارسة وتنظيرا) قد مكنته من إمعان النظر في أهم منعطفات هذا الإبدال المسرحي وحدود تشابكه واحتكاكه مع ممارستنا المسرحية العربية دون إسقاطات وأحكام جاهزة؛ وهذا يؤكد حنكة الرجل ورؤيته الشمولية والريادية[3]. كما واكب المنيعي المنعطف الفرجوي العربي مند أواخر ستينيات القرن الماضي. لقد شكلت فترة أواخر الستينيات وبداية السبعينيات منعطفا فرجويا في المسرح العربي على مستوى صناعة الفرجة من خلال الانفتاح على آليات اشتغال الفرجة التقليدية وتكييف تقنيات السامر الشعبي والحكواتي والحلقة والبساط  من حيث هي فرجات شعبية محايثة للفن المسرحي الطارئ الوافد علينا من الغرب. وقد اعتُبرت مسرحيات مثل “الفرافير” ليوسف إدريس بالمشرق العربي، و”ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب” للطيب الصديقي بالمغرب أس هذا المنعطف المؤسس لحساسيات جديدة أثرت في الماضي القريب على الجسد المسرحي العربي برمته ووجهته إلى آفاق المصالحة مع الوجدان الفرجوي العربي بشكل عام. فإذا كان المسرح العربي، عموما، قد عرف تطورا ملحوظا في بعض إنجازاته –يذكرنا المنيعي- “فإن ذلك يعود… إلى تعامل بعض صانعيه مع التراث، وإعادة صياغة أشكاله الفرجوية والثقافية، التي تنطوي على طرائف ومواقف إنسانية حياتية تخول لهم استثمار أفكارهم المعرفية والفنية انطلاقا من الماضي إلى الحاضر”[4].

بنفس قوة هذا المنعطف الفرجوي برز النقد المسرحي في المغرب والمشرق آنذاك في مستوى الحدث. فمن خلال الكتاب المؤسس لحقل ‘دراسات الفرجة’ بالمغرب لأستاذ الأجيال حسن المنيعي الموسوم بـ”أبحاث في المسرح المغربي” واكب النقد المسرحي المغربي ذلك المنعطف الفرجوي، بل أسس لنفسه منعطفا نقديا موازيا يجمع بين مقاربة الإبداع وتوجيه مساراته. وهذا أقصى ما يمكن أن يصل إليه النقد المسرحي، أي تجاوز سقف التحليل والشرح من أجل التفاعل الإيجابي والمرافقة البحثية للجسد المسرحي، والمساهمة في توجيهه نحو تحقيق المصالحة مع الوجدان الفرجوي. نعتبر، في هذا المقام، كتاب “أبحاث في المسرح المغربي” مشروعا نقديا حاملا لرؤية، متفاعلا مع نبض الجسد المسرحي المغربي، وقد أعقبته مجموعة من الكتابات النقدية التي استوعبت درس المنيعي وعبرت عن توهج مرحلة بأكملها من تاريخ النقد المسرحي المغربي. “وبما أن المسرح فن تلفظ مضاعف” ـ  كما يؤكد المنيعي ـ “ينطلق من الخشبة إلى القاعة، ويولد نصوصا أخرى، فإن النقد المسرحي قد أصبح متورطا في الحركة المسرحية المغربية. إلا أنه لن يظل كذلك إذا لم يتوقف بعض المسرحيين المزاجيين عن الإساءة إلى الباحثين الجامعيين من خلال حجرهم على حرية الكتابة عن أعمالهم من منظور علمي أو فني”[5]…..

يعد المنيعي أحد المثقفين العرب الموسوعيين الذين يمعنون النظر في الحدود الفاصلة/الواصلة بين الحداثات الغربية ونظيراتها العربية. لقد أدرك المنيعي في وقت مبكر بأن فشل الفن الطليعي في أوروبا وأمريكا إزاء صدمة أحداث ماي 1968 يوازي لحظة تاريخية مفصلية في مسرحنا الطليعي لما بعد نكسة 1967؛ إذ يصعب اختزال النزعة التمردية التي طالت مسارحنا في سبعينيات القرن الماضي في خانة التقليدانية الصرفة…. وهنا تحديدا تكمن أهمية موقع الناسج…معلوم أن الغرب قد أصبح المرجع الصامت لتاريخ المسرح، وذلك من خلال إضفاء الطابع الكوني على سرده وتاريخه المحليين… هكذا أصبح المسرح اليوناني هو الانطلاقة الفعلية لتاريخ المسرح عوض كونه مجرد إحدى البدايات الممكنة… هل يمكن تشكيل معالم نظرية مسرحية عربية بمعزل عن الاحتكاك ومواجهة ‘التاريخ المحلي الغربي’؟ فلنمعن النظر قليلا في ‘التفكير العابر للحدود’ بوصفه الإبستيمولوجيا الضرورية لمواجهة سلطة الحالة الاستعمارية (التي لا تزال قائمة بعد الاستقلال). باختصار، كتابات المنيعي نابعة من قناعة راسخة مفادها: لا يمكن لمسرحنا أن يتطور بمعزل عن الاحتكاك مع الآخر ومواجهة النموذج المحلي الغربي من خلال إبداع تفكير عابر للحدود. يدفعنا هذا النوع من التفكير/الممارسة العابر(ة) للحدود، سواء أعند الخطيبي أمْ وولتر مينيولو، إلى الإقامة على الحدود، وهي إقامة محفوفة بالمخاطر وكأنها رقص على حد السيف في المساحة الفاصلة/الواصلة… لذلك ينبغي على مسرحيينا ومنظرينا أن يخوضوا في استفزاز إبستيمولوجي يبرز موقعهم العابر للحدود بين ما هو ‘غربي’ وما هو ‘عربي’/أمازيغي…

