بمصر: “فريدا”.. لحن مكسيكي بأنامل مصرية / علاء الجابر
في كل يوم تثبت مصر أنها مازالت قادرة على تقديم عناصر موهوبة مبدعة تثري الساحة الفنية المصرية والعربية بالفن والمتعة، وهذا ما لمسته في عرض ( فريدا ) للمصممة والمخرجة المبدعة سالي أحمد، والذي قدم من خلال فرقة الرقص المسرحي الحديث.
ليس بالضرورة أن ترسم بالفرشاة حتى تشكل لوحة، هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقضي تلك الدقائق أمام ذلك العرض، فالأجساد يمكنها أن تشكل لوحات زاهية، مدثرة بالألوان، حين يكون المبدع من طراز المخرجة سالي أحمد، ويكون العرض باسم واحدة من أشهر رسامي العالم، الرسامة المكسيكية (فريدا) .
أسعدني الحظ والوقت أن أحضر مؤخراً هذا العرض على مسرح الجمهورية، الذي احتفى بهذا الجو البهي من الألوان والأداء الغني.
منذ الوهلة الأولى تشعر أنك محاط بغابة زاهية الألوان، سواء ما يتعلق بالخلفيات التي احتضنت الخشبة، أو اللوحات الجميلة لتلك الرسامة التي تتناوب الظهور على شاشة العرض في الخلفية والجوانب، أو الأزياء التي غمرتني بالحيوية والنشاط ، وعبرت بي بشكل ذكي الى عالم ( فريدا ) الغني بألوانه وبيئته الخاصة.
بدءاً من مشهد ( فريدا ) على سرير العجز، تفرد المخرجة خريطة العرض مؤكدة على علو كعبها في الجمع بين الدراما والباليه المعاصر، يساعدها على أداء مهمتها بسهولة كل تلك العناصر الشابة النابضة بالخفة والمرونة والرشاقة والتي نفذت الأداءات المختلفة، حسب ضرورة الفعل الدرامي، وتكنيك الرقص، وأحسنت المخرجة التعامل مع الجانب الدرامي بذكاء حين شطرت شخصية ( فريدا) إلى مجموعة من الشخصيات، مما ساهم في تكثيف الأداء وتنوعه وتوزيع الجهد على أكثر من فتاة لتقديم شخصية (فريدا) في كافة حالاتها، صحيح أنه من الواضح أن هناك تفاوتا وبخاصة في التعبير الدرامي بين الشخصيات بين مؤدية وأخرى، مع تنافس عال في الأداء الحركي، وهذا مؤكد من قبل فتيات تعلمن الباليه كأساس، وجاءت الدراما لاحقة. ومن هنا كان الإداء في الغالب، اجتهاد من كل واحدة منهن إضافة لتعليمات المخرجة بالطبع.
التجانس كان واضحا بين الموسيقى (التي كانت في أغلبها من البيئة المكسيكية) والديكور المبهر الثري بألوانه وتنوعه للمبدع (محمد عبد الرازق) الذي بث في نفوس الحضور حالة من السحر والمتعة، والشجن أحيانا – حسب حالة المشهد – وبين الراقصين الذين كانوا يقدمون حركاتهم الرشيقة بمتعة وسعادة، وتناسق فريد ومهارات تعتمد على سرعة الحركة وجاذبية الجسد.
ورغم أن الأزياء الرائعة ذات الألوان الممتلئة بالحيوية التي صممتها (هالة محمود) كانت تحمل العديد من الطيات وثقل الحجم – كما يبدو – على عرض راقص، إلا أن خفة حركة الفتيات- بشكل خاص – والشباب، كانت قادرة على إيصال الإحساس بأن كل تلك القطع لن تعيق حركتهم، بل ساهمت في تجسيد المشاهد بشكل متقن، وعملت على اسكتمال اللوحة التشكيلية التي رسمتها المخرجة ومهندس الديكور بكل تناغم.
كما ساهم الغناء الحي للفنانة (ريم أحمد) بمصاحبة آلة العود للموسيقي (محمد أبو زيد)، وغناء (سارة بايزيد) بمصاحبة العزف الجميل لآلة الكاخون ذات الإيقاع الامريكجنوبي المتفرد للعازف (وليد عبد الله) في جعل المتلقي يشعر بالاقتراب من أجواء تلك البيئة التي عاشتها (فريدا) بكل مأساويتها وحيواتها المتقلبة.
