” المسرح في مواجهة الجائحة: تهديد في الوجود أم اهتزاز للصورة/ د. مشهور مصطفى
ملخص من مداخلة الباحث الأكاديمي اللبناني د. مشهور مصطفى ” المسرح في مواجهة الجائحة: تهديد في الوجود أم اهتزاز للصورة” التي قدمها ضمن فعاليات الندوة الفكرية:”المسرح في زمن المخاطر” المصاحبة للدورة 22 لأيام قرطاج المسرحية (4 ـ 12 ديسمبر 2021) وسيتم نشر المدخلة كاملة ضمن كتاب ستشهر كل من اللجنة المنظمة للأيام بتعاون مع الهيئة العربية للمسرح
***************
المسرح ضرورة تنبع من المأزق الوجودي للإنسان. ابتكر الإنسان المسرح منبثقا من احتفالات طقوسية اولا لكي يستمر في مسرحة وجوده ليجيب نفسه عن التساؤلات الكبرى والمصيرية ضد الموت ومآسي العيش. جاءت جائحة كورونا مؤخرا لتسلب المسرح هذه الضرورة وتقول لنا واجهوا مصائركم من الآن فصاعدا بدون المسرح أو بدون هذا السلاح. إنكم وجها لوجه إزاء الموت والأزمات بدون الفن المسرحي الذي تستقوون به على الفناء والرعب.
اذا هددت الجائحة المسرح في أصله ووجوده وكيانه. وتداعينا نحن المسرحيين لإيجاد آليات للتعامل مع هذا الخطر الداهم وألتي بقيت مرتجلة ومؤقتة وغير كافية، حيث لجأنا إلى إخراج رصيدنا الفني من مخابئه وبثثنا العروض المصورة عبر الفيديو وبواسطة وسائل التواصل الاجتماعي بعد أن تعطل الإنتاج والعرض لوقت ليس بقصير.
هذا الأمر لن يعوض بتاتا الخسارة ولن يملأ الفراغ الحاصل وليس بديلا عن المسرح الحي وتساءلنا :هل سيقلع المسرح مجددا ويستمر هكذا دون جمهور ودون متفرج؟
قطعا لن تكون المنظومة الجديدة للعروض المسرحية بديلا عن السابقة لأن المسرح يفقد طعمه إذا صورناه وأفلمناه لأنه فن وجودي ولحظوي واذا انتزع من الملح طعمه فبماذا نملح طعم الحياة؟
ولا يكفي ان نمسرح النتائج الناجمة عن الجائحة نصا او عرضا مسرحيا فيما بعد اذا عادت الأمور إلى طبيعتها وحيث انصرف مسرحي ن كثر في العقود السابقة إلى هذا التدبير عندما مر المسرح بأزمات الطاعون والحروب وغيرها من أخطار. بل يجب التفكير جديا هذه المرة في حلول جذرية فيما لو طال الحجر وطال أمد الوباء بحيث سيمنعنا من اتيان الفعل المسرحي من أساسه:ما هي البدائل والحلول؟
وانطلاقا من هذا التهديد للمسرح في وجوده نرانا إزاء مسرح بدون جمهور وأمام جمهور بدون مسرح.
ونخلص إلى القول :ان يلجأ المسرحيون إلى مسرحة الآثار الناجمة عن المخاطر من خلال التفكير الفلسفي فيها وعليها ومن خلال الإبداع في التأويل الفني لمعنى الوجود البشري هو عمل ممتاز لكنه غير كاف بتاتا. آنه لا يعدو كونه هروبا إلى الأمام.
عندما تهدد المخاطر المسرح في وجوده وبقائه أجزم انه سيلزمنا خطوات جبارة تتعدى الإكتفاء بمسرحة الأسئلة الوجودية التي تأثيرها.
عند حصول الكوارث والحروب والإضطرابات تغدو الحياة مسرحا حيث تطفو اشياء الحياة على السطح. وهل سيستطيع المسرح ان يمسرح ما قد غدا مسرحيا اكثر من المسرح؟
اعتقد أن هذا هو المأزق الذي يغرق فيه المسرح حاليا وأنه مأزق وجودي وعليه ان يرمم ذاته قبل أن يعود ليستأنف وظيفته التي وجد من أجلها.