  • شعرية الدراما المعاصرة

“دخل المسرح “عصرالشك” (كما فعلت الرواية) منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي. وهذا ما جعل فرجاته تتحول، وتقوم في الغالب على”تمسرح”الجسد والصورة، والسلوكات اليومية. وبما أن الفرجة هي”تمظهر حياتي”متسع الآفاق، فإن المسرح يعمل اليوم على توسيع مجال خطابه الجمالي عبراللجوء إلى جميع اللغات الفنية. وهذا يعني أن التجديد هو الذي يؤدي إلى خلق جوهرالفرجة المسرحية وذلك انطلاقا من أبسط فكرة مشهدية”.

(حسن المنيعي، “تحولات الخطاب المسرحي وفرجاته”)

نعيش الآن منعطفا فرجويا آخر في مجمل الوطن العربي، بما فيه المغرب. وأهم ما يميز هذا المنعطف الفرجوي هو بروز حساسيات مسرحية منفتحة على باقي فنون المدينة مع تعاقب الأجيال.. وهنا أيضا يبرز اسم حسن المنيعي بوصفه متابعا ومناصرا للجيل الجديد من المسرحيين ومتأملا في إشكالات الدراماتورجيات البديلة؛ إذ نجده يقول: “منـذ بدايـة السـبعينيات، عـرف المسـرح تحـولات كبـيرة كان أهمهـا انفتاحه عـلى الفنـون الأخـرى التـي جعلــت الخشــبة تعــج بأســاليب دراميـة جديـدة يظـل النـص المسرحي في بعضهـا عنـصرا ثانويـا، خصوصـا بالنسـبة للعـروض التـي تعتمـد مفهـوم «المسـرح الشـامل» الأرسطـي. وإذا كانـت هـذه التحـولات تعـد إسـهاماً للمخرجـين في المقـام الأول خصوصـا الذيــن يمارســون مسرحــاً احتفاليــاً لــه علاقــة مبــاشرة بالحيــاة اليوميــة، فــإن المنظــر الألمــاني «هانس-تيــز ليــمان» Hans -Thies- Lehmannقــد اهتـم بهـذه التحـولات، وعمـل علـى رصدهـا في نهايـة التسـعينيات 1999 وذلـك في كتابـه «مـسرح مـا بعـد الدرامـا Le théâtrePostdramatique  الـذي يمكـن اعتبـار مـا ورد فيـه شـعرية دراميـة حديثـة تطـرح بديـلا عـن «المـسرح الدرامـي» و«المسـرح الملحمـي”.[6]

هكذا، يمكن اعتبار المسرح من القلاع الثقافية الصامدة ضد الأنيميا – حتى لا نقول المحو-؛ إذ يتمتع بقابلية خلاقة للتأقلم مع ثقافة العصر وتقنياته واستيعابها في أفق تطويعها. هكذا عرفت الممارسة المسرحية في العقود الأخيرة تغييرات عميقة على مستوى بنيات إنتاجها بفضل تفاعل المسرحيين مع الفنون الأخرى المجاورة مثل ‘فن الأداء’ والأداءات الفنية المجاورة المتسمة بخاصية التفاعل مع الجمهور… بالإضافة إلى تأثيرات المنعطف الوسائطي، واستيعاب الثقافة الرقمية وتقنياتها الجديدة أثناء صناعة الفرجة إلى حد الإفراط أحيانا. فمنذ ستينيات القرن الماضي انجرفت الممارسة المسرحية مع التيارات الحداثية العارمة التي خلخلت أسس ونظريات المسرح الحديث. فلم تعد تستقر على حال. وبحلول العقد الأول من الألفية الثالثة أصبح المسرح مستوعبا أكثر فأكثر خبرات الفنون الأخرى، وفن الأداء بشكل خاص.