ولعل أداء جميع المشاهد بالأقدام الحافية – على ما أعتبره بعض حضور العرض لا يتسق وفن بالباليه – اختيار سليم تماماً من المخرجة التي تؤكد على أن الباليه المعاصر يختلف عن الباليه الكلاسيكي، وهذا ما جسده وابتكره (ويليام فورست) أحد المبدعين والمعلمين الأوائل في عالم الرقص المعاصر.
بقي لدي ملاحظة تتعلق بعنصر أرى أنه كان زائدا ولا داع له في عرض وصل لنا بكل تفاصيله الدقيقة من خلال الأداء والصور والتعبير الجسدي، والمتمثل بتلك الجمل الحوارية التي أرى عدم الحاجة اليها حيث تناثرت خلال العرض و فسرت المفسر، وعملت أحيانا على خلق فاصل بين حاستي البصر والسمع، وأعتقد أن إلغائها سيمنح العرض فضاء متخيلا أكبر مما هو عليه، سيما وأن تفاصيل العمل كانت واضحة تماما بهذا الأداء الصامت في صوتياته ، الناطق في تعبيرات أجساد ممثليه، في ظل السينوغرافيا المتكاملة والمنسجمة مع عناصر العرض.
كما أني أرى – من وجهة نظري الخاصة – أن فيديو ولوحات الورد الطبيعي التي ظهرت على الشاشة في المشاهد الأخيرة ، لم تكن متجانسة مع المشهدية الكاملة التي اعتمدت بشكل كامل على لوحات فريدا الاصلية، وعالمها، وكان يمكن الاستعاضة عن تلك الورود بموتيفات مجتزئة من نفس أعمال فريدا، حتى يحدث التطابق الكامل مع روح العرض.
عرض (فريدا) الذي قدمته فرقة الرقص المسرحي الحديث – والذي يستحق أن يمنح أيام أكثر ليشاهده أكبر عدد من الجمهور- عرضا أنيقا مطعما برقصات زخرفية مستوحاة بدقة وجمال من عالم فريدا الخيالي الساحر .
عرض يحسب للمخرجة المبدعة سالي أحمد، ويمثل فرجة راقية متكاملة الأبعاد يجمع ما بين متعة الصورة وخفة ومرونة الحركة، والتعبير الدرامي الصامت المبني على حبكة درامية عميقة وإن بدت بسيطة.
اضافة لأداء ساحر – دون فذلكة ولا ابتذال – من مجموعة الراقصات والراقصين الذين أثروا العرض بشكل رائع وخاصة ممن قدمن شخصية فريدا في كافة تحولاتها (ريم أحمد ، روان صلاح ، رشا الوكيل ، رحمة عصام ، حبيبة سيد ، يمنى مسعد ، شيرلي أحمد) ، والشاب الذي وقع على عاتقه – تقريبا- كل حالات الأداء الرجالي، وخاصة شخصية ديجو ريفيرا، والتي احسن تجسيدها حركيا (عمرو البطريق ).
إضافة إلى بقية الراقصات اللاتي أدين أدوارهن بتوازن وأناقة ومهارة جسدية عالية، وهن ( بسنت ايهاب ، مرام حسني ، ملك ناجي ، تينا لطيف ، ميرنا عماد ، شهد محمد ، ماهينور أحمد ، فرح أحمد ، رولا عماد ، شيماء ، وكرمينا )
إضافة إلى مجموعة الشباب الراقصين الذين ملأوا المكان مرحاً وصخبا جميلا بحركاتهم الرشيقة وهم ( أحمد محمد ، ميدو سمير ، مينا ثابت ، محمد علي، كريم أسامة ، كريم علي، محمد الجمل ، عبد الرحمن ).
فريق العرض:
رئيس الإدارة المركزية لشئون خشبة المسرح: محمد حجاج
إشراف على تنفيذ الديكور والملابس : محمد الغرباوي.
مدير عام الورش الفنية : أحمد زايد
ديكور: شرين سميح
إكسسوار : حسام أحمد ، محمد عبد الرؤوف
تنفيذ ملابس : هبة اسماعيل
إكسسوار : مها الفولي
اكسسوار ملابس: كريستين كمال
صوت : محمود عبد اللطيف
ادارة مسرحية : محمد حمدان
ماكيير : احمد فكري، محمد فكري
مساعد مخرج: عمر عاطف ، محمد عبد العزيز
إدارة: محمد مصطفى
إدارة مالية : عمرو محمود عبد الفتاح
تصميم دعاية : مصطفى عوض
المدير الفني : وليد عوني