وبحكم تناسج الثقافات الفرجوية، أصبحت تغزو المسرح المغربي -مع الحساسيات الجديدة- ممارسات فرجوية تخطت بقوة الحدود الدرامية، وتوافقت على شكل مسرحي جديد؛ وهكذا اتجهت كل المساعي إلى العودة إلى إعادة مسرحة المسرح. ومع كل هذا تم سحب المتفرج إلى أقصى حدود طاقات الإدراك والفهم… رفقة حسن المنيعي دائما، نلاحظ إصرار الفرجة المسرحية الراهنة، كمثيلاتها على المستوى الدولي، على الابتعاد عن الدراما تدريجيا لصالح ممارسة مسرحية غير متجانسة ومتسمة بالتشذير تقيم القطيعة مع فكرة المسرح باعتباره تمثيلا لحضور ما. وفي مقابل هذا الإصرار، نلاحظ أيضا إصرار جزء من الجسد النقدي يقارب هذه الحساسيات الفرجوية الجديدة بأعين مصوغة بثوابت أرسطية، مما يسبب في كثير من سوء التفاهم. من هنا، يمكن اعتبار مقاربة حسن المنيعي القيمة ضمن كتاب “مسرح ما بعد الدراما” مبادرة محمودة للوصول إلى مصطلحات وتعبيرات لفظية جديدة تشير بوضوح إلى الخبرة المسرحية الراهنة والتي يصعب التعبير عنها باعتماد المفاهيم المعتادة… وإلا سنسقط حتما في اختزال علاقتنا بالجسد الفرجوي في مقولات أخلاقية من شأنها تضييق الخناق على حرية الإبداع… وهنا أيضا يلفت حسن المنيعي انتباهنا بأنه “على جمالية الفرجوي أن تسلك اتجاها مغايرا لشعرية “أرسطو” التي تقصي الفرجة من مجالها”[7].

إن اهتمامنا الحالي بشعريات ‘ما بعد الدراما’ يتماشى مع طرح المنيعي في كتاب “ويبقى الإبداع” وأيضا “شعرية الدراما المعاصرة” و”مقاربات مسرحية”؛ فهي مراجعة وتقويم للنموذج الهيجيلي المهيمن في المنظومة النقدية الغربية إلى حدود الستينيات، مع بيتر زوندي كنموذج. والمفهوم الهيجيلي لتطور المسرح، إلى حدود منتصف القرن العشرين في واقع الأمر، مقيد على المستوى المفاهيمي باعتباره مبنيا على التقاطب بين الدراما الأرسطية من جهة، والتوجه الملحمي من جهة ثانية. لا وجود لمسلك آخر غير الدرامي والملحمي في هذا التصور. لقد اعتبر هذا المنهج المسرح الملحمي البرشتي أهم انفلات عن التقاليد الدرامية التي هيمنت على الساحة المسرحية الغربية إلى حدود منتصف القرن العشرين، والحال أنه من وجهة نظر مسرح ما بعد الدراما، تعتبر ابتكارات برشت جزءا لا يتجزأ من التقليد الدرامي؛ لذلك نعتقد أن زوندي لم يتمكن من رؤية ومقاربة الحساسيات المسرحية الأخرى الخارجة عن بنية تقاطب المسرح الأرسطي في مقابل المسرح الملحمي[8]… وحينما نروم الحديث عن زوندي، فإننا نعني موجة أو منظومة نقدية سيطرت على النقد الغربي (سواء الفرنسي أو الإنجليزي) إلى حدود نهاية القرن العشرين.

يؤكد حسن المنيعي أنه لخلق “حداثة مسرحية” التجأ المسرح العربي إلى “توظيف أشكال تراثية تحاور الصيغ الأوربية”، هذا لأن “المسرح هو الفن الأسمى لتفاعل الثقافات فيما بينها عبر ترويج الإنتاجات العالمية، وخصوصا من خلال جسد الممثل الذي يلعب دورا هاما في العمل المسرحي إلى جانب المخرج الذي يتكفل بصناعة الفرجة”[9]. وهناك تضمين في آخر كتابين له مفاده أنه الآن بفعل المنعطف نحو الفرجة، وتناسج الثقافات الفرجوية كفن الأداء، والفرجة الخاصة بالموقع، أصبحت الحساسيات الجديدة تتطلب مقاربات مغايرة؛ فقد أصبح تمسرح النصوص الدرامية، الآن، المبدأ البنيوي الأساس. ومع ذلك، لم يفهم هذا التمسرح من حيث هو انعكاس المسرح كممارسة إبداعية، أو استعارة ممتدة للحياة الإنسانية، ولكن باعتباره وسيلة لدفع الجمهور إلى رؤية نفسه كذوات. بكل تأكيد أضحت هذه الممارسة حاضرة في المسرح العربي. “فمسرحية (انسوا هاملت) للمخرج العراقي الكبير “جواد الأسدي”، يذكرنا المنيعي، “تعد رائعة فنية تؤشر كما يقول صاحبها إلى (أن الاختلاف مع النص كتابة أو إخراجا يزيح النصوص عن أمكنتها وأزمنتها ليضعها في أزمنة وأمكنة تواكب التحولات والتغيرات المعرفية والسياسية)”[10] .

ويُعرف زوندي الدراما الحديثة بأنها محاولات لإعادة النشأة والانسلاخ من النموذج الأرسطي. فهي نتاج تاريخي انبعث منذ العهد الإليزابيثي بإنجلترا، وتشكل في فرنسا في القرن السابع عشر واستمر بعد ذلك في ألمانيا في الفترة الكلاسيكية الجديدة. إن مفهوم الدراما، هنا، يعكس تاريخا بأكمله من الأحداث الأدبية والتاريخية، كما يعبر عن الخطابات الجمالية والإبستيميات المهيمنة في تلك الفترات. فهو يصر على قدسية النص الدرامي بوصفه بنية غير قابلة للانتهاك، وعلى احترام وحدات الزمان والمكان والحدث، وهيمنة الحوار، وضرورة الحفاظ الدائم على الزمن الدرامي في الحاضر. ويؤكد زوندي أن هذا العالم المنغلق للدراما ـ الذي لا وجود فيه لأي إحالة خارج الحبكة الدرامية ـ أصبح يتداعى مع بروز معالم الحداثة الغربية… لأن دخول الخصائص الملحمية على الخط، أربك الدراماتورجيا الدرامية (البرجوازية آنذاك). هكذا سيعتبر تاريخ المسرح الحديث مفعما بالصراع بين متطلبات الدراما الخالصة من جهة، والمواضيع الحديثة التي أصبحت تتطلب معالجة ملحمية، من جهة أخرى.

لقد عد هذا الطرح المسرح الملحمي البريشتي أهم انفلات جمالي من التقاليد الدرامية التي هيمنت على الساحة المسرحية الغربية إلى حدود منتصف القرن العشرين. والحال أنه من وجهة نظر مسرح ما بعد الدراما، تعتبر ابتكارات بريشت جزءا لا يتجزأ من التقليد الدرامي رغم محاولاتها الحثيثة للانفلات منه… لذلك، نعتقد أن زوندي لم يتمكن من رؤية ومقاربة الحساسيات المسرحية الأخرى الخارجة عن بنية التقاطب التي تموضع المسرح الدرامي في مقابل المسرح الملحمي… وحينما نتحدث عن زوندي، فإننا نعني موجة أو منظومة نقدية سيطرت على النقد الغربي (سواء الأوروبي أو الأمريكي) إلى حدود نهاية القرن العشرين. فكتاب “مسرح ما بعد الدراما” هو في الحقيقة استيعاب وتجاوز في الوقت ذاته لمشروع زوندي أو بالأحرى تجاوز مبني على الاستيعاب. عكس بيتر زوندي ـ الذي عد الأشكال الفنية المتسمة بالتشظي تعبيرات فنية متأزمة ـ سيقترح ليمان توصيفا إيجابيا لها (لهذه التجارب الحداثية)، مصحوبا بقائمة مفاهيم من شأنها فك مجموعة من الشفرات المرتبطة بالعلامات المسرحية ما بعد درامية…

فمسرح ما بعد الدراما يتميز بخاصية أساسية، وهي عدم التركيز على النص الدرامي من حيث هو وسيط يوجه الحدث المسرحي. إنه فرجة مخطط لها ومفكر فيها بشكل تشاركي. كما أنه مسرح غير أدبي وتجريبي، وهذا جزء من أهدافه. لذا، فاستشراف التجريب من حيث الشكل والمضمون يهدف إلى خلخلة الطريقة التي نعيش ونصنع الفرجة المسرحية من خلالها. لكن هذا لا يعني إطلاقا أن المسرح قد تخلى عن النصوص، أو أن إمكانية كتابة النصوص الدرامية لم تعد متاحة، إنه يحيلنا إلى عدم تبعية العناصر الأخرى التي تشكل عملية الإخراج للنص الدرامي، وكل هذه الخاصيات متضمنة في التصنيف الدقيق الذي أورده حسن المنيعي في كتابه الرائع “ويبقى الإبداع”. كما أن مسرح ما بعد الدراما يقوض سلطة ‘النصوص الكبرى’، “إذ تحولت نصوص أدباء كبار أمثال سفوكل وشكسبير وغيرهما”، حسب المنيعي، “إلى نصوص فرجوية بعد أن تمت إعادة كتابتها وفق قناعات فنية أو تصورات إخراجية تخضع النصوص الأصلية لعملية اقتباس أو تقطيع أو إضافة مشاهد أخرى لكي يكتسي العمل المسرحي أبعاده في العصر الحاضر”[11]. وخلاصة القول في هذا المضمار هي أن الترسانة النقدية لحسن المنيعي تتجدد باستمرار، وهي بهذا الصنيع تنأى بنفسها عن الاستكانة لما هو جاهز.

بالنظر إلى مقاربة ليمان، يعد المسرح الملحمي جزءا من الأنموذج الدرامي رغم محاولته الانسلاخ من جلبابه. لذلك يمكن اعتبار ‘المسرح الجدلي’ استشرافا لأفق ‘ما بعد الدرامي’. وهو الأفق المختلف تماما عن البارادايم (الأنموذج) الذي يجمع الدرامي ونقيضه الملحمي. وهنا تكمن أهمية هاينر مولير، إذ تعد دراماتورجيا مولير الجدلية (أو الما بعد درامية حسب تصنيف ليمان) – إضافة إلى فهم مولير العميق لبريشت، وانزياحه عن الممارسة المسرحية البريشتية لاحقا- تطورا فريدا من داخل جبة المسرح الملحمي؛ إذ يخول له أن يكون الرجل الذي يكمل مشروع أستاذه مع الالتزام بجماع تحفظات اتجاهه. وتشكل المسافة التي يقيمها مولير بينه وبين بريشت شرطا لوجود دينامية لتطور المسرح الملحمي (في المستوى النظري والتطبيقي). وهذه المسافة الجلية، وهي المسافة ذاتها بين المسرح الملحمي وآخره. يجليها الجواب الجذري الذي يقدمه مولير عن نص بريشت “الإجراءات المتخذة”، كما تفصح عنه مسرحيته التعليمية “ماوزر Mauser“.

“مـن هنـا، كان المسرح الملحمي -كما أكد عـى ذلك المنظر الألمانيبير زونـدي -Peter Szondiمصـدر أزمـة بالنسـبة إلى الدرامـا التقليديـةمنـذ سـنة .1880في هـذا الصـدد، قـدم في كتابه الشـهير «نظرية الدراماالحديثـة» الإطار الجدلي الـذي يتمفصـل المسرح في نطاقـه باعتباره أزمـةللدراما التـي تحقــق، مــع ذلـك، اسـتمرارها إلى جانـب أشـكال مسرحيةذات بنيـة ملحمية. وقـد حرص، في هـذا الجانـب، على تحليـل مختلـفأشكال الأدب الدرامي الحديـث انطلاقـا مـن فرضيـة تميـز بـين الشـكلالدرامي والمضمـون الملحمي (الـذي يحـدد باعتباره خاصيـة مشتـركة بـينالملحمـة، والمحـكي والروايـة”[12].

ولعل أبرز خلاصات المنيعي التركيبية بخصوص إبدال ما بعد الدراما يمكن إجمالها فيما يلي: “لكن ما يميز هذا المسرح هو تحطيم العلاقة بين الممثل والشخصية الدرامية، حيث صارت الخشبة المعاصرة تفيض بتراكب الهويات، ونقل الدور من ممثل لآخر، أو تعبئة مجموعة من المؤدين لتأدية نفس الدور، أو لتنويع عنصر الحضور فوق الخشبة (الممثلون وبدائلهم الإلكترونية) إضافة إلى المعالجة الجوقية للأصوات. وقد نتج عن ذلك غياب الميثاق التخيلي، لأن الحدث المشهدي لم يعد يتبنين عبر محكيات الشخوص أو في فضاء الزمن والمكان، وإنما من خلال سلسلة من الأصوات المنغلقة على نفسها”[13]. هكذا يمكن إجمال موقف المنيعي من مسرح ما بعد الدراما في الخلاصة التالية: “إن مسرح ما بعد الدراما هو في الأساس مشرح تشذري يمزج بين أساليب متعددة، ويخترق الأجناس الفنية إضافة إلى أنه يفتح الطريق أمام الأدائية، وكذا أمام ممارسة مسرح جديد. كما أنه يسعى إلى أن يكون مسرحا ملموسا يتجلى باعتباره فنا في الفضاء، والزمن وبأجساد بشرية”[14].وفي هذا السياق، يذكرنا سرزاك بأن “الموضوع الرابسودي يتميز عن الموضوع الملحمي من حيث كونه موضوعا منشطرا clivé: أي لأنه في الوقت نفسه درامي وملحمي، وشخصية مشاركة في الحدث وشاهدة عليه”[15].

  • المسرح والهجرة

“إن المسرح العربي في المهجر هو رافد ثقافي وحضاري يجب علينا متابعة وتوثيق مراحله وإنتاجيته في كل بلد لجأ إليه الإنسان العربي أو ولد وترعرع فيه، أو استوطنه تحت وطأة المنفى”.

(حسن المنيعي، مقاربات مسرحية، ص. 110)

من آخر انشغالات المنيعي النقدية العودة إلى موضوع أثير هو ‘المسرح العربي في المهجر’، رغم صعوبة تناول مجمل التجارب التي “تتأرجح بين الحضور والغياب”[16] ؛ إذ نجده يقول: “في بداية السبعينيات، ظهر مسرح المهاجرين المغاربيين الذين قدموا إلى فرنسا خلال الستينيات للعمل في مصانعها. وقد نشأ في حضن الاحتجاج، أي بعد الحراك الاجتماعي/الثقافي الذي عرفته ثورة مايو 1968، وما تمخض عن ذلك من احتلال لأماكن العمل من لدن الطبقة الشغيلة… وقد تجسد حضور هذا المسرح عبر تأسيس عدة فرق هاوية تجاوز عددها الثلاثين..”[17]. ويتميز مسرح ما بعد الهجرة بتنوع المنجز وتعدد الفاعلين فيه، إذ يمكن تصنيف مسرحيي المهجر إلى صنفين: من غادر البلاد في سياقات مختلفة بعدما درس في الوطن وناضل داخله ليجد نفسه في النهاية موزعا بين المنافي، ومن ولد وترعرع في الضفة الشمالية.

منذ تجربة الاستعمار، أصبحت الهجرة ظاهرة عالمية. ورغم أنها محملة بالصدمة والحزن الذي تعاني منه مجتمعات المهاجرين الوافدة، إلا أنها أتاحت للمهاجرين الشعور بالانتماء إلى وطنين، فاجترحوا بذلك طريقا “بينيا”، وهو ما يستوجب مراجعة الهوية الوطنية. فالمهاجر نموذجٌ لتمازج الهويّات للوصول إلى هويّة مهجّنة، لا تعترف بالحدود الضيّقة التي تفصل بين البشر على أساس من العرق، أو اللون، أو الدين، أو الثقافة، أو الأيديولوجيا. إن الهجرة تسهم في تقليص الاختلافات بين الهويات المتباينة والثقافات المختلفة بغية الوصول إلى بؤرة التقاء كوني.لقد هاجر الجيل الأول من المسرحيين العرب إلى الغرب حاملا مسرحه، وهو الأمر الذي مكن من تحقيق تداخل ثقافي بين أساليب فرجوية تنتمي إلى الوطن الأم وبلد المهجر؛ إذ تفاعلت الخصوصية الثقافية مع الثقافات الفنية الأخرى، وبذلك أسس هذا الجيل شراكة إبداعية بين الثقافات، وبلور علاقة الذات بالآخر من خلال الجسد المسرحي. وهنا لم تعد الهوية رهينة موروث ثقافي جامد وثابت، بل حصيلة سيرورة وانبناء دون فقدان السمات المميزة للثقافة الخاصة. ومع تعاقب الأجيال في المنافي، ظهر جيل جديد من الفنانين من خلفيات ما بعد الهجرة في مجال المسرح وفنون الأداء الذي ينتج فنا عابرا للحدود ويعيش في فضاء “بيني”: منطقة اتصال يصبح التبعثر فيها تجمعًا. فمسارح أبناء وأحفاد المهاجرين هي انعكاس لهويات هاربة تروم تأزيم مفاهيم من قبيل: الوطن الأم، اللغة الأم، الثقافة الأم… إذ يقوم فنّانو المهجر بإعادة كتابة جدلية “نحن” و”هم”. وقد أصبح هؤلاء الفنانون (أمثال سيدي العربي الشرقاوي، كريم تروسي، إيميلي جاسر، يونس عتبان…) ليس فقط أكثر تأثيرا في البنى الثقافية لدول المهجر كفرنسا وبلجيكا وهولندا وألمانيا وأمريكا، بل أيضا أكثر حضورا في مهرجانات وملتقيات المدن الكبرى مثل: باريس، وبروكسل، وأمستردام، وبرلين ما بعد الجدار…

لقد اهتم المنيعي ـــ إذن ـــ بجيل ما بعد الهجرة الذي نشأ وترعرع بالغرب، وأضحى علامة فارقة في الممارسات الفنية الغربية، وتمكن من نحث مكانة خاصة له، بفضل تصميمه وعزمه وكتابة اختلافه وليس بسبب الراحة التي لقيها في الغرب وهوامشه. فإذا كان في الثقافة الغربية سطوة توهم بعزلها عن كل ثقافة مغايرة لها، فإن الجيل المسرحي المندرج ضمن “ما بعد الهجرة” تحرر من “العزل الثقافي” ونظر إلى ثقافته الأولية من خارجها، انطلاقا من تمتعه بمنظور مزدوج، فهو يعاين ما أمامه من منظور ما خلفه ووراءه؛ إذ يتموقع بين بوابتين: بوابة الشرق التي لم توصد بشكل نهائي، وبوابة الغرب غير المفتوحة كليا. فكل خبرة أو موقف في الغرب يستمد معناه من نظير له في البلد الأم المتخيل Imaginary homeland. ومن تحاور هذا بتلك، يمتلكون رؤية أقرب إلى العالمية، لا تتحجر في أصولية مقيتة أو عنصرية قاتلة. لقد أصبح حضور هذا الجيل من الفنانين قويا في المسارح الأوروبية والأنجلو-أمريكية الآن؛ كما أنه يساهم بالملموس وبشكل فعلي في تغيير معالم الثقافات الفرجوية/الأدائية الغربية للغد.

يتعامل جيل ما بعد الهجرة مع الثقافة في بعدها الإنساني، خارج الحدود الضيقة التي تفرضها القومية أو الوطنية أو العرقية… فقد أكسبت الهجرة هولاء الفنانين “تعويضا شخصيا”، تمثل في الهامشية المثمرة، التي يتمتع بها من تؤدي به الأوضاع إلى الإقامة بمنطقة حدودية، عند تخوم الغرب والشرق حيث يمكنهم من هناك التأمل في ثقافتهم، في ضوء الثقافات الأخرى، وفي لغتهم في ضوء اللغات الأخرى.والحقيقة أن الكتابات المهاجرة حاولت خلخلت ثقافة المركز، عبر محاولتها نزع صفة النقاء الثقافي الذي فرضته الهيمنة الاستعمارية، فحدث تقاطع بين تصورين أو ثقافتين. وكل ذلك أدى إلى ميلاد فضاء تتعايش فيه ثقافة المركز وثقافة المهاجر. وليس الهدف هو إقصاء ثقافة المركز لتحل محلها الذاكرة التاريخية المهمشة، بل تفكيك تلك المركزية وإضافة ثقافة الذاكرة التاريخية المهمشة. ومن ثم النظر إلى المساحة الهجينة على أنها فضاء ثالث صالح لسكنى العالم. ففي “ظروف ما بعد الهجرة”، لم يعد الفنانون “الأصلانيون” يجترون الفن التقليدي  بوصفه مرآة عاكسة لثقافتهم المحلية، إذ  لم ينهجوا استرتيجية فرانز فانون التي قوامها التخلي عن اللعبة الأوروبية، بل راموا إنتاج مسرح بديل، يسعى إلى الإفلات من “الاختلافات الوحشية”، ويعمل عبر الحدود بين مختلف المعارف والممارسات الفنية التي تنتمي إلى الذات وغيرها.

  • خلاصة أولية

“أحيي المركز الدولي لدراسات الفرجة الذي كان سباقا إلى الاهتمام بهذا الموضوع من خلال دراسة تمظهراته وأبعاده الفكرية والفنية، وذلك على مدى ندوتين دوليتين نظمت الأولى سنة 2017؛ وكان موضوعها ‘الأشكال المسرحية المهاجرة’، والثانية سنة 2018 تحت عنوان ‘عبر الحدود: المسرح وقضايا الهجرة’ وأملنا أن يزداد الاهتمام بهذا الموضوع، وأن يساهم هذا المدخل المتواضع في إنارة الطريق أمام الباحثين.” (ح. المنيعي، مقاربات مسرحية، ص. 110)

انطلاقا من هذا البوح الصادق المدون في آخر كتاب لحسن المنيعي تحت عنوان “مقاربات مسرحية: قراءة في المسرح الغربي الجديد… ومسرح الهجرة العربي”، بالإضافة إلى اختيار فقيدنا لنشر آخر كتاباته ضمن منشورات المركز يتبين بالملموس مدى تفاعل المنيعي مع نقاشات وندوات ‘طنجة المشهدية’ المعروفة بالجدية والجودة والمهنية والبعيدة كل البعد عن البهرجة…  كما يتبين من هذا الاستعراض الموجز لبعض الانشغالات النقدية لحسن المنيعي قبيل وفاته 13 نونبر 2020من خلال آخر إصداراته ضمن منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة أنه بحق ناقد موسوعي ومجدد ومتابع لآخر مستجدات الساحة الفنية.

أيها الرجل الكبير لقد رحلت عنّا رحلة النهاية وكلنا بعدك راحلون، ومضيت ونحن لا شك على نفس الخطى ماضون، خلّفت وراءك من يشهد لك بأنك – كما كنت – على الصدق والمحبة، وعليهما مت. ففقدك عظيم غير أن الأثر الذي خلفته جليل. فنم هانئا أيها الأب الكريم والرفيق العزيز، فحضورك أقوى من الغياب… لقد كنت أبا للجميع في حياتك… وستظل كذلك…

 

الهوامش

[1] يمكن حصر كتب المنيعي الفردية والتي يبلغ عددها أربعة وعشرين كتابا كالتالي: أبحاث في المسرح المغربي (1974)- تراجيديا كنموذج (1975)- آفاق مغربية (1981)- نفحات عن الأدب والفن (1981)- هنا المسرح العربي… هنا بعض تجلياته (1990)- المسرح والارتجال (1992)- المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة (1994)- المسرح والسيمولوجيا (1995)- دراسات في النقد الحديث (1996)- الجسد في المسرح (1996)- قراءة في الرواية (1996)- عن الفن التشكيلي (1998)- المسرح مرة أخرى (1999) – عن النقد العربي الحديث  ومقالات أخرى(2000)- أبحاث في المسرح المغربي (الطبعة الثانية)- المسرح المغربي من التأسيس إلى صناعة الفرجة (2002)- المسرح فن خالد (2003)-  قراءة في مسارات المسرح المغربي (2003)- ويبقى الإبداع (2008)- المسرح الحديث إشراقات وخيارات (2009)-  النقد المسرحي العربي إطلالة على بدايته وتطوره (2012)- حركية الفرجة في المسرح الواقع والتطلعات (2014) – عن المسرح المغربي المسار والهوية (2015) – شعرية الدراما المعاصرة (2017) – مقاربات مسرحية (2019)... كما لحسن المنيعي  إصدارين مشتركين: المسرح ورهاناته (2012) بالاشتراك مع خالد أمين –مسرح ما بعد الدراما: أربع مقاربات (2014) بالاشتراك مع كريستل فايلر وخالد أمين ومحمد سيف… كما لحسن المنيعي عدد لا يحصى من المساهمات في الكتبالجماعية والمجلات الدولية والعربية والمغربية … بالإضافة إلى كتب جماعية تحتفي بتجربته من بينها: الفرجة والتنوع الثقافي  (2008) – حسن المنيعي ومسارات النقد المسرحي المغربي والعربي (2011)…

[2]المنيعي، النقدالمسرحيالعربي،ص. 7 – 8.

[3]انظر دراستنا الموسومة “حسن المنيعي الريادة والتفرد”، ضمن كتابنا “المسرح والهويات الهاربة”، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، 2019.

[4]حسن المنيعي، ويبقى الإبداع (طنجة: منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، 2008)، ص. 20.

[5]حسن المنيعي، ويبقى الإبداع، 26.

[6]حسن المنيعي، شعرية الدراما المعاصرة، (طنجة: منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة،2017) ، ص. 14.

[7]حسن المنيعي، المسرح الحديث (طنجة: منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، 2009)، ص. 23.

[8]يعرض مسرح بريشت الملحمي الحياة الاجتماعية والإنسانية بطريقة شبه موضوعية، وإن كان عرض الإنسان بموضوعية مطلقة غير ممكن. فموقفه، باعتباره كاتبا مسرحيا، يعلل بميولاته الاجتماعية والسياسية ورغبته في الكشف عن التشيؤ الموجود في صلب المجتمع الرأسمالي، من خلال محاولته فضح أي تنكر أو تضليل تلجأ إليهما الأنساق الرأسمالية. لقد تمظهرت هذه الرغبة من خلال ابتداع برشت لمسرح جديد، كان قد أطلق عليه مفهوم المسرح “الملحمي” الذي طوره لاحقا إلى “المسرح الجدلي”. قام مسرح بريشت الثوري على أساس تصور التغريب، أو الأثر التغريبي، وهو التصور الذي يلتقي كثيرا بمفهوم الاستلاب Entfremdungكما وظف من لدن هيجل وماركس، لكن الأثر التغريبي انتقل إلى ما هو جمالي، من لدن برشت لدحر خطر الاستلاب في العلاقات الإنسانية داخل المجتمع المشيأ. تشكل طرائق التغريب، في الغالب دحرا ثوريا للسلبية التي يتم بواسطتها توجيه المتفرج بطريقة ماكرة إلى استهلاك الوهم المخدر.

[9]المرجع نفسه، ص ص. 94- 95.

[10]المرجع نفسه، ص. 77.

[11]المرجع نفسه، ص. 76.

[12]حسن المنيعي، شعرية الدراما المعاصرة(طنجة: منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة،2017)، ص. 10.

[13]حسن المنيعي، مقاربات مسرحية (طنجة: منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة، 2019)، ص. 29.

[14]حسن المنيعي، مقاربات مسرحية، ص. 25-26.

[15]جان بيير سرزاك، “تقاسم الأصوات”، ترجمة حسن المنيعي، ضمن “شعرية الدراما المعاصرة ” (2017)، ص. 54.

[16]المنيعي، مقاربات مسرحية (قراءة في المسرح الغربي الجديد… ومسرح الهجرة العربي)، ص. 81.

[17]حسن المنيعي، مقاربات مسرحية، ص. 83-84.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت